وحدة الإحياءشذور

على بساط الشاطبي

بمناسبة انعقاد الندوة العلمية الدولية حول: “مقاصد الشريعة والسياق الكوني المعاصر” يومي 14-15 رجب 1433ﻫ الموافق لـ5-6 يونيو 2012م بالرباط شنف مسامع الحاضرين الدكتور عبد الهادي حميتو بقصيدة “على بساط الشاطبي” لها صلة بالمناسبة، يطيب لنا أن نقدمها لجمهور متصفحي موقع مجلة الإحياء

على بساط الشاطبي

إليك نديَّ الفضل وافيتُ رافعا
نَميقةَ شعر في عُلاك مسارعا

وبين يدي نجواي أُزجي تهانئي
لرابطة العَلْيا أمينا وتابعا

أُلَبِّي نداء للمقاصد يبتغي
سياقا لها في العصر يُثري المواقعا

عسانا إلى الإحياء والبعث ننتحي
مناحي في التجديد تشفي المَواجعا
فقد طالما قمنا على طَلل المُنى
نبكِّي ونبكي أو نثير الزوابعا

وفي العصر أحداث تجِدُّ ولم نزَل
نراوح خَطْوا وهْي تَمضي سرائعا

ويا طالما بالأمر ضِقنا ولم نضع
إلى الهدف المنشود قطُّ المَشارعا

وظلت عهودًا دارُ لقمان في الحِمى
على حالها لم تعْدُ تلك الفواقعا

وعشنا على فقه المراسيم عالة
كغازلة غزلا يصير وشائعا

فنغدو على الأنكاث عودا وبدأة
ونبذل جُهدا في المراسيم ضائعا

بنظم لمنثور ونثرٍ لنظمه
عناءٌ لَعمرُ الله يُدمي المدامعا

أقول وقد جاء البشير بندوة
قد اقتربت والحُلم قد صار واقعا

لعل انبلاج الفجر آذن وانجلت بشائره
سعدا على الكون طالعا

فماذا عسى أني سوى بِمشاعري
ورائقِ شعري أستميل المسامعا

وقد ضاق وجه القول بي وتقاصرت
بيَ الحال عن عذر يقوم  مدافعا

ولكنني جئت المقاصد قاصدا
لأطرق أبواب السماحة قارعا

لعل رقيق الشعر يجمُلُ وقعه
وتحلو معانيه ويُقْبَلُ شافعا

وقد تاح لي نبذ من القول صغته
على عجل عفوا فجاد مَقاطعا

أحيِّي به حفلا لرابطة العُلا
ومن حل ضيفا عندها ومُشايعا

وقد هيجت أشجانَ شعري قرائحٌ
سعِدنا بها طابت جَناً ومواضعا

وحرك وجداني حديث عن الألى
قديما بـهذا الشأن زانوا المجامعا

تمثلتُ روح الشاطبي وعهدَه
وغرناطةَ الغراءَ راقت مصانعا

وجامعَها العَالي المُنيفَ كأنه
هو الحرم المكيُّ للخلق جامعا
تراءى ابنُ لُبٍّ وابن شاطٍ وعاصمٍ
وأمسى لسان الدين يملي البدائعا

ولاح ابن مَوَّاق ونجل زبيرهم
وراح أبو حيان بالسبع صادعا

وجاء الإمام الشاطبيُّ وحوله
حشود من الطلاب سدوا المطالعا

وعادت بيَ الذكرى قرونا كأنما
هي الأمسُ أو أدنى سِراعا رواجعا

وفاح شذى فقه المقاصد فاغما
وأمرع منه العصرُ خُضرا يوانعا

وبات الإمام الشاطبي وصحبه
نَجيًّا كما لو كان للقول سامعا

وصار رباط الفتح والطرفُ ناظرٌ
كأني به الحمراءَ تعلو صوامعا

فقلت أبا إسحاق طبت مبوَّءاً
بأندلس مذْ عشت كهلا ويافعا

تصدَّرْت دهرا للعلوم تبثُّها
هناك وكم قد خضت منها معامعا

وواجهت قوما باعتصامك جاوزوا
سبيل الهدى تدعو إلى القصد رادعا

وبُوِّئْتَ من فقه الشريعة ذروة
من الفهم ما ذلت لراق مَطالعا

وخلدت فيها للأنام ذخائرا
تَمَثَّلَها الأسلاف عنك روائعا

وقام بها فيهم زمانا أماثلٌ
ولكنهم لم يستبينوا المَناجعا

فأمسى سبيل الفقه في الشرع موحشا
وغاب سراج الفكر في الدَّجْن ناقعا

كأنك ما أصَّلت فيهم قواعدا
ولا قلت قولا في المقاصد جامعا

فجئنا على الآثار نقفو سبيلهم
على وَهَنٍ فينا وكنا طلائعا

وعشنا على الماضي نصرِّف فعله
إلى اليوم لم نشتقَّ منه المضارعا

قد احتوشَتْنا في المسار عواصف
فصرنا من الإشفاق نخشى الزعازعا

ودِدنا أبا إسحاق لو كنت بيننا
فقد كنت في دنياك تُولي الصنائعا

وقد طالما حُمِّلتَ أعباء من بها
وفي رفع بلواها هجرت المهاجعا

فهل من صنيع يكتسي ثوب جدة
فنُكْسَى به إنا سئمنا المراقعا؟

 وهل من صُوىً نسري على ضوئها إلى
عوالمِ ما أصَّلت للجيل صانعا؟

وهل أصل ما نشكو هُزالُ مناهج
تعدى إلى البنيان فانهار واقعا؟

أم الخلل الآتي علينا صدوفنا
عن اللغة الغرَّا فجفَّت منابعا

ونحسب أن لو لم تكن في علومها
إماما لما وافاك كلٌّ مبايعا

مقاصدك اللائي شَفيتَ صدورنا
بها سيبويهَ النحوِ حلَّقت رائعا

ومن أُفْقها السامي سبكت مسائلا
قد انتُخبت منها حسانا بدائعا

أجاب لسان الحال: دونكم الذي
ترسًّمتُ من هديي أعيدوه واقعا
أعيدوا لدرس الضاد عز شبابه
وميلوا إلى الآداب ميلا مسارعا

فبالفكر في التنزيل تسمو مدارك
فلا تسأموا أن تجعلوه المُضاجعا

فما تنقضي عدّاً عجائب سره
ولا يُخلِق التردادُ منه المراجعا

فمن يجتهد مثلي على مثل مَنهجي
تجلت له الأعلام زُهرا نواصعا

ويَرْقَ يَفَاعَ الفكر طلقا محرَّرا
دليلا إلى المقصود سهلا ونافعا

موافقتي أغنت وأقنت وإنما
تجافَى الورى عنها وأمُّوا المَتارعا

أشاحوا عن الوِرد الذي ساغ واكتفَوْا
بسرد نقول لم يعدن شوافعا

فقد حدَثَت في الآخِرين حوادث
وجدَّت أمور لم يكُنَّ وقائعا

وفي الشرع أحكام يدِقُّ سبيلها
عليها دلالات تلوح شوارعا

وفيه هدايات تناهت أصولها
إلى السنة الغراء فاتل المجامعا

فما الفقه تنصيص وحمل دفاتر
بفقه لسحنونٍ وإن كان جامعا

ولا هو باللخميِّ والْمَازَرِيِّ والـ
أُلَى حرروا تلك النقولَ الجوامعا

ولكنه ضَرْبٌ من الحِذق بالغ
من العمق حيث الجوهرُ الفردُ وادعا

فمن جاءنا من غير ذا الباب واغلا
إلى الوِرْدِ حرمنا عليه المراضعا

فإنا نصبنا للهداة معالما
كواشف عن نور اليقين سواطعا

ومن جاءنا من بابه نال قصده
موافقةً تغني الفقيه المتابعا

فما يستوي من غاص فاصطاد لؤلؤا
بمن صاد في الشطِّ الدَّبَا والضفادعا

نعمت أبا إسحاق عينا فقد غدت
دواوينك الغرا شموسا طوالعا

لئـن قيـل كـان الشــافعي مؤسِّسا
فـما ضرَّ أن قـد جئت في الإثر شافعا

فوطَّدت للنُظَّار في الفقه دولة
وشدت لهم مجدا أثيلا ورائعا

وفجَّرت من علم البيان مَداركا
بدائع قد باتت قرونا منائعا

وجاشت سماءُ الفكر منك بعارض
من الفقه في التنزيل عَزَّ المُطالعا

مداركُ لم تخطر ببال ابنِ حرة
وأبكارُ أفكار سمَون فوارعا

فتوح من الرحمن جادت سِجامها
على الفكر فانداحت رياضا يوانعا

كذا يدْخَر الله المواهب عنده
ويفتح للأبواب منها المصارعا

فلله در الشاطبي ورَهطِه
بهم طُرُق التنزيل صرن شوارعا

فقل لِمريد الفقه دونك فاعتمد
موافقةً من فقهه تَغْدُ بارعا

خذ النص مشفوعا بحُكم وحكمة
ولا تَغدُ بالحكم المجرد قانعا

فإن تَعْشُ عن سر النصوص وقصدها
جهلت المعاني واعتسفت المرابعا

فما الفقه في الأحكام سرد أدلة
وتجميع أقوال تخص الوقائعا

ولكنه فقه المقاصد إذ به
مفاتيح تنزيل تصيب المواقعا

عليه اجتهاد الراشدين تأسست
مداركه العُليا حِفالا نوافعا

رَعَوْا مقصد الشرع الحكيم وحكَّمُوا
معانيَه اللائي سددن الذرائعا

ولم يعكفوا عند النصوص ويتركوا
مراميَها القصوى العتاق القواطعا

فقد تَعرِض الأحداث والحكم ظاهر
وتخفى أمور لا تلوح لوامعا

وحسبك بالفاروق إذ جاء حاطبٌ
بغلمانه يدعوه للحكم ضارعا

وقد سرقوا من بيته تحت حرزه
طعاما ونال الشِّبْعَ من كان جائعا

فقام بها الفاروقُ في الصَّحب معلنا
بمقصِد شرعِ الحد إذ جاء صادعا

ولم يرعَ لفظَ النص إذ بان أنهم
من الجوع مدوا للطعام الأصابعا

فما كان يعطيهم كفاية عيشهم
لِقاءَ الذي مِن كَدِّهِم راح جامعا

وحفظهمُ للنفس أمسى ضرورةً
بها يُدرأُ الحد الذي جاء راذعا

بنص لتنزيل وتقرير سنة
ومعلومِ شرعٍ صار في الناس شائعا

ولو لم يحكِّم مقصد الشرع فيهمُ
لقطَّع أيمانا وعفَّى منافعا

فلما رعى من مقصد النص ما رعى
وبدَّل أحكاما ظَهَرن قواطعا

تبيَّن أن الوجه في العدل ما قضى
وما كان عن قصد المشرِّع نازعا

وجيء لذي النورين يوما بمن زنت
بمولًى لها مِلْكِ اليمين مُطاوعا

رأت أنه حِلٌّ لها وهي تفتدي
بنص من التنزيل  هَزَّ المسامعا

وقامت به تحتجُّ في القولِ جهرةً
تأولت اللفظ الذي جاء نـاطقا

فأعـــرض ذو النــورين عنــها وجـــدًّ في
وتدلي بنص لا يرى منه مانعا

برفـــع  مــلام  وانتحــته  مـدافعا

                                                 براءتها  لما  رأى الصدق  وازعا
وحكَّم فيها مقصد الشرع إذ رأى
لها شُبهةً يبدو بها اللَّفظُ واقعا

وبان له مِن صَدعِها بدليلها
سبيلُ اجتهاد يدرأ الحد رافعا

ولو شاء أمضى الحكم من غير مُهلة
ولكنَّ ذا النورين صان الشرائعا

فليست قضايا الحكم في الناس كلِّهم
على سَنَن يجري به الحكم تابعا

ومن لم يقف عند المقاصد ناظرا
قضى ببَلِيَّاتٍ وأَدْنَى مَصارعا

وأجرى قضاءً بالظواهر ما رعى
مقاصدَها اللائي تُبين المواقعا

ونزَّلَها جهلا على غير وجهها
مُدِلاًّ بألفاظ يراها قوارعا

وصيَّر أحكام الشريعة كلَّها
جلاميدَ صخر قد سَددن المَهايعا

فكم من بريء طاله الحكم لم يكن
إليه سبيلٌ لو عرفنا الدوافعا

وكم جاهل بالشرع يقضي بجهله
ومِن جهله مَأتاهُ لو كان نازعا

ولو عرف العدلَ الذي فيه وارتضى
شريعته الغراء أذعن طائعا

وكيف وآيُ الذكر بالوحي فُصِّلَتْ
وأحكامه العليا حللن المَطالعا

وبيَّن خيرُ الخلق للناس سرَّها
بيانا به التشريع أشرق ساطعا

وأُكملَ أمرُ الدين وامتدَّ نورُه
وتمت أصول الشرع غُرّاً روائعا

وقد يسرت للذكر تتلى وتُحتذَى
وتَدمَغُ بالعجز الجريء المنازعا

وحُمِّلَ خير الناس سرَّ حروفِها
تراثا له اختيروا فزانوا الجوامعا

وقاموا ببذل الجهد في كل موقع
يذودون عن دين الإله الفواجعا

هتفنا بمجد الشاطبي وعلمه
وفاءً لمن بالفكر هز المضاجعا

وجدَّد للدين الحنيف أصوله
وتوَّج أهليه الكرامَ السمادعا

وسار له في الناس ذكر مبارك
وعرفانُ قدرٍ طبَّق الأرض واسعا

رعت عهدَه الدنيا تشيد بفضله
وتبني لذكراه الصروح الموانعا

وجاشت معاليه برابطة العُلا
سواجم بالفكر الأصيل صوادعا

فذرَّت لنظار المقاصد ندوةٌ
بها انتظم الإحسان والْحُسن واقعا

ولولا معان فيه ما التامَ جمعُها
ولا أطلعت منها النجومَ الطوالعا

ففيه مضى الإجماع شرقا ومغربا

                                             وصارت له الأقطار تعنو خواضعا

عليك أبا إسحاقَ فيضُ مَراحِمٍ
وبُوِّئت من عَليا الجِنان مَراتعا

ولازال نَفحٌ من شَذاك يعمُّنا
ويَنشُر نشرا من سجاياك ضائعا

ولازال موصولا لرابطة العُلا
مزيدُ ائتلاق يستجدُّ المواقعا

ودام رباط الفتح للفضل قِبلة
وللعلم دارا والمكارم جامعا

حَلَلْنَا بساطَ الشاطبي وضمَّنا
لقاءٌ له كنا نَعُدُّ السوائعا

جديرٌ بهذا الجمع تعميمُ ورده
كما يوعِبُ الغيثُ القُرى والمزارعا

فنسأل رب العرش إسباغ فضله
قريبا بلقياكم فما زال سامعا

وألْهَمَنا الشكرَ الجزيلَ على الذي
أتمَّ لنا من فضله متتابعا

عليـكم سـلام الله ما انْهَــلَّ ساجمٌ
بِرَقْـرَاقَ أو غنَّى المطوَّقُ ساجعا

أعدت القصيدة للمشاركة في ندوة المقاصد التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء بالرباط بمقر الندوة بفندق فرح بتاريخ: 06/06/2012م

الدكتور عبد الهادي حميتو

• عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق