مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

عناية المغاربة بعقيدة ابن أبي زيد القيرواني(2):

 

ذ. عبد الرحيم السوني:

باحث بمركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك.

بالرجوع إلى قسم العقيدة في الرسالة، نرى أن هذا الجزء ـ على الرغم من صغر حجمه ـ فإنه يمثل نموذجا للتوحيد الخالص الذي كان عليه السلف الصالح.والذي يجب التنبيه عليه هنا، هو أن الشيخ ابن أبي زيد لم يكن غرضه بهذه العقيدة التي صدّر بها رسالته أن يُنظِّر لمسائل علم الكلام، وإنما وضعها للطلبة المبتدئين ، بغرض تنبيههم إلى أهم مسائل الاعتقاد بأسلوب ميسر مناسب لمداركهم،يشهد لذلك قوله أثناء مخاطبته لشيخه محرز وبيانه للقصد الذي جعل هذا الأخير يطلب منه تأليف الرسالة: “لِما رغبت فيه من تعليم ذلك للولدان، كما تعلمهم حروف القرآن ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله وشرائعه ما ترجى لهم بركته، وتحمد لهم عاقبته، فأجبتك إلى ذلك لما رجوته لنفسي ولك من ثواب من علم دين الله أو دعا إليه”. [الرسالة]. كما يتعين أن نأخذ بعين الاعتبار بأن الرسالة هي أولى تآليف الشيخ ابن أبي زيد، يقول الدباغ :”وأول تواليفه: الرسالة ، كان الشيخ أبو إسحاق السِّبائي سأله وهو في سن الحداثة أن يؤلف له كتابا مختصرا في اعتقاد أهل السنة مع فقه وآداب ليتعلم ذلك أولاد المسلمين،فألّف الرسالة وذلك سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وسنه إذ ذاك سبع عشرة سنة ” ، وإن كان المشهور أن الذي طلب منه تأليفها هو الشيخ محرز وليس السبائي [انظر معالم الإيمان 3/ 114].

 إن عقيدة الرسالة قد بيّنت أهم معالم التوحيد التي كان عليها السلف الصالح من هذه الأمة، وهي من أهم المتون التي استند عليها السادة الأشاعرة بمن فيهم المغاربة ،ويتضح هذا من خلال مجموعة من الأمور التي تعرض إليها الشيخ في عقيدته؛ كمسألة كون العمل شرط كمال في الإيمان وليس داخلا في ماهيته،وكمسألة عدم تكفير مرتكب الكبيرة،وغير ذلك.كما أن كثيرا من الحقائق التاريخية تؤكد أن الشيخ كان على صلة بمذهب أبي الحسن، وهو ما يفسر لنا العناية الكبيرة التي أولاها الأشاعرة لهذه العقيدة،. فسُنِّية عقيدة الرسالة المعروفة بعقيدة ابن أبي زيد هي ما جعلها تحظى بعناية واهتمام جمهور الأشاعرة في مختلف الأقطار الإسلامية، حيث أفردوها بالعديد من الشروح، وهذه الشروح منها ما أفرد بقسم خاص، ومنها ما هو مُدرج ضمن الشروح الكاملة للرسالة وهذا هو الغالب، والذي ينظر في هذه الشروح يدرك مدى العناية الكبيرة التي لاقتها عقيدة ابن أبي زيد وحظيت بها من قِبل علماء العديد من الأقطار الإسلامية . ومن بين الشروح غير المغربية التي أقيمت عليها نذكر على سبيل المثال: شرح القاضي عبد الوهاب البغدادي (ت422هـ) الموسوم بـ “شرح عقيدة الإمام مالك الصغير”، وشرح الشيخ أبي بكر عبد الله بن طلحة نزيل إشبيلية، [استوطن مصر ورحل إلى مكة وتوفي بها حوالي (516هـ)] وهذا الشرح قد اقتصر فيه صاحبه على مسائل الاعتقاد في الرسالة، بالإضافة إلى كتاب “النكت المفيدة في شرح الخطبة والعقيدة”؛ للشيخ  محمد بن سلامة الأنصاري (ت746هـ)، وشرح الشيخ قاسم بن عيسى بن ناجي التنوخي القيرواني (ت837هـ)، وتحرير المقالة في شرح الرسالة؛ للقاضي أحمد القلشاني (ت863هـ) وقد طبع منه قسم العقيدة في جزء مستقل بتحقيق الأستاذين: الحبيب بن طاهر، ومحمد المدنيني، نشرته مؤسسة المعارف، بيروت ـ لبنان 2008م، وغير ذلك من الشروح المقامة على عقيدة ابن أبي زيد، وهي شروح تتوافق وتتوحد من حيث توجهها العقدي؛ إذ إنها كلها ذات منحى أشعري لا تخرج عما كان عليه السلف الصالح.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق