غير مصنف

علماء الأحياء في طريقهم لصنع خلايا شبه حية من اللاشيء

لم يكن هناك سوى ثمانية مكونات، هي: بروتينان، وثلاثة مواد منظمة للحمضية، ونوعان من جزيئات الدهون، وبعض الطاقة الكيميائية، غير أن هذا كان كافيًا لإنشاء مجموعة كبيرة من الكتل النابضة المتقافزة؛ هي بِنًى أولية شبيهة بالخلايا، مع شىء من الآلية اللازمة لها؛ كي تنقسم من تلقاء نفسها.بالنسبة إلى عالمة الفيزياء الحيوية بترا شفيل، تمثل هذه الكتل المبتكرة الراقصة في مختبرها خطوة مهمة نحو بناء خلية اصطناعية تصاعديًّا، وهو ما سعت إليه على مدار السنوات العشر الماضية، وعكفت عليه مؤخرًا في معهد ماكس بلانك للكيمياء الحيوية في مارتنسريد بألمانيا.تقول شفيل: “لطالما داعب هذا السؤال مخيلتي: “ما الذي يميز بين أشكال الحياة والمواد غير الحية؟” ووفقًا لشفيل، يكمن التحدي في تحديد المكونات اللازمة لإنشاء نظام حي.

وفي الخلية الاصطناعية المثالية التي تتصورها، سوف تتمكن من التعرُّف على كل عامل من العوامل التي تجعل الحياة تدب بالخلية .يحاول الباحثون إنشاء خلايا اصطناعية منذ أكثر من 20 عامًا، وذلك عبر تجميع الجزيئات حيوية المنشأ معًا في السياق الصحيح؛ للاقتراب من تشكيل ملامح الحياة المختلفة.

وعلى الرغم من وجود الكثير من هذه الملامح، فهي تندرج عمومًا تحت ثلاث فئات: القدرة على الانقسام، أو بعبارة أخرى القدرة على الفصل بين الجزيئات حيوية المنشأ في الفراغ؛ والأيض، وهو الكيمياء الحيوية التي تحافظ على الحياة؛ والتحكم في المعلومات، أي تخزين التعليمات الخلوية وإدارتها.

وقد ظلت وتيرة العمل في هذا الصدد تتسارع، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًّا إلى التطورات التي حدثت مؤخرًا في تقنيات الموائع الدقيقة، والتي تتيح للعلماء تنسيق تحركات المكونات الخلوية الدقيقة. وقد حددت مجموعات بحثية بالفعل طرقًا لنحت الكتل الشبيهة بالخلايا، بحيث تصير بالأشكال المطلوبة، وحددت كذلك طرقًا لإنشاء صيَغ أولية من عمليات الأيض الخلوي، وغرس الجينومات المصنوعة يدويًّا في الخلايا الحية، غير أن الجمع بين كل هذه العناصر لا يزال يشكل تحديًا.

مع ذلك، فهذا المجال يغمره شعور جديد بالتفاؤل حيال إنجاز هذه المهمة؛ ففي سبتمبر عام 2017، شكَّل باحثون من 17 مختبرًا في هولندا مجموعة بحثية، تحت اسم “بناء خلية اصطناعية”، (يُشار إليها اختصارًا باسم BaSyC)، وهي مجموعة تهدف إلى بناء “نظام يشبه الخلية، ينمو وينقسم” في غضون عشر سنوات، وذلك وفقًا لما ذكرته عالمة الفيزياء الحيوية ماريلين دوغتيروم، التي تدير مجموعة BaSyC، ومختبرًا في جامعة دلفت للتكنولوجيا. وقد انطلق المشروع برعاية منحة من برنامج «داتش جرافيتيشن» Dutch Gravitation بقيمة 18.8 مليون يورو (21.3 مليون دولار أمريكي).وفي شهر سبتمبر من عام 2018، أعلنت المؤسسة الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة (NSF) عن أول برامجها للخلايا الاصطناعية، بتمويل يصل إلى 10 ملايين دولار.

وقد اقترح العديد من الباحثين الأوروبيين – ومنهم شفيل – أن يتم اعتبار بناء الخلية الاصطناعية أحد «المخططات الرائدة» ضمن برنامج «التقنيات المستقبلية والناشئة»، التابع للمفوضية الأوروبية، وهي المخططات التي يُخصص لها تمويلًا قدره مليار يورو.ويتنبأ علماء الأحياء التركيبية التصاعدية بأن أُولى الخلايا التي يتم إنتاجها اصطناعيًّا بشكل كامل قد تخرج إلى النور في فترة تربو قليلًا عن عقد من الزمان. في ذلك، تقول شفيل: “أنا متأكدة – إلى حد كبير – من أننا سنصل إلى هذه المرحلة”.

1 2الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق