مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

علال الفاسي

ولد علال الفاسي في (8 من المحرم 1328هـ/ 20 من يناير 1910م) في مدينة فاس المغربية، ونشأ في بيت علم ودين، فأبوه السيد عبد الواحد كان يشتعل بالتدريس في جامعة القرويين، وعمل بالقضاء لعدة سنوات.

التحق علال الفاسي وهو دون السادسة من عمره بالكُتّاب، حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بعد ذلك بإحدى المدارس التي أنشأها زعماء الحركة الوطنية في فاس، وكانت المغرب آنذاك قد خضعت للحماية الفرنسية سنة (1330هـ / 1912هـ).

ثم انتقل بعد ذلك إلى جامعة القرويين، وهي واحدة من أهم جامعات العالم الإسلامي، تخرج فيها كل زعماء الحركة الوطنية المغربية، وحفظت لبلاد المغرب  لسانها العربي وثقافتها الإسلامية.

وبرزت شخصية علال في هذه الفترة وهو لا يزال طالبا، ولفت الأنظار إليه بفصاحته وعذوبة لسانه وقدرته على التأثير في مستمعيه، وجرأته في قول الحق غير هياب ولا وجل، فساعد عبد الكريم الخطابي في جهاده ضد الاحتلال الفرنسي، ودفعته همته إلى تأليف جمعية أطلق عليها “جمعية القرويين لمقاومة المحتلين” جمع إليها زملاءه من الطلاب، وظل علال الفاسي على نشاطه الدائب حتى نال شهادة العالمية من جامعة القرويين سنة (1351هـ=1932م) ولم
يتجاوز عمره الثانية والعشرين.

ولم يقف علال الفاسي مكتوف اليد إزاء التدابير الماكرة للمستعمر وخصوصا بعد صدور الظهير البربري، فقام بإلقاء الخطب والدروس يعرّف أهل وطنه بحقيقة ما يدبر لهم بالخفاء، ويثير الحمية في نفوسهم ويطالبهم بالثورة والاحتجاج، وكان لصدق لهجته أثر كبير في استجابة الناس له.

وبعد أن أصدر المحتل الفرنسي قرارا باعتقال علال الفاسي حمل في (28 من شعبان 1356هـ/ 3 من نوفمبر 1937م) في طائرة خاصة إلى منفاه بالجابون، وكانت مستعمرة فرنسية في إفريقيا الاستوائية.

وظل في منفاه تسع سنوات حيث أودع زنزانة مظلمة عانى فيها آلام الوحدة والغربة، ولم يُسمح له بالحصول على مصحف يقرأ فيه إلا بعد عام ونصف من الاعتقال.

ولم يعد إلى وطنه إلا في سنة (1366هـ/ 1946م) ليواصل أداء دوره الناهض، فسافر إلى فرنسا، وكتب في الصحف هناك داعيا إلى استقلال بلاده، ثم غادر فرنسا وزار عددا من البلاد العربية، ثم حط رحاله في القاهرة التي أحسنت استقباله، وظل مقيما بها حتى نال المغرب استقلاله؛ فعاد إلى بلاده سنة (1377هـ/ 1957م).

وعاود نشاطه القديم فتولى رئاسة حزب الاستقلال الذي أنشئ من قبل، واختير عضوا رئيسيا في مجلس الدستور لوضع دستور البلاد، ثم انتخب رئيسا له، وقدم مشروع القانون الأساسي، وشارك في وضع الأسس الأولى لدستور سنة 1962م، ودخل الانتخابات التي أجريت سنة (1383هـ/1963م)
ودخل الوزارة، وإليه يرجع الفضل في إنشاء مشروع وزارة للدولة مكلفة بالشئون الإسلامية. وإلى جانب ذلك انتخب عضوا مراسلا في مجمع اللغة العربية بدمشق، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة.

 وقد أخرج علال الفاسي أكثر من عشرين كتابا في ميادين الثقافة المختلفة، فألف في التاريخ كتابه: “الحركات الاستقلالية في المغرب العربي” بناء على تكليف من جامعة الدول العربية، وكتابه: “المغرب العربي منذ الحرب العالمية الأولى” وأصله محاضرات ألقاها سنة 1955م على طلبة قسم الدراسات التاريخية والجغرافية في معهد الدراسات العربية التابع للجامعة العربية.

وفي مجال الشريعة الإسلامية وضع كتابه المعروف: “مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها” وهو في أصله محاضرات ألقاها على طلبة الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط وطلبة كلية الحقوق بفاس والشريعة بجامعة القرويين، وكتاب: “دفاع عن الشريعة” الذي ألفه بهدف بيان حقيقة الشريعة وما فيها من محاسن وما لها من مميزات وكونها شريعة صالحة لكل زمان ومكان مع بيان مقاصد القوانين الاستعمارية التي ورثناها وما فيها من دس وغش وهدم للعدل وكيان
الأمة الإسلامية.

وله أيضا كتابان آخران هما: “المدخل للفقه الإسلامي”، و”تاريخ التشريع الإسلامي”، وقد أوضح فيهما بأدلة قاطعة أن القوانين الغربية وحتى الفقه الروماني في صورته الموجودة اليوم تأثرت بالفقه الإسلامي واستمدت منه عن طريق الشراح والمفسرين الذين أخرجتهم مدرسة بولونيا الإيطالية وغيرها من المدارس الأوربية، وهؤلاء تأثروا بالثقافة العربية التي وصلتهم عن طريق الأندلس.

 ومن أهم كتبه: “النقد الذاتي” وقد تضمن معظم آرائه وتوجهاته الإصلاحية، وحدد فيه المنهج الفكري لبناء المغرب المستقل. وألف في ميدان الاقتصاد والاجتماع والوحدة والتضامن عدة كتب، منها: “معركة اليوم والغد”، و”دائما مع الشعب”، و”عقيدة وجهاد”

وشاء الله أن توافي علال الفاسي منيته وهو في ميدان العمل والجهاد، حيث توفي في بوخارست عاصمة رومانيا، وهو يعرض على رئيسها انطباعاته عن زيارته التي قام بها وفد حزب الاستقلال المغربي برئاسته، ويشرح قضية المغرب وصحراء المغرب، ونضال الشعب الفلسطيني في سبيل نيل حريته وأرضه، وخرجت روحه الطاهرة بعد ظهر يوم الإثنين (20 من ربيع الآخر 1394هـ/ 13 من مايو 1974م).

Science

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق