مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكأعلام

عـبـد الرحـمـن بـن الـقـاسـم

 

د/أمينة مزيغة

باحثة بمركز دراس بن اسماعيل

 

          مترجمنا هو أحد تلامذة الإمام مالك وأصحابه المخلصين، الحريصين على صحبته، والتلقي عنه، والتفقه بفقهه، لازمه مدة طويلة نحوا من عشرين سنة، وتفقه به وبنظرائه. هو عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جُنادة، أبو عبد الله العتقي، عالم مصر ومفتيها، صاحب المدونة الكبرى في المذهب المالكي، وهي من أجلّ كتب المذهب، ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وقيل ثمان وعشرين ومائة، كان ابن القاسم رجلا صالحا، عابدا، سخيا، ورعا، زاهدا، وكان يختم في كل يوم وليلة ختمتين، تقياً، وحكى محمد بن أبي يزيد أن ابن القاسم كان يتصدق بنصف قوته.

          كان رحمه الله أعلم تلاميذ الإمام مالك بعلمه، وأأمنهم عليه، وأفقههم بمذهب اللذين أخذوا عنه الفقه ونشروا مذهبه، يسمع ويحفظ جيداً عنه، ويعمل بنصحه، فقد قال له مالك ذات يوم : (اتق الله وعليك بنشر العلم). ومن حرصه على ملازمة الإمام مالك أن كان ينتظره ليلا ليسأله عن مسائل قال: كنت آتي مالكا غلسا، فأسأله عن مسألتين، ثلاثة، أربعة، وكنت أجد منه في ذلك الوقت انشراح صدر، فكنت آتي كل سحر، فتوسدت مرة عتبته، فغلبتني عيني فنمت، وخرج مالك إلى المسجد ولم أشعر به ، فركضتني سوداء له برجلها وقالت لي: إن مولاك قد خرج، ليس يغفل كما تغفل أنت اليوم له تسع وأربعون سنة قلما صلى الصبح إلا بوضوء العتمة، ظنت السوداء أنه مولاه من كثرة اختلافه إليه.

          أثنى عليه شيخه مالك، فقال: “عافاه الله، مثله كمثل جراب مملوء مسكا”، كما أثنى عليه غيره من العلماء، قال عنه الدارقطني: “متقن، حسن الضبط”، وقال النسائي:” ثقة مأمون، أحد الفقهاء”، وقال يحيى بن يحيى: “أعلمهم بعلم مالك، وآمنهم عليه”، قال أبو عمر بن عبد البر: سئل مالك عنه وعن ابن وهب فقال: ابن وهب عالم، وابن القاسم فقيه.

          انتفع أصحاب الإمام مالك به، حتى شهد له أقرانه بالفضل و العلم فهذا زميله عبد الله بن وهب – وهو أطول التلاميذ صحبة لمالك – يقول عنه : “إذا أردت هذا الشأن – يعني الفقه – عند الإمام مالك ، فعليك بابن القاسم فإنه انفرد به وشُغِلنا بغيره”.

        ولابن القاسم سماع من مالك يصل لعشرين كتابا، وكتاب المسائل في بيوع الآجال، فقد كان يفضل على جميع أصحابه في علم البيوع.

         قال أحمد بن خالد: لم يكن عند ابن القاسم إلا الموطأ، وسماعه من مالك، كان يحفظها حفظا، وقال أبو زرعة: كان عنده ثلاث مئة جلد أو نحوه عن مالك (مسائل) مما سأله أسد.

         وبهذا الطريق رجح القاضي عبد الوهاب البغدادي مسائل المدونة لرواية سحنون لها عن ابن القاسم وانفراد ابن القاسم بمالك وطول صحبته له وأنه لم يخلط به غيره إلا في شيء يسير، ثم كون سحنون أيضا مع ابن القاسم بهذا السبيل، مع ما كانا عليه من الفضل والعلم، فهو بذلك يعتبر ناقل الفقه المالكي.

          حدث عن مالك: الليث، وعبد العزيز بن الماجشون، ومسلم بن خالد، وعبد الرحمن بن شريح، ونافع، وغيرهم كثير.

           وحدث عنه: أصبغ، محمد بن المواز، والحارث بن مسكين، ويحيى بن يحيى الأندلسي، وابن عبد الحكم، وأسد بن الفرات، و سحنون، و محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وغيرهم كثر.

           توفي ابن القاسم – رحمه الله تعالى- بمصر في صفر سنة واحد وتسعين ومائة، وقبره خارج باب القرافة قبالة أشهب.

           قال ابن وهب حين توفي ابن القاسم: كان أخي وصاحبي في هذا المسجد منذ أربعين سنة، ما رحت رواحا ولا غدوت غدوا قط إلى هذا المسجد إلا وجدته سبقني إليه.

        ترتيب المدارك وتقريب المسالك 1/568، رقم 73. 

       شجرة النور الزكية 1/88، رقم 69.

        جمهرة تراجم الفقهاء المالكية 2/645، رقم 575.

        سير أعلام النبلاء 7/546.

        

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق