مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

عقيدة الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني (ت.418هـ) ـ تقديم ونشر ـ

عقيدة الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني (ت.418هـ) ـ تقديم ونشر ـ

توطئة

كثير من أساطين الفكر الأشعري ممن برّزوا في علم الكلام وألفوا فيه عيون الكتب من  المطولاتِ والأمهات قد أخنى الدهر على إنتاجهم العلمي حتى بات في حكم المفقود أو المجهول، ومن جِلة هؤلاء الإمامُ النظار أبو إسحاق الإسفراييني؛ فقد انطمست عين أعماله الكبرى كجامع الحلي في أصول الدين* وحاق بالأخرى من الإهمال والتقصير ما جعلها مطوية الذكر محجوبة العين تفتقر إلى قائف يتحسّس مَخبرها ويتعهد قرطاسها بالعناية ليخرجها من دياجير سراديب المخطوطات إلى أضواء رفوف المكتبات والمطبوعات، ومن جملتها عقيدته التي نعرض لها اليوم.

ولا شك أن المتأمل في الإنتاج العلمي الأشعري يجد، من حيث مناهجُ التأليف وأحجام المصنفات وأشكال التقييد، أضربا متمايزة ووجوها متضايفة بحسب حق الوقت من الدواعي والحوامل التي تُنهِض العلماء إلى الكتابة والتحرير، وبحسب مراتب الفئات المتوجه إليها بالخطاب، ومن جهة قصد الإلمام بجميع أبواب الكلام أو القصْر على باب واحد من أبوابه أو موضوع من موضوعاته، وأيضا بالنظر إلى الرؤية التي يصدر عنها المؤلف للموضوع نفسه ـ وقد تكون دينية محض أو فلسفية مجردة أو مدفوعة بواجب التأريخ أو ممزوجة بالهموم التربوية والتعليمية أو محكومة باختيارات سياسية.. ـ لذلك تعددت وجوه التصنيف والتأليف في علوم الكلام والعقائد؛ فكان منها الكتب والمصنفات المطولة، سواء كانت إنتاجا أُنُفا أو شرحا لمتن مشهور أو نقضا له، ومنها الأجوبة والردود المختصرة، ومنها الملخصات والتقييدات المركزة، والتعليقات والحواشي المستطرَدة، ومنها أيضا الأنظام والأراجيز والقصائد (وإن كان النظم وجها من وجوه التأليف قد ظهر بصورة أكبر مع المتأخرين). ولو استدعيت أسامي الكتب وعناوين المصنفات مما ينتسب إلى كل قسم من هذه الأقسام لخرجنا عن مقصود هذا التقديم.

وقد جرت عادة كثير من علماء الكلام الأشاعرة أن يجعل التأليف في تقرير أصول الدين أفنانا ومراتبَ تراعي حال المتلقين والمتعلمين وتلائم تفاوت مداركهم في الفهم والاستيعاب؛ وهذا ما أفسر به تأليف عدد وافر منهم لأكثر من “رسالة” أو “إملاء” أو “عقيدة” أو “كراسة” في تقرير المعتقدات الدينية التي يدين بها، كما هو الحال عند الإمام السنوسي (ت.895هـ) مثلا في عقائده؛ “الكبرى” والوسطى” و”الصغرى” و”صغرى الصغرى” و”الحفيدة” و”المفيدة”، فضلا عن شروحه على جملة منها(1). وغالبا ما يخلف الواحد منهم “عقيدة” ـ يمليها أو يحررها ـ تكون مُعَنوَنة باسمه مضمومة إليه، يجعلها تقريرا عقديا أو بيانا إيمانيا يلخص فيه أصول الاعتقاد ومعاقد الإيمان التي ينفصل بها المكلَّف عن الشرك والكفر، أو التعطيل والتشبيه في الصفات، ويتخلص بها من أسباب الجهل والجحْد. وفي أكثر الأحايين تكون هذه العقيدة، من حيث الحجمُ صغيرةَ الجرم، ومن جهة المنهج تقريريةً بعيدة عن المحاججة والاستدلال التفصيلي ومعرِضة عن ذكر آراء الخصوم والمذاهب المخالفة. وفي هذا القبيل تندرج عقيدة الإسفراييني.

وقبل أن نعرّج على مضامينها، يحسن بالمقام أن نسطر جملة من الفوائد الجزئية يفيد منها المبتدي ولا يضجَر بها المنتهي؛

ـ أولاها ضرورة التمييز بين عدد من الإسفرايينيين ممن له شأو في علوم الكلام والاعتقاد. ومن أنجب هؤلاء:

← أبو إسحاق الإسفرايني (ت.418هـ) تلميذ أبي الحسن الباهلي تلميذ شيخ المذهب أبي الحسن الأشعري (ت.324هـ)، وهو صاحب العقيدة التي نقدم لها في هذه الورقة(2).

← أبو القاسم الإسفرايني المعروف بالإسكاف أو الإسكافي (ت.452هـ) تلميذ أبي إسحاق الإسفرايني وشيخ إمام الحرمين الجويني (ت.478هـ) في الأصلين(3).

← أبو المظفر الإسفرايني (ت.471هـ) صاحب الكتاب المشهور “التبصير في الدين”؛ وهو تلميذ أبي منصور البغدادي (ت.429هـ) وصهره(4).

← أبو الفتوح محمد بن الفضل بن محمد بن المعتمد الإسفرايني (ت.558هـ) الزاهد الواعظ المعروف بابن المعتمد؛ وهو شيخ الحافظ ابن عساكر (ت.571هـ)(5)؛ جعله السبكي في طبقاته «أوحد وقته في مذهب الأشعري»(6).

← أبو العون شمس الدين محمد السَّفاريني الحنبلي (ت. 1188هـ) صاحب “الدُّرّة المُضية في عقد أهل الفرقة المَرضية” المشهورة بـ”العقيدة السَّفارينية” وهي عبارة عن منظومة في العقائد على الطريقة الأثرية وإن تشربت بعضا من الأشعرية(7).

← أبو حامد الإسفرايني (ت.406) شيخ الشافعية في زمانه(8)؛ عدّه بعض العلماء مجددَ السنة الرابعة. وقد أوردته في جملةِ من ذكرت لما أُثِر عنه من تشنيع شهير على أصحاب الكلام عموما وعلى الباقلاني (ت.403هـ) ـ عصريِّه ـ خصوصا(9).

ـ ثانيتها أن لقب “الأستاذ” عند الأشاعرة إذا أطلق مجردا انصرف إلى أبي إسحاق الإسفرايني تحديدا. نعم؛ قد تقاسم شرفَ هذا اللقب جِلةٌ من علماء الأشعرية أشهرهم أبو سهل الصعلوكي (ت.369هـ) تلميذ أبي الحسن الأشعري، وابن فُورَك (ت.406هـ) على ما نجده مثلا في كتب الجويني (ت.478هـ) وصاحب التبيين ابن عساكر (ت.571هـ) وشارح الإرشاد المقترَح (ت.612هـ) والآمدي (ت.631هـ) وغيرها(10)، بل حلّى ابن عساكر في تبيينه ـ عدا من ذكرت ـ عددا وافرا من رجال المذهب بهذا اللقب منهم أبو منصور البغدادي وأبو القاسم الإسفرايني المذكوران آنفا وأبو القاسم القشيري (ت.465)(11)، إلا أن إمعان النظر في كتب المذهب ـ بل وكتب الطبقات والتراجم ـ والحذقَ بأسماء رجاله وكُناهُم وألقابِ الوجهاء منهم يبين أن هنالك ألقابا وتحْليات إذا ما أطلِقت مجردةًّ دون ضمّ أسماء الأعلام إليها فإنها تنسحب على أعلام بأعيانهم، وذلك من قبيل: “الشيخ” و”القاضي” و”الإمام” و”الأستاذ”٭٭، ومن هذه الألقاب المُرسلة اختُص أبو إسحاق الإسفرايني بلقب “الأستاذ” دون سائر علماء المذهب؛ فإذا عثرتَ على هذا الإرسال في مصادر الأشعرية ومراجعها ـ وهو كثير جدا لا يحصى(12) ـ فاعلم أن المقصود به هو صاحب العقيدة مناسبةِ هذا التقديم، ولا يُستدرك على هذه الدعوى باحتمال قصد أحد من ذكرت أعلاه ممن لُقبوا بهذا اللقب أيضا؛ فإن ابن فورك ـ وهو قسيمُه في هذا اللقب أكثر من غيره ـ إذا اجتمع اسمه باسم أبي إسحاق في الموضع نفسه أو التقيا معا في الحكاية عن المذهب خُصَّ الثاني غالبا بلقب الأستاذ دون الأول(13). وقد أسعفنا صاحب “كشف الظنون” في ترجمته لكتاب الجامع لأبي إسحاق فزاد على إثبات اسمه وكنيته بقولِه «الشهير: بالأستاذ»(14). ولا غرو، إذن، إن وجدتَ مقرري المذهب وشارحيه يرسلون هذا اللقب ابتداء دون أن يكون مسبوقا في مواضع سابقة بذكر لاسم الإسفرايني(15)، ما يعني أنه صار أشبه باسم علم إذا ذكر مرسلا انصرف إلى صاحبنا دون منازع.

ـ وثالثة الفوائد أن من ذكرتهم من الإسفراينيين ينتسبون إلى بلدة إسفراين (أو أسفرايين Esfarayen) الواقعة حاليا في شمال شرقي إيران، وقد كانت فيما مضى «بليدة حصينة من نواحي نيسابور على منتصف الطريق من جرجان»(16)، تخرّج منها عدد كبير من العلماء والفقهاء والمحدثين ذكرهم أصحاب معاجم البلدان(17). وينبغي أن يُميز بينها وبين سَفَّارين saffarin، وهي قرية من قرى نابلس بفلسطين، وإليها ينتسب أبو العون محمد السفاريني المذكور صاحب “العقيدة السفارينية”، وقد تعمدت ذكره ضمن الأعلام المصفوفةِ أسماؤُهم في الفائدة الأولى ـ وإن لم يكن من طائفة “الإسفرايينيين” ـ للشبه الواقع في النسبة إلى سفّارين وإسفراين ولمكانة الرجل في علوم الاعتقاد واحتفاف المتأخرين بمنظومته؛ حتى إذا وقع الاشتباه رفعناه. على أن نسبة صاحبنا أبي إسحاق إلى بلدة “إسفراين”  تُضبَط كتابة في كتب المذهب على وجوه ثلاثة؛ الإسفراييني والإسفرايني والإسفرائني (18)، فاعلم ذلك وحققه فلا مشاحة بينها.

ولأبي إسحاق الإسفراييني في صرح المذهب الأشعري لبنات وضعها وأعمدة شيدها جعلته واحدا من أسنمة الأشعرية في زمانه (إضافة إلي القاضي الباقلاني (403 ـ والأستاذ ابن فورك)، وقد عُدّت أقواله ومذاهبه في النظر والاستدلال من مآتي المذهب الأشعري ومصادره التي لا يستغني عنها المتكلمون من “أهل السنة” إلى يوم الناس هذا، واختلافه في المسائل الكلامية والأصولية داخل المذهب محلٌّ لكل اعتبار لدى الأشاعرة وغيرهم(19). ولئن رُزئ المتخصصون والباحثون بفقد كبريات مصنفاته التي نقل عنها من جاء بعده من المتكلمين والمؤرخين؛ من قبيل: “المختصر في الرد على أهل الإعتزال والقدر”، و”كتاب الوصف والصفة”، و”تحقيق الدعاوي”، وكتاب “الجامع” المذكور آنفا ـ وهو أكبرها ـ(20)، فإن عقيدته قد انحفظت من الضياع وتمكنا من التعرف إليها بفضل جهود أحد الباحثين الغربيين المتميزين وهو الدكتور Richard M. Frank، والذي أعتبره من أكثر “المستشرقين” المتخصصين في النصف الثاني من القرن العشرين في تاريخ علم الكلام والمذاهب العقدية، وأعماله جديرة بالاهتمام، من أهمها:

– Philosophy, Theology And Mysticism in Medieval Islam.

وهو عبارة عن ثمان وثلاثين مقالة منشورة في ثلاثة أجزاء(21)، منها:

→ classical islamic theology : the Mu’tazilites and al-Ash’arȋ -Texts and studies on the Devlopment and History of Kalᾱm , vol. II.

 → classical islamic theology : the ash’arites  -Texts and studies on the Devlopment and History of Kalᾱm, vol. III.

وفي هذا الجزء ضمّن تحقيقه لعقيدة الأستاذ الإسفراييني.

Al-Ghazali and the Ashárite School (Duke Monographs in Medieval and Renaissance Studies). 

Beings & Their Attributes: The Teaching of the Basrian School of the Mu’Tazila in the Classical Period.

وللرجل مقالات كثيرة تمت ترجمتها إلى العربية من بينها: “علم الكلام” منشورة في كتاب “دراسات في تاريخ علم الكلام والفلسفة”(22). والمقالة المذكورة تقدم عرضا وصفيا ونقديا بعيون أجنبية لمفهوم الكلام ـ أو علم الكلام ـ ولطبيعة المباحث والمناهج المطروقة والمسلوكة فيه.

و”عقيدة الأستاذ” التي حققها الدكتور فرانك بالكاد نجد لها ذكرا في كتب المذهب؛ إذ غالبا ما ينقل المتكلمون أقوال الأستاذ ـ على كثرتها ـ دون الإحالة على أسماء الكتب المنقول منها، وإذا ذُكِرت فلا تكاد تخرج عن كتابيه “الجامع” (23) و”المختصر”(24)، أما عقيدته فلم أقف على من نقل منها من المتكلمين الأشاعرة الكبار، وإنما نصّ عليها حاجي خليفة في كتابه المشهور باسم “عقيدة الأستاذ أبي إسحاق”(25)، وقد عثرت بعد تبييض هذه الورقة على اسم لشرح على هذه العقيدة بعنوان: “المسالك السديدة والمعاني الوحيدة في شرح كلام الأستاذ أبي إسحاق رحمه الله في العقيدة” لصاحبه أبي عبد الله محمد بن جعفر ابن يحيى بن هارون الصنهاجي(26).

والحق أن عقيدة الأستاذ قد جاءت مضغوطة المباني غزيرة المعاني؛ تحتاج لمن يفكها فكا ويفتحها فتحا بشرح مصطلحاتها وتذليل مداليلها، ولعل الشرح المذكور يكون سادا هذا المسدّ وإنه لبيْن يدي من هو جدير بالتحقيق أمين على نصوص التراث.

يبين الأستاذ في مفتتح عقيدته الداعي إلى تحريرها وترتيب معاقدها متمثلا في الاختلاف الحاصل ـ بين من سماهم “أهلَ الحق” ـ في صفة المؤمن وما نجم عنه من تعدد الفتاوي واختلافها. ولئن كان هذا هو الداعي فإن الفئة المقصودة بمخاطبتها هي “طائفة” من المسلمين وسمَها الإسفراييني بـ”الجهالة” في الدين و”العداوة” لأهل التوحيد. وفي تقديري فإن هذه الأوصاف تنطبق على من ينعتهم الأشعرية بالحشوية؛ إذ اجتمع في هذه الفئة الجمود على ظواهر النصوص جهلا بعلوم الدين، والعداوة العمياء لأهل الكلام، علما بأن المتكلمين الأشاعرة هم الأحظى عند الإسفراييني بلقب أهل التوحيد.

والمهم أن الأستاذ قرر في هذه العقيدة ستة وعشرين أصلا جعلها مما لا بد منه عند جميع الطوائف من أهل الإسلام، ثم تحدث عن اختلاف العلماء في مسألة التقليد في الاعتقاد والحكم على المقلد بالإيمان أو الكفر، وأعقب ذلك بذكر دليل كل أصل من هذه الأصول بطريق الاقتصاد في الاستدلال مقارنة مع طريقة التفريع والتفصيل في الكتب المطولات، وجعل كل ذلك “مقدمة” للإقرار بالإسلام الذي يثبت به اسم الإيمان وأحكامه المبنية عليه.

وفيما يلي نص عقيدة الأستاذ الإسفراييني كما حققها ونشرها الدكتورRichard M. Frank(27).

عقيدة للأستاذ ابن(28) إسحاق الإسفرائني

بسم الله الرحمن الرحيم.

قال الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفرائني رضي الله عنه:

ولما وقع الاختلاف بين أهل الحق في صفة المؤمن، ورأيت الفتاوى في الأحكام على غاية الاختلاف عند السؤال، رتبت في أقلّ ما يحتاج إليه على قول الجماعة وأتبعته ما يعطيه عند الكافة ليقف عليه المدّعي علمَ الشريعة، ويزيل عن نفسه تغيير أهل الدراية، ويجوّز فتواه عند أهل المعرفة، ويستحق اسم الإيمان على قول من ينتسب إليهم في علم التوحيد والعقول، ويلقن الصبيان عند البلوغ فيكونوا مؤمنين عند الخطاب.

ولولا وجوبه عليّ بالشريعة لكنت لا أجمعه لهذه الطائفة مع ما غلب عليهم من الجهالة وما استشعروه لأهل التوحيد من العداوة لقصورهم عن هذه الرتبة.

والذي لا بد لهذه التسمية:

1ـ اعتقاد حدث العالم.

2ـ ثم الاعتقاد بأن العالم عبارة عن كل شيء سوى الله تعالى.

3ـ ثم الاعتقاد بأن له محدثا.

4ـ ثم الاعتقاد بأن محدِثه قديم.

5ـ ثم الاعتقاد بأنه لا يشبه شيئا من المخلوقات، وتحقيقه أنه لا يتصور في الوهم وما دونه يقبل هذه الصفة.

6ـ ثم الاعتقاد باستحالة الحدِّ والنهاية عليه.

7ـ ثم الاعتقاد بأنه ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض.

8ـ ثم الاعتقاد بأنه مستغن عن الأغيار. وعبّر بعض أهل الخطابة عنه بأن قال: “الاعتقاد بنفي الكيفية والكمية والإينية واللمية”.

9ـ ثم الاعتقاد بأنه حي عالم قادر مريد سميع بصير متكلم له حياة وعلم وقدرة وإرادة وسمع وبصر وكلام لم يزل ولا يزال هو موصوفا بهذه الصفات، ولا يشبه شيء منها شيئا من صفات المخلوقين ولا يقال فيها “إنها هو ولا غيره” ولا “لا هي هو وغيره”، ويستحيل أن يقال إنها تفارقه أو تجاوره أو تخالفه أو توافقه أو تحله، بل هي صفات له تقوم به.

10ـ ثم الاعتقاد بأن قدرته تعمّ المقدورات وعلمَه يعم المعلومات، لم يزل كان عالما بجميعها على أوصافها في ذواتها، وإرادته تعمّ المرادات على أوصافها في ذواتها لا يكون إلا ما يريد ولا يريد إلا ما يكون.

11ـ ثم الاعتقاد بأن لا إله غيره ولا خالق سواه.

12ـ ثم الاعتقاد بأنه شيء واحد وتحقيقه أنه لا يتبعّض في الوهم ولا يتجزأ في العقل وهو تفسير “الأحد الصمد”.

13ـ ثم الاعتقاد بأنه لا يجوز عليه شيء مما جاز على المحدَثات فدلّ على حدوثها؛ ومعناه أنه لا يجوز عليه الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ولا المحاذاة ولا المقابلة ولا المماسة ولا المجاورة ولا قيام شيء حادث به ولا بطلان صفة أزلية عنه ولا يصح العدم عليه.

14ـ ثم الاعتقاد بأنه قائمٌ بنفسه، مستغنٍ عن مكان يُقِلُّه أو جسم يَحله، ليس له تحتُ فيكون تحته ما يسنده، ولا فوق فيكون فوقه ما يمسكه، ولا جانب فيكون إلى جانبه ما يعضده أو يزاحمه.

15ـ ثم الاعتقاد بجواز الرؤية عليه مع نفي هذه الأوصاف عنه.

16ـ ثم الاعتقاد باستحالة الأزواج والأولاد والشركاء والمماثلين له.

17ـ ثم الاعتقاد باستحالة الآفات عليه.

18ـ ثم الاعتقاد بأنه قادر على إماتة كل حي سواه، ويجوز منه إفناءُ كل شيء غيره، وإعادةُ الأجسام وخلقُ أمثالها من غير قَصْر على حدّ، وإحياءُ ما يعيده ويخلقه إن شاء إذا شاء متى شاء كما شاء.

19ـ ثم الاعتقاد بأنه قادر على كل شيء يُتوهَّم حدوثُه على الانفراد.

20ـ ثم الاعتقاد بأنه يجوز منه بعثةُ الرسل وتنزيلُ الكتب وإقامةُ الحجج وتعبدُ الخلق والثواب والعقاب؛ لا اعتراض عليه في فعله ولا حجْر عليه في مقدوره ولا يستحق عليه شيء ولا يلزمه فعل، وأن الأدلة على صدق الرسل عليهم السلام المعجزاتُ ولا يجوز إظهارها على أيدي الكذابين.

21ـ ثم الاعتقاد بأنه لا واجب على أحد قبل مجيء الرسل ومن فعل شيئا قبله لم يُقطَع له بثواب ولم يُجزم عليه بعقاب.

22ـ ثم الاعتقاد بأنه بعث الرسل وأنزل الكتب، وأمر ونهى، ووعد وأوعد، وما أمر به الرسل فهو حق وما أخبروا عنه فهو صدق لا يجوز العدول عنه ولا الخروج منه على ما رتبوه في الشرائع.

23ـ ثم الاعتقاد بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول رب العزة ومعجزته القرآن ودينه الإسلام، وأخبر صلى الله عليه وسلم بالحشر والنشر وعذاب القبر وثواب أهل الطاعة وعقاب أهل المعصية، وأن من مات على الإيمان كانت عاقبته الجنة إما بالتوبة وإما بالشفاعة.

24ـ ثم الاعتقاد بأن ما أجمعت أمته على صحته فهو حق وما أجمعت على بطلانه فهو فاسد، وأن العباداتِ الخمسَ هي أصول الإسلام؛ وهي الشهادة والصلوة والزكوة(29) والصيام والحج.

25ـ ثم الاعتقاد بأن ما أشكل عليه من أمر دينه في ما بعد فواجب عليه الرجوع إلى أعلم من عنده في دينه وأورعهم في فعله ممن بلغ مبلغ المجتهدين، والمسألةُ عما نزل به والعملُ بما يفتيه فيما رفع إليه.

26ـ ثم الإقرار بجميعه مع الإمكان والأمن.

فهذا ما لا بد منه عند الجميع.

فإذا اعتقد ذلك قال أهل الظاهر إنه يستحق اسم الإيمان وصار من أهل الشفاعة وكانت عاقبته الجنة.

وقال أهل التحقيق لا يكون كذلك حتى يصير اعتقاده بما وصفناه معرفة على ما رتبناه؛ فيكون من جملة العارفين ويخرج من جملة المقلدين. وإن جاز فيه التقليد فإنما يجوز ذلك عند أهل التحقيق(30) وقد اتفقوا على المنع منه.

والذي يحتاج إليه في ذلك أن يعرف كل ذلك مما ذكرناه بدليله ولكل تنبيه من الكتاب والسنة على تحقيق العقول والأدلة. جميعه مستنبط من أسامي الربّ جل وعز وهو تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم «إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة». يريد من علمها دخل الجنة على العاقبة(31)، إما بالشفاعة وإما بالتوبة. وأورد الأسامي على الجمع والاختصاص في غير هذا الموضع وأتبعها بالدلالة ليكون كمال الإيمان باتفاق أهل التحقيق على ما وفق الله فيه.

واختلفوا في ما من أجله لا يكون اعتقاده علما من طريق التقليد.

فقال قائلون إنما ذلك لعدم علمه بأن من يرجع إليه في تقليده معصوم لا يخطئ.

وقال آخرون إنه لا يكون كذلك لأنه على منزلة من ترد عليه الشبهة فلا يرجع إلى شيء يتعلق به في دفعها عن نفسه.

ثم قالوا إن منَّ الله على عبد بدفع الشبهة عنه وتصفية اعتقاده وعصمته من الوسواس الذي يرد عليه فذلك معرفة منه وإيمان صحيح، وإذا اعتقد في نفسه أن معتقده على ما هو به وقطع عليه كان عالما على الحقيقة.

واتفقوا على أن الذي يحقق اعتقاده معرفة دليل واحد في كل مسألة لا يحتاج فيها إلى التبحر والتمكن من دفع الأسئلة والأجوبة، فإنها إذا وردت عليه فأوقعت له الشبهة دفعها بما كان عنده من الدليل.

وأذكرُ لكل فصل منها دليلا على الاختصاص ليكون كمال الإيمان بإجماع أهل الحق.

1ـ فالذي يدل على حدوث الأجسام أنها لو كانت لم تزل موجودة لم تخل في وجودها من أن تكون مجتمعة أو مفترقة، أو مجتمعة مفترقة، أو لا مجتمعة ولا مفترقة، أو لم تزل تجتمع تارة وتفترق أخرى لا إلى أول.

ويستحيل أن تكون لم تزل مجتمعة لأنها لو كانت كذلك لم تخل من أن تكون مجتمعة لنفسها، أو لمعنى قديم، أو لمعنى محدث؛ ويستحيل أن تكون لم تزل مجتمعة لأنفسها لاستحالة افتراق ما كان مجتمعا لنفسه مع وجود نفسه، ويستحيل أن تكون مجتمعة لمعنى قديم لاستحالة وجود الافتراق مع وجوده واستحالة بطلانه بعد الوصف بقدمه، ويستحيل أن تكون مجتمعة لمعنى محدث لاستحالة تعلق القديم بالمحدث.

 ويستحيل أن تكون لم تزل مفترقة على الترتيب الذي ذكرناه في المجتمع.

ويستحيل أن تكون لم تزل مجتمعة مفترقة لتناقضه في الوصف والمعنى.

ويستحيل أن تكون لم تزل لا مجتمعة ولا مفترقة لما فيه من إثبات الافتراق عند نفي الاجتماع وإثبات الاجتماع عند نفي الافتراق، فيصير تحقيقه كالفصل الأول.

ويُزاد في بيانه أن يقال: كل شيء يجوز عليه الاجتماع والافتراق لم يتقدّر وجوده في الوهم متعريا عن الوصفين.

ويجمع هذه الأقسام الأربعة ويعبر عنها بأن يقال: أيّ وصف منها إذا كان أزليا فله موجب أزليٌّ، ولا يصح عدم الأزلي ولا يجوز عليه تغير الحكم، وإذا ثبت التغير بالمشاهدة بطل أن يكون أحد تلك الأوصاف مما كان لها في الأزل.

ويستحيل أن تكون لم تزل تجتمع تارة وتفترق أخرى لا إلى أول لاستحالة تناهيها إلى آخر ما عليها من أحوال الاجتماع والافتراق لو كانت لم تزل بأحد هذين الوصفين، ويكشف عنه بأن يقال: لو كانت مرات كونها مجتمعة ومفترقة من غير نهاية لم تبلغ آخر كرّة(32) في الوجود لاستحالة قطعِ ما لا نهاية له وتعدادِ ما لا غاية لأحواله، ويبين عنه باستحالة تناهي الوهم في أعداده إذا ابتدأ بآخره وارتقى بوهمه ما أمكنه، ولو كان معدودا من الأول إليه لصحّ عدده من الآخر إلى الأول، وما لا يصح قطعه من أحد طرفيه بكماله لم يصح قطعه إلى الطرف الآخر إليه.

2ـ والدليل على حاجته إلى المحدِث أنه لم يخل في حدوثه من أن يكون لعينه أو لغيره خصّه بأحواله وهيئاته وخص هيئاته وصفاته به؛ ويستحيل حدوثه لعينه لاستحالة تخصيص الجنس بالحالّ والمحلّ على التباين والتغاير لعينه، وقد ثبت اشتراك الجنس في حقيقته وصفات العين فدلّ ما ذكرناه على مقدِّمٍ قدّم بعض الجنس على بعضه وخصّه بما فيه من أجناسه.

3ـ والدليل على قِدم من قدّم وأخّر وخصّ أنه لو كان مشاركا له في الحدوث لشاركه في الحاجة إلى المقدّم المؤخر المخصّص، ولو كان بهذا الوصف لاقتضى كلُّ محدَث محدَثا قبله ويستحيل وجود محدثات واحد قبل واحد لا إلى أول لاستحالة الجمع بين الحدوث ونفي الابتداء.

4ـ والدليل على نفي التشبيه أن التماثل يوجب الاشتراك في جميع صفات النفس وكان إحدى صفات لأنفسها الحدوث(33)، وقد بينا فساده من قبل.

5ـ والدليل على استحالة الحدّ والنهاية عليه أن النهاية توجب مقدار الجزء فما فوقه، ويستحيل وجوده على مقدار يصح في الوهم فوقه أو دونه إلا عن قاصد يخصّه بقدرةٍ كالفعل المحكم يصح في الوهم وقوعه على خلافه، ولا يجوز اختصاصه بوصفه إلا عن قاصد عالم يخصه به.

6ـ والدليل على استحالة كونه جسما أن الجسم في وجوده يشغل الحيِّز والمكان، ويستحيل أن يشغل الشيء الحيز والمكان المعلوم على الاختصاص مع صحة اختصاصه بغيره في الوهم إلا عن قصد، وذلك يوجب حدوث الكون أو النفس على اختصاصه بالحيز والمكان، وهذه دلالة الحدوث كما بيناه.

7ـ والدليل على استحالة كونه عرَضا استحالة كون العرض حيا عالما قادرا قاصدا وقد بينا حاجة الفعل إليه في حدوثه.

8ـ والدليل على استغنائه عن غيره أنه لو لم يكن مستغنيا عنه قبل الوجود لكان محتاجا إليه إلى حال الحدوث، ثم في وجوده رفع الحاجة التي تقدمته وذلك دليل الحدوث، ولا يكون ذلك إلا بحدوث معنى وبطلان غيره وتحقيقه الألم واللذة.

9ـ والدليل على أن المحدِث حيٌّ استحالةُ تعرِّي القائم بنفسه عن الوصف بأنه حي أو ميت أو موات، ولو كان ميتا أو مواتا لاستحال أن يكون مدركا، ويستحيل وجود الفعل ممن يستحيل منه الإدراك.

10ـ والدليل على كونه قادرا استحالة وجود الفعل ممن ليس بقادر عليه.

11ـ والدليل على كونه عالما مريدا استحالة ترتيب الفعل وترتيب العجائب والحيوانات من غير وجود حي عالم قادر مريد.

12ـ والدليل على كونه سميعا بصيرا استحالة وجود حي متعرّ عن الوصف بما يدرك به المسموع والمرئي والآفةِ المانعة منه؛ ويستحيل تخصيصه من أحد هذين الوصفين بالآفة لأنها منع، وذلك يقتضي مانعا وممنوعا، وذلك دليل الحدوث.

13ـ والدليل على أنه متكلم استحالة لزوم الخطاب ووجود الأمر والنهي ممن لا يكون متكلما.

14ـ والدليل على أن له حياة وقدرة وعلما وإرادة وسمعا وبصرا وكلاما استحالةُ إثبات الموجود بهذه الأوصاف مع نفي هذه الصفات ولزومُها عند وجودها له.

15ـ والدليل على أنه لم يزل موصوفا بها أن نفيها على تخصيصها يوجب إثبات أضدادها وفي وجودها منع الوصف له بضدها بعدها لاستحالة العدم على ما وصف بالقدم.

16ـ والدليل على أنها ليست متناهية ولا شيء منها يشبه شيئا من صفات المخلوقين أن التشبيه يوجب الاشتراك في جميع صفات النفس على الوجوب والجواز وإحدى صفات المخلوقين لنفسها حدوثها ويستحيل ذلك في صفاته لما قدمناه من الدلالة على قدمها.

17ـ والدليل على استحالة القول بأن الحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام هي هو… حي قادر عالم مريد سميع بصير متكلم.

18ـ والدليل على استحالة القول بأنها أغيار له استحالة عدمها مع وجوده وذلك وصف لازم في جميع أغياره وهذا بعينه دليل على استحالة مفارقتها له.

19ـ والدليل على استحالة القول بأنها هي هو وغيره ما فيه من التناقض الذي يخرج الكلام عن الفهم.

20ـ والدليل على استحالة القول بالمجاورة أنها تقتضي المماسة والمحاذاة والمقارنة في المكان والحيز وكل ذلك من صفات الأجسام.

21ـ والدليل على استحالة القول بأنها تحله استحالة كونها مجاورة لما قامت به ولا يصح الحلول بغير هذا الوصف.

22ـ والدليل على استحالة القول بأنها تخالفه أن أهل الخطابة لا يطلقون هذه اللفظة إلا على المتغايرات وقد بينا فساده من قبل.

23ـ والدليل على استحالة القول بأنها توافقه ما في هذه اللفظة من إيهام المماثلة.

24ـ والدليل على أن قدرته تعم المقدورات وعلمه يعم المعلومات وإرادته تعم المرادات أن التخصيص في كل منها ببعض متعلقاته يوجب تناهيه في جهته وذلك دليل الحدوث وقد قدمنا الدلالة على قدمها.

25ـ والدليل على التوحيد أن حال الاثنين لا تخلو من صحة المخالفة أو تعذّر المناسبة فإن صحت المخالفة كان الممنوع من المراد موصوفا بالقهر وإن تعذرت المنازعة وصف كل واحد منهما بالعجز والتقصير وذلك منع من الإلهية فيهما جميعا.

26ـ والدليل على أنه شيء واحد كالدليل على أنه إله واحد.

27ـ والدليل على استحالة الحركة والسكون والاجتماع والافتراق والمحاذاة والمقابلة والمماسة والمجاورة عليه أن الوصف له بأحد هذه المعاني بعد الوصف له بضده يوجب حدوث معنى فيه ثم يستحيل تعرّيه عنه وعن ضده ولم يجز تقدمه على جنسه.

28ـ والدليل على استحالة قيام شيء حادث به أن حدوثه فيه يوجب نفي ضد له قبله وهذا كالأول في فساده.

29ـ والدليل على استحالة بطلان الوصف الأزلي عنه أنه استحق الوصف بالبقاء في كل حال صحت الإشارة إليه ويستحيل عدمه لوجود ضده كما يستحيل جود ضده معه.

30ـ والدليل على أنه قائم بنفسه أن خلاف وصفه به يوجب أحد أوصاف ثلاثة إما أن يكون كالقائم بما لا يقال أنه نفسه فيستحيل كونه حيا قادرا أو تعلقه في وجوده بقدرة فيكون مخلوقا أو تعلقه بقدرة من يحدث له معنى يجانسه أو يخالفه وذلك يوجب مقارنة الفعل له.

31ـ والدليل على جواز الرؤية عليه أن استحالتها عليه توجب عدمه.

32ـ والدليل على استحالة الزوجة والولد عليه أن جميعه لا يصح إلا مع المباشرة ولا يصح المباشرة إلا على ذي حد والحد يدل على الحدوث.

33ـ والدليل على استحالة الشريك أن الشركة لا تكون إلا في أشياء يختص كل واحد من الشريكين ببعضها يبين ذلك عند التمييز ولا شيء يملك إلا وجميعه لله سبحانه.

34ـ والدليل على نفي الآفات عنه أنها تمنع من المدركات وذلك يقتضي في وجوده مانعا وممنوعا وهو دليل الحدوث.

35ـ والدليل على أنه قادر على إماتة كل حي سواه أنه خلق الحياة وقدرته على الشيء قدرة على ضده وهذا بعينه دليل على صحة الحياة بعد الموت.

36ـ والدليل على صحة إفناء الأجسام أن البقاء فعل له فيها فإذا لم يفعله وجب عدمها.

37ـ والدليل على صحة إعادة الأجسام أن العدم بعد الوجود يوجب وصف الموجود بما كان عليه قبل الوجود ولم يمنع ذلك الحدوث. فكذلك بعد الوجود لم يزل على اختصاصه بالقدم بقاؤه على الوصف كان عليه عند الاختراع. ثم من لم تزل قدرته كان قادرا على إيجاده في كل حال كان معدوما قبله.

38ـ والدليل على خلق الأجسام من غير نهاية ولا حصر استحالة تناهي قدرة القديم وصحة توهم الحدوث في المثل.

39ـ والدليل على إحياء ما يعيده ويخلقه أن المحل لا يخلو من المتضادين ولا يصح وجود وصف يقوم بجسم ليس له ضد فإذا وجد فيه أحد الضدين بقدرة القادر التي تصلح للضدين صح الثاني منه.

40ـ والدليل على صحة وصفه بالقدرة على كل ما يتوهم حدوثه استحالة تناهيه في قدرته والمنع منه يوجبه.

41ـ والدليل على جواز بعثة الرسل وتنزيل الكتب وإقامة الحجج وتعبد الخلق والثواب والعقاب أن جميعه مما يتوهم حدوثه وسلب القدرة عليه يوجب التناهي في الوصف.

42ـ والدليل على زوال الاعتراض عليه فيما يفعله أن ذلك لا يتوهم إلا ممّن يصح عليه الألم باللوم وفيه إيجابه ويستحيل ذلك في القديم سبحانه.

43ـ والدليل على استحالة وجوب الشيء عليه صحة الترك في القدرة ولو كان وصفه الوجوب لكان عدمه في تلك الحال يوجب الحدوث ولا يصح وصف الإله به ولا بالقدرة عليه.

44ـ والدليل على أن المعجزات تختص بالصادق ما تقرر في الوهم من صحة التفرقة بين الصادق والكاذب من جهة الدليل وفي إظهارها على أيدي الكذابين إفساد الأدلة ونقض ما تقرر من جهة التفرقة بين الصادق والكاذب.

45ـ والدليل على نفي الوجوب قبل الرسالة كون الإله موجبا للشيء تعبدا ومانعا منه استغناء وليس في العقل ما يوجب أحد الأمرين.

46ـ والدليل على صدق الرسل تخصيص كلٍّ بالمعجزة ولا تكون إلا مع الصادق.

47ـ والدليل على صحة ما كان معهم من المعجزات أنهم أظهروا أشياء ادعوا بها صدقهم واجتهد أعداؤهم في معارضتهم فلم يتأت لهم.

48ـ والدليل على صحة ما أوردوه من الشرائع وبانوا عنه من الوعد والوعيد أن الأمر والنهي والخبر من الله سبحانه يعلم بقولهم وقد قامت الدلالة على صدقهم.

49ـ والدليل القاطع على تخصيص محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ما أورده من القرآن وتحدى به إلى المعارضة واجتهاد العرب وهم من أهل اللغة في إسقاط ما دعا إليه وانقطاعهم عنه واشتغالهم بغيره في تكذيبه وبذلهم للنفوس والأموال في بابه.

50ـ والدليل على أن عاقبة أهل الإيمان ومن لم يخرج إلى ملة الكفر الجنة الكتاب والسنة في مواضع عدة منها قوله سبحانه {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا: 18، 30} والمعرفة بما وصفناه من حسان الأمور وقوله صلى الله عليه وسلم «من كان في قلبه مثقال ذرة من المحبة دخل الجنة».

51ـ والدليل على صحة الإجماع لزوم الشريعة في كل عصر للأمة ولو جاز اجتماعهم على خلاف الملة لم يعلم وجود الادلة واشتبهت أحكام الشريعة وسقط معه التكليف.

52ـ والدليل على أن أصول الإسلام العبادات الخمس الخبر المروي على جهة الانتشار من قوله صلى الله عليه وسلم «بني الإسلام على خمس».

53ـ والدليل على جواز التقليد في أحكام الشريعة عند اشتباه حكم الحادثة ما تقرر بأوائل العقول أن ما كان في إثباته رده وفي إيجابه قطعه ممن كان ساقطا من أصله وفي تكليف الأمة بأسرها طلبَ الأدلة على أحكامها انقطاع عن معائشها وفي الانقطاع عنها انقطاع عن معرفتها.

54ـ والدليل على وجوب السؤال أن الأخذ بما يخطر له في أحكامه كشريعة يخترعها من نفسه وذلك ممنوع من فعله فوجب الرجوع إلى من يبين له أن الذي فعله أو تركه حكم لمن يطيعه ممن لزمه طاعته.

55ـ والدليل على وجوب طلب المجتهد فيما يريد أن يسأل عنه كالدليل على منعه من الحكم بما يريده فوجب طلب من يخبره عن الله سبحانه وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذه مقدمة الإقرار ويجب عرضه على من أراد الإسلام فإذا عرفه بدليله لزمه الإقرار به فيكون تصديقا منه على التحقيق ومن عدم العبارة أو الإقرار لزمه الاعتقاد، ومن وجد الجميع لزمه الأمران لصحة المعاملة.

واختلف أهل الحق في لزوم الإقرار على الوحدة فقال قائلون إنه يجب لصحة الإيمان وقال آخرون إنه يجب لصحة المعاملة. ومن حصل له ما وصفناه لم يختلفوا في أنه مؤمن في الحكم والاسم وأنه لا يخرج بشيء يفعله أو يتركه بعده من جملة المؤمنين.

وصلى الله على سيدنا محمد

وآله وصحبه وسلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* وصف أبو المظفر الإسفراييني (ت.471هـ) هذا الكتاب في “التبصير في الدين” بقوله: «وهو كتاب لم يصنف في الإسلام مثله ولم يتفق لأحد من الأئمة في شيء من العلوم مثل ذلك الكتاب، ومن حسن إحكامه أنه لا طريق لأحد من المخالف والموافق إلى نقضه لحسن تحقيقه وإتقانه ولا يتجاسر أحد لأن يتصدى لنقضه للطف صنعته في وضعه»، راجع المصدر المذكور، تح: كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1403هـ ـ 1983م، ص. 193.

وخلع كل هذه الأوصاف على كتاب “الجامع” يجعله واحدا من أهم المصادر الأشعرية التي تتشوف همم الباحثين والمحققين إلى الظفر بها.

(1) بخصوص هذه العقائد راجع: المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، زهري خالد، الرابطة المحمدية للعلماء، الرباط (مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية ـ تطوان ـ دراسات ببليوغرافية(1))، ط1، 1438هـ/2017م، مج1،ص ص. 293 ـ 330. وانظر: تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، احنانة يوسف، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، الرباط، ط2، 2017، ص. 214 ـ 215.

(2) انظر ترجمته في: تبيين كذب المفتري، ابن عساكر أبو القاسم، دار الفكر، ط2، 1399هـ، ص. 243. طبقات الشافعية الكبرى، السبكي تاج الدين، تح: الطناحي محمود محمد ـ الحلو عبد الفتاح محمد، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، 1413هـ، ج4، ص. 256. وبخصوص مؤلفاته، راجع: التبصير في الدين، مصدر سابق، ص. 193.

(3) راجع ترجمته في تبيين كذب المفتري، مصدر سابق، ص. 265. طبقات الشافعية الكبرى، مصدر سابق، ج5، ص. 99. غير أن ابن عساكر يذكره بأبي القسَم، أما السبكي فيجعل كنيته أبا القاسم، والصواب ما أثبته السبكي بدليل أن تلميذه المباشر الجويني ذكره في كتابه الشامل في أصول الدين وأثبت اسمه هكذا: أبو القاسم الإسفراييني (ص. 460، بتحقيق: بدير عون فيصل ومختار سهير محمد، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1969). وبهذه الكنية عرف في كتب المذهب كما في أبكار الأفكار للآمدي (تح: المهدي أحمد محمد، مطبعة دار الكتب والوثائق القومية، ط2، 1424هـ ـ 2004م، ج1، ص. 75).

ولقد كدت أجازف بإطلاق الحكم بكون أبي القاسم الإسفرايني هو المقصود بعبارة “شيخنا” في كتاب الإرشاد لتلميذه الجويني بناء على ما علق به محققا الكتاب على قول الجويني «وقال شيخنا رحمة الله عليه» (ص. 32)، بيد أنه اتضح لي بعد التحقيق في المسألة وإعادة استقراء كتب الجويني أن الأمر يتعلق بصاحب المذهب أبي الحسن الأشعري وليس بشيخه أبي القاسم؛ ففي “الإرشاد” نفسه استعمل الجويني عبارة “شيخنا” في مواضع كثيرة (ص. 12 ـ 32 ـ 104 ـ 120 ـ 143 ـ 144ـ 226 ـ 309) وهي كلها تحيل على الأشعري سواء بالنظر إلى السياق أو بمقارنة أفكار “الشيخ” بنظائرها للأشعري كما في كتاب “مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري” مثلا. ولقد قصر محققا الكتاب في فك هذه الرموز، خصوصا وأن الجويني يطلق مثل هذه الألقاب مجردةً دون ذكر لاسم العالم المقصود به، ودون أن يكون الإطلاق مسبوقا في ثنايا الكتاب بتنصيص على أسماء من قد يشتركون في اللقب عينه. والحكم نفسه ينسحب على عدد كبير من الآراء والأقوال المذكورة في الكتاب منسوبة إلى من ينعته بـ”شيخنا”؛ إذ نلاحظ تقصيرا كبيرا في التحقق منها وعزوها إلى قائليها؛ ومطلب التحقق هذا من كبريات مهمات المحققين. ورغم أن المحققيْن ذيلا تحقيقهما بثبت ما سمياه بـ”فهرس تحليلي للأعلام والآراء” إلا أنهما قد أغفلا جل المواضع التي وردت فيها هذه التحلية، فإن كان ذلك كما حكمتُ فبلْهَ التدقيق في نسبة الآراء.

وتحقيق الأمري عندي أن الجويني عندما يريد بهذا اللقب أبا القاسم الإسفراييني يقول “شيخي” (ص. 460 ـ 461 من الشامل) وعندما يقصد أبا الحسن الأشعري يقول “شيخنا” ـ أو “شيخكم” حكاية لسؤالات الخصوم ـ (مثلا في الشامل؛ ص. 101 ـ 149 ـ 457 ـ 458..)، فضلا عن أرقام الصفحات من الإرشاد التي أحلت عليها. وبه وجب الوقوف على هذه النكت.

راجع: ـ الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، الجويني أبو المعالي، تح: موسى محمد يوسف ـ عبد الحميد علي عبد المنعم، مكتبة الخانجي، مصر، 1369هـ ـ 1950م.

        ـ الشامل في أصول الدين، مصدر سابق.

(4) طبقات الشافعية الكبرى، مصدر سابق، ج5، ص. 11. وراجع أيضا: تبيين كذب المفتري، مصدر سابق، ص. 276.

(5) انظر ترجمته في تبيين كذب المفتري، مصدر سابق، ص. 328.

(6) طبقات الشافعية الكبرى، ج6، ص. 171.

(7) راجع دراسة المحقق لأحد شروحها وهو “الكواكب الدرية لشرح الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية”، مانع محمد عبد العزيز، تح: ابن عبد المقصود أشرف، أضواء السلف، الرياض، ط1، 1418هـ/1997م، وانظر مآخذ الأثريين عليها في: ص ص. 24 ـ 28.

ولصاحب المنظومة نفسِه شرحٌ عليها سماه “لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية” طبعته مؤسسة الخافقين، دمشق، ط2، 1302هـ ـ 1982هـ.

(8) طبقات الشافعية الكبرى، ج1، 201، ج4، ص. 65. وانظر ترجمته في المصدر نفسه، ج4، ص. 61.

(9) راجع: درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية أبو العباس، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط2، 1411هـ ـ 1991م، ج2، ص. 96. نقل ابن تيمية عن أبي الحسن الكرجي الشافعي (من كتابه “الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول”) قوله: «وكان الشبخ أبو حامد الإسفرايني شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب الكلام […] ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن يُنسبوا إلى الأشعري، ويتبرؤون مما بنى الأشعري مذهبه عليه، وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوْم حواليه، على ما سمعت عدة من المشايخ والأئمة ـ منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن علي الساجي ـ يقولون: سمعنا جماعة من المشايخ الثقات، قالوا: كان الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الإسفرايني إمام الأئمة، الذي طبق الأرض علما وأصحابا إذا سعى إلى الجمعة من قطعية الكرج إلى جامع المنصور، يدخل الرباط المعروف بالزوزى المحاذي للجامع، ويُقبل على من حضر، يقول: اشهدوا علي بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، كما قال الإمام ابن حنبل، لا كما يقوله الباقلاني، وتكرر ذلك منه جُمعات، فقيل له في ذلك، فقال: حتى ينتشر في الناس وفي أهل الصلاح، ويشيع الخبر في أهل البلاد: أني بريء مما هم عليه ـ يعني الأشعرية ـ وبريء من مذهب أبي بكر بن الباقلاني..» (ص. 96 ـ 97).

(10) الشامل، مصدر سابق، ص. 121 ـ 212 ـ 293 ـ 315 ـ 673 ـ 674 ـ 685. تبيين كذب المفتري، مصدر سابق، ص. 53 ـ 93 ـ 186 ـ 178 ـ 272 ـ  على أن ابن عساكر يحلي ابن سهل الصعلوكي بالأستاذ الإمام في أكثر من موضع، الأمر نفسه بخصوص ابن فورك في بعض المواضع. شرح الإرشاد، المقترح مظفر بن عبد الله، تح: امعاريج نزيهة، الرابطة المحمدية للعلماء، الرباط (مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية ـ تطوان ـ سلسلة ذخائر من التراث الأشعري (1))، ط1، 1435هـ ـ 2014م، ج1، ص. 405. أبكار الأفكار في اصول الدين، الآمدي سيف الدين، مصدر سابق، ج1، ص. 75.

(11) تبيين كذب المفتري، ص.  253 ـ 265 ـ 271.

٭٭ وقد جمعت منذ مدة جملا في هذا الموضوع بعنوان “الألقاب في المذهب الأشعري” بينت فيه ما تواطأ عليه الأشاعرة من تلقيب أعلام المذهب بألقاب معينة درج عليها الناس إلى زماننا هذا من قبيل ما ذكرت أعلاه، وفي تحديد أصحابها أهمية لطلبة العلم خصوصا عند إطلاقها في الكتب دون ذكر صاحبها. وعلى أيّ، فهذا موضوع جزئي طريف هو من قبيل مستملحات البحث والتخصص في علم الكلام الأشعري، وعسى أن يكون ما استجمعته فيه يصلح ورقةً للنشر بالموقع لتعميم الفائدة.

(12) انظر مثلا: الغنية في الكلام، الأنصاري أبو القاسم، تح: عبد الهادي مصطفى حسنين، دار السلام، القاهرة، ط1، 1331هـ/2010م، ج1، ص. 223. المواقف بشرح الجرجاني، مج3، ص. 208. والمختصر الكلامي، ابن عرفة، ص 118.

(13) راجع مثلا: الغنية في الكلام، مصدر سابق، ج1، ص. 456. وطبقات الشافعية الكبرى، ابن قاضي شهبة، ج1 ص 113. وقد يردان معا بلقب الأستاذ في بعض المواضع؛ راجع: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي، مصدر سابق، ج3، ص. 352.

(14) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، حاجي خليفة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج1، ص. 539.

وقد وجدت لاحقا بعد تحقيقي لهذه المسألة أن محقق “هداية المريد” قد أشار إلى هذه النكتة عند تعليقه على قول المؤلف «فقال الأستاذ» (هكذا مجردا)، حيث علق معقبا: «وهو أبو إسحاق الإسفرايني؛ أنه حيث أطلق لفظ الأستاذ لا ينصرف إلا له»، راجع: هداية المريد لجوهرة التوحيد، اللقاني برهان الدين إبراهيم، تح: البجاوي مروان حسين عبد الصالحين، دار البصائر، القاهرة، ط1، 1430هـ / 2009م) ج1، ص. 217.

(15) كما هداية المريد، مصدر سابق، ج1، في 197.

(16) معجم البلدان، ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، 1397هـ ـ 1977م، ج1، ص. 177. والحموي يثبت اسمها هكذا: «أسفرايين: بالفتح ثم السكون، وفتح الفاء، وراء، والف، وياء مكسورة، وياء أخرى ساكنة، ونون».

(17) راجع مثلا: معجم البلدان، مصدر سابق، ص. 177 ـ 178.

(18) انظر مثلا: المباحث العقلية في شرح معاني العقيدة البرهانية، اليفرني أبو الحسن، تح: علال البختي جمال، الرابطة المحمدية للعلماء ـ الرباط، مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية ـ تطوان، ط1، 1437هـ ـ 2016م، ج1، ص، 349، (الإسفرايني)، ج1، ص. 534 (الإسفرائني)، ج2، ص. 728 (الإسفراييني). الأمر نفسه في جملة من المصادر يضيق المقام بذكر مواضع الاسم منها.

(19) نقلت إلينا كتب المذهب طائفة وافرة من آراء أبي إسحاق العقدية والفقهية ونكته الحديثية التي انفرد بها، من قبيل: تجويز ثبوت العلم المقدور عليه من غير تقدير نظر واستدلال ـ خلافا لمعظم المتكلمين ـ، ونفيه وجود حقيقة للسحر، والقول بأن جميع الذنوب كبائر، وإنكار المجاز في القرآن، وعدم صحة الاحتجاج بالحديث المرسل ـ خلافا لمذهب الشافعي ـ..

ولقد أعِدت بخصوص آرائه الأصولية رسائل للدكتوراه وقفت منها على عنوانين اثنين:

ـ آراء أبي إسحاق الإسفراييني الأصولية جمعا وتوثيقا ودراسة، أطروحة أعدها سنة 1933 الطالب الباحث عبد الله بن زيد بن حمد المسلم بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

ـ الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وآراؤه الأصولية ـ جمع ودراسة ـ لصاحبها علي عزوز، جامعة الجزائر، 1999.

وبين من ذيل هذين العنوانين افتقاد الطلبة والباحثين لكتب الرجل، فلا يبقى من سبيل إلى التعرف على أقواله وآرائه إلا الاستقراء والجمع.

أما بخصوص آرائه الكلامية فلم أقف بعد ـ في حدودي بحثي في الموضوع ـ على من أفردها ببحث أو دراسة مستقلة، ولقد كان من بركة هذه المقالة أني قمت بتطواف على كتب المذهب الأشعري، قمشت منها، ومن غيرها أيضا، طائفة كبيرة من آرائه الكلامية والعقدية سأعمل على إفرادها في دراسة مستقلة بحول الله.

(20) التبصير في الدين، مصدر سابق، ص. 193. هذه الكتب التي ذكرناها تعد مفقودة لا أثر لها، في انتظار فتح جديد قد يضطلع به أهل القيافة من الباحثين أو الوراقين.

(21) للاطلاع على البحوث المنشورة فيها راجع مقالة تعريفية للباحث Noëmi Lucas منشور في http://www.ifao.egnet.net/bcai/29/21/

(22) بإشراف الدكتور رشدي راشد، مجلة التفاهم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2014، [ص ص. 19 ـ 50].

(23) كما في شرح الإرشاد للمقترح، مصدر سابق، ج2، ص. 778.

(24) كما في الغنية في الكلام للأنصاؤري، مصدر سابق، ج1، ص. 245.

(25) كشف الظنون، مصدر سابق، ج2، ص. 1157.

(26) أفدت ذلك من تغريدة نشرها الدكتور عبد الله التوراتي على صفحته على موقع twitter حلاها بصورتين من الشرح تثبت اسم العقيدة وشرحها وصاحبيهما، في انتظار أن يخرج الشرح محققا تحقيقا علميا كما هو المعهود من قبل الدكتور التوراتي.

(27) classical islamic theology : the ash’arites – Texts and studies on the Devlopment and History of Kalᾱm, Vol. 3. ASHGATE / VARIORUM. 2008 [ص. 133 ـ 142].

(28) أخطأ المحقق في الكنبة، ولعله سهو منه، والصواب: أبي إسحاق.

(29) كذا بالرسم العثماني.

(30) في الهامش: هكذا النص ولعله قد سقط شيء ههنا.

 (31) على العاقبة أي بالموافاة بالإيمان يوم القيامة.

(32) في الهامش: هكذا النص ولعل الصحيح مرة.

(33) هكذا أثبتها المحقق، ولعل الصواب؛ إحدى صفات النفس الحدوث.

 إنجاز الباحث: محمد أمين السقال

توطئة
كثير من أساطين الفكر
الأشعري ممن برّزوا في علم الكلام وألفوا فيه عيون الكتب من
المطولاتِ والأمهات قد أخنى الدهر على إنتاجهم العلمي حتى بات في حكم
المفقود أو المجهول، ومن جِلة هؤلاء الإمامُ النظار أبو إسحاق
الإسفراييني؛ فقد انطمست عين أعماله الكبرى كجامع الحلي في أصول الدين
وحاق بالأخرى من الإهمال والتقصير ما جعلها مطوية الذكر محجوبة العين
تفتقر إلى قائف يتحسّس مَخبرها ويتعهد قرطاسها بالعناية ليخرجها من
دياجير سراديب المخطوطات إلى أضواء رفوف المكتبات والمطبوعات، ومن
جملتها عقيدته التي نعرض لها اليوم.
ولا شك أن المتأمل في
الإنتاج العلمي الأشعري يجد، من حيث مناهجُ التأليف وأحجام المصنفات
وأشكال التقييد، أضربا متمايزة ووجوها متضايفة بحسب حق الوقت من الدواعي
والحوامل التي تُنهِض العلماء إلى الكتابة والتحرير، وبحسب مراتب الفئات
المتوجه إليها بالخطاب، ومن جهة قصد الإلمام بجميع أبواب الكلام أو
القصْر على باب واحد من أبوابه أو موضوع من موضوعاته، وأيضا بالنظر إلى
الرؤية التي يصدر عنها المؤلف للموضوع نفسه ـ وقد تكون دينية محض أو
فلسفية مجردة أو مدفوعة بواجب التأريخ أو ممزوجة بالهموم التربوية
والتعليمية أو محكومة باختيارات سياسية.. ـ لذلك تعددت وجوه التصنيف
والتأليف في علوم الكلام والعقائد؛ فكان منها الكتب والمصنفات المطولة،
سواء كانت إنتاجا أُنُفا أو شرحا لمتن مشهور أو نقضا له، ومنها الأجوبة
والردود المختصرة، ومنها الملخصات والتقييدات المركزة، والتعليقات
والحواشي المستطرَدة، ومنها أيضا الأنظام والأراجيز والقصائد (وإن كان
النظم وجها من وجوه التأليف قد ظهر بصورة أكبر مع المتأخرين). ولو
استدعيت أسامي الكتب وعناوين المصنفات مما ينتسب إلى كل قسم من هذه
الأقسام لخرجنا عن مقصود هذا التقديم.
وقد جرت عادة كثير من
علماء الكلام الأشاعرة أن يجعل التأليف في تقرير أصول الدين أفنانا
ومراتبَ تراعي حال المتلقين والمتعلمين وتلائم تفاوت مداركهم في الفهم
والاستيعاب؛ وهذا ما أفسر به تأليف عدد وافر منهم لأكثر من “رسالة” أو
“إملاء” أو “عقيدة” أو “كراسة” في تقرير المعتقدات الدينية التي يدين
بها، كما هو الحال عند الإمام السنوسي (ت.895هـ) مثلا في عقائده؛
“الكبرى” والوسطى” و”الصغرى” و”صغرى الصغرى” و”الحفيدة” و”المفيدة”،
فضلا عن شروحه على جملة منها(1). وغالبا ما يخلف الواحد منهم “عقيدة” ـ
يمليها أو يحررها ـ تكون مُعَنوَنة باسمه مضمومة إليه، يجعلها تقريرا
عقديا أو بيانا إيمانيا يلخص فيه أصول الاعتقاد ومعاقد الإيمان التي
ينفصل بها المكلَّف عن الشرك والكفر، أو التعطيل والتشبيه في الصفات،
ويتخلص بها من أسباب الجهل والجحْد. وفي أكثر الأحايين تكون هذه
العقيدة، من حيث الحجمُ صغيرةَ الجرم، ومن جهة المنهج تقريريةً بعيدة عن
المحاججة والاستدلال التفصيلي ومعرِضة عن ذكر آراء الخصوم والمذاهب
المخالفة. وفي هذا القبيل تندرج عقيدة الإسفراييني.
وقبل أن نعرّج على
مضامينها، يحسن بالمقام أن نسطر جملة من الفوائد الجزئية يفيد منها
المبتدي ولا يضجَر بها المنتهي؛
ـ أولاها ضرورة التمييز
بين عدد من الإسفرايينيين ممن له شأو في علوم الكلام والاعتقاد. ومن
أنجب هؤلاء:
← أبو إسحاق
الإسفرايني (ت.418هـ) تلميذ أبي الحسن الباهلي تلميذ شيخ المذهب أبي
الحسن الأشعري (ت.324هـ)، وهو صاحب العقيدة التي نقدم لها في هذه
الورقة(2).
← أبو القاسم
الإسفرايني المعروف بالإسكاف أو الإسكافي (ت.452هـ) تلميذ أبي إسحاق
الإسفرايني وشيخ إمام الحرمين الجويني (ت.478هـ) في
الأصلين(3).
← أبو المظفر
الإسفرايني (ت.471هـ) صاحب الكتاب المشهور “التبصير في الدين”؛ وهو
تلميذ أبي منصور البغدادي (ت.429هـ) وصهره(4).
← أبو الفتوح
محمد بن الفضل بن محمد بن المعتمد الإسفرايني (ت.558هـ) الزاهد الواعظ
المعروف بابن المعتمد؛ وهو شيخ الحافظ ابن عساكر (ت.571هـ)(5)؛ جعله
السبكي في طبقاته «أوحد وقته في مذهب
الأشعري»(6).
← أبو العون
شمس الدين محمد السَّفاريني الحنبلي (ت. 1188هـ) صاحب “الدُّرّة المُضية
في عقد أهل الفرقة المَرضية” المشهورة بـ”العقيدة السَّفارينية” وهي
عبارة عن منظومة في العقائد على الطريقة الأثرية وإن تشربت بعضا من
الأشعرية(7).
← أبو حامد
الإسفرايني (ت.406) شيخ الشافعية في زمانه(8)؛ عدّه بعض العلماء مجددَ
السنة الرابعة. وقد أوردته في جملةِ من ذكرت لما أُثِر عنه من تشنيع
شهير على أصحاب الكلام عموما وعلى الباقلاني (ت.403هـ) ـ عصريِّه ـ
خصوصا(9).
ـ ثانيتها أن لقب
“الأستاذ” عند الأشاعرة إذا أطلق مجردا انصرف إلى أبي إسحاق الإسفرايني
تحديدا. نعم؛ قد تقاسم شرفَ هذا اللقب جِلةٌ من علماء الأشعرية أشهرهم
أبو سهل الصعلوكي (ت.369هـ) تلميذ أبي الحسن الأشعري، وابن فُورَك
(ت.406هـ) على ما نجده مثلا في كتب الجويني (ت.478هـ) وصاحب التبيين ابن
عساكر (ت.571هـ) وشارح الإرشاد المقترَح (ت.612هـ) والآمدي (ت.631هـ)
وغيرها(10)، بل حلّى ابن عساكر في تبيينه ـ عدا من ذكرت ـ عددا وافرا من
رجال المذهب بهذا اللقب منهم أبو منصور البغدادي وأبو القاسم الإسفرايني
المذكوران آنفا وأبو القاسم القشيري (ت.465)(11)، إلا أن إمعان النظر في
كتب المذهب ـ بل وكتب الطبقات والتراجم ـ والحذقَ بأسماء رجاله وكُناهُم
وألقابِ الوجهاء منهم يبين أن هنالك ألقابا وتحْليات إذا ما أطلِقت
مجردةًّ دون ضمّ أسماء الأعلام إليها فإنها تنسحب على أعلام بأعيانهم،
وذلك من قبيل: “الشيخ” و”القاضي” و”الإمام” و”الأستاذ”٭٭، ومن هذه
الألقاب المُرسلة اختُص أبو إسحاق الإسفرايني بلقب “الأستاذ” دون سائر
علماء المذهب؛ فإذا عثرتَ على هذا الإرسال في مصادر الأشعرية ومراجعها ـ
وهو كثير جدا لا يحصى(12) ـ فاعلم أن المقصود به هو صاحب العقيدة
مناسبةِ هذا التقديم، ولا يُستدرك على هذه الدعوى باحتمال قصد أحد من
ذكرت أعلاه ممن لُقبوا بهذا اللقب أيضا؛ فإن ابن فورك ـ وهو قسيمُه في
هذا اللقب أكثر من غيره ـ إذا اجتمع اسمه باسم أبي إسحاق في الموضع نفسه
أو التقيا معا في الحكاية عن المذهب خُصَّ الثاني غالبا بلقب الأستاذ
دون الأول(13). وقد أسعفنا صاحب “كشف الظنون” في ترجمته لكتاب الجامع
لأبي إسحاق فزاد على إثبات اسمه وكنيته بقولِه «الشهير:
بالأستاذ»(14). ولا غرو، إذن، إن وجدتَ مقرري المذهب وشارحيه
يرسلون هذا اللقب ابتداء دون أن يكون مسبوقا في مواضع سابقة بذكر لاسم
الإسفرايني(15)، ما يعني أنه صار أشبه باسم علم إذا ذكر مرسلا انصرف إلى
صاحبنا دون منازع.
ـ وثالثة الفوائد أن من
ذكرتهم من الإسفراينيين ينتسبون إلى بلدة إسفراين (أو أسفرايين
Esfarayen) الواقعة حاليا في شمال شرقي إيران، وقد كانت فيما مضى
«بليدة حصينة من نواحي نيسابور على منتصف الطريق من
جرجان»(16)، تخرّج منها عدد كبير من العلماء والفقهاء
والمحدثين ذكرهم أصحاب معاجم البلدان(17). وينبغي أن يُميز بينها وبين
سَفَّارين saffarin، وهي قرية من قرى نابلس بفلسطين، وإليها ينتسب أبو
العون محمد السفاريني المذكور صاحب “العقيدة السفارينية”، وقد تعمدت
ذكره ضمن الأعلام المصفوفةِ أسماؤُهم في الفائدة الأولى ـ وإن لم يكن من
طائفة “الإسفرايينيين” ـ للشبه الواقع في النسبة إلى سفّارين وإسفراين
ولمكانة الرجل في علوم الاعتقاد واحتفاف المتأخرين بمنظومته؛ حتى إذا
وقع الاشتباه رفعناه. على أن نسبة صاحبنا أبي إسحاق إلى بلدة
“إسفراين”  تُضبَط كتابة في كتب المذهب على وجوه ثلاثة؛
الإسفراييني والإسفرايني والإسفرائني (18)، فاعلم ذلك وحققه فلا مشاحة
بينها.
ولأبي إسحاق
الإسفراييني في صرح المذهب الأشعري لبنات وضعها وأعمدة شيدها جعلته
واحدا من أسنمة الأشعرية في زمانه (إضافة إلي القاضي الباقلاني (403 ـ
والأستاذ ابن فورك)، وقد عُدّت أقواله ومذاهبه في النظر والاستدلال من
مآتي المذهب الأشعري ومصادره التي لا يستغني عنها المتكلمون من “أهل
السنة” إلى يوم الناس هذا، واختلافه في المسائل الكلامية والأصولية داخل
المذهب محلٌّ لكل اعتبار لدى الأشاعرة وغيرهم(19). ولئن رُزئ المتخصصون
والباحثون بفقد كبريات مصنفاته التي نقل عنها من جاء بعده من المتكلمين
والمؤرخين؛ من قبيل: “المختصر في الرد على أهل الإعتزال والقدر”، و”كتاب
الوصف والصفة”، و”تحقيق الدعاوي”، وكتاب “الجامع” المذكور آنفا ـ وهو
أكبرها ـ(20)، فإن عقيدته قد انحفظت من الضياع وتمكنا من التعرف إليها
بفضل جهود أحد الباحثين الغربيين المتميزين وهو الدكتور Richard M.
Frank، والذي أعتبره من أكثر “المستشرقين” المتخصصين في النصف الثاني من
القرن العشرين في تاريخ علم الكلام والمذاهب العقدية، وأعماله جديرة
بالاهتمام، من أهمها:
– Philosophy, Theology
And Mysticism in Medieval Islam.
وهو عبارة عن ثمان
وثلاثين مقالة منشورة في ثلاثة أجزاء(21)، منها:
→ classical
islamic theology : the Mu’tazilites and
al-Ash’arȋ -Texts and studies on the Devlopment and History
of Kalᾱm , vol. II.
 →
classical islamic theology : the ash’arites  -Texts and
studies on the Devlopment and History of Kalᾱm, vol. III.
وفي هذا
الجزء ضمّن تحقيقه لعقيدة الأستاذ الإسفراييني.
– Al-Ghazali and the
Ashárite School (Duke Monographs in Medieval and
Renaissance Studies).
– Beings &
Their Attributes: The Teaching of the Basrian School of the Mu’Tazila
in the Classical Period.
وللرجل مقالات كثيرة
تمت ترجمتها إلى العربية من بينها: “علم الكلام” منشورة في كتاب “دراسات
في تاريخ علم الكلام والفلسفة”(22). والمقالة المذكورة تقدم عرضا وصفيا
ونقديا بعيون أجنبية لمفهوم الكلام ـ أو علم الكلام ـ ولطبيعة المباحث
والمناهج المطروقة والمسلوكة فيه.
و”عقيدة الأستاذ” التي
حققها الدكتور فرانك بالكاد نجد لها ذكرا في كتب المذهب؛ إذ غالبا ما
ينقل المتكلمون أقوال الأستاذ ـ على كثرتها ـ دون الإحالة على أسماء
الكتب المنقول منها، وإذا ذُكِرت فلا تكاد تخرج عن كتابيه “الجامع” (23)
و”المختصر”(24)، أما عقيدته فلم أقف على من نقل منها من المتكلمين
الأشاعرة الكبار، وإنما نصّ عليها حاجي خليفة في كتابه المشهور باسم
“عقيدة الأستاذ أبي إسحاق”(25)، وقد عثرت بعد تبييض هذه الورقة على اسم
لشرح على هذه العقيدة بعنوان: “المسالك السديدة والمعاني الوحيدة في شرح
كلام الأستاذ أبي إسحاق رحمه الله في العقيدة” لصاحبه أبي عبد الله محمد
بن جعفر ابن يحيى بن هارون الصنهاجي(26).
والحق أن عقيدة الأستاذ
قد جاءت مضغوطة المباني غزيرة المعاني؛ تحتاج لمن يفكها فكا ويفتحها
فتحا بشرح مصطلحاتها وتذليل مداليلها، ولعل الشرح المذكور يكون سادا هذا
المسدّ وإنه لبيْن يدي من هو جدير بالتحقيق أمين على نصوص
التراث.
يبين الأستاذ في مفتتح
عقيدته الداعي إلى تحريرها وترتيب معاقدها متمثلا في الاختلاف الحاصل ـ
بين من سماهم “أهلَ الحق” ـ في صفة المؤمن وما نجم عنه من تعدد الفتاوي
واختلافها. ولئن كان هذا هو الداعي فإن الفئة المقصودة بمخاطبتها هي
“طائفة” من المسلمين وسمَها الإسفراييني بـ”الجهالة” في الدين
و”العداوة” لأهل التوحيد. وفي تقديري فإن هذه الأوصاف تنطبق على من
ينعتهم الأشعرية بالحشوية؛ إذ اجتمع في هذه الفئة الجمود على ظواهر
النصوص جهلا بعلوم الدين، والعداوة العمياء لأهل الكلام، علما بأن
المتكلمين الأشاعرة هم الأحظى عند الإسفراييني بلقب أهل
التوحيد.
والمهم أن الأستاذ قرر
في هذه العقيدة ستة وعشرين أصلا جعلها مما لا بد منه عند جميع الطوائف
من أهل الإسلام، ثم تحدث عن اختلاف العلماء في مسألة التقليد في
الاعتقاد والحكم على المقلد بالإيمان أو الكفر، وأعقب ذلك بذكر دليل كل
أصل من هذه الأصول بطريق الاقتصاد في الاستدلال مقارنة مع طريقة التفريع
والتفصيل في الكتب المطولات، وجعل كل ذلك “مقدمة” للإقرار بالإسلام الذي
يثبت به اسم الإيمان وأحكامه المبنية عليه.
وفيما يلي نص عقيدة
الأستاذ الإسفراييني كما حققها ونشرها الدكتورRichard M.
Frank(27).
عقيدة للأستاذ ابن(28)
إسحاق الإسفرائني
بسم الله الرحمن
الرحيم.
قال الإمام أبو إسحاق
إبراهيم بن محمد الإسفرائني رضي الله عنه:
ولما وقع الاختلاف بين
أهل الحق في صفة المؤمن، ورأيت الفتاوى في الأحكام على غاية الاختلاف
عند السؤال، رتبت في أقلّ ما يحتاج إليه على قول الجماعة وأتبعته ما
يعطيه عند الكافة ليقف عليه المدّعي علمَ الشريعة، ويزيل عن نفسه تغيير
أهل الدراية، ويجوّز فتواه عند أهل المعرفة، ويستحق اسم الإيمان على قول
من ينتسب إليهم في علم التوحيد والعقول، ويلقن الصبيان عند البلوغ
فيكونوا مؤمنين عند الخطاب.
ولولا وجوبه عليّ
بالشريعة لكنت لا أجمعه لهذه الطائفة مع ما غلب عليهم من الجهالة وما
استشعروه لأهل التوحيد من العداوة لقصورهم عن هذه الرتبة.
والذي لا بد
لهذه التسمية:
1ـ اعتقاد حدث
العالم.
2ـ ثم الاعتقاد بأن
العالم عبارة عن كل شيء سوى الله تعالى.
3ـ ثم الاعتقاد بأن له
محدثا.
4ـ ثم الاعتقاد بأن
محدِثه قديم.
5ـ ثم الاعتقاد بأنه لا
يشبه شيئا من المخلوقات، وتحقيقه أنه لا يتصور في الوهم وما دونه يقبل
هذه الصفة.
6ـ ثم الاعتقاد
باستحالة الحدِّ والنهاية عليه.
7ـ ثم الاعتقاد بأنه
ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض.
8ـ ثم الاعتقاد بأنه
مستغن عن الأغيار. وعبّر بعض أهل الخطابة عنه بأن قال: “الاعتقاد بنفي
الكيفية والكمية والإينية واللمية”.
9ـ ثم الاعتقاد بأنه حي
عالم قادر مريد سميع بصير متكلم له حياة وعلم وقدرة وإرادة وسمع وبصر
وكلام لم يزل ولا يزال هو موصوفا بهذه الصفات، ولا يشبه شيء منها شيئا
من صفات المخلوقين ولا يقال فيها “إنها هو ولا غيره” ولا “لا هي هو
وغيره”، ويستحيل أن يقال إنها تفارقه أو تجاوره أو تخالفه أو توافقه أو
تحله، بل هي صفات له تقوم به.
10ـ ثم الاعتقاد بأن
قدرته تعمّ المقدورات وعلمَه يعم المعلومات، لم يزل كان عالما بجميعها
على أوصافها في ذواتها، وإرادته تعمّ المرادات على أوصافها في ذواتها لا
يكون إلا ما يريد ولا يريد إلا ما يكون.
11ـ ثم الاعتقاد بأن لا
إله غيره ولا خالق سواه.
12ـ ثم الاعتقاد بأنه
شيء واحد وتحقيقه أنه لا يتبعّض في الوهم ولا يتجزأ في العقل وهو تفسير
“الأحد الصمد”.
13ـ ثم الاعتقاد بأنه
لا يجوز عليه شيء مما جاز على المحدَثات فدلّ على حدوثها؛ ومعناه أنه لا
يجوز عليه الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ولا المحاذاة ولا
المقابلة ولا المماسة ولا المجاورة ولا قيام شيء حادث به ولا بطلان صفة
أزلية عنه ولا يصح العدم عليه.
14ـ ثم الاعتقاد بأنه
قائمٌ بنفسه، مستغنٍ عن مكان يُقِلُّه أو جسم يَحله، ليس له تحتُ فيكون
تحته ما يسنده، ولا فوق فيكون فوقه ما يمسكه، ولا جانب فيكون إلى جانبه
ما يعضده أو يزاحمه.
15ـ ثم الاعتقاد بجواز
الرؤية عليه مع نفي هذه الأوصاف عنه.
16ـ ثم الاعتقاد
باستحالة الأزواج والأولاد والشركاء والمماثلين له.
17ـ ثم الاعتقاد
باستحالة الآفات عليه.
18ـ ثم الاعتقاد بأنه
قادر على إماتة كل حي سواه، ويجوز منه إفناءُ كل شيء غيره، وإعادةُ
الأجسام وخلقُ أمثالها من غير قَصْر على حدّ، وإحياءُ ما يعيده ويخلقه
إن شاء إذا شاء متى شاء كما شاء.
19ـ ثم الاعتقاد بأنه
قادر على كل شيء يُتوهَّم حدوثُه على الانفراد.
20ـ ثم الاعتقاد بأنه
يجوز منه بعثةُ الرسل وتنزيلُ الكتب وإقامةُ الحجج وتعبدُ الخلق والثواب
والعقاب؛ لا اعتراض عليه في فعله ولا حجْر عليه في مقدوره ولا يستحق
عليه شيء ولا يلزمه فعل، وأن الأدلة على صدق الرسل عليهم السلام
المعجزاتُ ولا يجوز إظهارها على أيدي الكذابين.
21ـ ثم الاعتقاد بأنه
لا واجب على أحد قبل مجيء الرسل ومن فعل شيئا قبله لم يُقطَع له بثواب
ولم يُجزم عليه بعقاب.
22ـ ثم الاعتقاد بأنه
بعث الرسل وأنزل الكتب، وأمر ونهى، ووعد وأوعد، وما أمر به الرسل فهو حق
وما أخبروا عنه فهو صدق لا يجوز العدول عنه ولا الخروج منه على ما رتبوه
في الشرائع.
23ـ ثم الاعتقاد بأن
محمدا صلى الله عليه وسلم رسول رب العزة ومعجزته القرآن ودينه الإسلام،
وأخبر صلى الله عليه وسلم بالحشر والنشر وعذاب القبر وثواب أهل الطاعة
وعقاب أهل المعصية، وأن من مات على الإيمان كانت عاقبته الجنة إما
بالتوبة وإما بالشفاعة.
24ـ ثم الاعتقاد بأن ما
أجمعت أمته على صحته فهو حق وما أجمعت على بطلانه فهو فاسد، وأن
العباداتِ الخمسَ هي أصول الإسلام؛ وهي الشهادة والصلوة والزكوة(29)
والصيام والحج.
25ـ ثم الاعتقاد بأن ما
أشكل عليه من أمر دينه في ما بعد فواجب عليه الرجوع إلى أعلم من عنده في
دينه وأورعهم في فعله ممن بلغ مبلغ المجتهدين، والمسألةُ عما نزل به
والعملُ بما يفتيه فيما رفع إليه.
26ـ ثم الإقرار بجميعه
مع الإمكان والأمن.
فهذا ما لا بد منه عند
الجميع.
فإذا اعتقد ذلك قال أهل
الظاهر إنه يستحق اسم الإيمان وصار من أهل الشفاعة وكانت عاقبته
الجنة.
وقال أهل التحقيق لا
يكون كذلك حتى يصير اعتقاده بما وصفناه معرفة على ما رتبناه؛ فيكون من
جملة العارفين ويخرج من جملة المقلدين. وإن جاز فيه التقليد فإنما يجوز
ذلك عند أهل التحقيق(30) وقد اتفقوا على المنع منه.
والذي يحتاج إليه في
ذلك أن يعرف كل ذلك مما ذكرناه بدليله ولكل تنبيه من الكتاب والسنة على
تحقيق العقول والأدلة. جميعه مستنبط من أسامي الربّ جل وعز وهو تفسير
قول النبي صلى الله عليه وسلم «إن لله تسعة وتسعين اسما من
أحصاها دخل الجنة». يريد من علمها دخل الجنة على العاقبة(31)،
إما بالشفاعة وإما بالتوبة. وأورد الأسامي على الجمع والاختصاص في غير
هذا الموضع وأتبعها بالدلالة ليكون كمال الإيمان باتفاق أهل التحقيق على
ما وفق الله فيه.
واختلفوا في ما من أجله
لا يكون اعتقاده علما من طريق التقليد.
فقال قائلون إنما ذلك
لعدم علمه بأن من يرجع إليه في تقليده معصوم لا يخطئ.
وقال آخرون
إنه لا يكون كذلك لأنه على منزلة من ترد عليه الشبهة فلا يرجع إلى شيء
يتعلق به في دفعها عن نفسه.
ثم قالوا إن منَّ الله
على عبد بدفع الشبهة عنه وتصفية اعتقاده وعصمته من الوسواس الذي يرد
عليه فذلك معرفة منه وإيمان صحيح، وإذا اعتقد في نفسه أن معتقده على ما
هو به وقطع عليه كان عالما على الحقيقة.
واتفقوا على أن الذي
يحقق اعتقاده معرفة دليل واحد في كل مسألة لا يحتاج فيها إلى التبحر
والتمكن من دفع الأسئلة والأجوبة، فإنها إذا وردت عليه فأوقعت له الشبهة
دفعها بما كان عنده من الدليل.
وأذكرُ لكل فصل منها
دليلا على الاختصاص ليكون كمال الإيمان بإجماع أهل الحق.
1ـ فالذي يدل
على حدوث الأجسام أنها لو كانت لم تزل موجودة لم تخل في وجودها من أن
تكون مجتمعة أو مفترقة، أو مجتمعة مفترقة، أو لا مجتمعة ولا مفترقة، أو
لم تزل تجتمع تارة وتفترق أخرى لا إلى أول.
ويستحيل أن تكون لم تزل
مجتمعة لأنها لو كانت كذلك لم تخل من أن تكون مجتمعة لنفسها، أو لمعنى
قديم، أو لمعنى محدث؛ ويستحيل أن تكون لم تزل مجتمعة لأنفسها لاستحالة
افتراق ما كان مجتمعا لنفسه مع وجود نفسه، ويستحيل أن تكون مجتمعة لمعنى
قديم لاستحالة وجود الافتراق مع وجوده واستحالة بطلانه بعد الوصف بقدمه،
ويستحيل أن تكون مجتمعة لمعنى محدث لاستحالة تعلق القديم
بالمحدث.
 ويستحيل أن
تكون لم تزل مفترقة على الترتيب الذي ذكرناه في المجتمع.
ويستحيل أن
تكون لم تزل مجتمعة مفترقة لتناقضه في الوصف والمعنى.
ويستحيل أن
تكون لم تزل لا مجتمعة ولا مفترقة لما فيه من إثبات الافتراق عند نفي
الاجتماع وإثبات الاجتماع عند نفي الافتراق، فيصير تحقيقه كالفصل
الأول.
ويُزاد في بيانه أن
يقال: كل شيء يجوز عليه الاجتماع والافتراق لم يتقدّر وجوده في الوهم
متعريا عن الوصفين.
ويجمع هذه الأقسام
الأربعة ويعبر عنها بأن يقال: أيّ وصف منها إذا كان أزليا فله موجب
أزليٌّ، ولا يصح عدم الأزلي ولا يجوز عليه تغير الحكم، وإذا ثبت التغير
بالمشاهدة بطل أن يكون أحد تلك الأوصاف مما كان لها في
الأزل.
ويستحيل أن تكون لم تزل
تجتمع تارة وتفترق أخرى لا إلى أول لاستحالة تناهيها إلى آخر ما عليها
من أحوال الاجتماع والافتراق لو كانت لم تزل بأحد هذين الوصفين، ويكشف
عنه بأن يقال: لو كانت مرات كونها مجتمعة ومفترقة من غير نهاية لم تبلغ
آخر كرّة(32) في الوجود لاستحالة قطعِ ما لا نهاية له وتعدادِ ما لا
غاية لأحواله، ويبين عنه باستحالة تناهي الوهم في أعداده إذا ابتدأ
بآخره وارتقى بوهمه ما أمكنه، ولو كان معدودا من الأول إليه لصحّ عدده
من الآخر إلى الأول، وما لا يصح قطعه من أحد طرفيه بكماله لم يصح قطعه
إلى الطرف الآخر إليه.
2ـ والدليل على حاجته
إلى المحدِث أنه لم يخل في حدوثه من أن يكون لعينه أو لغيره خصّه
بأحواله وهيئاته وخص هيئاته وصفاته به؛ ويستحيل حدوثه لعينه لاستحالة
تخصيص الجنس بالحالّ والمحلّ على التباين والتغاير لعينه، وقد ثبت
اشتراك الجنس في حقيقته وصفات العين فدلّ ما ذكرناه على مقدِّمٍ قدّم
بعض الجنس على بعضه وخصّه بما فيه من أجناسه.
3ـ والدليل على قِدم من
قدّم وأخّر وخصّ أنه لو كان مشاركا له في الحدوث لشاركه في الحاجة إلى
المقدّم المؤخر المخصّص، ولو كان بهذا الوصف لاقتضى كلُّ محدَث محدَثا
قبله ويستحيل وجود محدثات واحد قبل واحد لا إلى أول لاستحالة الجمع بين
الحدوث ونفي الابتداء.
4ـ والدليل على نفي
التشبيه أن التماثل يوجب الاشتراك في جميع صفات النفس وكان إحدى صفات
لأنفسها الحدوث(33)، وقد بينا فساده من قبل.
5ـ والدليل على استحالة
الحدّ والنهاية عليه أن النهاية توجب مقدار الجزء فما فوقه، ويستحيل
وجوده على مقدار يصح في الوهم فوقه أو دونه إلا عن قاصد يخصّه بقدرةٍ
كالفعل المحكم يصح في الوهم وقوعه على خلافه، ولا يجوز اختصاصه بوصفه
إلا عن قاصد عالم يخصه به.
6ـ والدليل على استحالة
كونه جسما أن الجسم في وجوده يشغل الحيِّز والمكان، ويستحيل أن يشغل
الشيء الحيز والمكان المعلوم على الاختصاص مع صحة اختصاصه بغيره في
الوهم إلا عن قصد، وذلك يوجب حدوث الكون أو النفس على اختصاصه بالحيز
والمكان، وهذه دلالة الحدوث كما بيناه.
7ـ والدليل على استحالة
كونه عرَضا استحالة كون العرض حيا عالما قادرا قاصدا وقد بينا حاجة
الفعل إليه في حدوثه.
8ـ والدليل على
استغنائه عن غيره أنه لو لم يكن مستغنيا عنه قبل الوجود لكان محتاجا
إليه إلى حال الحدوث، ثم في وجوده رفع الحاجة التي تقدمته وذلك دليل
الحدوث، ولا يكون ذلك إلا بحدوث معنى وبطلان غيره وتحقيقه الألم
واللذة.
9ـ والدليل على أن
المحدِث حيٌّ استحالةُ تعرِّي القائم بنفسه عن الوصف بأنه حي أو ميت أو
موات، ولو كان ميتا أو مواتا لاستحال أن يكون مدركا، ويستحيل وجود الفعل
ممن يستحيل منه الإدراك.
10ـ والدليل على كونه
قادرا استحالة وجود الفعل ممن ليس بقادر عليه.
11ـ والدليل
على كونه عالما مريدا استحالة ترتيب الفعل وترتيب العجائب والحيوانات من
غير وجود حي عالم قادر مريد.
12ـ والدليل على كونه
سميعا بصيرا استحالة وجود حي متعرّ عن الوصف بما يدرك به المسموع
والمرئي والآفةِ المانعة منه؛ ويستحيل تخصيصه من أحد هذين الوصفين
بالآفة لأنها منع، وذلك يقتضي مانعا وممنوعا، وذلك دليل
الحدوث.
13ـ والدليل على أنه
متكلم استحالة لزوم الخطاب ووجود الأمر والنهي ممن لا يكون
متكلما.
14ـ والدليل على أن له
حياة وقدرة وعلما وإرادة وسمعا وبصرا وكلاما استحالةُ إثبات الموجود
بهذه الأوصاف مع نفي هذه الصفات ولزومُها عند وجودها له.
15ـ والدليل
على أنه لم يزل موصوفا بها أن نفيها على تخصيصها يوجب إثبات أضدادها وفي
وجودها منع الوصف له بضدها بعدها لاستحالة العدم على ما وصف
بالقدم.
16ـ والدليل على أنها
ليست متناهية ولا شيء منها يشبه شيئا من صفات المخلوقين أن التشبيه يوجب
الاشتراك في جميع صفات النفس على الوجوب والجواز وإحدى صفات المخلوقين
لنفسها حدوثها ويستحيل ذلك في صفاته لما قدمناه من الدلالة على
قدمها.
17ـ والدليل على
استحالة القول بأن الحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر
والكلام هي هو… حي قادر عالم مريد سميع بصير متكلم.
18ـ والدليل
على استحالة القول بأنها أغيار له استحالة عدمها مع وجوده وذلك وصف لازم
في جميع أغياره وهذا بعينه دليل على استحالة مفارقتها له.
19ـ والدليل
على استحالة القول بأنها هي هو وغيره ما فيه من التناقض الذي يخرج
الكلام عن الفهم.
20ـ والدليل على
استحالة القول بالمجاورة أنها تقتضي المماسة والمحاذاة والمقارنة في
المكان والحيز وكل ذلك من صفات الأجسام.
21ـ والدليل على
استحالة القول بأنها تحله استحالة كونها مجاورة لما قامت به ولا يصح
الحلول بغير هذا الوصف.
22ـ والدليل على
استحالة القول بأنها تخالفه أن أهل الخطابة لا يطلقون هذه اللفظة إلا
على المتغايرات وقد بينا فساده من قبل.
23ـ والدليل على
استحالة القول بأنها توافقه ما في هذه اللفظة من إيهام
المماثلة.
24ـ والدليل على أن
قدرته تعم المقدورات وعلمه يعم المعلومات وإرادته تعم المرادات أن
التخصيص في كل منها ببعض متعلقاته يوجب تناهيه في جهته وذلك دليل الحدوث
وقد قدمنا الدلالة على قدمها.
25ـ والدليل على
التوحيد أن حال الاثنين لا تخلو من صحة المخالفة أو تعذّر المناسبة فإن
صحت المخالفة كان الممنوع من المراد موصوفا بالقهر وإن تعذرت المنازعة
وصف كل واحد منهما بالعجز والتقصير وذلك منع من الإلهية فيهما
جميعا.
26ـ والدليل على أنه
شيء واحد كالدليل على أنه إله واحد.
27ـ والدليل على
استحالة الحركة والسكون والاجتماع والافتراق والمحاذاة والمقابلة
والمماسة والمجاورة عليه أن الوصف له بأحد هذه المعاني بعد الوصف له
بضده يوجب حدوث معنى فيه ثم يستحيل تعرّيه عنه وعن ضده ولم يجز تقدمه
على جنسه.
28ـ والدليل على
استحالة قيام شيء حادث به أن حدوثه فيه يوجب نفي ضد له قبله وهذا كالأول
في فساده.
29ـ والدليل على
استحالة بطلان الوصف الأزلي عنه أنه استحق الوصف بالبقاء في كل حال صحت
الإشارة إليه ويستحيل عدمه لوجود ضده كما يستحيل جود ضده
معه.
30ـ والدليل على أنه
قائم بنفسه أن خلاف وصفه به يوجب أحد أوصاف ثلاثة إما أن يكون كالقائم
بما لا يقال أنه نفسه فيستحيل كونه حيا قادرا أو تعلقه في وجوده بقدرة
فيكون مخلوقا أو تعلقه بقدرة من يحدث له معنى يجانسه أو يخالفه وذلك
يوجب مقارنة الفعل له.
31ـ والدليل على جواز
الرؤية عليه أن استحالتها عليه توجب عدمه.
32ـ والدليل على
استحالة الزوجة والولد عليه أن جميعه لا يصح إلا مع المباشرة ولا يصح
المباشرة إلا على ذي حد والحد يدل على الحدوث.
33ـ والدليل على
استحالة الشريك أن الشركة لا تكون إلا في أشياء يختص كل واحد من
الشريكين ببعضها يبين ذلك عند التمييز ولا شيء يملك إلا وجميعه لله
سبحانه.
34ـ والدليل على نفي
الآفات عنه أنها تمنع من المدركات وذلك يقتضي في وجوده مانعا وممنوعا
وهو دليل الحدوث.
35ـ والدليل على أنه
قادر على إماتة كل حي سواه أنه خلق الحياة وقدرته على الشيء قدرة على
ضده وهذا بعينه دليل على صحة الحياة بعد الموت.
36ـ والدليل على صحة
إفناء الأجسام أن البقاء فعل له فيها فإذا لم يفعله وجب
عدمها.
37ـ والدليل على صحة
إعادة الأجسام أن العدم بعد الوجود يوجب وصف الموجود بما كان عليه قبل
الوجود ولم يمنع ذلك الحدوث. فكذلك بعد الوجود لم يزل على اختصاصه
بالقدم بقاؤه على الوصف كان عليه عند الاختراع. ثم من لم تزل قدرته كان
قادرا على إيجاده في كل حال كان معدوما قبله.
38ـ والدليل على خلق
الأجسام من غير نهاية ولا حصر استحالة تناهي قدرة القديم وصحة توهم
الحدوث في المثل.
39ـ والدليل على إحياء
ما يعيده ويخلقه أن المحل لا يخلو من المتضادين ولا يصح وجود وصف يقوم
بجسم ليس له ضد فإذا وجد فيه أحد الضدين بقدرة القادر التي تصلح للضدين
صح الثاني منه.
40ـ والدليل على صحة
وصفه بالقدرة على كل ما يتوهم حدوثه استحالة تناهيه في قدرته والمنع منه
يوجبه.
41ـ والدليل على جواز
بعثة الرسل وتنزيل الكتب وإقامة الحجج وتعبد الخلق والثواب والعقاب أن
جميعه مما يتوهم حدوثه وسلب القدرة عليه يوجب التناهي في
الوصف.
42ـ والدليل على زوال
الاعتراض عليه فيما يفعله أن ذلك لا يتوهم إلا ممّن يصح عليه الألم
باللوم وفيه إيجابه ويستحيل ذلك في القديم سبحانه.
43ـ والدليل على
استحالة وجوب الشيء عليه صحة الترك في القدرة ولو كان وصفه الوجوب لكان
عدمه في تلك الحال يوجب الحدوث ولا يصح وصف الإله به ولا بالقدرة
عليه.
44ـ والدليل على أن
المعجزات تختص بالصادق ما تقرر في الوهم من صحة التفرقة بين الصادق
والكاذب من جهة الدليل وفي إظهارها على أيدي الكذابين إفساد الأدلة ونقض
ما تقرر من جهة التفرقة بين الصادق والكاذب.
45ـ والدليل على نفي
الوجوب قبل الرسالة كون الإله موجبا للشيء تعبدا ومانعا منه استغناء
وليس في العقل ما يوجب أحد الأمرين.
46ـ والدليل على صدق
الرسل تخصيص كلٍّ بالمعجزة ولا تكون إلا مع الصادق.
47ـ والدليل على صحة ما
كان معهم من المعجزات أنهم أظهروا أشياء ادعوا بها صدقهم واجتهد أعداؤهم
في معارضتهم فلم يتأت لهم.
48ـ والدليل على صحة ما
أوردوه من الشرائع وبانوا عنه من الوعد والوعيد أن الأمر والنهي والخبر
من الله سبحانه يعلم بقولهم وقد قامت الدلالة على صدقهم.
49ـ والدليل
القاطع على تخصيص محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ما أورده من القرآن
وتحدى به إلى المعارضة واجتهاد العرب وهم من أهل اللغة في إسقاط ما دعا
إليه وانقطاعهم عنه واشتغالهم بغيره في تكذيبه وبذلهم للنفوس والأموال
في بابه.
50ـ والدليل على أن
عاقبة أهل الإيمان ومن لم يخرج إلى ملة الكفر الجنة الكتاب والسنة في
مواضع عدة منها قوله سبحانه {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا: 18، 30}
والمعرفة بما وصفناه من حسان الأمور وقوله صلى الله عليه وسلم
«من كان في قلبه مثقال ذرة من المحبة دخل
الجنة».
51ـ والدليل على صحة
الإجماع لزوم الشريعة في كل عصر للأمة ولو جاز اجتماعهم على خلاف الملة
لم يعلم وجود الادلة واشتبهت أحكام الشريعة وسقط معه
التكليف.
52ـ والدليل على أن
أصول الإسلام العبادات الخمس الخبر المروي على جهة الانتشار من قوله صلى
الله عليه وسلم «بني الإسلام على خمس».
53ـ والدليل
على جواز التقليد في أحكام الشريعة عند اشتباه حكم الحادثة ما تقرر
بأوائل العقول أن ما كان في إثباته رده وفي إيجابه قطعه ممن كان ساقطا
من أصله وفي تكليف الأمة بأسرها طلبَ الأدلة على أحكامها انقطاع عن
معائشها وفي الانقطاع عنها انقطاع عن معرفتها.
54ـ والدليل على وجوب
السؤال أن الأخذ بما يخطر له في أحكامه كشريعة يخترعها من نفسه وذلك
ممنوع من فعله فوجب الرجوع إلى من يبين له أن الذي فعله أو تركه حكم لمن
يطيعه ممن لزمه طاعته.
55ـ والدليل على وجوب
طلب المجتهد فيما يريد أن يسأل عنه كالدليل على منعه من الحكم بما يريده
فوجب طلب من يخبره عن الله سبحانه وعن رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
هذه مقدمة الإقرار ويجب
عرضه على من أراد الإسلام فإذا عرفه بدليله لزمه الإقرار به فيكون
تصديقا منه على التحقيق ومن عدم العبارة أو الإقرار لزمه الاعتقاد، ومن
وجد الجميع لزمه الأمران لصحة المعاملة.
واختلف أهل الحق في
لزوم الإقرار على الوحدة فقال قائلون إنه يجب لصحة الإيمان وقال آخرون
إنه يجب لصحة المعاملة. ومن حصل له ما وصفناه لم يختلفوا في أنه مؤمن في
الحكم والاسم وأنه لا يخرج بشيء يفعله أو يتركه بعده من جملة
المؤمنين.
وصلى الله على سيدنا
محمد
وآله وصحبه
وسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 وصف أبو
المظفر الإسفراييني (ت.471هـ) هذا الكتاب في “التبصير في الدين” بقوله:
«وهو كتاب لم يصنف في الإسلام مثله ولم يتفق لأحد من الأئمة
في شيء من العلوم مثل ذلك الكتاب، ومن حسن إحكامه أنه لا طريق لأحد من
المخالف والموافق إلى نقضه لحسن تحقيقه وإتقانه ولا يتجاسر أحد لأن
يتصدى لنقضه للطف صنعته في وضعه»، راجع المصدر المذكور، تح:
كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1403هـ ـ 1983م، ص.
193.
وخلع كل هذه الأوصاف
على كتاب “الجامع” يجعله واحدا من أهم المصادر الأشعرية التي تتشوف همم
الباحثين والمحققين إلى الظفر بها.
(1) بخصوص هذه العقائد
راجع: المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، زهري خالد، الرابطة المحمدية
للعلماء، الرباط (مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية ـ
تطوان ـ دراسات ببليوغرافية(1))، ط1، 1438هـ/2017م، مج1،ص ص. 293 ـ 330.
وانظر: تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، احنانة يوسف، منشورات
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، الرباط، ط2، 2017،
ص. 214 ـ 215.
(2) انظر ترجمته في:
تبيين كذب المفتري، ابن عساكر أبو القاسم، دار الفكر، ط2، 1399هـ، ص.
243. طبقات الشافعية الكبرى، السبكي تاج الدين، تح: الطناحي محمود محمد
ـ الحلو عبد الفتاح محمد، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، 1413هـ، ج4،
ص. 256. وبخصوص مؤلفاته، راجع: التبصير في الدين، مصدر سابق، ص.
193.
(3) راجع ترجمته في
تبيين كذب المفتري، مصدر سابق، ص. 265. طبقات الشافعية الكبرى، مصدر
سابق، ج5، ص. 99. غير أن ابن عساكر يذكره بأبي القسَم، أما السبكي فيجعل
كنيته أبا القاسم، والصواب ما أثبته السبكي بدليل أن تلميذه المباشر
الجويني ذكره في كتابه الشامل في أصول الدين وأثبت اسمه هكذا: أبو
القاسم الإسفراييني (ص. 460، بتحقيق: بدير عون فيصل ومختار سهير محمد،
منشأة المعارف، الإسكندرية، 1969). وبهذه الكنية عرف في كتب المذهب كما
في أبكار الأفكار للآمدي (تح: المهدي أحمد محمد، مطبعة دار الكتب
والوثائق القومية، ط2، 1424هـ ـ 2004م، ج1، ص.
75).
ولقد كدت أجازف بإطلاق
الحكم بكون أبي القاسم الإسفرايني هو المقصود بعبارة “شيخنا” في كتاب
الإرشاد لتلميذه الجويني بناء على ما علق به محققا الكتاب على قول
الجويني «وقال شيخنا رحمة الله عليه» (ص. 32)، بيد
أنه اتضح لي بعد التحقيق في المسألة وإعادة استقراء كتب الجويني أن
الأمر يتعلق بصاحب المذهب أبي الحسن الأشعري وليس بشيخه أبي القاسم؛ ففي
“الإرشاد” نفسه استعمل الجويني عبارة “شيخنا” في مواضع كثيرة (ص. 12 ـ
32 ـ 104 ـ 120 ـ 143 ـ 144ـ 226 ـ 309) وهي كلها تحيل على الأشعري سواء
بالنظر إلى السياق أو بمقارنة أفكار “الشيخ” بنظائرها للأشعري كما في
كتاب “مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري” مثلا. ولقد قصر محققا الكتاب في
فك هذه الرموز، خصوصا وأن الجويني يطلق مثل هذه الألقاب مجردةً دون ذكر
لاسم العالم المقصود به، ودون أن يكون الإطلاق مسبوقا في ثنايا الكتاب
بتنصيص على أسماء من قد يشتركون في اللقب عينه. والحكم نفسه ينسحب على
عدد كبير من الآراء والأقوال المذكورة في الكتاب منسوبة إلى من ينعته
بـ”شيخنا”؛ إذ نلاحظ تقصيرا كبيرا في التحقق منها وعزوها إلى قائليها؛
ومطلب التحقق هذا من كبريات مهمات المحققين. ورغم أن المحققيْن ذيلا
تحقيقهما بثبت ما سمياه بـ”فهرس تحليلي للأعلام والآراء” إلا أنهما قد
أغفلا جل المواضع التي وردت فيها هذه التحلية، فإن كان ذلك كما حكمتُ
فبلْهَ التدقيق في نسبة الآراء.
وتحقيق الأمري عندي أن
الجويني عندما يريد بهذا اللقب أبا القاسم الإسفراييني يقول “شيخي” (ص.
460 ـ 461 من الشامل) وعندما يقصد أبا الحسن الأشعري يقول “شيخنا” ـ أو
“شيخكم” حكاية لسؤالات الخصوم ـ (مثلا في الشامل؛ ص. 101 ـ 149 ـ 457 ـ
458..)، فضلا عن أرقام الصفحات من الإرشاد التي أحلت عليها. وبه وجب
الوقوف على هذه النكت.
راجع: ـ الإرشاد إلى
قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، الجويني أبو المعالي، تح: موسى محمد
يوسف ـ عبد الحميد علي عبد المنعم، مكتبة الخانجي، مصر، 1369هـ ـ
1950م.
ـ الشامل في أصول الدين، مصدر سابق.
(4) طبقات
الشافعية الكبرى، مصدر سابق، ج5، ص. 11. وراجع أيضا: تبيين كذب المفتري،
مصدر سابق، ص. 276.
(5) انظر ترجمته في
تبيين كذب المفتري، مصدر سابق، ص. 328.
(6) طبقات الشافعية
الكبرى، ج6، ص. 171.
(7) راجع دراسة المحقق
لأحد شروحها وهو “الكواكب الدرية لشرح الدرة المضية في عقد أهل الفرقة
المرضية”، مانع محمد عبد العزيز، تح: ابن عبد المقصود أشرف، أضواء
السلف، الرياض، ط1، 1418هـ/1997م، وانظر مآخذ الأثريين عليها في: ص ص.
24 ـ 28.
ولصاحب المنظومة نفسِه
شرحٌ عليها سماه “لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح
الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية” طبعته مؤسسة الخافقين، دمشق، ط2،
1302هـ ـ 1982هـ.
(8) طبقات الشافعية
الكبرى، ج1، 201، ج4، ص. 65. وانظر ترجمته في المصدر نفسه، ج4، ص.
61.
(9) راجع: درء تعارض
العقل والنقل، ابن تيمية أبو العباس، جامعة الإمام محمد بن سعود
الإسلامية، ط2، 1411هـ ـ 1991م، ج2، ص. 96. نقل ابن تيمية عن أبي الحسن
الكرجي الشافعي (من كتابه “الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول”) قوله:
«وكان الشبخ أبو حامد الإسفرايني شديد الإنكار على الباقلاني
وأصحاب الكلام […] ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن
يُنسبوا إلى الأشعري، ويتبرؤون مما بنى الأشعري مذهبه عليه، وينهون
أصحابهم وأحبابهم عن الحوْم حواليه، على ما سمعت عدة من المشايخ والأئمة
ـ منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن علي الساجي ـ يقولون: سمعنا جماعة من
المشايخ الثقات، قالوا: كان الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الإسفرايني
إمام الأئمة، الذي طبق الأرض علما وأصحابا إذا سعى إلى الجمعة من قطعية
الكرج إلى جامع المنصور، يدخل الرباط المعروف بالزوزى المحاذي للجامع،
ويُقبل على من حضر، يقول: اشهدوا علي بأن القرآن كلام الله غير مخلوق،
كما قال الإمام ابن حنبل، لا كما يقوله الباقلاني، وتكرر ذلك منه
جُمعات، فقيل له في ذلك، فقال: حتى ينتشر في الناس وفي أهل الصلاح،
ويشيع الخبر في أهل البلاد: أني بريء مما هم عليه ـ يعني الأشعرية ـ
وبريء من مذهب أبي بكر بن الباقلاني..» (ص. 96 ـ
97).
(10) الشامل، مصدر
سابق، ص. 121 ـ 212 ـ 293 ـ 315 ـ 673 ـ 674 ـ 685. تبيين كذب المفتري،
مصدر سابق، ص. 53 ـ 93 ـ 186 ـ 178 ـ 272 ـ  على أن ابن عساكر
يحلي ابن سهل الصعلوكي بالأستاذ الإمام في أكثر من موضع، الأمر نفسه
بخصوص ابن فورك في بعض المواضع. شرح الإرشاد، المقترح مظفر بن عبد الله،
تح: امعاريج نزيهة، الرابطة المحمدية للعلماء، الرباط (مركز أبي الحسن
الأشعري للدراسات والبحوث العقدية ـ تطوان ـ سلسلة ذخائر من التراث
الأشعري (1))، ط1، 1435هـ ـ 2014م، ج1، ص. 405. أبكار الأفكار في اصول
الدين، الآمدي سيف الدين، مصدر سابق، ج1، ص. 75.
(11) تبيين
كذب المفتري، ص.  253 ـ 265 ـ 271.
٭٭ وقد جمعت منذ مدة
جملا في هذا الموضوع بعنوان “الألقاب في المذهب الأشعري” بينت فيه ما
تواطأ عليه الأشاعرة من تلقيب أعلام المذهب بألقاب معينة درج عليها
الناس إلى زماننا هذا من قبيل ما ذكرت أعلاه، وفي تحديد أصحابها أهمية
لطلبة العلم خصوصا عند إطلاقها في الكتب دون ذكر صاحبها. وعلى أيّ، فهذا
موضوع جزئي طريف هو من قبيل مستملحات البحث والتخصص في علم الكلام
الأشعري، وعسى أن يكون ما استجمعته فيه يصلح ورقةً للنشر بالموقع لتعميم
الفائدة.
(12) انظر مثلا: الغنية
في الكلام، الأنصاري أبو القاسم، تح: عبد الهادي مصطفى حسنين، دار
السلام، القاهرة، ط1، 1331هـ/2010م، ج1، ص. 223. المواقف بشرح الجرجاني،
مج3، ص. 208. والمختصر الكلامي، ابن عرفة، ص 118.
(13) راجع مثلا: الغنية
في الكلام، مصدر سابق، ج1، ص. 456. وطبقات الشافعية الكبرى، ابن قاضي
شهبة، ج1 ص 113. وقد يردان معا بلقب الأستاذ في بعض المواضع؛ راجع:
طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي، مصدر سابق، ج3، ص. 352.
(14) كشف
الظنون عن أسامي الكتب والفنون، حاجي خليفة، دار إحياء التراث العربي،
بيروت، ج1، ص. 539.
وقد وجدت لاحقا بعد
تحقيقي لهذه المسألة أن محقق “هداية المريد” قد أشار إلى هذه النكتة عند
تعليقه على قول المؤلف «فقال الأستاذ» (هكذا
مجردا)، حيث علق معقبا: «وهو أبو إسحاق الإسفرايني؛ أنه حيث
أطلق لفظ الأستاذ لا ينصرف إلا له»، راجع: هداية المريد
لجوهرة التوحيد، اللقاني برهان الدين إبراهيم، تح: البجاوي مروان حسين
عبد الصالحين، دار البصائر، القاهرة، ط1، 1430هـ / 2009م) ج1، ص.
217.
(15) كما هداية المريد،
مصدر سابق، ج1، في 197.
(16) معجم البلدان،
ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، 1397هـ ـ 1977م، ج1، ص. 177. والحموي
يثبت اسمها هكذا: «أسفرايين: بالفتح ثم السكون، وفتح الفاء،
وراء، والف، وياء مكسورة، وياء أخرى ساكنة،
ونون».
(17) راجع مثلا: معجم
البلدان، مصدر سابق، ص. 177 ـ 178.
(18) انظر مثلا:
المباحث العقلية في شرح معاني العقيدة البرهانية، اليفرني أبو الحسن،
تح: علال البختي جمال، الرابطة المحمدية للعلماء ـ الرباط، مركز أبي
الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية ـ تطوان، ط1، 1437هـ ـ 2016م،
ج1، ص، 349، (الإسفرايني)، ج1، ص. 534 (الإسفرائني)، ج2، ص. 728
(الإسفراييني). الأمر نفسه في جملة من المصادر يضيق المقام بذكر مواضع
الاسم منها.
(19) نقلت إلينا كتب
المذهب طائفة وافرة من آراء أبي إسحاق العقدية والفقهية ونكته الحديثية
التي انفرد بها، من قبيل: تجويز ثبوت العلم المقدور عليه من غير تقدير
نظر واستدلال ـ خلافا لمعظم المتكلمين ـ، ونفيه وجود حقيقة للسحر،
والقول بأن جميع الذنوب كبائر، وإنكار المجاز في القرآن، وعدم صحة
الاحتجاج بالحديث المرسل ـ خلافا لمذهب الشافعي
ـ..
ولقد أعِدت بخصوص آرائه
الأصولية رسائل للدكتوراه وقفت منها على عنوانين اثنين:
ـ آراء أبي
إسحاق الإسفراييني الأصولية جمعا وتوثيقا ودراسة، أطروحة أعدها سنة 1933
الطالب الباحث عبد الله بن زيد بن حمد المسلم بجامعة الإمام محمد بن
سعود الإسلامية.
ـ الأستاذ أبو إسحاق
الإسفراييني وآراؤه الأصولية ـ جمع ودراسة ـ لصاحبها علي عزوز، جامعة
الجزائر، 1999.
وبين من ذيل هذين
العنوانين افتقاد الطلبة والباحثين لكتب الرجل، فلا يبقى من سبيل إلى
التعرف على أقواله وآرائه إلا الاستقراء والجمع.
أما بخصوص آرائه
الكلامية فلم أقف بعد ـ في حدودي بحثي في الموضوع ـ على من أفردها ببحث
أو دراسة مستقلة، ولقد كان من بركة هذه المقالة أني قمت بتطواف على كتب
المذهب الأشعري، قمشت منها، ومن غيرها أيضا، طائفة كبيرة من آرائه
الكلامية والعقدية سأعمل على إفرادها في دراسة مستقلة بحول
الله.
(20) التبصير في الدين،
مصدر سابق، ص. 193. هذه الكتب التي ذكرناها تعد مفقودة لا أثر لها، في
انتظار فتح جديد قد يضطلع به أهل القيافة من الباحثين أو
الوراقين.
(21) للاطلاع على
البحوث المنشورة فيها راجع مقالة تعريفية للباحث Noëmi Lucas
منشور في http://www.ifao.egnet.net/bcai/29/21/
(22) بإشراف الدكتور
رشدي راشد، مجلة التفاهم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2014،
[ص ص. 19 ـ 50].
(23) كما في شرح
الإرشاد للمقترح، مصدر سابق، ج2، ص. 778.
(24) كما في الغنية في
الكلام للأنصاؤري، مصدر سابق، ج1، ص. 245.
(25) كشف الظنون، مصدر
سابق، ج2، ص. 1157.
(26) أفدت ذلك من
تغريدة نشرها الدكتور عبد الله التوراتي على صفحته على موقع twitter
حلاها بصورتين من الشرح تثبت اسم العقيدة وشرحها وصاحبيهما، في انتظار
أن يخرج الشرح محققا تحقيقا علميا كما هو المعهود من قبل الدكتور
التوراتي.
(27) classical islamic
theology : the ash’arites – Texts and studies on the Devlopment and
History of Kalᾱm, Vol. 3. ASHGATE / VARIORUM. 2008 [ص. 133 ـ
142].
(28) أخطأ المحقق في
الكنبة، ولعله سهو منه، والصواب: أبي إسحاق.
(29) كذا بالرسم
العثماني.
(30) في الهامش: هكذا
النص ولعله قد سقط شيء ههنا.
 (31) على
العاقبة أي بالموافاة بالإيمان يوم القيامة.
(32) في الهامش: هكذا
النص ولعل الصحيح مرة.
(33) هكذا أثبتها
المحقق، ولعل الصواب؛ إحدى صفات النفس الحدوث.
 إنجاز
الباحث: محمد أمين السقال
Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق