مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

عناية المغاربة بالعقيدة الأشعرية

 

الدكتور عبد الخالق أحمدون (أستاذ جامعي بمدينة طنجة)

   تشكل العقيدة الأشعرية أحد الثوابت الدينية التي استقر عليها المغاربة منذ زمن بعيد إلى يومنا هذا، إلى جانب الفقه المالكي والتصوف السني المعتدل. وقد كان لملوك العلويين دور بارز في ترسيخ هذه العقيدة في نفوس المغاربة، وحض الرعية على الالتزام بها، وتشجيع العلماء والدارسين وطلبة العلم على الاشتغال بها ونبذ ما سواها، لأنها عقيدة توافق الحق وأصول الإسلام في نقائه وصفائه وطهره وسموه واعتداله.
   وقد توجهت رسالة المجالس العلمية بالتوجيهات الملكية السديدة للقيام بمهامها الدينية والتربوية والأخلاقية بما يحافظ على الهوية الوطنية والأصالة المغربية القائمة على الثوابت الثلاثة: العقيدة الأشعرية، والفقه المالكي، والطريقة السنية المعتدلة في السلوك، والتربية الإيمانية الصوفية النقية، التي طبعت المغاربة منذ أمد بعيد «بطابع الصلاح والاستقامة، ورسخت فيهم معاني السمو والرقي والإشراق الفكري والمعرفي، في إطار الدفاع عن قيم الإسلام ومقدساته، والجهاد من أجل إعلائه والتمكين له»[1].
   وينتسب المذهب الأشعري إلى مؤسسه أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري البصري البغدادي (ت.324ﻫ)، المتكلم النظار، الذي كان فيما قال عنه ابن عساكر الدمشقي (ت.571ﻫ): «أشد العلماء اهتماماً بعلم الكلام، وألدهم لمن حاول الإلحاد في أسماء الله وصفاته خصاماً، وأمدهم سناناً لمن عاند السنة، وأحدهم حساماً وأمضاهم جناناً عند وقوع المحنة وأصعبهم مراماً، ألزم الحجة لمن خالف السنة والمحجة إلزاماً، فلم يسرف في التعطيل، ولم يغل في التشبيه، وابتغى بين ذلك قواماً، وألهمه الله نصرة السنة بحجج العقول، حتى انتظم شمل أهلها به انتظاماً، وقسم الموجودات من المحدثات أعراضاً وجواهر وأجساماً، وأثبت لله سبحانه ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات إعظاماً، ونفى عنه ما لا يليق بجلاله من شبه خلقه إجلالاً له وإكراماً، ونزهه عن سمات الحدث تغيراً وانتقالاً وإدباراً وإقبالاً وأعضاء وأجراماً، وائتم به من وفقه الله لاتّباع الحق في التمسك بالسنة ائتماماً»[2].
   ولقد استطاع المذهب الأشعري بما يملك من عناصر القوة والتحدي والثبات أن يتطور وينتشر في الأقطار الإسلامية، ويبسط نفوذه في أقاصي البلدان، وأن يحقق نجاحاً كبيراً في الأوساط العلمية والشعبية بالمغرب، يفسره النسق العقدي الذي يتحرك فيه الفكر الأشعري في إطار من الانسجام بين جوانبه وجزئياته ودقائق مفاهيمه، الذي تحكمه رؤية منهجية معينة، ويطبعه اختيار عقدي متميز، رسمت خطوطه العريضة نصوصه الكلامية المبثوثة في كتب أبي الحسن الأشعري، ومنها كتابه “الإبانة عن أصول الديانة”.
وقد لخص الأشعري مذهبه الكلامي في الباب الأول من كتابه المذكور حيث جاء فيه: «قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا عليه السلام، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون… وأنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاءوا به من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نرد من ذلك شيئاً، وأن الله عز وجل إله واحد لا إله إلا هو فرد صمد، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن الله مستو على عرشه كما قال (الرحمن على العرش استوى)، وأن له وجهاً كما قال  (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)، وأن له يدين بلا كيف كما قال (خلقت يدي)، وكما قال  (بل يداه مبسوطتان)، وأن له عينين بلا كيف كما قال  (تجري بأعيننا)، وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالاً، أن الله علماً كما قال (أنزله بعلمه)، ونثبت لله السمع والبصر، ولا ننفي ذلك كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج، ونثبت أن لله قوة كما قال  (أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة). ونقول: إن كلام الله غير مخلوق، وإنه لم يخلق شيئاً إلا وقد قال له كن كما قال  (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون)، وأنه لا يكون في الأرض شيء من خير وشر إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله عز وجل، وأن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله، ولا يستغني عن الله، ولا يقدر على الخروج عن علم الله عز وجل، وأنه لا خالق إلا الله، وأن أعمال العباد مخلوقة لله مقدرة كما قال (خلقكم وما تعملون)، وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً وهم يخلقون كما قال  (هل من خالق غير الله)، وأن الله وفق المؤمنين لطاعته ولطف بهم ونظر إليهم وأصلحهم وهداهم، وأضل الكافرين ولم يهدهم ولم يلطف بهم…»[3].
   ولعل ما يتميز به الأشاعرة هو ذلك الاقتناع الفكري الشديد بضرورة النظر العقلي في مسائل العقيدة وأصول الدين، وهم يختلفون في اعتبار ذلك واجباً عينياً على كل فرد مؤمن، أو فرضاً كفائياً لا يقوم به إلا من ملك أهلية النظر دون العوام من الناس. فعلى الرأي الأول ذهب الباقلاني وأبو إسحاق الإسفراييني وإمام الحرمين الجويني، وعلى الرأي الثاني ذهب أبو حامد الغزالي الذي قال بإلجام العوام عن علم الكلام والاقتصاد في علم الاعتقاد.
   ولقد استطاع المذهب الأشعري أن ينتشر في الأقطار الإسلامية بفضل أتباعه من العلماء المشهورين في المشرق والمغرب أمثال أبي بكر الباقلاني، وأبي بكر بن فورك، وأبي إسحاق الأسفراييني، وإمام الحرمين الجويني، وأبي حامد الغزالي، والفخر الرازي، والإمام البيضاوي، وعضد الدين الأيجي، والسعد التفتازاني، والقاضي عياض، وأبي الوليد الباجي، وأبي عمران موسى الفاسي، وأبي بكر بن العربي المعافري، ومحمد بن تومرت الموحدي، وأبي الحسن القابسي، والإمام المازري التونسي، وأبي الحجاج يوسف بن موسى الكلبي المراكشي الضرير، وأبي عمرو السلالجي، وأبي الحسن علي ابن خمير السبتي، وأبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي، وعبد الواحد بن عاشر، وأبي الحسن اليوسي، وأبي العباس أحمد بن المبارك اللمطي السجلماسي، وأبي حامد العربي الفاسي، وغيرهم من الجهابذة الأعلام الذين حملوا لواء المذهب الأشعري، وكان لهم اليد الطولى والفضل الكبير في انتشاره بين أهل العلم من الشيوخ والطلبة، والعناية به تأليفاً وشرحاً وتدريساً وتعليقاً.
   لقد عرفت البيئة المغربية كثيراً من الفرق والمذاهب الكلامية كالمعتزلة والخوارج والشيعة، وكان لهذه الفرق حضور قوي في إثارة النقاش حول القضايا الكلامية، وإذكاء روح المناظرة والحوار والجدل في أمور العقيدة. وإلى جانب ذلك كان الفقه المالكي حاضراً بثقله، حيث تعلق المغاربة به وبصاحبه إمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحي الذي كان له موقف واضح متميز في مواجهة القضايا العقدية، يتسم بالابتعاد عما يشوش عقيدة المسلم الصافية، واجتناب الجدل في الذات الإلهية وصفاتها، والنهي عن التعلق بالتشبيه والتمثيل، وتنزيه العقيدة عن التأويل. وهو الذي اشتهرت عنه المقولة التي كان يروجها الطلبة وإلى اليوم: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة»، وكان يرد الآيات المتشابهات إلى ما هي عليه من غير تأويل ويقول: «إنما أهلك الناس تأويل ما لا يعلمون»[4]. ومع ذلك فقد ألف رسالة لتلميذه عبد الله بن وهب في القدر أثبت فيها أن الإنسان مجبر على أفعاله وأن قضاء الله وقدره هو السابق والفاعل الأوحد، استناداً إلى مجموعة من الأحاديث[5].
   ولقد تميز الجيل الأول من تلامذة مالك بالحيطة والحذر والاكتفاء بالدفاع عن أصول العقيدة، وكانت مواقفهم العقدية تمليها ردودهم على الخصوم من الخوارج والمرجئة والمعتزلة. ومن هؤلاء: أبو محمد الغازي بن قيس (ت.199ﻫ)، وزيد بن عبد الرحمن الشهير بشبطون (ت.193ﻫ)، وعبد الله بن فروخ، وعلي بن زياد، والبهلول بن راشد، وأسد بن الفرات. في حين ظهر جيل آخر اشتغلوا بالرد على الفرق، وألفوا في ذلك رسائل ردوا بها على الخوارج من صفرية وأباضية، وعلى المعتزلة، والشيعة الإسماعيلية. ومن أشهرهم: عيسى بن دينار (ت.212ﻫ)، ويحيى بن يحيى الليثي (ت.234ﻫ)، ومحمد بن سحنون، وسعيد بن الحداد، وابن أبي زيد القيرواني (ت.386ﻫ).
   وعلى العموم، فقد تمكن هذا الجيل من تأسيس نسق عقدي منسجم مع المذهب المالكي ومبادئه السنية الواضحة. ولعل مقدمة ابن أبي زيد القيرواني التي صدر بها رسالته الشهيرة توضح بشكل ملموس الخط العقدي الذي سار فيه أتباع المذهب المالكي، ودافعوا عنه بالحجج والبراهين والأدلة النقلية والعقلية في مواجهة الفرق الكلامية. وإذا كانت هذه المقدمة العقدية لا تخرج بصفة عامة عما قرره السلف الصالح في مسائل العقيدة، إلا أنها تشتمل على مسائل تحمل النفس الأشعري، مثل القول بأن الله فوق عرشه بذاته وهو في كل مكان بعلمه[6].
   وقد كان المغاربة على العموم أميل إلى مذهب أهل الحديث والرعيل الأول من السلف الصالح في عدم التأويل وإقرار الصفات المتشابهة، وترك الخوض في الكلام جملة[7]، فظلوا أوفياء لطابعهم السلفي الواضح في الوقوف عند حرفية النص واتباع سنة السلف الصالح، وابتعدوا كل البعد عن التأويل العقلي لمسائل العقيدة. وقد ساهم المذهب المالكي في ترسيخ هذه العقيدة[8]، وتمكنت رسالة ابن أبي زيد القيرواني من فرض هيمنتها على الساحة العلمية ومجالس الدرس والمناظرة، إلى أن ظهر جيل من المالكية تشربوا المذهب الأشعري وقرءوا الرسالة وشرحوها شرحاً أشعرياً، مما دفع البعض إلى اعتبار ابن أبي زيد أشعرياً. وإن كانت هذه الدعوى تحتاج إلى نظر، فإن ما لا يمكن إنكاره أن ابن أبي زيد التقى بأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد المؤمن تلميذ ابن مجاهد البصري الذي تتلمذ بدوره على أبي الحسن الأشعري، وعمق معرفته بالعقيدة الأشعرية، وأبلغه نظريات علم الكلام وقضاياه في المجتمع الشرقي ومواقف الأشاعرة منها ورأيهم فيها وردودهم على مخالفيهم، فكان بمثابة الشيخ في هذا الميدان لابن أبي زيد. وكان أول صدامه في مجال الاحتكاك الفكري والنظر العقلي في علم الكلام مع علي بن إسماعيل البغدادي المعتزلي الذي بعث برسالة إلى علماء القيروان يدعوهم فيها إلى طرح المذهب الأشعري السني والأخذ بالاعتزال، وقد أحدثت هذه الرسالة ضجة كبيرة واستنكاراً في الوسط السني في ذلك الوقت، وكان ابن أبي زيد أول من جرد قلمه للرد عليها[9] برسالة سماها “الرد على القدرية ومناقضة رسالة البغدادي المعتزلي”[10]. إضافة إلى ذلك، فإن ابن عساكر الدمشقي نقل شهادة ابن أبي زيد القيرواني في حق أبي الحسن الأشعري قال فيها:«رجل مشهور، إنه يرد على أهل البدع وعلى القدرية والجهمية، متمسك بالسنن»[11]. غير أن هذا لا يكفي في تأكيد أشعرية ابن أبي زيد، خاصة وأنه كتب “رسالة إلى طالب العلم” يرفض فيها الاشتغال بعلم الكلام والنظر العقلي وينصحه فيها بقوله: «فاحذر ثم احذر خلطة أهل الجدل والكلام، فإن وجدت من صالحي رواة الحديث وأهل الفقه فخالطهم دون غيرهم»[12].
   هناك إشارات قليلة في كتب التاريخ والطبقات تفيد بأن المذهب الأشعري دخل إلى المغرب في وقت مبكر، وأن فقهاء المالكية كان لهم دور كبير في ترسيخ هذا المذهب في الغرب الإسلامي عموماً والمغرب على وجه الخصوص. فقد ذكر ابن عساكر أن الإمام القاضي أبا بكر محمد بن الطيب الباقلاني (ت.403)، خلف بعده من تلامذته جماعة كثيرة تفرقوا في البلاد أكثرهم بالعراق وخراسان، ونزل منهم إلى المغرب رجلان، أحدهما أبو عبد الله الأذري، والثاني أبو الطاهر البغدادي الواعظ الناسك، وقد راج المذهب على يديهما رواجاً في إفريقية والمغرب[13]. يقول عبد المجيد النجار: «وقد كان ظهور الباقلاني رائد المذهب الأشعري عنصراً مهماً في إقبال أهل المغرب على تعلم الأشعرية ونقلها إلى بلداهم، وذلك لأن الباقلاني كما كان رأس الأشعرية، كان أيضاً رأس المالكية بالمشرق، وهو كان حافزاً للمتعلمين المغاربة كي يشدوا إليه الرحال لطلب فقهه، وكانوا يأخذون مع ذلك منهجه الأشعري في العقيدة»[14].
   ومن العلماء المالكية البارزين الذين حملوا لواء الأشعرية بالأندلس نجد أبا الوليد الباجي (ت.474) الذي دافع عن الباقلاني وآرائه الكلامية، ورد الشبهات التي ألصقها خصومه، خاصة فيما يتعلق بمسألة طريان الأعراض على الجوهر. وتبدو أشعرية الباجي واضحة جلية في كتبه، خاصة رسالته في الحدود التي اعتمد فيها كثيراً على آراء الباقلاني. وفيما يتعلق بمسألة الإمامة، نجد أبا الوليد الباجي ينحو فيها منحى أشعرياً، ويؤكد على ضرورة طاعة الخليفة وملازمة الجماعة، وإن كان الخليفة جائراً، فإن ظلمه أهون على الناس من الفتنة، فهو ينصح ولديه قائلاً: «عليكما بطاعة من ولاه الله أمركما، لا معصية فيه لله تعالى، فإن طاعته من أفضل ما تتمسكان به وتعتصمان به ممن دعاكما، وإياكما والتعريض للخلاف لهم والقيام عليهم، فإن فيه العطب العاجل والخزي الآجل، فالتزاماً الطاعة وملازمة الجماعة، فإن السلطان الجائر أرفأ من الفتنة وانطلاق الأيدي والألسنة..»[15].
   وخلال حكم المرابطين سينحصر المد الأشعري قليلاً، ويتراجع الفكر العقدي في اتجاه التأويل العقلي على طريقة الأشعرية، لتهيمن الطريقة السلفية في إمرار النصوص على ظاهرها، ويسود مذهب أهل السنة، وسيظهر خصماً جديداً للمذهب الأشعري، وهو أحد زعماء المذهب المالكي  في الأندلس! القاضي أبو الوليد بن رشد الجد (ت. 520ﻫ)، الذي سيوجه إليه السلطان أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين أسئلة في شأن أتباع هذا المذهب الجديد، ويقصد مذهب أبي الحسن الأشعري، ممن ينتحلون علم الكلام ويتكلمون في أصول الديانات أهم أئمة رشاد وهداية أم هم قادة حيرة وعماية؟، وكان الاتجاه العام يسير إلى رفض هذا المذهب، بل إلى تكفير كل أشعري والتبرؤ من مقالته، ورميه بالضلالة والخوض في الجهالة. وكان ابن رشد في جوابه من جهة متأدباً مع أتباع هذا المذهب، معتبراً قدرهم، عارفاً بفضلهم وعلمهم، لأنهم قاموا بنصر الشريعة وأبطلوا شبه الزيغ والضلالة، وأوضحوا المشكلات، وبينوا ما يجب أن يدان به من المعتقدات. بل اعتبر من رماهم بالضلالة والجهالة غبي جاهل أو مبتدع زائغ، لذا وجب أن يبصر الجاهل منهم، ويؤدب الفاسق، ويستتاب المبتدع والزائغ عن الحق؛ ومن جهة أخرى عبر عن موقفه صراحة في وجوب الالتزام بما كان عليه السلف الصالح، والابتعاد عن التأويل العقلي في أمور العقيدة والاستدلال فيها على طريقة المتكلمين، لأنه «لا يؤمن من العنت راكبها والانقطاع على سالكها»[16]، ونبه الخليفة إلى وجوب إبعاد العامة عن الخوض في علم الكلام الأشعري، «فمن الحق الواجب على حسن من ولاه أمر المسلمين أن ينهي العامة المبتدئين عن قراءة مذاهب المتكلمين من الأشعريين ويمنعهم من ذلك غاية المنع، مخافة أن تنبو أفهامهم عن فهمها فيضلوا بقراءتها، ويأمرهم أن يقتصروا فيما يلزمهم اعتقاده على الاستدلال الذي نطق به القرآن ونبه عباده في محكم التنْزيل»[17].
   وهذا الرأي بالرغم من كونه جاء محكوماً بظروف سياسية خاصة إلا أنه لقي فيما بعد تجاوباً في أوساط العلماء، حتى من الأشعريين أنفسهم، حيث نبهوا على ضرورة إلجام العوام عن علم الكلام، لما فيه من خطر لا يؤمن، وشر لا يمكن الاحتراز منه. وقد عبر عن هذا الموقف العالم الكبير أبو حامد محمد العربي الفاسي في منظومته مراصد المعتمد فقال:
 
وحـــجــة الإســـلام وابــن رشــد  *****  وغيـــر هـذيـن مــن أهـــل الـجــد
قـــد مـنـعـــوهـــــم تعلــم النظــــر *****  على طريق القوم من أجل الخطر[18]

   ورغم هذا الموقف المعلن الرافض للمذهب الأشعري من قبل الدولة المرابطية، إلا أنه لم يستطع القضاء على هذا المذهب الذي سيرفع أحد العلماء المالكية البارزين في هذه الفترة لواءه، ونخص بالذكر الفقيه المالكي الكبير القاضي أبا الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي (ت.544ﻫ) الذي نحا في اتجاهه العقدي منحى أشعرياً، وكانت له صلة قوية بهذا المذهب. وتتجلى هذه الصلة من خلال كتابه “الشفا”، وكذلك في أخذه عن كثير من المتكلمين الأشاعرة، والمتحدث عن التيار الكلامي الأشعري في هذا العصر لابد أن تستوقفه سبتة بكثرة المتكلمين الذين كانوا يقيمون بها ومنهم: يوسف بن موسى الكلبي، وكان من المشتغلين بعلم الكلام على مذهب الأشعري، وله في ذلك تصانيف مشهورة كما يقول القاضي عياض عنه، وقد قرأ عليه أرجوزته الصغرى في الاعتقادات وحدثه بالكبرى[19]؛ وعبد الرحمن بن محمد الكتامي المعروف بابن العجوز[20]، وأبو محمد عبد الغالب بن يوسف السلمي، أخذ عنه الناس كثيراً بسبتة وكان متكلماً على مذاهب أهل السنة من الأشعرية[21]، والقاضي أبو القاسم عبد الرحمن المعافري، لقي الإمام الجويني بمكة، وعليه أخذ القاضي عياض[22]. يقول العلامة محمد بن تاويت الطنجي: «واحتجاج عياض المتكرر في كتاب “الشفا” بآراء أبي الحسن الأشعري وأبي بكر ابن فورك، وأبي المعالي إمام الحرمين الجويني يثبت كل ذلك صلته الوثيقة بمذهب الأشعرية وبكتبهم، وقراءته لمؤلفاتهم من الاعتقاد، ووصفه للباقلاني وأبي بكر ابن فورك بقوله: من أئمتنا، دال على أنه أشعري المذهب»[23]. ويؤكد الأستاذ ابن تاويت أن المدرسة التي أخرجت القاضي عياض وشيوخه الذين تعلم عليهم الكلام وأصول الدين كانت على علم بالجدل والمناظرة على مذهب أبي الحسن الأشعري، وأن كتب الأشاعرة في علم الكلام كانت معروفة بين رجالها يتدارسونها في كافة أنحاء المغرب[24].
   وفي هذه الفترة برز في الأندلس الفقيه المالكي الكبير أبو بكر محمد بن العربي المعافري (ت.543ﻫ)، أكبر شخصية مالكية أشعرية بالغرب الإسلامي، والذي سيتطور المذهب الأشعري على يديه تطوراً ملحوظاً، من خلال ما نقله من المشرق من كتب علم الكلام على طريقة الأشعرية، ونذكر منها على سبيل المثال: مدارك العقول، والعقيدة النظامية للجويني، ومحك النظر، والاقتصاد في الاعتقاد للغزالي، والجامعين الخفي والجلي للأسفراييني. ثم إن كتبه الكلامية تنطق بما لا يدع مجالاً للشك بكونه على مذهب الأشعرية ومدافعاً قوياً عنهم، ونذكر من كتبه: “الأمد الأقصى بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا”، “رسالة الغرة في الرد على كتاب الدرة لابن حزم”، “لعواصم من القواصم”، “كتاب المتوسط في معرفة الاعتقاد”، و”المقسط في شرح المتوسط”[25].
   وبعد المرابطين ستنشط دعوة المهدي محمد بن تومرت الموحدي (ت.524ﻫ)، ويتحول المذهب الأشعري مذهباً رسمياً للدولة، حيث رجع ابن تومرت إلى المغرب بأشعرية عميقة تلقاها من الغزالي،  واتخذها مطية سياسية لتثبيت الحكم الموحدي، فطعن على أهل المغرب إمرارهم المتشابهات كما جاءت، وحملهم على القول بالتأويل والأخذ بمذاهب الأشعرية في كافة العقائد، وأعلن بإمامتهم ووجوب تقليدهم[26]. يقول ابن خلدون: «وكان قد لقي بالمشرق أئمة الأشعرية من أهل السنة وأخذ عنهم واستحسن طريقتهم في الانتصار للعقائد السلفية والذب عنها بالحجج العقلية الدامغة في صدر أهل البدعة، وذهب إلى رأيهم في تأويل المتشابه من الآي والأحاديث، بعد أن كان أهل المغرب بمعزل عن اتباعهم في التأويل والأخذ برأيهم فيه اقتداء بالسلف في ترك التأويل وإقرار المتشابهات كما جاءت، ففطن أهل المغرب لذلك، وحملهم على القول بالتأويل والأخذ بالتوحيد»[27]. غير أن هذا التوجه في حركة ابن تومرت لم ينفصل عن أهدافه السياسية المعلنة بشكل بارز، فنراه يتذبذب في مواقفه بين خليط من الأفكار والمفاهيم ذات استمداد شيعي أو ظاهري أو معتزلي في بعض الأحيان، وهو أمر لفت انتباه الباحثين. يقول المراكشي: «وكان على مذهب أبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل، إلا في إثبات الصفات فإنه وافق المعتزلة في نفيها وفي مسائل قليلة غيرها، وكان يبطن شيئاً من التشيع غير أنه لم يظهر منه إلى العامة شيئاً»[28]. فبالرغم من تشبعه بأفكار كبار الأشاعرة كالكيا الهراسي والغزالي والطرطوشي، إلا أنه لم يكن أشعرياً خالصاً، حيث نجده يدعو إلى فكرة المهدوية الشيعية والعصمة، مما حدا ببعض الأشاعرة المتأخرين وهو الفقيه أبو الحسن علي اليوسي إلى الحكم عليه بالضلال[29]. يقول الأستاذ عبد المجيد النجار: «إن المهدي لم يكن أشعرياً خالصاً، ولا كان يتبنى الأشعرية على نحو ما كان يتبناها أعلامها، بل كان فقد آخذاً بجملة غالبة من آرائها متبعاً منهجها، مخالفاً لها في جملة أخرى بل ناقداً لها في بعض مسائلها تصريحاً أو تلميحاً؛ ولذلك، فإن دعوة المهدي إلى الأشعرية لم تكن دعوة لها كمذهب مستقل، وإنما هي دعوة تضمنتها دعوته إلى مذهبه المتكامل في العقيدة، فكانت بالقصد الثاني لا بالقصد الأول»[30].
   وفي علاقة المهدي بن تومرت بالفقه المالكي تضاربت الآراء في تحقيقها، فبينما يذهب البعض إلى القول بمالكية ابن تومرت، وأنه كان معجباً بالمذهب المالكي مفتتناً به، غير أنه كان يكره علماء المرابطين ورماهم بالجهل والطغيان والتجسيم والكفر، ولذلك هاجم سلفية الإمام مالك في التوحيد ولم يهاجمها علانية في الفقه[31]، وكان يسبح في خضم المالكية[32]. في حين ذهب البعض الآخر إلى التشكيك في مالكية ابن تومرت، وأنه كان يهدف من وراء دعوته في التوحيد إلى محو مذهب مالك من المغرب وحمل الناس على الظاهر من الكتاب والسنة[33]، وأن مسألة الظاهرية ليست آتية من عبد المومن ثم يوسف فقط، وإنما منشؤها الأصلي من ابن تومرت[34].
   غير أن هذا الحكم على سياسة ابن تومرت لا يمنع من القول: إن أفكار ابن تومرت الأشعرية لاقت رواجاً كبيراً، وظلت مصدراً أشعرياً لكثير من الآراء الكلامية يعتمد عليه لفترة زمنية طويلة، والإشارة هنا إلى عقيدة المرشدة التي حظيت باهتمام واسع من طرف العلماء وطلبة العلم والشراح، حتى قيل عنها: إنها مرشدة رشيدة لم يترك المهدي أحسن منها وسلية[35].  فقد لقيت صدى كبيراً في الأوساط العلمية في أماكن متفرقة، وتهافت العلماء على شرحها، ومن بين هذه الشروح نذكر:
–  شرح أبي عبد الله محمد بن خليل السكوني[36].
–  الدرر المشيدة في شرح عقيدة المرشدة لمحمد بن إبراهيم التلمساني (ت.792).
–  شرح أبي عبد الله محمد بن يوسف الخراط.
–  الدرة المفردة في شرح العقيدة المرشدة لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل الأموي المعروف بابن النقاش.
–  شرح أبي عبد الله محمد بن يحيى الطرابلسي.
–  شرح أبي زكريا يحيى التنسي.
–  شرح أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي.
–  شرح أبي عثمان سعيد بن عبد المنعم الحاحي.
   وقد كان المهدي بن تومرت يقوم بنفسه بتدريس وشرح ما كتبه من مؤلفات، ويلقن للناس ما ضمنه كتبه من الأفكار الكلامية، ويذكر ابن القطان الفاسي (ت.628ﻫ) بشيء من التفصيل المسائل التي كان يدرسها لطلبته، والأساليب التي كان يتبعها لإنفاذ أفكاره[37].
   ولما تولى عبد المومن بن علي الموحدي اعتنى بمؤلفات ابن تومرت وجمعها في سفر سماه “أعز ما يطلب”، وألزم الناس بقراءة أفكار ابن تومرت في العقائد بلسانهم وباللسان العربي[38]، وأصدر مرسوماً في ذلك جاء فيه: «يلزم العامة ومن في الديار بقراءة العقيدة التي أولها “اعلم أرشدنا الله وإياك” وحفظها وتفهمها»[39].
   وقد كان من نتائج هذه السياسة انتشار كتب المهدي بن تومرت بين الناس، قراءة وتدريساً وشرحاً في مختلف الآفاق المغربية، وظهور مدرسة مغربية ذات توجه أشعري في أصول التوحيد والعقيدة ضمت نخبة من العلماء الذين ساهموا بقدر وافر في تنشيطها وترسيخ أسسها وثوابتها كأبي الحسن علي بن محمد بن خليل الإشبيلي (ت.567ﻫ)، وأبي العباس أحمد بن عبد الرحمن بن الصغير الأنصاري (ت.559ﻫ)، وأبي علي عمر بن ملك المرساوي. وأبي عمرو عقمان بن عبد الله القيسي المعروف بالسلالجي (ت.564ﻫ) تلميذ الإشبيلي الذي رفع بعض المؤرخين درجته في علم الكلام بالمغرب إلى مرتبة أبي المعالي الجويني في المشرق، ووقع الإطباق على أنه عمدة أهل المغرب في علم الاعتقاد على طريقة أبي الحسن الأشعري، وأنه منقذ أهل فاس من التجسيم[40]. ويقول الأستاذ عبد الله ﮔﻨﻮن: «هو الذي على يده وقع تحول أهل فاس من المذهب السلفي في العقيدة إلى المذهب الأشعري، تبعاً للتيار العام الذي اكتسح المغرب بأكمله في هذا الأمر نتيجة لدعوة ابن تومرت»[41].
   وقد اقترنت شهرة السلالجي برسالته المسماة “العقيدة البرهانية”، لخص فيها عقيدة الأشعرية بطريقة سهلة التناول والحفظ، فتعاقب عليها كثير من العلماء بالتدريس والشرح كابن الكتاني وابن ناهض والخفاف وابن بزيزة واليفريني الطنجي والعقباني وأحمد بابا التمبكتي وغيرهم، وظلت محور الدرس في علم العقائد في المدارس والجوامع فترة طويلة من الزمن. ومن شروح البرهانية نذكر:
–  شرح أبي عبد الله محمد بن عبد الكريم الفندولاي الشهير بابن الكتاني (ت.577ﻫ).
–  إيضاح العقيدة البرهانية، شرح أبي بكر محمد بن أحمد الأنصاري الإشبيلي الشهير بالأستاذ الخفاف، توفي بتازة ودفن بها.
–  شرح عبد العزيز بن بزيزة التونسي (ت.662ﻫ).
–  شرح أبي القاسم محمد بن الزق، موجود بخزاة القرويين تحت رقم: 710.
–  المباحث العقلية في شرح معاني العقيدة البرهانية لأبي الحسن علي بن عبد الرحمن اليفريني المكناسي الطنجي (ت.734ﻫ). توجد نسخة منه بالخزانة الحسنية تحت رقم: 11741، وبالخزانة العامة بالرباط تحت رقم: 2192 د.
– شرح أبي عمران موسى الجزولي.
– تقييد البيان في مسائل عقيدة البرهان لعبد الرحمن بن سليمان السملالي الكرامي. توجد نسخة منه بالمكتبة العامة والمحفوظات بتطوان تحت رقم: 449.
 والملفت للانتباه أن أبا عمرو السلالجي بعد عرضه لفصول البرهانية وأدلتها على ثبوت الجواهر والأعراض وحدوثها وثبوت الصفات الإلهية كالوجود والقدم والمخالفة للحوادث والوحدانية واستحالة تناهي المقدورات واعتقاد الجائزات على الله… إلخ، يقرر في النهاية أن هذه العقيدة عقيدة أهل السنة تلقاها الخلف عن السلف، ليبرر مشروعيتها الدينية[42].
   وبعد السلالجي دخلت العقيدة الأشعرية طوراً جديداً تمثل في ظهور فكر أشعري يتميز بالتوسع في التحليل ومناقشة الجزئيات والوقوف عند النكت ودقائق الأمور، فاسحاً المجال لظهور مؤلفات عقدية غزيرة المادة كبيرة الحجم، وظهور تفنن منهجي وطرق جديدة في عرض الأفكار. وهذا الثراء والتنوع لم يكن في النهاية سوى مظهر من مظاهر التطور والهيمنة التي عرفها المذهب الأشعري في المغرب.
   وقد تميزت هذه المرحلة الجديدة بسمات تؤكد مدى تغلغل العقيدة الأشعرية في المغرب، ومن هذه السمات  العامة:
–  ظهور مفكرين بارزين اشتهروا باطلاعهم الواسع ومناقشاتهم المفصلة لجوانب العقيدة الأشعرية أمثال أبي عبد الله بن عيسى بن المناصف الأزدي دفين مراكش، وصاحب المنظومة الشهيرة “الدرة السنية في مقتضى المعالم السنية”، وهي منظومة رجزية قسمها إلى أربعة معالم، وتناول في المعلم الأول المعاني الاعتقادية على طريقة الأشعرية. ثم أبو الحسن علي بن أحمد الأموي السبتي شهر بابن خمير صاحب “مقدمات المراشد لقواعد العقائد”، جعله في سبع مقدمات تناول فيها بالتحليل مسائل العقيدة كالعلم بحدوث العالم، والعلم بصانع العالم، ونفي التشبيه عن الذات الإلهية، والاستدلال على وحدانية الله، وإثبات الصفات، وإثبات النبوات، والسمعيات.
– الاعتناء الكبير بكتاب الإرشاد لأبي المعالم إمام الحرمين الجويني، وظهور شروح كثيرة له كان لها دور كبير في رسوخ العقيدة الأشعرية بالمغرب، حيث مثل سلطة مرجعية قوية لمجموع ما ظهر من المتون الأشعرية ومؤلفات شارحة أو ناظمة لمبادئ هذه العقيدة[43]. ومن بين هذه المؤلفات نذكر:
• شرح الإرشاد لأبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن دهاق المعروف بابن المرأة الأندلسي، وضعه في خمسة مجلدات. توجد نسخة منه في دار الكتب المصرية تحت رقم: 6 توحيد.
• كفاية طالب الكلام إلى شرح الإرشاد لأبي يحيى زكريا بن يحيى الشريف الإدريسي الحسني، توجد قطعة منه بخزانة القرويين تحت رقم: 729. وله شرح لعقيدة أستاذه أبي العز تقي الدين مظفر به المصري المعروف بالمقترح (ت.612ﻫ) سماه “أبكار الأفكار العلوية في شرح الأسرار العقلية”، توجد نسخة منه بخزانة ابن يوسف بمراكش تحت رقم: 481.
•  اقتطاف الأزهار واستخراج نتائج الأفكار لتحصيل البغية والمراد من شرح كتاب الإرشاد للخفاف سابق الذكر.
•  منهاج السداد من شرح الإرشاد لأبي الحسن علي بن محمد الشهير بابن البقري (ت.552ﻫ).
 – ظهور اتجاه جديد لاهتمام بأخطاء العامة في أمور العقيدة الأشعرية وتصحيح ما يقع منها لدى معظمهم في اعتقادهم وأدعيتهم مما يختلط بأفكار معتزلية أو خارجية أو شيعية. وكان من أحسن ما ألف في هذا الموضوع كتاب “لحن العامة في علم الكلام” لابن دهاق، ورسالة “أربعون مسألة في أصول الدين” لمحمد بن محمد بن خليل السكوني[44]، ناقش فيها بعض الأقوال الجارية على ألسنة العامة مما يشوبها شيء من التجسيم أو الاعتزال، كقولهم: قضى الله ولم يرض، وسبحان من لا يعلم ما هو إلا هو، وسبحان من لم يزل معبوداً، وسبحان من ليس هو في مكان وليس يخلو من مكان؛ ورسالة “لحن العوام فيما يتعلق بعلم الكلام” لابنه عمر السكوني (ت.717ﻫ) صحح فيها كثيراً من الأدعية التي يتلفظ بها العامة دون معرفة مضمونها.
    ويرى بعض الباحثين أن هذه المرحلة مثلت قمة الهرم في تطور العقيدة الأشعرية بالمغرب، حيث أبانت كتابات أقطاب الفكر الأشعري عن مستوى رفيع في المناقشة والتحليل والشرح ظلت إلى فترة متأخرة مرجعية أساسية وسنداً لعلم الكلام الأشعري فيما بعد[45].
   وبعد هذه المرحلة سيدخل علم الكلام الأشعري بالمغرب مرحلة جديدة ابتداء من القرن التاسع الهجري إلى اليوم، تميزت بالتراكم الكبير في المؤلفات العقدية، يمكن أن نطلق عليها المرحلة السنوسية نسبة إلى العالم التلمساني الشهير أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي (ت.895ﻫ) الذي هيمنت كتبه في العقيدة وشروحها على الساحة الفكرية، وشهدت إقبالاً منقطع النظير من قبل طلبة العلم والحفاظ والشراح والمعلقين، وطغت على حلقات الدرس ومجالس العلم في الحواضر والبوادي المغربية، وأصبحت معتمداً في أخذ الأجازات على قراءتها، مما دفع البعض إلى اعتبارها مرحلة مستقلة بذاتها في تاريخ المذهب الأشعري بالمغرب[46].
   وقد دشن أبو عبد الله السنوسي هذه المرحلة بمحاربة التقليد وإحياء الاجتهاد في علوم النظر، بعد ظهور الفساد في عقائد الطلبة والفقهاء، وإعراضهم عن النظر في أدلة التوحيد، وإهمالهم لكثير من مراشدهم[47]، فوجب على الجميع تحصيل العلوم من طريقها المألوف، وهو الاجتهاد في النظر والتعلم من العلماء، والتزام التعب في الدرس والرحلة في طلب الفوائد[48].
   وقد تمكن السنوسي من تحقيق رسالته، وتبليغ أفكاره إلى مناطق واسعة من بلاد المغرب وخارجه، وأصبحت كتبه مرجعاً أساسياً لكل عالم أو طالب علم أو مشتغل لعلم الكلام، نذكر منها:
– العقيدة الكبرى، وتسمى عقيدة أهل التوحيد المخرجة من ظلمات الجهل وربقة التقليد المرغمة أنف كل مبتدع عنيد.
–  شرح العقيدة الكبرى، ويُتسمى عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل التوحيد.
–  العقيدة الوسطى وشرحها.
–  العقيدة الصغرى وتسمى أم البراهين أو السنوسية وشرحها.
–  عقيدة صغرى الصغرى، أو صغيرة الصغرى، وتسمى بالحفيدة وشرحها.
– المقدمات، وهي مجموعة مفاهيم في أصول الفقه وأصول الدين جعلها مدخلاً لفهم عقائده الكبرى والوسطى والصغرى.
– شرح على منظومة شيخه أبي العباس أحمد بن عبد الله الجزائري (ت.884ﻫ) المسماة كفاية المريد في علم التوحيد.
–  شرح على منظومة تلميذه أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحوضي (ت.910ﻫ) المسماة: واسطة السلوك.
–  شرح على مرشدة ابن تومرت.
–  شرح جواهر العلوم لعضد الدين الأيجي.
   فمن خلال هذه المؤلفات وغيرها من الرسائل التي أجاب فيها عن كثير من القضايا التي تهم الجانب العقدي استطاع السنوسي أن يرسخ العقيدة الأشعرية في نفوس المغاربة ويبعث فيها حياة جديدة ويمدها بدم جديد جعلها تواصل مسيرتها وتمارس هيمنتها، بالرغم من المقاومة التي عرفها في وقته من طرف بعض خصومه وعلى رأسهم معاصره الشيخ أبو العباس أحمد بن زكري التلمساني
(ت.900ﻫ) الذي وضع منظومة محصل المقاصد رد بها على السنوسي، خاصة في مسألة إيمان المقلد، ورؤية المعدوم.
   وقد لاقت كتب السنوسي رواجاً كبيراً في أوساط العلماء وطلبة العلم، وانبرى الشيوخ لتدريسها وقراءتها وشرحها، خاصة عقيدته الصغرى المسماة “أم البراهين” التي حظيت بشهرة كبيرة وإعجاب بالغ، حتى قال عنها تلميذه محمد بن عمر الملالي التلمساني: «إنها من أجل العقائد، ولا تعادلها عقيدة من عقائد من تقدم ولا من تأخر»، وقال فيها الشاعر المجاهد محمد بن يجبش التازي (ت.921):

لو أبصرت عيناك حسن عقيــــدة   ***   قد صاغها هذا الإمام الأوحد
لرأيت ما يجلو القلوب من الصدا   ***   وينيلها نوراً حكـاه الفــرقـــد
فعليك يا نعم الحبيب بدرسـهــــــا   ***   تدرك فوائد دونهــا لا توجـــد
في شرحها ظهرت غرائب علمه   ***  فاقصد إليه ورد فنعم المورد[49]

   وهذه الشهرة والمكانة الكبيرة التي حظيت بها كتب السنوسي تترجمها كثرة الشروح والحواشي والمنظومات التي وضعها العلماء عليها، سواء منها ما يتعلق بعقيدته الصغرى التي نالت قصب السبق، أو بعقيدتيه الوسطى والكبرى.
ونذكر فيما يلي بعض من هذه الشروح والحواشي والمنظومات:
العقيدة الصغرى
–  شرح تلميذه محمد بن عمر الملالي التلمساني.
–  شرح تلميذه أحمد بن أغادير.
–  شرح أبي العباس أحمد بن أقدر الراشدي (ت.951ﻫ).
–  شرح محمد بن المهدي الدرعي الجرار (ت.979ﻫ).
–  شرح الحسن بن أحمد الهداجي الدرعي الدراوي (ت.1006ﻫ).
–  شرح أحمد بابا التمبكتي (ت.1036ﻫ).
–  شرح محمد المأمون الحفصي.
–  شرح أحمد المقري صاحب “نفح الطيب” المسمى: إفادة المغرم بتكميل شرح الصغرى.
–  شرح محمد بن أبي القاسم بن نصر الفجيجي.
–  شرح أبي علي الحسن اليوسي (ت.1102ﻫ).
–  شرح الحسين بن محمد بن علي بن شرحبيل الدرعي (ت.1142ﻫ).
–  شرح أحمد بن محمد الرهوني التطواني المسمى: الغنيمة الكبرى بشرح مقدمة السنوسي الصغرى.
–  حاشية أبي الطيب الحسن بن مهدي الزياتي الغماري (ت.992ﻫ).
–  حاشية ابن أحمد العلمي (ت.1027ﻫ).
–  حاشية عبد الرحمن بن محمد الفاسي (ت.1036ﻫ).
–  حاشية عيسى بن عبد الرحمن السكتاني (ت.1062ﻫ).
–  حاشية مصطفى الرماصي.
–  حاشية الحسين بن محمد السعيد الورثيلاني على شرح السكتاني (ت.1193ﻫ).
–  نظم علي بن محمد الحاج المدراسي.
–  نظم عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي (ت.1096ﻫ).
العقيدة الوسطى
–  الهبة والعطا في شرح العقيدة الوسطى لإبراهيم بن علي السرقسطي التونسي.
–  شرح الورثيلاني.
–  حاشية أبي محمد حمودة بن محمد بن عبد العزيز التونسي (ت.1202ﻫ).
–  نظم لأحمد بن قاسم البوني (ت.1139ﻫ).
العقيدة الكبرى
–  كشف اللبس والتعقيد عن عقيدة أهل التوحيد لمحمد بن أحمد الشهير بابن مريم.
–  إتحاف المغرى في تكميل شرح الكبرى لأحمد المقري.
–  واسطة عقد الفرائد في شرح كبرى العقائد لعبد العزيز بن يعقوب الرسموكي (ت.1065ﻫ).
–  مباحث الذكرى في شرح العقيدة الكبرى لعبد الرزاق بن محمد بن حمادوش (ت. 115ﻫ).
–  حاشية أحمد المنجور على كبرى السنوسي (ت.995ﻫ).
–  طرر على كبرى السنوسي لعبد الواحد بن عاشر (ت.1040ﻫ).
–  حاشية على شرح كبرى السنوسي لأبي علي الحسن اليوسي (ت.1102ﻫ)[50].
   وخلاصة القول، إن المدرسة السنوسية في علم العقيدة بقيت مع التاريخ المرجع الأساس لكل النقاشات الكلامية، والمناظرات العقائدية، والنوازل الوقتية والأجوبة المحررة في مسائل التوحيد وأصول الدين إلى وقتنا هذا. ولعل ذخائر الخزانة المغربية بما تحتويه من تراث عقائدي كبير شاهدة على هيمنة الأفكار السنوسية في علم الكلام الأشعري في الأوساط العلمية والمدارس العتيقة بالحواضر والبوادي المغربية التي ما يزال طلبتها يرددون عن ظهر قول ابن عاشر:
في عقد الأشعري وفقه مالك    ***    وفي طريقة الجنيد السالك
    مما يؤكد أن المغاربة ما يزالون متمسكين بثوابتهم الدينية على مستوى النظر والاستدلال في مسائل العقيدة بما أسسه أبو الحسن الأشعري والذين جاءوا من بعده من التلاميذ والأتباع ممن نهلوا من معين فكره، وتأثروا بآرائه ونظرياته، ودافعوا عن العقيدة الأشعرية أمام الخصوم والرافضين، لكونها عقيدة بسيطة بعيدة عن التجسيم، خالية من شبهات التشيع والاعتزال، غير مغرقة في التأويل، تعكس نقاء الإسلام وصفائه وطهره وسماحته وما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم. ويكفي في هذا المقام أن ننقل كلام أبي سالم العياشي (ت.1090ﻫ) على طوله، وهو شهادة صدق في حق المغاربة وتعظيمهم للإمام مالك وأبي الحسن الأشعري، وذلك في معرض حديثه عن شيخه الملاّ إبراهيم الكوراني ودفاعه عن العقيدة الأشعرية ورد انتقادات المتأخرين من الحنابلة لأتباعها، حيث قال: «ولقد أحسن شيخنا التوفيق بين كلامهم وكلام الأشعرية، وبرأهم من كثير مما نسب إليهم متأخرو الأشعرية، كما أن الأشعرية مبرؤون مما نسب إليهم متأخرو الحنابلة من التعطيل والتحريف لكلام الله عن مواضعه، والكل على هدى إن شاء الله، متمذهبون بمذاهب أهل السنة والجماعة، يصدق كلام بعضهم بعضاً، ويصدقون كلهم بكلام الله ورسوله، وهو مصدقهم وإن اختلفوا في التأويل والتفويض، فهما طريقان مسلوكان منتهجان منسوبان معاً لأهل السنة والجماعة، وإن كثر التفويض عند السلف لعدم احتياجهم إلى ذلك، وبظهور أهل الأهواء المتمسكين بمتشابه الآيات والأخبار الحاملين لها على قبيح آرائهم تعين على أهل السنة والجماعة المناضلين عن الاعتقاد الحق تأويلها على ما يوافق الحق ليبطل تمسك المبتدعة بها، ولم يقل أحد من الأشعرية بوجوب التأويل، وأنه لا يجوز الإيمان بالمتشابه على ما هو عليه، بل استحبوا التأويل للغرض المذكور. ولم يخالف عقائد أهل الحق من المقلدين للأئمة الأربعة إلا طوائف قليلة لا يعبأ بهم، كما قال الشيخ تاج الدين السبكي في كتابه “مفيد النعم ومبيد النقم”، فقد قال فيه عند ذكره للعلماء في المثل السادس والأربعين ما نصه: وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة ولله الحمد في العقائد يد واحدة، كلهم على رأي أهل السنة والجماعة، يدينون الله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمه الله، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الاعتزال، ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم، وبرأ الله المالكية، فلم ير مالكي إلا أشعري العقيدة».
قلت: وناهيك بهذه المنقبة العظيمة لإمامنا وأتباعه رضي الله عنه أقر له بها عظماء مخالفيه من أهل المذاهب، ولأهل مغربنا خاصة، فلم يعرف في علمائهم وأكابرهم قديماً وحديثاً من هو رأس وإمام في مذهب من المذاهب المخالفة، وقد استدل بذلك سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام الشافعي على صحة معتقد الإمام أبي الحسن الأشعري، قال: ويدل على صحة مذهب الإمام الأشعري كون معتقد أهل الغرب قاطبة الذين شهد لهم رسول الله  بأنهم: «لا تزال طائفة منهم ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون، كما ورد في بعض روايات الحديث: طائفة من أهل المغرب…»[51]

 

الهوامش:

[1] من رسالة جلالة الملك إلى المشاركين في الدورة التاسعة عشرة للأيام الثقافية التيجانية بدكار يوم السبت 27 نوفمبر 1999، وانظر الكلمة الملكية السامية بمناسبة تنصيب أعضاء المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الجهوية بتطوان يوم 18 رمضان 1421 ﻫ.
[2] تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، ص. 26.
[3] الإبانة عن أصول الديانة، ص. 14-17.
[4] سالم يفوت، «الأشعرية في المغرب»، مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 68-69، شتمبر 1986.
[5] عبد الله بن وهب، كتاب القدر وما ورد من ذلك في الآثار، تحقيق عبد العزيز عبد الرحمن العثيم، دار السلطان للنشر السعودية، 1986.
[6] عبد المجيد النجار، المهدي بن تومرت، ص. 434.
[7] عبد الله ﮔﻨﻮن، ذكريات مشاهير رجال المغرب، عدد 11، ص. 10.
[8] مقال للأستاذ عبد الله ﮔﻨﻮن، «عقيدة المرشدة للمهدي بن تومرت»، مجلة البحث العلمي، عدد 9، السنة 3، ص. 177.
[9] القاضي عياض، ترتيب المدارك، ج 4، ص. 486.
[10] المصدر نفسه، ج 4، ص. 494؛ وانٍظر تبيين كذب المفتري، ص. 123.
[11]  تبيين كذب المفتري، ص. 123.
[12] ابن أبي زيد القيرواني، رسالة إلى طالب العلم، مخطوط بتشربيتي بإيرلاندا، رقم 4475، لوحة 102، نقلاً عن رسالة الباحث يوسف احنانة، تطور المذهب الأشعري بالغرب الإسلامي، ص. 27.
[13] تبيين كذب المفتري، ص. 120.
[14] المهدي بن تومرت، ص. 435.
[15] «وصية الباجي لولديه»، تحقيق عبد الرحمان هلال، صحيفة المعهد المصري للدراسات الإسلامية بمدريد، المجلد 1، العدد 3، ص. 35؛ وانظر: تطور المذهب الأشعري، مصدر سابق، ص. 35.
[16] مسائل ابن رشد الجد، تحقيق محمد الحبيب التجكاني، ج 2، صص. 804-805 و970.
[17] المصدر نفسه، ج 2، ص. 971.
[18] مراصد المعتمد في مقاصد المعتقد، مخطوط خاص، ص. 4.
[19] القاضي عياض، الغنية، ص. 129.
[20] المصدر نفسه، ص. 96.
[21] المصدر نفسه، ص. 98.
[22]  المصدر نفسه، ص. 94.
[23]  مقدمة تحقيق كتاب “ترتيب المدارك” للقاضي عياض، ص. ح.
 [24] المصدر نفسه، ص. ط.
[25] انظر بتفصيل: آراء ابن العربي الكلامية، عمار الطالبي، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1974.
[26] ابن خلدون، العبر، ج 6، ص. 466-468؛ وقارن بالمعجب في تلخيص أخبار المغرب، للمراكشي، ص. 251.
[27] ابن خلدون، العبر، ج 6، ص. 424.
[28] عبد الواحد المراكشي، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، صص. 56-57.
[29] القادري، نشر المثاني، ج 1، ص. 374.
[30] المهدي بن تومرت، ص. 441؛ وقارن مع: الدعوة الموحدية بالمغرب، لعبد الله علام، ص. 151.
[31] عبد الله علام، المرجع نفسه، ص. 304 وما بعدها.
[32] مقدمة تحقيق “أعز ما يطلب”، عبد الغني أبو العزم، ص. 29.
[33] محمد الحجوي الثعالبي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، ج 2، ص. 171.
[34] محمد المنوني، العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين، ص. 51.
[35] زكريا يحيى التنسي، الأنوار المبينة المؤيدة لمعاني عقد عقيدة المرشدة، مخطوط خاص، ص. 1؛ وانظر: تطور المذهب الأشعري، مصدر سابق، ص. 56.
[36] نشر بتحقيق يوسف احنانة، دار الغرب الإسلامي، 1993.
[37] نظم الجمان في أخبار الزمان، تحقيق محمد علي مكي، صص. 26-27.
[38] المراكشي، المعجب، صص. 226-227.
[39] البيدق الصنهاجي، أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين، تحقيق عبد الحميد حاجيات، صص. 139-140؛ وانظر رسائل موحدية، نشر ﻟﻴﭭﻲ بروﭬﻨﺼﺎل، ص. 132.
[40] إسماعيل بن الأحمر، بيوتات فاس الكبرى، تحقيق عبد الوهاب بنمنصور،، ص. 49؛ ابن القاضي، جذوة الاقتباس في أخبار مدينة فاس، ص. 290؛ ذكريات مشاهير رجال المغرب، عدد 11، ص. 17؛ ومحمد المنوني، العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين، صص. 58-59.
[41] النبوغ المغربي، ج 1، ص. 121.
[42] تطور المذهب الأشعري، ص. 74.
[43] المرجع نفسه، ص. 87.
[44] حققها الباحث يوسف احنانة وطبعت بدار الغرب الإسلامي، 1993.
[45] المرجع نفسه، ص. 112.
[46] تطور المذهب الأشعري بالغرب الإسلامي، ص. 114.
[47] السنوسي، شرح العقيدة الوسطى، ص. 6 – مخطوط خاص؛ انظر: يوسف احنانة، مرجع سابق، ص. 114.
[48] شرح العقيدة الكبرى، ص. 11 – مخطوط خاص؛ انظر يوسف احنانة، مرجع سابق، ص. 127.
[49] المواهب القدوسية في المناقب السنوسية، صص. 236-237، مخطوط خاص؛ انظر المرجع السابق، صص. 135-136.
[50] المرجع السابق، ص. 136-138.
[51] رحلة ماء الموائد، نشر بعناية محمد حجي، ج 1، صص. 402-403.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق