مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةشذور

“علم الكلام” برأي الحسن اليوسي حدّاً وفائدةً وأحكاماً ومسائلاً من خلال حواشيه على كبرى السنوسي

 

عقد أبو المواهب الحسن بن مسعود اليوسي (ت.1102هـ) في كتابه الموسوم “حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي” مبحثا سماه: (المقدمة الأولى: في مبادئ علم الكلام وفي تفسير ما تستعمل فيه)، شرح فيه أقوال الإمام السنوسي في حديثه عن علم الكلام من حيث الحد والتسمية والمسائل والأحكام وغيرها. ومما جاء  في هذا المبحث قوله رحمه الله: 
قوله: (في حدِّ علم الكلام.. الخ)؛
– في حدِّه: ينبغي أن يعلم في هذا المقام أن مبادئ العلم التي تذكر بين يدي الشروع فيه عشرة وهي: اسمه، وحده، وموضوعه، وواضعه، واستمداده، ومسائله، ونسبته، وفائدته، وحكمه، وفضله، وهذه كلها محتاج إلى معرفتها في الجملة، إلا أن بعضها أَوْكد من بعض.
– مختلف أسماء علم الكلام: أما اسم هذا العلم، فاعلم أنه يسمى بثلاثة أسماء وهي: علم أصول الدين، وعلم التوحيد، وعلم الكلام، ويقال بحذف لفظة (علم) في الثلاثة فتكون الألقاب ستة، وبعضهم يسميه أيضا العلم الإلهي فتكون سبعة.
أما تسميته بالأول، فلأن سائر العلوم الدينية مبنية عليه، وأصل الشيء ما يبنى عليه الشيء..
غير أن هذا اللقب لا يختص بهذا العلم، بل يشاركه فيه أصول الفقه، لأن الدين ضربان: اعتقاد وعمل، ولكل منهما أصل يصدق عليه أنه أصل الدين، لكن كثر إطلاقه على الأول، وتسمية الثاني أصول الفقه.
وأما تسميته بالثاني، فلأنه مشتمل على توحيد الله تعالى تسمية له بأشرف أجزائه.
 وأما بالثالث، فلأن أهل الكلام يصدرون مباحثهم بقولهم: (الكلام في كذا، الكلام في هذا المبحث كذا). وقيل لكثرة الكلام فيه، لأن صاحبه يتكلم في الوجود المطلق أو المعلوم. 
وقيل لأن أهل الظاهر كانوا إذا سئلوا عن مسألة من مسائله قالوا: (هذا مما نهينا عن الكلام فيه)، فاشتهر بذلك حتى وقعت الإضافة. 
وقيل لأن مسألة الكلام، أهو قديم أم حادث سبب لوضع التصانيف فيه. 
وقيل لأنه كثر فيه من الكلام مع الخصوم والرد عليهم ما لم يكثر في غيره.
 وقيل لأنه يورث قدرة على الكلام في الشرعيات كالمنطق في الفلسفيات.
 وقيل لأنه هو الذي يستحق أن يسمى كلاما، كما يقال للأقوى من الكلامين هذا هو الكلام.
 وقيل غير ذلك.
وأما الرابع، فلأن المقصود من هذا العلم؛ معرفة الإله تعالى.
– الواضع لعلم الكلام والبحث فيه: وأما واضع هذا العلم فالشيخ أبو الحسن الأشعري، واسمه علي بن إسماعيل بن بشر بن إسحاق بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مالكي المذهب، وإليه تنسب جماعة أهل السنة، فيقال لهم أشعرية وأشاعرة، وكانوا قبل ذلك يلقبون بالمثبتة، إذ أثبتوا ما نفته المعتزلة..
– استمدادات علم الكلام: وأما استمدادات هذا الفن وتسمى مبادؤه أيضا، أي ما يتوقف الشروع عليه في مسائله فهي الأحكام الثلاثة: الوجوب والاستحالة والجواز، من حيث تصورها كما سيأتي عند المصنف، إذ المتكلم يثبتها تارة وينفيها أخرى. وذلك فرع تصورها، وبذلك تعلم أنها مبادئ من حيث تصورها، مسائل من حيث إثباتها ونفيها، لأنها هي التي تكون محمولات لمسائل العلم على ما يأتي إن شاء الله تعالى. والمحمول لا بد أن يتصور قبل وقوع التصديق، وحينئذ لا إشكال في كونها مبادئ ومطلوبة لاختلاف الجهة، وكذا شأن سائر المبادئ.
– مسائل علم الكلام: وأما مسائل هذا العلم، فاعلم أن مسائل العلم هي القضايا التي تثبت فيه بطريق القصد، وهي هنا القضايا المثبتة فيه إما بالبراهين العقلية، كثبوت الصانع وما له من الصفات المصححة للفعل، وإما بالدلائل النقلية كالحشر والنشر. وقد تكون هذه المسائل مبادئ لمسائل أخرى، كمباحث النظر ومباحث المعدوم والحال مثلا..
– نسبة علم الكلام من باقي العلوم الدينية: وأما نسبة هذا العلم من العلوم؛ أعني الدينية، كالتفسير والحديث والأصول والفقه، فهو كلي لها وهي له جزئيات، وذلك لأن المفسر ينظر في الكتاب فقط، والمحدث في السنة فقط، والأصولي في الدليل الشرعي فقط، والفقيه في فعل المكلف فقط، والمتكلم ينظر في الأعم؛ وهو الوجود، فيقسمه إلى قديم وحادث، ويقسم الحادث إلى قائم بنفسه وهو الجوهر، وقائم بغيره وهو العرض، والعرض إلى ما تشترط فيه الحياة كالعلم، وما لا كالبياض. ثم ينظر في القديم، وأنه واحد لا يتكثر في ذاته ولا يتركب، وأنه تجب له أوصاف، وتستحيل عليه أوصاف، وتجوز في حقه أحكام. وأن الفعل جائز في حقه، وأن العالم كله حادث من صنعه، وأنه دليل عليه، وأن بعثة الرسل من أفعاله الجائزة، وأنه قادر على تصديقهم بالمعجزات، وأنه وقع هذا الجائز، وحينئذ ينقطع حكم العقل، ويتلقى من النبي صلى الله عليه وسلم ما يرد عنه قول أو فعل أو تقرير.
فإذا بين المتكلم أن كل ما يرد من قبل الرسول حق، أخذ المفسر واحدا من هذا الوارد وهو القرآن، فتكلم عليه، وأخذ المحدث واحدا فقط وهو الحديث، وأخذ الأصولي واحدا فقط وهو الدليل الشرعي من الكتاب والسنة والإجماع، وأخذ الفقيه واحدا فقط وهو فعل المكلف من حيث نسبته إلى الحكم الشرعي، وهذه كلها إنما تثبت بعلم الكلام، فهو كلي لها.. 
– فائدة علم الكلام: وأما فائدة هذا العلم، فلا يخفى أن له فوائد أخروية، كالسلامة من العذاب المرتب على الكفر وسيء الاعتقاد، ودنيوية كرفع القتل وانتظام المعاش بالعدل ورفع الجور والتظالم.
– فضل علم الكلام: وأما فضل هذا العلم، فقد تقدم منه كثير، وتقدم كلام السعد في شرح النسفية، وقد قال في شرح المقاصد أيضا: (لما تبين أن موضوعه أعلى الموضوعات، ومعلومه أجل المعلومات، وغايته أشرف الغايات، مع الإشارة إلى شدة الاحتياج إليه، وابتناء سائر العلوم الدينية عليه، والإشعار بوثاقة براهينه لكونها يقينية تطابق عليها العقل والشرع، تبين أنه أشرف العلوم، لأن هذه جهات شرف العلم) انتهى. يعني لأن جهاته أشرف فيكون أشرف.
ثم قال: (وما نقل عن السلف من الطعن فيه، فمحمول على ما إذا قصد التعصب في الدين، وإفساد عقائد المبتدئين، والتوريط في أودية الضلال بتزيين ما للفلسفة من المقال) انتهى..
– حكم علم الكلام: وأما حكم هذا العلم، فقد تقدم فيه التفصيل بين فرض العين وفرض الكفاية، والنزاع في أنه هل هو كذلك أو مندوب إليه أو حرام هذا بحسب الإطلاق، فإن خص بالتفصيلي كما في تعريف ابن عرفة الآتي فقد تقدم ما فيه أيضا..
ثم شرع في ختام هذا المبحث بشرح كلام الإمام السنوسي والتعليق عليه..
(*) من كتاب: [حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي المسماة: عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل التوحيد] للإمام الفقيه الأصولي النظار: “أبي المواهب الحسن بن مسعود اليوسي” (المتوفى سنة 1102هـ)- تقديم وتحقيق وفهرسة: الدكتور حميد حماني اليوسي- مطبعة دار الفرقان للنشر الحديث/الدار البيضاء- الطبعة الأولى/2008- (بتصرف من ص: 306 إلى ص: 313).

عقد أبو المواهب الحسن بن مسعود اليوسي (ت.1102هـ) في كتابه الموسوم “حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي” مبحثا سماه: (المقدمة الأولى: في مبادئ علم الكلام وفي تفسير ما تستعمل فيه)، شرح فيه أقوال الإمام السنوسي في حديثه عن علم الكلام من حيث الحد والتسمية والمسائل والأحكام وغيرها. ومما جاء  في هذا المبحث قوله رحمه الله: 

قوله: (في حدِّ علم الكلام.. الخ)؛

في حدِّه: ينبغي أن يعلم في هذا المقام أن مبادئ العلم التي تذكر بين يدي الشروع فيه عشرة وهي: اسمه، وحده، وموضوعه، وواضعه، واستمداده، ومسائله، ونسبته، وفائدته، وحكمه، وفضله، وهذه كلها محتاج إلى معرفتها في الجملة، إلا أن بعضها أَوْكد من بعض.

مختلف أسماء علم الكلام: أما اسم هذا العلم، فاعلم أنه يسمى بثلاثة أسماء وهي: علم أصول الدين، وعلم التوحيد، وعلم الكلام، ويقال بحذف لفظة (علم) في الثلاثة فتكون الألقاب ستة، وبعضهم يسميه أيضا العلم الإلهي فتكون سبعة.

أما تسميته بالأول، فلأن سائر العلوم الدينية مبنية عليه، وأصل الشيء ما يبنى عليه الشيء..

غير أن هذا اللقب لا يختص بهذا العلم، بل يشاركه فيه أصول الفقه، لأن الدين ضربان: اعتقاد وعمل، ولكل منهما أصل يصدق عليه أنه أصل الدين، لكن كثر إطلاقه على الأول، وتسمية الثاني أصول الفقه.

وأما تسميته بالثاني، فلأنه مشتمل على توحيد الله تعالى تسمية له بأشرف أجزائه.

 وأما بالثالث، فلأن أهل الكلام يصدرون مباحثهم بقولهم: (الكلام في كذا، الكلام في هذا المبحث كذا). وقيل لكثرة الكلام فيه، لأن صاحبه يتكلم في الوجود المطلق أو المعلوم. 

وقيل لأن أهل الظاهر كانوا إذا سئلوا عن مسألة من مسائله قالوا: (هذا مما نهينا عن الكلام فيه)، فاشتهر بذلك حتى وقعت الإضافة. 

وقيل لأن مسألة الكلام، أهو قديم أم حادث سبب لوضع التصانيف فيه. 

وقيل لأنه كثر فيه من الكلام مع الخصوم والرد عليهم ما لم يكثر في غيره.

 وقيل لأنه يورث قدرة على الكلام في الشرعيات كالمنطق في الفلسفيات.

 وقيل لأنه هو الذي يستحق أن يسمى كلاما، كما يقال للأقوى من الكلامين هذا هو الكلام.

 وقيل غير ذلك.

وأما الرابع، فلأن المقصود من هذا العلم؛ معرفة الإله تعالى.

الواضع لعلم الكلام والبحث فيه: وأما واضع هذا العلم فالشيخ أبو الحسن الأشعري، واسمه علي بن إسماعيل بن بشر بن إسحاق بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مالكي المذهب، وإليه تنسب جماعة أهل السنة، فيقال لهم أشعرية وأشاعرة، وكانوا قبل ذلك يلقبون بالمثبتة، إذ أثبتوا ما نفته المعتزلة..

استمدادات علم الكلام: وأما استمدادات هذا الفن وتسمى مبادؤه أيضا، أي ما يتوقف الشروع عليه في مسائله فهي الأحكام الثلاثة: الوجوب والاستحالة والجواز، من حيث تصورها كما سيأتي عند المصنف، إذ المتكلم يثبتها تارة وينفيها أخرى. وذلك فرع تصورها، وبذلك تعلم أنها مبادئ من حيث تصورها، مسائل من حيث إثباتها ونفيها، لأنها هي التي تكون محمولات لمسائل العلم على ما يأتي إن شاء الله تعالى. والمحمول لا بد أن يتصور قبل وقوع التصديق، وحينئذ لا إشكال في كونها مبادئ ومطلوبة لاختلاف الجهة، وكذا شأن سائر المبادئ.

مسائل علم الكلام: وأما مسائل هذا العلم، فاعلم أن مسائل العلم هي القضايا التي تثبت فيه بطريق القصد، وهي هنا القضايا المثبتة فيه إما بالبراهين العقلية، كثبوت الصانع وما له من الصفات المصححة للفعل، وإما بالدلائل النقلية كالحشر والنشر. وقد تكون هذه المسائل مبادئ لمسائل أخرى، كمباحث النظر ومباحث المعدوم والحال مثلا..

نسبة علم الكلام من باقي العلوم الدينية: وأما نسبة هذا العلم من العلوم؛ أعني الدينية، كالتفسير والحديث والأصول والفقه، فهو كلي لها وهي له جزئيات، وذلك لأن المفسر ينظر في الكتاب فقط، والمحدث في السنة فقط، والأصولي في الدليل الشرعي فقط، والفقيه في فعل المكلف فقط، والمتكلم ينظر في الأعم؛ وهو الوجود، فيقسمه إلى قديم وحادث، ويقسم الحادث إلى قائم بنفسه وهو الجوهر، وقائم بغيره وهو العرض، والعرض إلى ما تشترط فيه الحياة كالعلم، وما لا كالبياض. ثم ينظر في القديم، وأنه واحد لا يتكثر في ذاته ولا يتركب، وأنه تجب له أوصاف، وتستحيل عليه أوصاف، وتجوز في حقه أحكام. وأن الفعل جائز في حقه، وأن العالم كله حادث من صنعه، وأنه دليل عليه، وأن بعثة الرسل من أفعاله الجائزة، وأنه قادر على تصديقهم بالمعجزات، وأنه وقع هذا الجائز، وحينئذ ينقطع حكم العقل، ويتلقى من النبي صلى الله عليه وسلم ما يرد عنه قول أو فعل أو تقرير.

فإذا بين المتكلم أن كل ما يرد من قبل الرسول حق، أخذ المفسر واحدا من هذا الوارد وهو القرآن، فتكلم عليه، وأخذ المحدث واحدا فقط وهو الحديث، وأخذ الأصولي واحدا فقط وهو الدليل الشرعي من الكتاب والسنة والإجماع، وأخذ الفقيه واحدا فقط وهو فعل المكلف من حيث نسبته إلى الحكم الشرعي، وهذه كلها إنما تثبت بعلم الكلام، فهو كلي لها.. 

فائدة علم الكلام: وأما فائدة هذا العلم، فلا يخفى أن له فوائد أخروية، كالسلامة من العذاب المرتب على الكفر وسيء الاعتقاد، ودنيوية كرفع القتل وانتظام المعاش بالعدل ورفع الجور والتظالم.

فضل علم الكلام: وأما فضل هذا العلم، فقد تقدم منه كثير، وتقدم كلام السعد في شرح النسفية، وقد قال في شرح المقاصد أيضا: (لما تبين أن موضوعه أعلى الموضوعات، ومعلومه أجل المعلومات، وغايته أشرف الغايات، مع الإشارة إلى شدة الاحتياج إليه، وابتناء سائر العلوم الدينية عليه، والإشعار بوثاقة براهينه لكونها يقينية تطابق عليها العقل والشرع، تبين أنه أشرف العلوم، لأن هذه جهات شرف العلم) انتهى. يعني لأن جهاته أشرف فيكون أشرف.

ثم قال: (وما نقل عن السلف من الطعن فيه، فمحمول على ما إذا قصد التعصب في الدين، وإفساد عقائد المبتدئين، والتوريط في أودية الضلال بتزيين ما للفلسفة من المقال) انتهى..

حكم علم الكلام: وأما حكم هذا العلم، فقد تقدم فيه التفصيل بين فرض العين وفرض الكفاية، والنزاع في أنه هل هو كذلك أو مندوب إليه أو حرام هذا بحسب الإطلاق، فإن خص بالتفصيلي كما في تعريف ابن عرفة الآتي فقد تقدم ما فيه أيضا..

ثم شرع في ختام هذا المبحث بشرح كلام الإمام السنوسي والتعليق عليه..

 

(*) من كتاب: [حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي المسماة: عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل التوحيد] للإمام الفقيه الأصولي النظار: “أبي المواهب الحسن بن مسعود اليوسي” (المتوفى سنة 1102هـ)- تقديم وتحقيق وفهرسة: الدكتور حميد حماني اليوسي- مطبعة دار الفرقان للنشر الحديث/الدار البيضاء- الطبعة الأولى/2008- (بتصرف من ص: 306 إلى ص: 313).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق