بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته أجمعين.

مقدمة   

      لقد اعتنى ملوك الدولة العلوية الشريفة بالعلم والعلماء عامة، وعلم الحديث النبوي الشريف خاصة، وقد بلغ هذا الأخير أوج قوته وازدهاره في عهد المولى الحسن الأول العلوي (1311هـ) ^([1])، كيف لا؟ وهو الذي عُرف عنه كغيره من سلاطين الدولة العلوية الشريفة بالجد والاجتهاد،  وخدمته للعلم، ونشره، بل ورعايته للعلماء وتعظيمه لهم،  لأجل هذه الأهمية خصصت له هذا المقال للحديث عن عناية المولى الحسن الأول بعلم الحديث،  وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق والسداد:

        لقد عرفت الحركة العلمية في عهد المولى الحسن الأول أوج قوتها وازدهارها مثلما كانت في العهد السابق، حيث لم يشغله القيام بمهام شؤون الدولة عن العلم وطلبه، ومنه علم الحديث النبوي الشريف، فازدهرت حلقاته، ونشطت كراسيه ومجالسه، سواء في القصور ، أو المساجد، أو الزوايا، حيث كان يستدعي لها العلماء من كل حدب وصوب، يدرسون الكتب الستة والموطأ في نحو ستة وثلاثين مجلسا طوال عهد ملكه لا تنقطع أبدا ^([2])

ومن بين الكراسي العلمية الحديثية التي اشتهرت في عهده؛ كرسي الورياكلي بجامع القرويين بفاس وقد تصدى للتدريس به في عهده العلامة المهدي ابن سودة (1294هـ) ^([3]) ، الذي نصبه لرئاسة مجالسه الحديثية، قال محمد بن جعفر  الكتاني في سلوة الأنفاس عنه: “وكان يقرأ البخاري في الأشهر الثلاثة مع السلطان مولانا عبد الرحمن، ثم مع ولده السلطان سيدي محمد، ثم مع ولده السلطان مولانا الحسن، إلى أن توفي في حياته بفاس عشية الخميس رابع رمضان..”  ^([4])

ومن المجالس العلمية  المعروفة في عهده كذلك على سبيل المثال مجلس العلامة الشيخ الفضيل ابن الفاطمي (1318هـ) الذي كان يسرد الصحيح الجامع في الأشهر الحرم الثلاثة ويقرر غوامضه، ويوضح مشكله، ويطبق أصوله على الفروع المالكية^([5]). ومجلس الشيخ المعطي بن محمد بن الهادي ابن عبود المكناسي (1330هـ) الذي كان يسرد فيه الذخيرة المعطوية، وتفسير الثعلبي، وسيرة الكلاعي النبوية، وصحيح البخاري في رجب وشعبان ورمضان^([6])

وقد كان هذا الملك العظيم شغوفا بالجامع الصحيح للبخاري، ومن شدة اهتمامه به وتعظيمه له، أنه عندما بنى قصره بالرباط، دشنه بحفل عظيم، ختم فيه صحيح البخاري، بمحضر رجال الدولة وعلمائها ^([7])  ، ومن اهتمامه به أيضا أنه كان يقيم حفلات ختمه، وسرده، وتدريسه، حاضرا ومسافرا ،كما فعل ذات مرة وقد حل بالرباط خلال شهر رمضان، فأتم صيامه وأحيا العيد بها، وغمر  الجند، والأيتام، والأرامل، والأشراف، والعلماء ، وذوي الحيثيات، والأعيان، وسائر الموظفين الدينيين، وغيرهم، وختم صحيح الإمام البخاري.. ^([8])

كما كان شديد العناية بالعلماء عامة، ومنهم علماء الحديث خاصة، ومن بين أوجه عنايته بهم،  ظهيره الشريف الذي أصدره للقاضي الشهير الشيخ المهدي ابن سودة وقرابته بالتوقير والاحترام، اعترافا بأياديه على العلم، وملازمته للدروس السلطانية الحديثية، مع هذا السطان أعلى به من قدر العلماء ^([9])

     هذه بعض أوجه عناية المولى الحسن الأول العلوي بالحديث النبوي الشريف باختصار  دون التطرق إلى ذلك بتفصيل، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، والحمد لله رب العالمين.

****************

هوامش المقال:

([1])  هو أمير المؤمنين المولى الحسن الأول بن سيدي محمد بن مولي عبد الرحمن بن مولاي هشام بن سيدي محمد بن مولاي عبد الله العلوي الحسني، اختلف العلماء في تاريخ مولده بالسنوات الميلادية؛ فقيل  1831م وحتى عام 1843م ، نشأ السلطان المولى الحسن الأول تنشئة حسنة في حجر جده السلطان أبي زيد عبد الرحمن بن هشام، فحرص على تأذيبه وتهذيبه، وكان يختار لتعليمه صفوة من الأساتذة الأعلام، كما اعتنى به والده بعد وفاة جده، واهتم بتعليمه، فكان والده يستخلفه في مهام كثيرة، كما دربه على الحملات العسكرية التي قاد الكثير منها، بويع بالخلافة بعد وفاة والده السلطان محمد بن عبد الرحمن عام 1290ه، قال الناصري: ” وكان رحمه الله من خيار الملوك العلوية وأفاضلهم بما نشر من العدل وأصلح من الرعايا وأبقى من الآثار بالمغرب وثغوره”، توفي رحمه الله ليلة الخميس، ثالث من شهر ذي الحجة الحرام، متم عام أحد عشر وثلاثمائة وألف، على مقربة من وادي العبيد، من أرض تادلا. آثرت الاختصار في ترجمته لشهرته، ومما وقفت عليه ممن ترجم له: الاستقصا للناصيري (9 /206-207)، إتحاف أعلام الناس لابن زيدان (2/ 145 فما بعدها)،  الدرر الفاخرة بمآثر الملوك العلويين بفاس الزاهرة (ص: 97 فما بعدها)، موسوعة أعلام المغرب (8/ 2797)، المغرب الأقصى في عهد الحسن الأول (ص: 61 فما بعدها)، الحياة الأدبية في المغرب على عهد الدولة العلوية لمحمد الأخضر (ص: 393 فما بعدها)

([2])  انظر مقال: المجالس الحديثية في عهد الدولة العلوية ليوسف الكتاني (ص: 47).

([3])  انظر:  دور الوقف في الحياة الثقافية بالمغرب  للسعيد بوركبة(2/ 16).

([4])  سلوة الأنفاس للكتاني (1/ 344).

([5])  انظر:  دور الوقف في الحياة الثقافية بالمغرب  للسعيد بوركبة(2 /31).

([6])  انظر:  دور الوقف في الحياة الثقافية بالمغرب  للسعيد بوركبة(2/ 33).

([7])  انظر:  مدرسة الإمام البخاري بالمغرب ليوسف الكتاني (1 /391)

([8])  انظر:  مدرسة الإمام البخاري بالمغرب ليوسف الكتاني (1 /391-392)

([9])  ينظر نص الظهير في: الدرر الفاخرة (ص: 109).

***************

لائحة المراجع المعتمدة:

إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس. لعبد الرحمن بن زيدان. تحقيق: علي عمر. مكتبة الثقافة الدينية القاهرة. ط1/ 1429هـ- 2008م.

الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى. تحقيق وتعليق: جعفر الناصري- ومحمد الناصري. دار الكتاب الدار البيضاء. 1418هـ – 1997م.

الحياة الأدبية في المغرب على عهد الدولة العلوية. لمحمد الأحضر. دار الرشاد الحديثة الدار البيضاء. ط1/ 1977م.

الدرر الفاخرة بمآثر الملوك العلويين بفاس الزاهرة. لعبد الرحمن ابن زيدان.  المطبعة الاقتصادية بالرباط 1356هـ- 1937م

دور الوقف في الحياة الثقافية بالمغرب في عهد الدولة العلوية. للسعيد بوركبة. مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بأمر من صاحب الجلالة أمير المؤمنين الحسن الثاني رحمه الله. ط 1417هـ- 1996م.

سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس. لمحمد بن جعفر بن إدريس الكتاني.  تحقيق: عبد الله الكامل الكتاني- حمزة بن محمد الطيب الكتاني- محمد حمزة بن علي الكتاني. دار الثقافة الدار البيضاء. ط1/ 1425هـ- 2004مـ

مدرسة الإمام البخاري في المغرب. ليوسف الكتاني. دار لسان العرب بيروت. (د.ت).

المغرب الأقصى في عهد السلطان الحسن الأول. لمحمد العربي معريش. دار الغرب الإسلامي بيروت. ط1 / 1989م.

مقال: المجالس الحديثية في عهد الدولة العلوية. ليوسف الكتاني. منشور في دعوة الحق العدد 227/  1403هـ 1983.

موسوعة أعلام المغرب. تنسيق وتحقيق: لمحمد حجي. دار الغرب الإسلامي بيروت.

*راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور