وحدة الإحياءدراسات عامة

عناية الإسلام بالتربية

المبحث الأول: الإسلام ثورة تربوية

حمل الإسلام دعوة جديدة إلى العالم، تضمنت نظرة شمولية متكاملة في الحياة، ومنهجا يعني بالإنسان مادة وروحا في دنياه وآخرته.

واعتبر الإسلام ثورة تربوية، استطاع في ظرف وجيز أن يجعل من أمة جاهلة – تتميز بتطاحن سياسي عسكري، وظلم اجتماعي وغبن وانحراف عقائدي – أمة راقية متحضرة قال فيها الله عز وجل (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) (آل عمران /10).

وجاءت تعاليم الإسلام ترمي لأمرين اثنين وهما:

  1. توعية الإنسان بحقيقة الوجود، أي بالخالق والمخلوقات وما بينهما من علاقة.
  2. رسم منهج للسلوك الفردي والجماعي الكفيل بتحقيق سلامة الفرد والمجتمع كليهما. هاديا إلى الأسلوب الأصلح في الممارسة والتطبيق وفي التقييم والنقد الذاتيين.[1] ورغم أن الإسلام يتوفر على عوامل داخلية ساعدت على انتشاره ومنها:

■ بساطة العقيدة الإسلامية وخلوها من التعقيد.

■ مرونة التشريع الإسلامي وصلاحيته للتمشي مع تطورات الحياة.

■ دعوته للأخذ بمكارم الأخلاق والبعد عن سيئها.

رغم ذلك، لم يكن باستطاعة المؤمنين أن يقيموا الحجة على المخالفين إلا بطريقة للدعوة ترتكز على التعليم والإقناع العقلي، وتبرز ما في العقيدة نفسها من مظاهر وآيات تتفق وحاجات الناس ومصالحهم. عملا بقوله تعالى (وجادلهم بالتي هي أحسن) (النمل: 125). وقد تطلب الأمر بذل أقصى الجهود وأمضاها في سبيل تكوين جماعة إسلامية وفقا للمبادئ والقيم التي جاء بها الإسلام.[2]

الإسلام يدعو إلى العلم

قال الله تعالى في أول سورة نزلت من القرآن الكريم (اقرأ باسم ربك الذي خلق) (العلق: 1)، آية تؤكد أن مشكل التعليم كان من بين الأولويات التي نالت عناية بارزة في الإسلام، وذلك باعتبار العلم وسيلة ضرورية لتعميق فهم الدعوة الإسلامية وترسيخ مبادئها في الأذهان، كما جاء في الآية الكريمة (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) (التوبة: 122). قال عمار بن ياسر رضي الله عنه: “إنا كنا ضلالا فهدانا الله، وكنا أعرابا فهاجرنا، يقيم مقيمنا يتعلم القرآن ويغزو الغازي، فإذا قدم الغازي يتعلم القرآن وغزا المقيم[3].

ومن باب الدعوة إلى التعلم أيضا يحث القرآن الناس على استفسار العلماء فيما خفي عنهم من أمور الدين والدنيا (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (النمل: 43). ويمايز في المكانة بين العلماء وغيرهم (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (الزمر: 9). ويكشف عن المكانة الرفيعة للعلماء (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (المجادلة: 11).

إلا أن هذا التمييز والتشريف الكبيرين اللذين حظي بهما العلماء، يرتبطان بأدائهم لواجبهم وتحملهم لمسؤولياتهم داخل مجتمع المؤمنين، ومنها توحيد الله وتنوير عقول غيرهم بنشر العلم وعدم كتمانه. وأخذ الله ميثاقهم على ذلك (وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما يشترون) (آل عمران: 187). فحرم كتمان العلم وأثم فاعله، وهو ما ترشد إليه الآية الكريمة (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) (البقرة: 159). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”ما أتى الله عالما علما إلا وأخذ عليه من الميثاق ما أخذ على النبيين أن يبينوه للناس ولا يكتموه”[4].

إن التعلم والتربية من الشروط الضرورية لبناء المجتمع المؤمن، لذلك نشأ التعليم في المجتمع الإسلامي، منذ أن شرع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يعقد حلقته التعليمية في الدار ثم في المسجد، وحوله نفر من أصحابه، رضوان الله عليهم، يعلمهم ويحثهم على طلب العلم والحكمة لتعميق الإيمان وفهم العقيدة والتصدي للمعتقدات الأخرى.[5]

كما وفر الرسول المتسامح عليه الصلاة والسلام، للأميين من المسلمين، فرصة ذهبية – في أوائل عهد الدعوة الإسلامية، وفي أحرج فتراتها – حين اشترط على أسرى بدر المتعلمين، الذين لا يملكون فداءهم، تعليم عشرة من صبيان المسلمين مقابل إطلاق سراحهم[6] ولم يفتر الرسول المعلم، صلوات الله وسلامه عليه، عن دعوة المسلمين إلى التعلم، بترغيبهم في العلم وحثهم على طلبه، ويكشف لهم عن المكانة الرفيعة التي يحظى بها العلماء لدى الله عز وجل في حديث طويل مما رواه أبو الدرداء[7] تناوله الإمام الغزالي بالشرح في كتابه الإحياء ومنه:

■ (العلماء ورثة الأنبياء) ومعلوم أنه لا رتبة فوق النبوة ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة[8].

■ (يستغفر للعالم ما في السموات والأرض) وأي منصب يزيد على منصب من تشتغل ملائكة السموات والأرض بالاستغفار له.[9]

■ وقال أيضا في تفضيل العلم على العبادة (فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي) فانظر كيف حط رتبة العمل المجرد عن العلم، وإن كان العابد لا يخلو من علم بالعبادة التي يواظب عليها، ولولاه لم تكن عبادة.[10]

 وفي كتب الحديث والفقه عشرات الأحاديث النبوية الشريفة التي تحض على العلم والتعليم وتبرز فضل العلم وآدابه وأهميته وثوابه.

عناية الفقهاء بالتربية

قال تعالى في كتابه الكريم (يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول) (هود: 91). وجاء في الحديث الشريف “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين”[11].

شرح اللغويون العرب لفظة الفقه في قواميسهم فقالوا: “الفقه بالكسر العلم بالشيء والفهم له والفطنة. وغلب على علم الدين لشرفه. والفعل فقه بالكسر فقها وفقه أي صار فقيها أي عالما بالفقه، وتفقه إذا تعاطى العلم، وفاقهه أي باحثه في العلم. وفقهه تفقيها علمه وباحثه.[12] فهو فقيه وفقه، جمعها فقهاء، وهي فقيهة وفقهة.

أهم من عرف الفقه تعريفا شرعيا الإمام الشافعي رحمه الله بقوله: “العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية. وهذا التعريف أكثر شهرة لدى العلماء من التعاريف الأخرى[13].

والمراد بالأحكام هنا الأحكام التي هي آثار الخطاب الشرعي أو آثار الحكم. والمراد بالشرعية المنسوبة إلى شرع الله تعالى؛ أي المأخوذة من الشريعة الإسلامية. والمراد بالعملية أي الأحكام المتعلقة بأعمال الإنسان، سواء تعلقت بالعبادات أو بسائر الأعمال الدنيوية[14].

فالفقه الإسلامي هو العلم بالأحكام التي شرعها الله تعالى لتنظيم أفعال الإنسان في كل نواحي نشاطه واضطرابه، فالشرع حدد لكل الأفعال الإنسانية حدودا قائمة على أساس من العدالة والصلاحية والاستقامة حتى يحيا الناس فرادى وجماعات في خير وسلام وأمن، لأن هذه الأحكام تحمي الحياة الإنسانية من الانحراف عن الطريق المستقيم، وتحول دون خضوعها للأهواء والنفوس الفاسدة، وبذلك تهيئها لبلوغ سعادة الدارين، وتلك هي الرحمة الواسعة التي ترشد إليها الآية الكريمة (ورحمتي وسعت كل شيء) (الأعراف: 157).

وعلم أصول الفقه هو منهج أصولي، هو منطق الفقيه مقابلا لمنهج الفيلسوف ومنطقه[15]. ويعود الفضل للإمام الشافعي وتلاميذه في وضع قواعد أصول الفقه في صورة كاملة، ثم تناوله المعتزلة والأشاعرة بعد ذلك بالتطوير والتعديل، حتى أقاموه علما كاملا في صورة بارعة[16] كان هذا العلم منهجا للأصوليين عامة أي علماء أصول الفقه وعلماء أصول الدين، وكان الفقه بشرائعه وأحكامه يشكل مادة أساسية في ثقافة المسلمين الفكرية، وقد كان علما يتخصص فيه الرجل فيتبحر فيه ويطرق أبوابه وفروعه، كما كان علما مشتركا بين سائر ميادين التكوين، فنجد الشاعر فقيها، والطبيب والفيلسوف أيضا، وكذلك الكاتب وأحيانا الصناع والتجار كانوا يلمون بهذا العلم هم أيضا[17].

ومن مباحث الفقه وأصوله مدارك العقول وحدود العلم والآداب الإسلامية. ولهذا نجد كتب الفقه، وخاصة الكتب الكبرى من أهم المراجع التي تناولت أمورا لها علاقة بالتربية والتعليم. تناولت تلك المصنفات هذه الموضوعات في إطار عام يتميز بتناسق وتكامل وشمول.

نظر الفقهاء المسلمون إلى التعليم باعتباره قربة وطاعة وعبادة، بل عده بعضهم من أفضل العبادات وحكمه دائر بين الوجوب والاستحباب[18] قال ابن عبد البر القرطبي في جامع بيان العلم (وقد أجمع الفقهاء على أن من العلم ماهو فرض متعين على كل امرئ في خاصته نفسه ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه على أهل ذلك الموضع)[19] ويرى القابسي أن تعليم الولد قربة يرجى بها من الله خير الجزاء (والذي يعلم ولده فيحسن تعليمه ويؤدبه فيحسن تأديبه فقد عمل في ولده عملا حسنا يرجى له من تضعيف الأجر كما قال تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة)[20] ويشاطر المغراوي القابسي هذا الرأي[21] بينما ابن الجوزي يعتبر تعليم الولد حقا من حقوقه على الوالد، ويحاسب الآباء عنه يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، فإنه كما للأب على ابنه حقا، فكما قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) قال تعالى: (إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة، قال تعالى: (قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة)[22].

ومن المقرر فقهيا وأصوليا أن الوسائل تعطى حكم المقاصد، فيكون حكم الوسيلة حكم مقصدها وجوبا واستحبابا، أو كراهة أو تحريما، إذا كان المقصد كذلك، وينبه الفقهاء على هذا من خلال القاعدة الأصولية” ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب” لهذا ينظر بعض الفقهاء إلى التعلم انطلاقا من هذه القاعدة فيعتبرونه واجبا”[23] وقد روي عن ابن عبد الحكم.

قال: كنت عند مالك أقرأ عليه العلم، فدخل الظهر فجمعت الكتب لأصلي، فقال يا هذا ما الذي قمت إليه بأفضل مما أنت فيه[24].

وأورد كثير من الفقهاء مسائل التعليم في باب الآداب التي تعني في إصلاحهم السنن والمستحبات، وقد تشمل الواجب أيضا. فتناولوها في مؤلفاتهم بهذا الاعتبار من جملة ما تناولوه من الأحكام والآداب الشرعية. فضلا عن ذلك خص فقهاء آخرون موضوع التربية والتعليم بمصنفات اقتصروا فيها على تناول مسائل التعليم وآدابه وشروطه ومشاكله، كما فعل ابن سحنون وابن عرضون والقابسي والزرنوجي وغيرهم.

مفهوم التربية لدى الفقهاء

في القرآن الكريم وردت لفظة تربية بمعنى الإنماء والإكثار والعلو في آيات كثيرة، وبصيغ متنوعة. ومنها الربا الذي حرمه الله عز وجل بقوله (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) (البقرة: 276). وأيضا (وأحل الله البيع وحرم الربا) (البقرة: 285). كما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه “أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من تصدق بعدل ثمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى يكون مثل الجبل[25].

وفي اللسان والقاموس نجد ربا ربوا تعني زاد ونما، وربيت رباء وربيا نشأت، وربيته غذوته كتربيته. قال الجوهري “وهكذا لكل من ينمي الولد والزرع ونحوه[26] قال الراغب الأصفهاني (الرب في الأصل التربية: وهو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام، يقال ربه ورباه وربيه) وقال ابن منظور السحاب يرب المطر أي يجمعه وينميه والمطر يرب النبات والثرى ينميه… والنعمة يربها ورببها نماها وزادها وأتمها وأصلحها.

إن التربية في مدلولها اللغوي تعني إحسان القيام على الصبي وولاية أمره حتى يفارق الطفولة ويبلغ كماله شيئا فشيئا، وهذا المعنى يفيد بأن هناك طفلا وقائما عليه يلي أمره، وهو يتدخل تدخلا مباشرا في حياة الصبي قصد مساعدته على بلوغ كماله. وهي الجهود المبذولة من طرف الراشدين لجعل نواحي الصبي الجسمية والعقلية والعاطفية تنمو وتزداد على حد سواء، وهي أيضا إعداد النشء جسميا وعقليا لغرض تحقيق خير الدارين الدنيا والآخرة. بإكسابهم الخبرات الاجتماعية والمهارات السلوكية والمعارف والقيم الإسلامية.

وهذه المعاني والأغراض نجدها تذكر تحت مسميات أخرى كالتهذيب والتأديب والتعليم والرياضة والسياسة والتدبير في مؤلفات الغزالي ومسكويه والبلدي وابن خلدون وإخوان الصفا وابن جماعة وابن سينا وغيرهم. إنه مفهوم شامل للتربية يتضمن أغراضها، نجده متقاربا عند كل المربين المسلمين الفقهاء والأطباء والفلاسفة وعلماء الاجتماع على خلاف مشاربهم وتوجهاتهم.

محددات مفهوم التربية لدى الفقهاء

إن النظام التربوي الإسلامي عامة والفكر التربوي بصفة خاصة كجزء منه إنما هو منظومة فرعية من نظام أكبر هو الإسلام. ومن ثم فباعتبار الفكر التربوي جزءا من كل فإنه من الطبيعي أن يخضع للضوابط الدينية الشرعية، ويتفاعل بمختلف المتغيرات الحادثة على المسرح الاجتماعي الإسلامي. ولهذا ارتبط مفهوم التربية لدى الفقهاء المسلمين بالمنظور الإسلامي الشامل للكون والإنسان والحياة.

والفكر التربوي الإسلامي كما ورد في مصنفات الفقهاء يستقى من الأصول الإسلامية والنصوص الدينية المرجعية: القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وآثار الصحابة[27] هذه الأصول تعالج الوضع الذي يعيشه الإنسان في دنياه وترفعه إلى الصورة التي يريدها الله له، مصداقا لقول الله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء) (الأنعام/ 38) ويقدم هذا الفكر الأسس العقائدية من دلالات نصوص الكتاب والسنة، كما يقبل نتائج الملاحظات في الأساليب والوسائل، إذا اتفقت مع هذه الأسس بعد عرضها على الأصول الإسلامية قبل تبنيها.

بين الشرع الإسلامي حدود الكمال الإنساني وصفاته وبين كل ما تصلح به أحوال العبد في الدنيا والآخرة. والتربية في الإسلام تعمل داخل الحدود التي رسمها الشرع.

حدد الشرع الإسلامي أهداف العلوم وأصنافها ومفهوم الطفولة وطبيعتها وقدراتها وطبيعة النفس البشرية والعقل وصفات الإنسان الصالح المؤمن، وما يجب أن يكون عليه في سلوكه وعلاقاته بغيره وبنفسه وربه، كما حدد دور الراشد التربوي وعلاقاته بالصبي.

وعلى ضوء الحدود التي رسمها الشرع، يتحدد مفهوم التربية في الإسلام ووظيفتها وأصولها وغاياتها ووسائلها.

  1. إن الآية الكريمة (وابتغ فيما أتاك الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) (القصص: 77). تجسد هدف الإسلام التوفيقي بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة. وأحكام هذه الآية تنسحب على التربية، فتجعل من أهدافها تربية الفرد لخير الدين والدنيا. وفي السنة الشريفة وآثار الصحابة توجيهات تؤكد على هذه الغاية التربوية وتدعمها.
  2. مفهوم التربية في الإسلام يتحدد ويبرز أيضا في التأكيد الإسلامي على أهمية العلم وضرورته في الحياة، والقرآن الكريم فرق في المكانة بين العالم والجاهل، وحث على التعلم ورغب فيه، وحرم كتمان العلم واحتكاره. كما جاءت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لتؤكد على وجوب التعلم طيلة الحياة، وفي كل مكان، تلغي الحواجز الزمانية والمكانية. كما تؤكد على ما نصت عليه الآيات القرآنية من وجوب نشر العلم وتعميم المعرفة، والغاية من كل ذلك هو صلاح الدنيا والتزود بالتقوى للحياة الآخرة.
  3. والتربية الإسلامية لا تستهدف دائما نقل وتنظيم ما أحرزه المجتمع في مسيرته الحضارية والثقافية، لهذا يرفض الإسلام فكرة التقليد الأعمى للآباء والأجداد، دون عرض واقعهم على منهج الإسلام. فالإسلام وقواعده هو المقياس الذي يربى عليه الأفراد وليس المجتمع وما يريده.
  4. تأسيسا على الأصول الإسلامية، وضع الفقهاء مخططا لتنشئة الطفل وتكوينه إنسانا متكاملا من جميع نواحيه البدنية والنفسية، في المنزل والمدرسة، على ضوء المبادئ والضوابط التي أقرها الإسلام. حتى يستطيع الفرد القيام بالمسؤوليات والواجبات داخل مجتمعه، وهذا يستلزم بالضرورة العناية بالتربية الصحية البدنية والنفسية والتربية العقلية لتنمية قدرات ومدارك العقل، والتربية الاجتماعية. وقد شرح ذلك وفصله كثير من الفقهاء.
  5. ولا تقتصر وظيفة هذه التربية على إحداث تغيير في إنسان فرد متفرد، كإدخاله إلى مدرسة أو جامعة، ليتعلم ما كان يجهله. فذلك في الحقيقة أقل فروع التربية شأنا وفائدة. فالتربية الإسلامية تشمل ذلك وتتعداه، لأن الإنسان في التصور الإسلامي ليس مجرد حامل أسفار بل هو مكلف بمسؤوليات وواجبات حددها الشرع، والمعاني السابقة للتربية تؤدي إلى تصور جملة من العمليات التربوية لتجسيد المعاني وتوظيفها وهي:

ـ المنطلق الأول للعمل التربوي هو المحافظة على فطرة الناشئ وتنقيتها ورعايتها وترقيتها.

ـ التدرج في العمل التربوي من البسيط إلى المركب ومن الجزء إلى الكل ومن الأسهل إلى الأصعب مراعاة لقدرات الناشئ النامية.

ـ مسؤولية الراشد في توجيه الصبي توجيها دينيا ودنيويا وحماية ما يمكن أن يضره.

هذه الأمور عنى بها كثيرا المربون المسلمون في كتبهم ورسائلهم، وحددوا شروطا وذكروا الأحكام الشرعية التي تنظم هذه العملية وتضبطها، استقوا هذه الشروط والأحكام من أصول أهمها القرآن الكريم والسنة النبوية وآثار الصحابة واجتهادات الفقهاء وقياساتهم…

فتزكية النفس الإنسانية هي الوظيفة الأولى لهذه التربية. وإصلاح الإنسان وبناؤه عقليا وروحيا واجتماعيا وجسميا هو الضمان الأساسي لبناء المجتمع على أسس رصينة، مادية وخلقية، مصداقا لقوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الرعد: 11).

إن العملية التربوية في الإسلام ضرورة إيمانية تتعلق بالفرد المسلم المرتبط مع المجتمع المسلم ارتباطا عقائديا، وترتبط بالحياة الإنسانية باعتبارها مكلفة برعاية الفرد وتعليمه وهدايته، وهذا لا يتم إلا بجعل الهدى محورا لعمليات التفاعل في حياة الفرد والمجتمع، فالإيمان هو الذي يزكي النفس ويخلق الإنسان خلقا جديدا.

المبحث الثاني: أصول التربية الإسلامية

التربية الإسلامية هي التنظيم النفسي والاجتماعي الذي يؤدي إلى اعتناق الإسلام وتطبيقه كليا في حياة الفرد والجماعة.

والتربية الإسلامية وسيلة لتحقيق الإسلام كما أراده الله، وتهيئة النفس الإنسانية لتحمل هذه الأمانة. لذلك تستمد هذه التربية أصولها من أصول الشريعة نفسها، أي من القرآن والسنة.

القرآن الكريم

القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل، المنزل على رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف المنقول عنه بالتواتر.

أصل لابد منه، سواء في الإعجاز المتحدي أو الحجية المعجزة، أو توثيق الرواية أو عقلانية الدراية، أو في التعهد الإلهي له بالحفظ وبعدم تبديل ما فيه من كلمات وبالقطع بأن الباطل لا يأتيه من أي اتجاه[28].

يتميز الخطاب القرآني بشموليته، فهو خطاب يتضمن أوامر وتشريعات، ورد الأمر واضحا بتطبيقها في الحياة الدنيا، ومراعاتها في العبادات والمعاملات والعلاقات مع الذات والمحيط الطبيعي والبشري، ويقدم للمسلم قواعد سلوكية تجعل حياته مثالا للدقة والنظام والأمانة والخلق الرفيع، كما تعلمه طرقا للتفكير المنطقي عن طريق استنباط الأحكام والتأمل والمقارنة وذلك من أجل تغيير مجرى الإنسان وطبيعة حياته ليهديه إلى الصراط المستقيم.

وقد جرت محاولات عديدة من قبل كثير من المفكرين المسلمين، لجمع هذه المفاهيم التربوية التي تتوزع في آيات وسور القرآن الكريم، في كتب ومؤلفات تبدي نظرة الإسلام في هذا المجال، وكانوا يعتمدون دوما على السنة النبوية، وعلى ما خلفه المفسرون من آثار، إلا أن استقصاء حجية القرآن التربوية لا يمكن أن توفي حقها مهما كتب عنها.

الإنسان المراد تربيته

الله تبارك وتعالى أحسن الخالقين، خلق الإنسان ليعبده وجعله في أحسن تقويم وفطره على الإيمان، على الخير ودعاه إلى إتباع الصراط المستقيم الذي يقود إليه الإيمان والتحلي بالصفات الحميدة. وهو ما ترشد إليه الآية الكريمة (وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون) (الداريات: 56). ورحمة الله اقتضت أن يخلق الإنسان مفطورا على الخير، لأن الرحمن هو الذي يعطي الخير ابتداء منه وكرما وفضلا، ثم يجازي على الإحسان إحسانا. قال تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم) (الروم: 30). وخلق الإنسان على الفطرة هو المناسب لغاية العبادة التي خلق الله الناس لأجلها، والله يهدي عباده لهذه الغاية فسبحانه تعالى الذي (خلق فسوى والذي قدر فهدى) (الأعلى: 3).

وخير ما يهدي به الله عباده القرآن الكريم الذي وردت فيه كثير من الصفات التي أمر بالتحلي بها نذكر منها:

ـ التقوى والصدق (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (التوبة: 119). وأيضا (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) (الأحزاب: 70).

 ـ الأمانة (يأيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمانتكم وانتم تعلمون) (الأنفال: 27).

ـ الوفاء بالعهد (الذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون) ( المؤمنون: 8). وأيضا (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) (الرعد: 20).

ـ العدل (إن الله يأمر بالعدل) (النحل: 90).

ـ الصبر (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا) ( آل عمران: 200). وأيضا (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) (لقمان/ 17).

ـ العفو(وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله) (الشورى: 40).

ـ الإحسان (إن الله يحب المحسنين) (البقرة: 195).

ـ أدب المشي والحديث (وأقصد في مشيك، واغضض من صوتك، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) (لقمان: 19).

أسلوب القرآن

قال تعالى: (الله أنزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني، تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) (الزمر: 23).

القرآن الكريم جاء بحقائق توجه العقل البشري إلى إقامة ثقافة شمولية، نافذة إلى حقائق الكون والنفس، موجهة الإنسان إلى أقوم السبل. والقرآن يذكر هذا الشمول في قول الله عز وجل (ما فرطنا في الكتاب من شيء) (الأنعام: 38). ويقول تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) (النحل: 89). ووردت الأحاديث الشريفة الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن وأهميته التشريعية والتربوية.

لم يقتصر القرآن على ذكر العبادات ووصفها ودعوة الإنسان إلى الإيمان، بل فضلا عن ذلك فقد تضمن القرآن خطابا للإنسان يوجهه ويربيه. يتوجه القرآن في خطابه للإنسان إلى العقل والوجدان، ويتميز أسلوبه بالتنوع بين القصة والموعظة وضرب المثل والعبرة والترغيب[29].

القصة

استثمر الخطاب القرآني ميل الإنسان إلى القصة، فاستعملها وسيلة تربوية ذات تأثير فعال على نفوس المسلمين. قال تعالى: (نحن نقص عليك أحسن القصص) (يوسف: 3). فالإنسان ميال إلى تقبل القصص وسماعها ومتابعة أحداثها والاعتبار بها. واستخدم القرآن أنواعا من القصص المختلفة منها:

التاريخية: التي يذكر فيها الأماكن والأشخاص والحوادث، كقصص الأنبياء والمكذبين بالرسالات

الواقعية: التي تعرض نموذجا لحالة بشرية، كقصة آدم التي ورد ذكرها في سورة المائدة.

التمثيلية: التي لا تمثل واقعة بذاتها، ولكنها يمكن أن تقع في أية لحظة من اللحظات، وفي أي عصر من العصور. وقد أورد القرآن أخبار الأمم السابقة، في قصص وبأساليب مثيرة للعواطف الخيرة، صارفة عن النوازع الشريرة، داعية إلى التبصر والتأمل والتماس العبرة.

والقرآن استخدم القصة لجميع أنواع التربية والتوجيه التي يشملها منهجه التربوي، من تربية العقل والوجدان والانفعالات، ووردت أغلب القصص حافلة بأنواع التعبير الفني ومشخصاته، من حوار إلى سرد إلى تنظيم موسيقى إلى إحياء للشخوص، فهي مع توجهها لخدمة الأغراض الدينية التي جاءت لتحقيقها، فإنها تراعي القواعد الفنية وشروط الدقة والأداء، لهذا كانت قوية التأثير في النفس.

ولأن القرآن يستخدم الأساليب القريبة للفهم الإنساني، ففي السرد القرآني نجد نزولا إلى الواقع وانتزاع المراد من العبرة، لأن الواقع هو المصدر الذي يتعامل معه كل البشر، وفي النص القرآني نجد الترميز والدخول إلى المطلق، وتفكيك الحدث وتركيبه، ثم استخلاص القانون الذي يحكمه، أو إبراز العبرة التي تعني مدى أو جدوى أي تجربة إنسانية، وهذا الأسلوب مكرر في القرآن، ويكسبه طريقة منهجية خاصة في بناء العقل الإنساني، من خلال فهم الوجود على أنه سنن مسيطرة على الوجود، بما فيها الوجود النفسي والاجتماعي والتاريخي[30].

المثل

مثل الشيء صفته التي توضحه وتكشف عن حقيقته، أو ما يراد بيانه من نعمه وأحواله، ومن أوجهه وصف الشيء عن طريق المجاز أو الحقيقة، بتشبيهه وتمثيل المعاني المعقولة بالصورة الحسية وعكسه. ويضرب المثل لإيضاح حال من الأحوال، بما يناسبه أو يشابهه ويظهر حسنه أو قبحه ما كان خفيا.

■ تقريب المعنى إلى الإفهام، فقد ألف الناس تشبيه الأشياء المجردة بالأشياء الحسية ليفهموها.

■ إثارة الانفعالات المناسبة للمعنى وتربية العواطف.

■ تربية العقل على التفكير الصحيح والقياس المنطقي[31].

العبرة

اعتبار الإنسان مما يشاهده أو يسمعه أحد، أهم وسائل تعديل السلوك العقلي والبدني، وبالاعتبار يدرك الإنسان المغزى والمآل للأمر الذي شاهده أو سمع عنه. ويستخلص من ذلك عبرة بعد استقراء وموازنة ومقايسة ومحاكمة عقلية.

والغاية من العبرة في القرآن الوصول بالسامع إلى قناعة فكرية بأمر من أمور العقيدة، تحرك في قلبه أو تربي فيه عواطف دينية سامية، وتثبت في نفسه عقيدة التوحيد والخضوع لشرع الله.

ويقدم القرآن أساليب اعتبار، تختلف باختلاف موضوع العبرة منها:

■ الاعتبار بالقصص.

■ الاعتبار بمخلوقات الله.

■ الاعتبار بالحوادث التاريخية[32].

الموعظة

لا تخلو سورة من سور القرآن الكريم من عظة تلين قلب الإنسان بتذكيره ما هيأ الله من الثواب والعقاب في الآخرة، قال تعالى: (ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر) (البقرة: 232). وترقيق القلب يؤدي بنا إلى تغيير في السلوك، ويبعث عن العمل وفق الحدود والأحكام التي رسمها القرآن.

وتقترن الموعظة في القرآن بأساليب الترغيب والترهيب، وذكر ما أعده الله للناس جزاء لهم على أعمالهم حتى تخشع قلوبهم. ومن معاني الوعظ وأشكاله في القرآن الكريم[33].

■ النصح وتبيان الحق والمصلحة، قصد تجنيب المنصوح الضرر وإرشاده إلى ما فيه خيره.

■ التذكير وإيقاظ سلوكات واستجابات وانفعالات تدفع إلى العمل الصالح، والمسارعة إلى طاعة الله.

الترغيب والترهيب

الترغيب وعد وإغراء بمصلحة أو لذة محببة آجلة مؤكدة، مقابل القيام بعمل صالح، والامتناع عن لذة محرمة ضارة أو عمل سيئ، ابتغاء مرضاة الله تعالى.

الترهيب هو وعيد وتهديد بعقوبة، تترتب على اقتراف إثم أو ذنب مما نهى الله عنه، أو على التهاون في أداء فريضة مما أمر الله به.

والإنسان بطبيعته مفطور على الرغبة في اللذة والنعيم، والرهبة من الألم والشقاء وسوء المصير. ومن مميزات الترغيب والترهيب في القرآن الكريم اعتماده على الإقناع والبرهان، كما أنه يكون مصحوبا بتصوير فني لنعيم الجنة أو لعذاب النار، بأسلوب محسوس واضح مفهوم، كما يعتمد على إثارة الانفعالات وتربية العواطف الدينية، كعاطفة الخوف من الله والخشوع له.

مبادئ التربية القرآنية من المبادئ التي تقوم عليها التربية القرآنية

التكليف بالوسع: قال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (البقرة: 286).

رفع الحرج: قال تعالى: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) (الفتح: 17).

التيسير: قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة: 185).

الحرية والإكراه: قال تعالى: (وقل الحق من ربك فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر) (الكهف: 29). وقال أيضا: (لا إكراه في الدين) ( البقرة/ 256).

المسؤولية الشخصية: قال تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة) (المدثر: 38). وأيضا: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الرعد: 11).

التدبير وتحكيم العقل: قال تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليتدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) (ص: 29).

المجادلة بالتي هي أحسن: قال تعالى: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (النحل: 125).

إن الفرد المرتبط بالقرآن هو فرد مرتبط بالله مباشرة، لأن معاني القرآن تنزل على قلبه وتشكل لبنات في تكوين شخصيته الإسلامية. وتكون هذه اللبنات ثابتة قوية الأثر صعبة الانمحاء والاندثار.

ذلك أن للقرآن من حيث هو معان ومن حيث هو عبارات معا، قوة تأثيرية لا يمكن أن توجد في كتب الناس وأفكارهم وتذوقاتهم ومواعظهم. فهو وحده المتعبد بتلاوته حرفا حرفا[34].

السنة المطهرة

يرادف مفهوم السنة لدى المحدثين الحديث النبوي، أي كل ما اثر عن رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها. أما في اصطلاح علماء أصول الفقه، فهو كل ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير القرآن، من قول أو فعل أو تقرير، مما يصلح أن يكون دليلا لحكم شرعي. أما الفقهاء فيرون أن السنة هي كل ما ثبت عن الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه، ولم يكن من الفرض ولا الواجب، فهي الطريقة المتبعة في الدين من غير فرض ولا وجوب[35].

ويجمع المسلمون كلهم على أن القرآن هو الدستور الأساسي الجامع لأحكام الإسلام، أما السنة فهي الشرح النظري والتطبيقي العملي للقرآن، لذلك لا يمكن فهم الإسلام ولا القرآن إلا بالسنة وهو ما ترشد إليه الآية الكريمة: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (النحل: 44).

إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق منزه عن الخطأ، لا عصمة لأي حديث سواه مبنى ومعنى، إذ أن الرسول عليه الصلاة والسلام، بالإضافة إلى كونه أفصح العرب فهو وحده الذي لا ينطق عن الهوى. قال تعالى: (والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى) (النجم: 4).

فقد كانت مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ للقرآن. أمره الله بأداء المهمة في آيات كثيرة تحمل لفظ البلاغ ومشتقاته وبألفاظ أخرى تحمل ذات المضمون، فبلغ عليه الصلاة والسلام الرسالة، أشهد على ذلك الله والناس أجمعين.

والبيان لهذا البلاغ القرآني هو بتفصيل مجمله، وتفسير إشاراته وبسط كلياته وتخصيص عامه وتقييد مطلقه، ووضع الضوابط المعينة على التمييز بين محكمه ومتشابهه، وأيضا بتوقيت شعائره والفرائض والمناسك، وبيان المقاصد الشرعية الكلية[36].

والله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ببيان ما في القرآن من آيات، وما فيه من أحكام وقواعد عامة، ليجليها للناس وليصبحوا على اتصال بها وإفادة منها[37].

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنتي، لن يفترقا حتى يردا على الحوض” رواه الحاكم، لذلك يذهب بعض الفقهاء التابعين إلى القول بأن السنة من الكتاب، لكونها تفصله وتبين مجمله وتقيد مطلقه وتخصص عامه، فلا يمكن أن تكون شيئا أجنبيا عنه[38].

قال الإمام الشافعي: “ما سن رسول الله فيما ليس فيه حكم فبحكم الله سنه، وكذلك أخبرنا الله في قوله: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله) وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كتاب الله، وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب، وكل ما سن فقد ألزمنا الله بإتباعه، وجعل في إتباعه طاعته، وفي العنود عن إتباعها معصيته التي لم يعذر بها خلقا ولم يجعل له من إتباع سنن الله مخرجا[39].

فهذه السنة وإن كانت المصدر الثاني للشريعة، فإنها تؤلف مع القرآن منهجا متكاملا للحياة يصحب الإنسان في حياته كلها.

وجاء في القرآن الكريم أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان نبيا مرسلا، وعلى خلق عظيم، وحين سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول الكريم أجابت (كان خلقه القرآن) فالإجابة على إيجازها تحمل لبلاغتها دلالات كبيرة، وإذا كان الرسول قد أمر بالدعوة إلى الإسلام بنص القرآن الكريم، فإنه قد أمر كذلك بأن يتمم مكارم الأخلاق، وماذا ستكون التربية إذا كانت شيئا آخر غير مكارم الأخلاق.

كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، في حياته كلها تجسيدا عمليا للرسالة الإسلامية، التي هي عقيدة وشريعة وأخلاق، فالتجربة النبوية والتطبيق النبوي لمعالجة المنهج الإسلامي، وضع الفكر القرآني في الممارسة والتطبيق، وأصبح المنهج الرباني بناء معاشا في الحياة تحلقت من حوله إبداعات المسلمين المصطبغة بصبغة الربانية في شكل علوم وفنون[40].

كان الرسول الطاهر عليه الصلاة والسلام قدوة لصحابته ولكافة المؤمنين بعدهم، كان قدوة بخلقه وسيرته وسلوكه ومعاملاته، تطابق تام بين العمل والعلم، ومحبة للحق لا مثيل لها ودفاع مستميت عنه، ورأفة بالمسلمين وعطف على خلق الله.

ولم يعد الرسول المؤمنين باقتسام خزائن الأرض معهم ولا بكشف الغيب، بل اتبع ما أوحي إليه. ودعا المؤمنين إلى الصراط المستقيم، وعلمهم كيف يفكرون وفتح بصيرتهم وعمل بحرص على إعادة بناء الإنسان التام المومن بالوعي والإدراك.

لهذا لم يعتمد الرسول في مخاطبته الناس ودعوتهم على المعجزات، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وجهاده كان أحوج إلى الاجتهاد وإعمال العقل أكثر من غيره، فجمع مع صفاء الطبع وغزارة العقل قوة الجلد ووفرة النصب والصبر، فضلا عن التقوى والورع، وكان يوصي صحابته والمؤمنين بالتحلي بأخلاقه وصفاته، بالوعظ والنصح تارة وبضرب المثل تارة أخرى، فكان مثالا للمسلم الصالح المؤمن المهتدي الخير الفعال، ومقياسا تقاس عليه نتاج التربية وتقوم على ضوء ما وصفنا من صفاته وأخلاقه العظيمة.

أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية التعليم في تكوين وبناء شخصية الناس، فعنى بتعليم المسلمين الأولين وتثقيفهم، تنفيذا لأوامر القرآن الكريم الذي يوصي بالتعلم ويمتدح العلم. ومع أمره المسلمين بالعبادة، حرص الرسول أن يكون ذلك عن وعي وتبصر وعلم، لهذا فقد أكد عليه الصلاة والسلام أن المكثر من العبادة بغير علم منزلته دون منزلة المسلم العالم، كما أوصى بنقل العلم ونشره وتبليغه حتى يؤدي وظيفته في حياة الناس ولا يحرم منه أحد، لذلك حرم كتمان العلم وحجبه عن الناس، وذكر ذلك في أحاديث كثيرة، منها ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه، سمعت رسول الله يقول: “نظر الله امرءا سمع منا شيئا، فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع”[41] والحديث مشهور وطرقه كثيرة بألفاظ متقاربة أوردها المحدثون. وعن أبي هريرة قال الرسول صلى الله عليه وسلم “مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه”[42].

ومع دعوته إلى نشر العلم وتعليم الناس، فقد كان يدعو إلى معاملة المتعلمين بالرفق والعطف، وكان نفسه عليه الصلاة والسلام مثالا في الرفق بالناس كافة، ومنهم المتعلمون حديثو العهد بالإسلام. قال عنه معاوية بن الحكم “فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما قهرني ولا ضربني ولا شتمني”[43].

ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من النصوص في اللقاء الواحد مراعاة للمستوى التديني للصحابة، فكان إذا حدث أوجز وأقل ولم يسرد سردا، فعن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: “ألا يعجبك أبو هريرة، جاء يجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني، وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم[44].

وربما هيأ عليه الصلاة والسلام الناس بكلامه ليستعدوا لإستقباله وفهمه واستيعابه، ثم بعد ذلك يبث موعظته. وذلك نحو ما رواه أبو نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: “وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا… قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي… الحديث”.

كما كان عرض الرسول، صلى الله عليه وسلم، للنصوص، وكذا لحديثه الشريف، عرضا يطبعه إلى جانب الإقلال والتخول، التفصيل والترسيل حتى يتم الإفهام على أحسن صورة. فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه. وكان يحث حديثا لو عده العاد لأحصاه. وذلك أنه كان في كلامه ترتيل وترسيل، وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كلاما فصلا، يفهمه كل من يسمعه. وهذه السيرة النبوية في التعليم تصنع الحال التعبدي، وتقرب المتلقين إلى مستوى النص الشرعي، ويحصل التفاعل وتكون الإفادة[45].

فالقرآن الكريم والسنة المطهرة هما الدليلان الشرعيان الكليان اللذان يرجع إليهما العلماء إلى يوم القيامة لمعرفة العقيدة والأخلاق وأحكام العبادات والمعاملات بين البشر[46].

آثار الصحابة

تعتمد التربية الإسلامية في استقاء فكرها إلى جانب الأصلين سالفي الذكر وهما القرآن والسنة، على منابع أخرى تساعد على فهم النصوص الشرعية الممثلة في الأصلين، وفهم النفس المسلمة والمجتمع الإسلامي والواقع المحكوم بقواعد هذا الدين الحنيف. لكن يتم التعامل مع هذه المنابع مع الاحتفاظ لها بتراتيبها التي تقع دون مرتبة الأصول، حتى لا تحتل مكانها أو تحجبها أو تحول دون الوصول إليها.

هذه المنابع لا تعتبر أصولا بل مراجع تساعد على تنزيل الحقائق الإسلامية المستفادة من النصوص الشرعية.[47] لأن الصحابة، وبشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا أعلم الناس، بعده، بالإسلام. وعنهم أخذ المسلمون القرآن والحديث والفقه. فأول من عرف بالبصرة هو عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وكان ملجة كثير العلم، قرأ سورة البقرة وفسرها آية آية[48]، وهذا بفضل دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلم هذا الصحابي الكريم الحكمة وتأويل الكتاب[49]. وكان هذا الصحابي الجليل أحسن الناس خلقا وأرقهم تعليما وأحسنهم مجالسة وأشدهم ورعا، قال فيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قرأ القرآن فأحل حلاله وحرم حرامه، فقيه في الدين عالم بالسنة.[50] وكان إذا سئل عن الأمر، فإن كان في القرآن أخبر به، وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر به، فإن لم يكن في القرآن ولا عن رسول الله وكان عن أبي بكر وعمر أخبر به، فإن لم يكن في شيء من ذلك اجتهد رأيه[51].

لهذا كان الفقهاء خلال دراستهم للقرآن والسنة، لاستنباط أحكامهما وقواعدهما، يرجعون إلى أقوال الصحابة لمعرفة تفسير آية وشرح حديث لإضاءة الموضوع وتركيب المعنى. وأقوال الصحابة هي بذاتها خاضعة للنسق القرآني والحديثي على الإجمال، تدور حوله تستلهمه أو تعرف بأسباب نزول الآية أو ورود الحديث[52]. قال صالح بن كيسان: اجتمعت أنا والزهري ونحن نطلب العلم، فقلنا نكتب السنن، وكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال الزهري نكتب ما جاء عن الصحابة فإنه سنة، قال صالح إنه ليس بسنة، فكتب الزهري ما جاء عن الصحابة ولم يكتب صالح، فقال صالح فأنجح الزهري وضيعت[53].

فلقب الصحابة اشتق من كلمة الصحبة. وإذا كان اللفظ يعني المصاحبة في اللغة. فقد أصبح بعد البعثة النبوية يقصد به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لشرف النبي ومكانته السامية، فأصبح كل الذين صحبوه يحملون لقب الصحابة، وأحيانا يطلق حتى على الذين رأوه ولم يصاحبوه، دون تقييد بشرط سن ولا مدة الصحبة ولا حتى بسلامة الجارحة لأن اللقب أطلق على الأعمى ابن مكتوم وهو أعمى ولا رؤية له. وبين المحدثين والفقهاء وعلماء الأصول تختلف شروط اكتساب اللقب بين الرؤيا والمصاحبة أو رواية الحديث.

قال تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) (آل عمران: 110). ذكر مفسرون كثيرون أن المقصود بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم[54]. وفي قوله تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا وكونوا مع الصادقين) (التوبة: 119). قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه في تفسير الآية قال: مع محمد وأصحابه[55].

ولقد اقتدى الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتبعوا آثاره إتباعا لا مثيل له ولا يفعلون شيئا حتى يرونه يفعله، قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:”من كان منكم متأسيا بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم – فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا وأقومها هديا وأحسنها حالا، قوما اختارهم الله لصحابة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم[56]. (فالصحابة كانوا أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهيأهم موقعه هذا لأن يكونوا أعلم الناس بالقرآن والسنة وأهم مرجع عنهما. وقد كان ابن عباس رضي الله عنه إذا سئل عن الأمر، فإن كان في القرآن أخبر به، وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله أخبر به، وإن لم يكن في القرآن ولا عن رسول الله وكان عن أبي بكر وعمر أخبر به، فإن لم يكن في شيء من ذلك اجتهد رأيه[57]. لذا كانت آثار الصحابة مرجعا للفقه بعد القرآن والسنة، وفي ذلك يقول الإمام الشافعي:”إذا لم يكن في الكتاب والسنة، صرنا إلى أقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد منهم، ثم كان قول أبي بكر وعمر وعثمان، إذا صرنا فيه إلى التقليد أحب إلينا، وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة، أتتبع الذي معه الدلالة”[58]. وكذلك يقول أبو حنيفة: “إذا لم نجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله، أخذت بقول من شئت من أصحابه وتركت قول من شئت، ولا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم”[59].

اضطلع الصحابة رضوان الله عليهم، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، بالمسؤولية التربوية التي كلفهم بها في حياته عليه السلام. واستمروا في تنزيل المضمون التوحيدي للتربية في الإطار التعليمي على العموم، مع مراعاة الأهداف والوسائل الأرقمية والمنبرية هنا أو هناك، فهم أئمة الأمصار وخطباء المساجد والمربون للعموم والخصوص وللصالح والطالح، قال الحسن البصري التابعي الجليل: “أدركنا الصدر الأول يعلمون صغيرنا وكبيرنا برنا وفاجرنا، وصالحنا وطالحنا، ونحن نريد أن نؤديه كذلك”[60].

والصحابة قادوا حملة التعليم التي بدأوها بالبلدان التي رحلوا إليها، فبعضهم وجهه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وآخرون وجههم الخلفاء الراشدون، وغيرهم رحل عن طواعية للمشاركة في الفتوحات أو للتجارة أو للدعوة ونشر العلم، أخبر أبو نجيح قال: كتب رسول الله صلى اله عليه وسلم إلى أهل اليمن، وبعث إليهم معاذا: “إني قد بعثت عليكم من خير أهلي والي علمهم والي دينهم” قال معاذ بن جبل: كان آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جعلت في الغرز أن أحسن خلقك مع الناس”. وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب يزيد بن أبي سفيان إلى عمر “إن أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم” فاستجاب له عمر ووجه إليه معاذ بن جبل وعبادة من الصمت وأبو الدرداء[61].

كان التعليم الذي قام به الصحابة ذا مضمون تربوي مقصود، ينطلق من القرآن والسنة أساسا. ذكر أبو سعيد الخذري رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعدوا يتحدثون كان حديثهم الفقه، إلا أن يأمروا رجلا فيقرأ عليهم سورة، أو يقرأ رجل سورة من القرآن[62].

وكان أول ما قاله أبو موسى الأشعري للبصريين حين قدم إليهم: (إن أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم، أعلمكم كتاب ربكم عز وجل وسنة نبيكم، وأنظف لكم طرقكم) ويصف لنا التابعي الجليل أبو رجاء العطاردي طريقة ذلك، وكيفية تنظيم أبي موسى رضي الله عنه للجلسات القرآنية. قال كان أبو موسى الأشعري يطوف علينا في هذا المسجد، مسجد البصرة، يعقد حلقا فكأني أنظر إليه بين بردين أبيضين يقرأني القرآن) حتى إذا تخرج على يديه جمع كبير من أعلام التابعين، جمعهم ليعظهم، ويعلمهم كيف يتعاملون مع القرآن (جمع الذين قرأوا القرآن، فإذا هم قريب من ثلاثمائة، فعظم القرآن، وقال إن هذا القرآن كائن لكم أجرا وكائن عليكم وزرا، فاتبعو القرآن ولا يتبعكم. فإنه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة ومن تبعه القرآن زخ في قفاه في النار)[63].

لقد كانت قراءتهم للقرآن حفظا ومدارسة للتكوين والتربية والتفقه، وكان ذلك عندهم ضربا من التعبد الخالص[64].

المبحث الثالث: أهداف التربية الإسلامية

غاية التربية الإسلامية تستنبط من مطامح واختيارات الدين الإسلامي وقيمه ومبادئه. وتحدد صفات الإنسان المسلم والمجتمع الذي يعيش فيه والذي يجب على التربية أن تحققه.

والشرع الإسلامي جاء ببيان ما تصلح به أحوال العبد في الدنيا والآخرة، في حياته الفردية والاجتماعية. تناول هذا الأمر بالشرح و تبسيط الفقهاء بما أوتوا من علم وبصيرة، معتمدين على القرآن الكريم والحديث الشريف، مستدلين بآثار الصحابة، ومستعينين بأدواتهم العقلية من استنباط وقياس وغيره. وعرضوا التوجيهات التربوية الإسلامية بشكل واضح لتيسير تربية الفرد وتعليمه حتى يصبح منبع خير لذاته وجماعته.

والشرع جاء بالتعبد وجعل العبادة حكمة الإيجاد للناس. والعبادات التي فرضت على المسلم تتضمن أحكاما خلقية وآدابا وقواعد للسلوك. والعلم أحد أهم وسائل العبادة يكشف عن مقاصد الشرع فيما جاء به.

كما أن العبادة في الإسلام لا تعني الانقطاع عن العمل والتجرد عن الدنيا، فالإنسان ما خلق إلا ليعبد الله على هذه الأرض وفيها. والشارع لم يكلف الناس ما كلفهم به من واجبات في العبادات والمعاملات من دون قصد معين، إنها وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس وهي الدين والنفس والنسل والمال والعقل.

لذلك أوجب الشرع الحفاظ على هذه الحقوق الخمسة ورعايتها. وبهذا يتبين أن المقصود العام للشريعة هو عمارة الأرض وحفظ نظام التعايش فيها واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها، وفي قيامهم بما كلفوا به ضمان لذلك.

لقد طوق الشرع الإنسان بمسؤولية الاستخلاف في الأرض، وكلفه في إطار هذه المسؤولية بالإصلاح والالتزام بالعبادة.

هذه الأعمال لن يستفيد الله شيئا منها، إنما الإنسان هو المستفيد، وهذا هو المقصود من التأكيد الإسلامي على العمل الصالح، وبيانه أن العبادات وحدها لا تكفي لإدخال المسلم الجنة ما لم يصاحبها عمل صالح. وهو ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وظل يعمل طيلة حياته على تربية المسلمين عليه، يذكرهم بفطرتهم وما جعلهم الله عليه بصفتهم مخلوقين ذوي عقل ولغة وتكليف.

لقد ربى الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين على أن يكونوا صالحين، يتفق سلوكهم مع ما تضمنته الشريعة من أحكام. فكان نعم المربي والرسول.

وتأسيسا على ذلك وتأسيا بالسنة الشريفة واقتداء بالصحابة – تلامذته البررة- حدد الفقهاء المربون الغاية من التربية وهي صلاح دين ودنيا المسلمين، وجعلوا وظيفة التربية هي توجيه الأفراد لبلوغ هذا الصلاح. وقد عبر عن هذه الغاية وبوضوح وتفصيل الإمام أبو الحسن الماوردي في كتابه أدب الدين والدنيا، وبين كيف يمكن للتربية أن تنمي شخصية الفرد نماء متكاملا جسميا وروحيا وعقليا لتحقيق تكييفها الذاتي والاجتماعي. وكذلك فعل الإمام الأصولي المجدد أبو إسحاق الشاطبي في كتابه الموافقات.

وأكثر المربين المسلمين يكادون يتفقون على هذه الغاية الفقهاء منهم والفلاسفة والأطباء وغيرهم. وإن اختلفت طرق وأساليب الإشارة إليها وشرحها. إلا أننا نلاحظ لدى بعض المربين المتصوفين خاصة أن الجانب الروحي في بناء شخصية الفرد نال أهمية خاصة وعناية قصوى. ولعل ذلك ناتج عن تأثرهم بالفكر الصوفي وفهم خاص للنصوص التي تؤكد على أهمية التربية الخلقية الروحية. فأكدوا على تهذيب النفوس وتنمية البصيرة الأخلاقية، والزهد في الدنيا والسعي للآخرة والتقرب إلى الله بالرياضة والمثابرة والمعاناة. أما ابن قيم في كتاباته التربوية وإن كان يولي أهمية للأخلاق، فإنه يوصي بالعناية إلى جانب ذلك بالتربية الاجتماعية والمهنية الملائمة للصبي المساعدة له على التكيف الاجتماعي في دنياه.

أدرك المربون الفقهاء أن جزءا أساسيا من العبادة هو تعمير الأرض بالمعنى الواسع لمفهوم التعمير، سواء كان ذلك بالبناء أو شق الطرق أو استصلاح الأراضي أو استنباتها. مصداقا لقوله تعالى: (هو الذي أنشأكم في الأرض واستعمركم فيها) (هود: 61). لذا حرصوا على تربية ناشئة تسعى إلى إثراء واقع الحياة الدنيا وإصلاح حالها، وبينوا أن ذلك يمر عبر إصلاح الناس فرادى وجماعات.

أبرز الماوردي هذه الحقيقة بتأكيده أن الإنسان مدني بالطبع. وأنه في حاجة إلى أن يعيش مندمجا وسط جماعته متفاعلا معها، والله خلقه وسلحه بالعقل ليدرك ما يريد وأمره أن يعمل لدنياه وآخرته. وبين الماوردي أن صلاح أمر الدنيا معتبر من وجهين:

■ أولهما ما يصلح به حال كل فرد من أهلها، في بدنه وعقله ودينه.

■ وثانيهما ما تنتظم به أمور جملتها، من نشاط اقتصادي وسياسي وعدل[65].

إن أغراض التربية الإسلامية هي:

■ تنشئة أجيال مؤمنة ومستنيرة تعبد الله وتستعينه، تسلك مهتدية بالصراط المستقيم حتى تنعم بالجنة التي أعدها الله.

■ تعهد الذات البشرية حتى تحقق كمالها وتسمو بنفسها، والعلم أحد أهم الوسائل التي تكمل الذات وترقي الجنس الإنساني.

■ تعمير الحياة على الأرض، وهو واجب يتحقق بالعمل الإنتاجي والاستثمار، وحماية هذه الحياة بدفع كل ما يهددها.

إن غاية تكليف الإنسان هي صلاح أمره في الدنيا والآخرة. وصلاح أمر الإنسان في الدنيا يعني استقامة أحواله فيها لتستقيم له أمور الآخرة. أهمية هذه الغاية تأتي لإقامة التوازن الدقيق بين أمور الآخرة والدنيا. لذلك أوجب الفقهاء على الإنسان أن يتعلم ما ينفعه في دينه أولا ثم في دنياه، وكل علم لا يفيد المرء في دينه أو دنياه فالاهتمام به باطل وغير جائز.

أهداف العلوم

استيعابا لمقاصد الشرع الإسلامي، قرر الفقهاء أن تكون للعلوم أهداف متنوعة تتوافق مع مضامين المقاصد الإسلامية ولا تتعارض معها.

فالمصالح الضرورية توجب أن يكون العلم محققا لمصالح الدين والدنيا الأساسية. لهذا يجب على التعليم أن يضمن للناس حدا أساسيا من الحماية والسلامة في دينهم ودنياهم، لتلافي الحرج بفوات المصلحتين:

■ بتزويد المتعلم بعقيدة صحيحة في الله عز وجل وملائكته ورسله عليهم السلام. وتعليمه أسس العبادات الصحيحة وفق الشرع، وأساس ذلك معرفة القرآن واستيعابه علم الحديث. يحكي ابن غياث أنه لما ذهب إلى الأعمش وطلب منه أن يحدثه سأله: أتحفظ القرآن؟ فأجابه لا، فقال له الأعمش: اذهب فأحفظ القرآن ثم هلم أحدثك[66]. وانطلاقا من هذا المبدأ يقول ابن جماعة: (فإن تعددت الدروس قدم الأشرف فالأشرف، والأهم فالأهم، فيقدم القرآن وتفسيره ثم الحديث ثم أصول الدين ثم الفقه ثم الخلاف أو النحو أو الجدل)[67].

■ تعليمه ما يضمن له عيشا بكرامته كآدمي كرمه الله، وذلك بتعليمه ما يمكنه من حفظ ما اصطلح عليه الفقهاء بالحقوق الخمسة وحمايتها، وهي النفس والعقل والدين والمال والنسل.

وتتضمن المصالح الحاجية ما يحتاجه الناس من حيث كمال صحتهم وتوسعة أرزاقهم ورفع مستوى معيشتهم، ودفع الضيق والحرج، لهذا أوضح الفقهاء للمربين كيف يجب عليهم أن يراعوا صحة أبدان متعلميهم، وكيف يعملون على تنمية قدراتهم البدنية والعقلية، كما نبهوا إلى وجوب تعليم الأفراد الصنائع والمهن المختلفة، التي ترفع مستوى المعيشة في المجتمع الإسلامي. وشرحوا أن الله حمل الناس مسؤولية تعمير الأرض واستغلال خيراتها واستثمارها، واستغلال الطيبات التي أباحها لهم. وبينوا أن في تعليم الهندسة والحساب والعلوم الأخرى دفعا للحرج الذي ينتج عن فوات مصالح الناس المرتبطة بهذه العلوم كالأسفار وقسمة الفرائض وغيرها.

أما المصالح التحسينية التي تتجه بالناس نحو الأحسن والأليق والنفع من محاسن العادات ومكارم الأخلاق، فإنها تجد في الآداب الرفيعة والفنون التعبيرية السامية خير مجسد لها وداع إليها ومرقق للطبع الإنساني.

فما الدور التربوي الذي اضطلع به المربون المسلمون تجاه الناشئة؟

في ضوء ما ذكر من توجيهات الفكر التربوي الفقهي وأسسه وغاياته، فإن العمل التربوي الإسلامي كان يتجه نحو تحقيق تربية عقلية وخلقية ومهنية للناشئة المسلمة.

التربية العقلية

لقد عني الإسلام بالعقل واحتفى به، ومن أوجه عنايته التكريم الذي حظي به العقل، ودعوته الإنسان إلى استغلاله في التفكير، قال تعالى: (أولم يتفكروا في أنفسهم) (الروم: 8). وفي التأمل (أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء) (الأعراف: 185). وفي الاستنتاج (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (النساء: 82). بل وجعل حفظ العقل من بين المقاصد الضرورية لقيام مصالح الدين والدنيا[68].

حكم الإسلام العقل، وجعل له السلطان الأعلى، في أمور دينية ودنيوية كثيرة، وكان الأمر باستعماله واضحا جليا وصريحا، والوعيد بالعقاب لمن أهمله في قوله تعالى: (ولقد درأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، أولائك كالأنعام، بل هم أضل، وأولئك هم الغافلون) (الأعراف: 170). وعن دور العقل في التمييز بين المصالح والمفاسد، قال العز بن عبد السلام: “من أراد أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد، راجحها ومرجوحها، فليعرض ذلك على عقله، بتقدير أن الشرع لم يرد به، ثم يبني عليه الأحكام، فلا يكاد حكم منها يخرج عن ذلك إلا ما تعبد الله به عباده، ولم يقفهم على مصلحته أو مفسدته”[69].

وبين الفقهاء المربون فضل الإنسان على غيره بالعقل الذي ينمو ويكتمل بالعلم والتجربة والمعرفة، قال الماوردي: (اعلم أن لكل فضيلة أسا، ولكل أدب ينبوعا، وأس الفضائل وينبوع الآداب هو العقل الذي جعله الله تعالى للدين أصلا وللدنيا عمادا، فأوجب التكليف بكماله وجعل الدنيا مدبرة بأحكامه) وبين الماوردي في تعريفه للعقل أن معناه لا يتم إلا إذا كان يقصد به العلم بالمدركات الضرورية[70]، وهذا المعنى يدعمه الماوردي بما يورده من أحاديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تفيد أن التعقل هو الامتثال لأوامر الله تعالى والعاقل من عقل عن الله أمره ونهيه.

والتربية وسيلة مهمة لإكمال أهلية المسلم، فالتكليف يقوم على أساس الوعي والفهم للتكاليف، وهاتان العمليتان من وظائف التعليم، وعن طريقه يعرف المكلف الحلال والحرام ويميز بينهما، والأمر بالتعليم أمر تكليفي على سبيل الفرض يمتد إلى كل العلوم.

وكانت مناهج التعليم في المؤسسات التربوية تعمل على تنمية عقول المتعلمين، والاتجاه بها نحو الكمال، حتى تكون وسيلة صالحة لتوجيه المسلم في الدنيا وحماية دينه. فحرصت هذه المناهج على تزويد العقل بالمعرفة الضرورية، وتدريب القدرات والمهارات العقلية، لتربية ناشئة حافظة ذكية، مع قدرتها على استغلال ذاكرتها، تستعمل ذكاءها بإحكام في الاستبصار والقياس والاستنتاج وغيره من العمليات الذهنية.

ومن بين الخطوات التي اعتمدت عليها مناهج التعليم لتربية عقول الناشئة المسلمة:

■ تنويع العلوم المدروسة من قرءان وتفسير وحديث وفقه ولغة وحساب وتاريخ وطب وغيره. مع وجود مدارس متخصصة في علوم معينة، كانت تلقى في المدارس الأخرى دروس في مختلف العلوم. وينسب الإمام الشافعي رحمه الله قوله: (من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن تعلم الفقه نبل مقداره، ومن تعلم الحديث قويت حجته، ومن تعلم الحساب جزل رأيه، ومن تعلم اللغة رق طبعه).

■ تشجيع المتعلمين على دراسة كل العلوم، وقد أوصى الغزالي المعلم المتكفل بعلم ما بألا يقبح العلوم الأخرى للتلميذ ولا ينتقص من قيمتها حتى لا ينفر منها[71].

■ تشجيع المتعلمين على الاجتهاد وذم التقليد. وقد ميز الفقهاء بدقة بين التقليد والإتباع، فأكدوا حرمة التقليد وحثوا على الاجتهاد. بل وبينوا أن خطأ المجتهد خير من صواب المقلد. ولم يقفوا عند هذا الحد، وحرصا منهم على ضمان سلامة الدين من خوض الخائضين بدعوى الاجتهاد، بينوا حرمة الدين وكراهية القول فيه بالرأي الذي لا يخلو من هوى القائل[72]. وشبه ابن الجوزي المقلد الذي يعطل عقله عن الاجتهاد، كمن أعطي شمعة يستضيء بها، لكنه يطفئها ويمشي في الظلام[73].

■ مخاطبة المتعلمين على قدر عقولهم، وهذا ما أوصى به كل الفقهاء بدون استثناء، وأوصى المربون المعلم أن يسعى إلى معرفة مستوى تلاميذه قبل شروعه في الدرس، لتحديد مستواهم ومدى استعدادهم لاستقبال المعلومات الجديدة، إما بسؤالهم أو بدعوتهم لسؤاله، ويكون هذا الحوار الذي يقيمه معهم أساسا يبني عليه درسه، حتى لا يدخل بدرسه في متاهات لا تدركها عقول المتعلمين فيفتنهم، وفي السنة الشريفة بيان ذلك – تنوع في طريق التدريس ما بين محاضرة وإملاء ومناظرة وبحث. وإذا كانت المحاضرة والإملاء تتوجهان بالدرجة الأولى إلى ذاكرة المتعلم وتدربه على حسن استعمال حواسه وتنميتها واستغلالها في اكتساب المعرفة، فقد وجد المربون في المناظرة وسيلة مهمة لشحذ الذهن وتقوية الحجة، والتمرن على سرعة التعبير، وتعويد المتناظرين الثقة في النفس والقدرة على الارتجال واستحضار الشاهد. فعني المربون بها عنايتهم بالطرق الأخرى. وكان الزرنوجي يرى أن قضاء ساعة واحدة في المناقشة والمناظرة أجدى على المتعلم من مكث شهر كامل في الحفظ والتكرار. وقال ابن أحمد يوصي متعلما: (اجعل تعليمك دراسة لك، واجعل مناظرة العلم تنبيها بما ليس عندك، وأكثر من العلم لتعلم، وأقلل منه لتحفظ)[74].

التربية الخلقية

الخلق هو السجية هو الطبع والعادة. ويعتبر من أهم عناصر الشخصية، وهو يتصل بالوجدان. وكلمة الخلق وحدها لا تفيد معنى الأخلاق الحسنة لأنها تحتمل المعنيين الحسن والقبيح، وتطلق سمتها الغالبة على الشخص، فعند المدح يوصف الفرد بأنه ذو خلق حسن أو كريم.

وقد قدم الإسلام تصورا واضحا عن الإنسان الذي جعله الله في أحسن تقويم، وفطره على الإيمان وكرمه، وجعله مهيأ لأن تصدر عنه الأفعال الجميلة الحسنة المقبولة شرعا وعقلا.

ولقد وصف الله عز وجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه على خلق عظيم. وكانت تربية الناس على الأخلاق الحسنة، ونشر الفضيلة بينهم من بين مهام الرسول عليه الصلاة والسلام، وتم ذلك منذ فجر البعثة النبوية، فلذلك لم يعرف المجتمع الإسلامي تصدعا في بنائه الأخلاقي بل سادته القيم الأخلاقية التي جاء بها الإسلام. فتمكن المسلمون مسلحين بقوة إيمانهم من التمسك بهذه الأخلاق ومقاومة الانحرافات المختلفة، وضبط شهواتهم ونزواتهم ورغباتهم، والاحتكام إلى سلطة العقل والدين، وتدعيمهما في تدبير أنفسهم، وحفظ توازنهم النفسي والاجتماعي، بين رغباتهم الشخصية وقيم مجتمعهم العليا.

واعتبر المربون المسلمون التربية عملية أخلاقية قبل كل شيء، كان البحث في الأخلاق يرتبط ارتباطا قويا بالتربية، وكانت الكتابات التربوية تتضمن حديثا وافيا عميقا عن الأخلاق. والإسلام حين قدم تصوره للإنسان ولما يجب أن يكون عليه في شخصيته وعلاقاته مع غيره، ووضع جدول المحصلة النهائية لتنشئة الناس، رسم أهدافا للتربية وخطط للتعليم منهجا دقيقا.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن وعلموا من السنة) [عن حذيفة ص: ج 1584] ووفق هذا التصور الإسلامي، يرى المربون الفقهاء أن أخلاق الفرد تتشكل من عاملين:

■ عامل الاستعداد الفطري للتخلق.

■ عامل الاكتساب وتعلم الأخلاق من الوسط.

والفقهاء المربون، وفاء منهم بالواجب الذي يفرضه عليهم الدين، ومبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورعيا منهم لمصلحة الجماعة، وحفاظا على حسن سير المجتمع، حرصوا على تنشئة إنسان يعمل في إطار مجموعة من القيم الإسلامية، حتى يكون سلوكه متسما بالعدل والمساواة الفردية والاجتماعية، أي المساواة داخل المجموعة والمساواة داخل ذاته.

وبناء الشخصية المسلمة السوية كنظام متكامل من الميولات والاستعدادات البدنية والعقلية المميزة للفرد، والمحددة لطريقة تكيفه مع المحيط الذي يعيش فيه، شكلت تحديا تربويا. فكان على الفقهاء المربين الاهتمام بالطابع الكلي والدينامي للشخصية. ونظرا لشمولية المنهج التربوي الإسلامي لم تكن هذه العملية صعبة أو مستحيلة، وتدلنا نصوص الفكر التربوي الإسلامي على إدراك الفقهاء لهذا الأمر وتصديهم له بنجاح كبير.

كما حرصت التربية الإسلامية على تيسير تكيف الفرد مع ذاته ومحيطه، لتحقيق شخصية متزنة أخلاقية، تصدر عنها سلوكات إيجابية وتراعي القيم الإسلامية الثابتة.

ويطلب الفقهاء المربون من المعلم أن ينظر إلى التلاميذ نظرة مساواة وإنصاف، ويعاملهم بعدل ولا يميز بينهم للونهم أو جنسهم أو مستواهم الاجتماعي أو نسبهم، ويهتم بأخلاقهم اهتمامه بعقولهم.

وحرصا على عدم تشويه مفهوم الأخلاق لدى الصبيان، يأمر الفقهاء المعلم بأن يعامل الصبيان بليونة عند ملاحظة أخلاق مذمومة لديهم وفيه يقول ابن حزم (النصيحة مرتان، فالأولى فرض وديانة، والثانية تنبيه وتذكير، وإذا نصحت فانصح سرا لا جهرا، وبتعريض لا بتصريح، إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك فلا بد من التصريح)[75] إدراكا منه أن التعنيف والتوبيخ والتقريع يؤدي إلى تكوين مفهوم الأخلاق كسلطة قاهرة قامعة لدى الطفل، وقد يؤدي إلى الإخلال بالتوازن النفسي للصبي، وإلى ضعف إرادة وانهيار قدرته على التحمل، وإضعاف ثقته في نفسه.

كما لم تترك التربية الإسلامية المجال لأن يتكون لدى الصبي مفهوم الأخلاق كمبادئ تتغير حسب الأهواء والأعراف، لأن الإسلام حدد الأخلاق التي يجب أن تسود المجتمع المسلم تحديدا دقيقا وثابتا. إنها أخلاق مصدرها الدين ممثلا في القرآن والسنة المطهرة وآثار الصحابة الكرام وما أجمعت عليه الأمة، ومجالها الحياة الخاصة والحياة العامة.

واعتمدت التربية الإسلامية في تهذيب الأخلاق على ثلاثة أساليب:

1.أسلوب وقائي: يرمي على وقاية الطفل من الانحراف الخلقي، ويعتمد على منع الطفل من كل ما يؤدي إلى الانحراف، كدراسة الشعر السخيف الذي يدعو إلى الفاحشة ويتغنى بها، وهذا ما كان يوصي به المربون كلهم.

ويدخل ضمن الأسلوب الوقائي، حماية الصبي من العوامل المساعدة على الانحراف كمصاحبة قرين السوء الذي قد يتعلم منه الصبي مالا تحمد عقباه، حتى قال أحدهم (واصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء[76].

2. أسلوب علاجي: يوجه خاصة لمضطربي السلوك، ومن وسائله:

■ النصح والتعريض لتعريف الطفل بعيوبه السلوكية، وتقديم النصح الذي يتضمن خطوات التصحيح ومعالم السلوك المرغوب.

■ العلاج الذاتي: وهو يكون مجديا مع الراشدين الواعين بعيوبهم، القادرين على التحكم في أنفسهم.

■ تأديب الصبي بالضرب وحرمانه من الحلقة العلمية، وربط السماح له باستئناف الدراسة بتعديل سلوكه.

3. أسلوب توجيهي: قال عتبة بن أبي سليمان لعبد الصمد، معلم أولاده، (ليكن أول ما تبدأ به من إصلاحهم إصلاحك نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك).

فالمعلم يحتل مكانة مهمة في حياة الطفل باعتباره قدوة يتأثر بها الصبي، وذات تأثير توجيهي على سلوكه وأخلاقه وتفكيره، لهذا عني المربون كثيرا بصفات وأخلاق هذه القدوة، من حيث الهندام والنظافة والعلاقات والأخلاق، وكانت أكثر شروط الآباء في اختيار معلمي أولادهم تحوم حول صفاتهم الخلقية حتى لا يكتسب الصبيان منهم خلقا أو عادة سيئة.

وثاني وسائل التوجيه، تنبيه الصبي إلى عيوبه، ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: (رحم الله عبدا أهدى إلينا عيوبنا) فالتنبيه إلى العيوب يتضمن توجيها إلى الصلاح.

أما الوسيلة الثالثة، فهي تلقين الصبي أحسن الشعر والكلام، وأكثر الشعر العربي يتغنى بالفضائل والوفاء والصدق والكرم والشجاعة.

وكتب الرقائق أيضا اعتبرها المربون من وسائل التربية الأخلاقية، لما فيها من ذكر الله وثوابه وعقابه، فيرق بها قلب القارئ، قال ابن جماعة (فالحذر الحذر من الصفات الخبيثة والأخلاق الرذيلة، فإنها باب كل شر وأدوية هذه البلبلة مستوفى في كتب الرقائق، فمن أراد تطهير نفسه منها فعليه بتلك الكتب)[77].

التربية المهنية

قال تعالى: (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك) (القصص: 77). كان العمل الإنتاجي في الإسلام من القيم الدينية التي تصل إلى مستوى العبادة، لأنه يحقق الحكمة من خلق الإنسان ووجوده في هذه الحياة، قال تعالى: (ولقد مكنا لكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش) (الأعراف: 10). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ومثالا صادقا للمسلم العامل المنتج الفعال، فقد بدأ حياته راعيا للغنم، فعاملا بالتجارة. وظل طيلة حياته محبا للعمل، ممجدا له، يثني على العمال ويباركهم. ومن أحاديثه الشريفة: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم الساعة حتى يغرسها، فليغرسها” [عن أنس ص: ج 1434]. وقال أيضا: “ما أكل أحد طعاما خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده” [عن المقدام ص: ج 6646]. وظل صلى الله عليه وسلم يدعو صحابته إلى احتراف عمل ما، وإلى إتقان عملهم، ويشرح لهم كيف أن الله عز وجل يحب المؤمن المحترف، ويحب إذا عمل أحد عملا أن يتقنه. كما نوه عليه الصلاة والسلام في أحاديثه بمنابع المال الحلال، وأهمها التجارة، وأشاد بالصفات الحسنة التي ينبغي أن تتحقق في المعاملات، والتي يجب أن يتحلى بها التاجر، وعلى هذا الأساس القويم المستقيم ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته، واستخلفهم من بعده يشرحون سنته الطاهرة وينشرونها.

وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يوصي الناس بالعمل، يحثهم عليه، وكان يرى أن الحرفة مهما كان نوعها ترفع من قدر المسلم، يقول: (إني لأرى الرجل فيعجبني، فأقول أله حرفة، فإن قالوا لا سقط من عيني) بغض النظر عن حال الرجل أو مركزه الاجتماعي أو منزلته بين قومه، لأن في احتراف الناس المهن المختلفة عمارة للحياة الدنيا الذي أمر بها الله. كما كان رضي الله عنه يخشى على أهل العلم والقرآن أن يرضوا لأنفسهم بأن يعيشوا عالة على غيرهم، فنبه إلى ذلك، لأن الإسلام كرم الإنسان، ومن الكرامة أن يأكل الفرد من كده وسعيه، يقول عمر: “يا معشر القراء، ارفعوا رؤوسكم، فقد وضح الطريق، واستبقوا الخيرات، ولا تكونوا عيالا على المسلمين”[78].

إن جزءا من العبادة هو تعمير الأرض بالمعنى الواسع لمفهوم التعمير، سواء كان ذلك بالبناء أو شق الطرق أو السواقي أو باستصلاح الأراضي، وغير ذلك من العمال مصداقا لقوله تعالى: (هو أنشأكم في الأرض واستعمركم فيها) (هود: 61). والإنسان إنما خلق ليعبد الله في الأرض وعليها.

ونظر الفقهاء إلى العمل فاعتبروه عبادة، بل عبادة متعدية، يتعدى أثرها ذات الفرد لتفيد غيره من الناس، وهو أفضل من العبادات اللازمة التي يقتصر أثرها ونفعها في الغالب على صاحبها. فأبو حنيفة يؤكد في رسالته لتلميذه أبي يوسف أن المجتمع يقوم على العمل المنتج، فالكسب حلال، وجمع المال الحلال حلال. وحدد في رسالته وجوه الكسب الاجتماعية فحصرها في أربعة، وهي الإمارة والتجارة والزراعة والصناعة، مما له دلالته أنه لم يذكر العلم من أبواب الكسب ووجوهه، لأنه يرى أن العلم فريضة، بل وأكثر من ذلك، كان يعتبر الفاعلية الاجتماعية للعلم واجبة أيضا، وسبيل هذه الفاعلية هو العمل[79].

كما اهتم الفقهاء المربون بتوجيه الصبي نحو العمل الطيب الذي يناسب مؤهلاته ويوافق طبعه، فأوصوا المعلمين والقائمين على الصبيان بالعناية بهذا الأمر، إسهاما منهم في التخطيط لترشيد استخدام الثروة البشرية، فتصدوا لظاهرة إرغام الآباء للأبناء على الاتجاه نحو الدراسات الدينية والأدبية والتخصص فيها، والنفور من الحرف اليدوية وبينوا ما تنطوي عليه هذه الظاهرة من اختلال في التوازن الاجتماعي والتربوي، وما يترتب عليها من آثار تضر بالتكوين النفسي للطفل، وتحول دون تكيفه الاجتماعي وتجعل منه شخصا غير منتج.

وابن القيم يرى أن سبيل الفلاح للصبي هو تمكينه مما هو مستعد له، وعدم إهمال ميوله واستعداداته في قوله: (ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي، وما هو مستعد له من الأعمال، ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له فلا يحمله على غيره، مما كان مأذونا فيه شرعا، فإنه إن حمل على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ماهو مهيأ له) ويضيف: (فإذا رآه المربي حسن الفهم صحيح الإدراك جيد الحفظ واعيا، فهذه علامات قبوله وتهيئه للعلم وإن رآه بخلاف ذلك وأنه لم يخلق لذلك، ورأى عينه مفتحة إلى صنعة من الصنائع مستعدا لها قابلا لها، وهي صناعة مباحة نافعة للناس فليمكنه منها)[80].

وتأسيسا على الأسباب السابقة، يعتبر العلماء التكوين المهني جزءا من عمل المؤسسة التعليمية الإسلامية، التي تربي الفرد وتهيئ البيئة الطبيعية الصالحة لتربية الناشئة تربية شاملة، تحقق الكمال الإنساني الديني والعقلي والبدني. لهذا وضع الفقهاء منهجا تربويا يعلم الناشئة الإسلامية تعليما إسلاميا حتى يستوعبوا العقيدة والأخلاق، ويحرصوا على العمل بعلمهم في المجالين الديني والإنتاجي، فلا ينسون نصيبهم من الدنيا. فأثمرت هذه الخطة التربوية طبقات من الحرفيين المهرة المتعلمين يحافظون على الشرع، فيأتمرون بأوامره وينتهون بنواهيه، ويطورون صناعتهم بما اكتسبوه من علم ومعرفة، ويحسنون كما أحسن الله إليهم، فيزيدون الإنتاجية ويطورون الصناعة ويرفعون مستوى المعيشة.

عناية الإسلام بالتربية

(العدد 12)

الهوامش

  1. حسني محمد بلبشير، المنهج التربوي الإسلامي، ملحق الفكر الإسلامي، جريدة العلم 1/11/1992.
  2. علي، سعيد إسماعيل: أصول التربية الإسلامية. القاهرة. دار الثقافة. 1978 ص: 5 و 6.
  3. ابن سعد. الطبقات الكبرى ج 3 ص: 61.
  4. الحديث أورده الغزالي في الإحياء ج 1 ص: 9. أخرجه أبو نعيم في فضل العالم العفيف من حديث ابن مسعود بنحوه، وفي الخلعيات من حديث أبي هريرة.
  5. العبيدي، عبد الجبار: التعليم عند المسلمين. مجلة المتحف العربي. الكويت عدد 3 (1987) ص: 78.
  6. ابن سعد. الطبقات الكبرى ج 2 ص: 16.
  7. صحيح الجامع حديث رقم 6297.
  8. الغزالي، إحياء علوم الدين بيروت. دار المعرفة. د.ت. ج 1 ص: 5.
  9. 9. المرجع المرجع نفسه ص: 5.
  10. المرجع المرجع نفسه ص: 6.
  11. الحديث أخرجه الإمام احمد بسنده عن أبي هريرة في مسنده، وروي أيضا عن معاوية بن أبي سفيان وعن ابن عباس رضي الله عنهم.
  12. انظر مادة فقه في القاموس المحيط ولسان العرب وتاج العروس.
  13. الزحيلي، وهبة. الفقه الإسلامي وأدلته، دمشق دار الفكر. 1987 ج 1 ص: 16 وما بعدها.
  14. محمد عباس، الفقه الإسلامي. مكة المكرمة رابطة العالم الإسلامي، سلسلة دعوة الحق ص: 32.
  15. النشار، علي سامي. الفكر الفلسفي في الإسلام. القاهرة دار المعارف. 1966 ج 1 ص: 32.
  16. الخطيب، محمد عجاج. أصول الحديث. بيروت. دار الفكر. 1981 ص: 451.
  17. بنشقرون، محمد، معجم التربية والتعليم. الرباط مطبعة الرسالة. د. ت. مادة فقه.
  18. ابن الصديق، حسن. التعلم عند المسلمين. جريدة الميثاق. رابطة علماء المغرب عدد 293 ص: 8.
  19. ابن عبد البر، جامع بيان العلم، بيروت دار الكتب. 1978 ج 1 ص: 10.
  20. القابس، أبو الحسن. الرسالة لأحوال المتعلمين. نشرها أحمد فؤوا الأهواني في كتابه التربية الإسلامية القاهرة دار المعارف 1968 ص: 289.
  21. المغراوي، أبو جمعة، جامع جوامع الاختصار والتبيان، حققه عبد الهادي التازي. الرياض نشر مكتب الربية العربي لدول الخليج 1986 ص: 78.
  22. ابن الجوزي. تحفة المودود في أحكام المولود. نقلا عن مجلة منار الإسلام. الإمارات العربية المتحدة عدد سنة 7 (ذو القعدة 1402) ص: 68 وما بعدها.
  23. ابن الصديق. مرجع سابق.
  24. شلبي، أحمد. تاريخ التربية الإسلامية. بيروت دار الكشاف. 1954 ص: 273.
  25. الحديث ذكره البخاري في صحيحه عن أبي هريرة.
  26. انظر المادة في لسان العرب والقاموس المحيط وتاج العروس.
  27. أبو حويج، مروان سليم: أصالة التثقيف التربوي الإسلامي. الدار الجامعية 1987 ص: 336.
  28. رفيدة، عبد الله. واللغة العربية، درس حسني يوم 21 رمضان 1413.
  29. محمود، محمد عمر. جريدة العالم الإسلامي (مكة المكرمة) عدد 1398.
  30. جلبي، خالص. إيجاد الآخر أم إلغاؤه مجلة الكلمة (بيروت) عدد 4. ص: 80.
  31. النحلاوي، عبد الرحمن، أصول التربية الإسلامية وأساليبها، دمشق: دار الفكر، 1992، ص: 246.
  32. المرجع نفسه، ص: 272 وما بعدها.
  33. المرجع نفسه، ص: 272.
  34. الأنصاري، فريد: التوحيد والوساطة في التربية الدعوية. الدوحة. وزارة الأوقاف 1416 [سلسلة كتاب الأمة 47] ج 1 ص: 46.
  35. علي، سعيد إسماعيل: أصول التربية الإسلامية. القاهرة. دار الثقافة. 1987 ص: 57.
  36. الأعظمي، محمد مصطفى، دراسات في أصول الحديث النبوي. الرياض، جامعة الملك سعود، ص: 12.
  37. بلخوجة، محمد لحبيب لزوم العمل بالسنة، درس حسني رمضان، 1413، الرباط وزارة الأوقاف، ص: 99
  38. المرجع نفسه.
  39. الخطيب، محمد عجاج، أصول الحديث، بيروت: دار الفكر، 1981، ص: 50.
  40. عمارة، محمد، جريدة المسلمون، لندن، 6 جمادى الأولى 1409.
  41. صحيح الجامع حديث رقم 6764.
  42. صحيح الجامع، حديث رقم 5835.
  43. صحيح مسلم.
  44. الأنصاري مرجع سابق ج 1 ص: 65.
  45. الأنصاري، مرجع سابق ج 1 ص: 57.
  46. محمد عباس حسن، الفقه الإسلامي آفاقه وتطوره، مكة المكرمة، رابطة العالم الإسلامي، 1403 [سلسلة دعوة الحق 10] ص: 7.
  47. الأنصاري، مرجع سابق ج 1، ص: 45.
  48. ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 2، ص: 280.
  49. المرجع نفسه، ج 2، ص: 278.
  50. المرجع نفسه، ج 3، ص: 115.
  51. المرجع نفسه. ج 2، ص: 280.
  52. الأنصاري، م، س، ج 1، ص: 53.
  1. ابن سعد، الطبقات. ج 2، ص: 295.
  2. ابن كثر. تفسير القرآن العظيم، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1969 ج 1، ص: 393.
  3. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 2، ص: 400.
  4. أقلاينة، المكي، النظم التعليمية عند المحدثين. الدوحة. وزارة الأوقاف، 1413 [كتاب الأمة 34] ص: 121.
  5. ابن سعد، الطبقات الكبرى. ج 2 ص: 280.
  6. علي، سعيد إسماعيل. أصول التربية الإسلامية، مرجع سابق. ص: 115.
  7. السليماني، عبد السلام. الإمام أبو حنيفة ومذهبه الفقهي. مجلة الإحياء عدد 18 ص: 25.
  8. الأنصاري، التوحيد الوساطة في التربية الدعوية، مرجع مذكور. ج 1 ص: 113.
  9. ابن سعد الطبقات الكبرى ج 2 ص: 273.
  10. ابن سعد الطبقات الكبرى ج 2، ص: 285.
  11. الأنصاري، م، س، ج 1، ص: 113.
  12. المرجع نفسه، ج 1، ص: 116.
  1. الماوردي، أبو الحسن، أدب الدنيا والدين، تحقيق سعيد اللحام. بيروت: دار مكتبة الهلال، 1988، ص: 132.
  2. أقلاينة، المكي، النظم التعليمية عند المحدثين، الدوحة: وزارة الأوقاف، 1413، (سلسلة كتاب الأمة: 34)، ص: 45.
  3. نشابة، هشام، التراث التربوي الإسلامي في خمس مخطوطات، بيروت: دار العلم للملايين. 1988، ص: 121.
  4. الشاطبي، إبراهيم، الموافقات، تحقيق: عبد الله دراز، بيروت: مكتبة المعرفة، ج 1، ص: 10.
  5. علي، سعيد إسماعيل، أصول التربية الإسلامية، القاهرة: دار الثقافة، 1987، ص: 150.
  6. الماوردي، م، س، ص: 21.
  7. الغزالي، أبو حامد. إحياء علوم الدين. بيروت: دار المعرفة، ج 1 ص: 53.
  8. ابن عبد البر، جامع بيان العلم، بيروت: دار الكتب، 1978 ج 2 ص: 133.
  9. الأنصاري، فريد، التوحيد والوساطة في التربية الدعوية، الدوحة. وزارة الأوقاف. 1414 (سلسلة كتاب الأمة: 47) ج 2 ص: 108.
  10. ابن عبد البر، م، س، ج 1، ص: 130.
  11. لكطيق، أحمد ابن حزم وكتابه الأخلاق والسير، مجلة الأمة الدوحة، عدد 47 (1403) ص: 26.
  12. الأبراشي، محمد عطية، التربية الإسلامية وفلاسفتها، القاهرة: دار الفكر العربي، ص: 119.
  13. نشابة، هشام، مرجع سابق. ص: 14.
  14. مهداد، الزبير، العمل وسيلة لتحقيق الرخاء، مجلة الاقتصاد الإسلامي، (دبي) عدد 148 (1414) ص: 80.
  15. السيد، رضوان، الفكر التربوي عند أبي حنيفة، مجلة الفكر العربي، بيروت. عدد 21 (1981) ص: 11.
  16. عيسوي، عبد الناصر، آراء ابن القيم في التربية، مجلة منار الإسلام، أبو ظبي. عدد 1 (1402) ص: 76.
Science
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق