مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

عبد الله بن الزبير وقصة خشوعه في الصلاة.

 

                                                                                                   

 

  بقلم الأستاذ: نافع الخياطي.

   هو أمير المؤمنين عبدُ الله بن الزبير بن العوام، القُرشي المكِّي، أحد الأبطال الشُّجعان، أبوه: الزبير بن العوام، ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم  وحواريُّهُ. وأمُّه: السيدة أسماء بنت أبي بكر ذات النِّطاقين.

كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أوَّل مولود للمهاجرين بالمدينة. وُلِدَ سنة اثنتين، وقيل: سنة إحدى.

قصته:

يقول عبد الواحد بن أيمن: “رأيت عَلَى ابن الزبير رِدَاءً يَمَانِياًّ عَدَنِياً يُصَلِّي فيه، وكان صيِّتاً إذا خطب يُجَاوِبُه الجَبَلَانِ أبو قُبَيْس وَزَرُورَاء، وكان آدم نحيفاً ليس بالطويل، وكان بين عينيه أثر السجود كثير العبادة مجتهداً شهماً فصيحاً صوَّاماً قوَّاماً شديد البأس ذا أنفة، له نفس شريفة وَهِمَّةٌ عالية، وكان خفيف اللِّحية ليس في وجهه من الشَّعر إلاَّ قليلاً، وكانت له جُمَّة([1]) وكان له لحية صفراء”.

     قال عمر بن عبد العزيز يوماً لابن أبي مُلَيْكَةَ.. صف لنا عبد الله بن الزبير، فقال: “والله ما رأيتُ جِلْداً قطُّ رُكِّبَ على لحم ولا لحماً على عصب ولا عصباً على عظم مثله، ولا رأيتُ نفساً رُكِّبَتْ بين جنبين مِثْلَ نفسه، ولقد مرَّت آجُرَّةٌ من المنْجَنِيقِ بين لحيته وصدره فوالله ما خشع ولا قطع لها قراءته، ولا ركع دون ما كان يركع، وكان إذا دخل في الصلاة خرج من كلِّ شيء إليها، ولقد كان يركع فيكاد الرَّخَمُ([2])  أن يقع على ظهره، وَيَسْجُدُ فكأنه ثوْبٌ مطروحٌ”.

     وروى أن ابن الزبير رضي الله عنهما كان يوماً يُصلِّي فسقطت حيَّة من السَّقْفِ فَتَطَوَّقَتْ([3]) على بَطْنِ ابنه هاشم فصرخ النِّسوة وانزعج أهل الْمَنْزِلِ واجتمعوا على قتل تلك  الحيَّة فقتلوها، وسَلِمَ الوليد، فَعَلُوا هذا كُلَّهُ وابن الزُّبَيْرِ في الصلاة لم يَلْتَفِتْ ولا دَرَى بما جَرَى حتَّى سَلَّم !!.

     وعن مجاهد، قال: لم يكن أحدٌ يُطِيقُ مَا يُطِيقُهُ ابن الزبير من العبادة،رضي الله عنه.

     وقال: جاء سَيْلٌ مَرَّةً فَطَبَّقَ البَيْتَ فَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَطُوفُ سِبَاحَةً !!

     قال ثابت البُناني: كنتُ أَمُرُّ بابن الزُّبير، وهو خلف المَقَامِ يُصلِّي،  كأنَّه خَشَبَةٌ، مَنْصُوبَةٌ، لا تَتَحَرَّكُ.

     وَعَنْ يَحْيَى بْنِ وثَّاب: أن ابْنَ الزُّبَيْر كان يَسْجُدُ حتَّى تَنْزِلُ العَصَافِيرُ على ظَهْرِهِ وَلَا تَحْسَبُهُ إِلَّا جِذْمَ([4]) حَائِط !.

الدروس والعبر المستخلصة من هذه القصة:  

1-     ابن الزُّبير يلبس اللِّباس الرَّفيع لأداء الصلاة فيه، تطبيقا لقوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد…)([5])، واستحضاراً منه لجلال الله الذي يَقِفُ بيْن يديه.

2-     تداخلت عناصر قصَّتِهِ في الجمع بين الصفات الحِسِّية، والمعنوية؛ فهو جهير الصوت في خُطَبِه، وَصَدْعِهِ بالحق، رَغْمَ نَحَافَةِ جسمه.

3-     أَثَرُ السُّجُودِ مِنْ كَثْرَةِ العبادة بَادٍ على وجهه، مصداقاً لقوله تعالى: (سِيمَاهُمْ في وُجُوهِهِمْ من أَثَر السُّجُود…).([6])

4-    رغم ضعف بنيته رضي الله عنه، فقد كان صوَّاماً، قَوَّاماً، شديداً في الحق.

5-     كانت له نفس أَبِيَّةٌ، وَهِمَّةٌ عاليةٌ، وكأَنَّ الشَّاعِر الكبير المُتَنبِّي كان يَنْظُرُ إلى أحوال مِثْلِ هذا الصَّحابيِّ الجَلِيل إذ يقول:

وَإِذَا كانتِ النُّفُوسُ كِباراً  **  تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسَامُ.

6-    ابن أبي مُلَيْكَة التَّابِعِيُّ الجَلِيل يَجْمَعُ وَصْفُهُ لابن الزُّبير رضي الله عنه بَيْنَ الْمَظْهَرِ، وَالْمَخْبَرِ؛ فهو يصف الجسم بِالنَّحَافَةِ، وَلَعَلَّ ذلك من كثرة العِبَادَةِ وشِدَّة الإِرْهَاق، والسَّهَرِ فِي قيام اللَّيْل.

وَيَصِفُهُ في نفس الوقت بِعِظَم النفس، وَرَبَاطَةِ الجَأْشِ، والاسْتِغْرَاقِ في الخُشُوعِ في الصَّلاة؛ جِسْماً، ونفساً، وعقلاً، وقلباً، وروحاً، حتى يصير كأنَّه جمادٌ لا يتحرَّك في قِيامِه وقُعُودِه، وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِه.

7-     إِجْمَاعُ الوَاصِفِينَ لِعَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْر رضي الله عنه على شِدَّةِ حُبِّه للعبادة، والتَّفَانِي في التَّعَلُّقِ بها آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهارِ، وأنَّ أيَّ أَحَدٍ من النَّاس لا يستطيع أن يُطِيقَ ما كان يُطِيقُهُ رضي الله عنه، وعن جميع الصحابة الكرام، وعن التابعين، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإحسان إلى يوم الدين.

8-     الخُشُوعُ رُكْنٌ أَسَاسِيٌّ فِي الصَّلَاة، وإذا خَشَعَ القَلْبُ خَشَعَتِ الجَوَارِحُ كلُّها، وقد مَدَحَ اللهُ عز وجل الخاشعين في غَيْرِ مَا آيةٍ من القرآن الكريم كقوله: (…وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِين…)([7])، وقوله: (قَد أفْلَحَ المُومِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون…).([8])

9-    وُجُوبُ إِتْقَانِ العَمَل، وَأَعْظَمُ الأَعْمَال: الصَّلاة؛ لأنَّها صِلَةٌ بَيْنَ العبد وَرَبِّه؛ لِمَا رُوِيَ فِي الحَدِيثِ أَنَّهَا “أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ به العَبْدُ يوم القيامة: الصَّلَاة، فإن صَلُحَت صَلُحَ له سائرُ عَمَلِه، وإن فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِه”. رواه الطبراني في الأوسط، والضِّيَاء الْمَقْدِسِي في: (المختارة) عن أنس. ([9])

                                                                                        والحمد لله رب العالمين.

 

 

 


([1])   الجُمَّةُ: مُجْتَمَعُ شَعَرِ الرَّأْسِ.

([2]) – الرَّخَمُ: طائرٌ من الجوارح يُشْبِهُ النِّسر.

([3]) – تطوَّقَّت: الْتَفَّتْ.

([4]) – جِذْمُ حَائِطٍ: أَيْ أَصْلُ حَائِط. والقِصَّةُ مُنْتَقَاةٌ من كتاب: صُوَرٌ وَمَوَاقِفُ مِنْ حَيَاةِ الصَّحَابَةِ؛ لِسَعْد يُوسُف أَبُو عَزِيز. ص: 26-27.

([5])  سورة: الأعراف، الآية: 29.

([6])  سورة: الفتح، الآية: 29.

([7]) سورة: البقرة، الآية: 44.

([8]) سورة: المؤمنون، الآيتان: 1- 2.

([9]) – الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير: 1/ 468- 469 ط.دار الكتاب العربي-بيروت.

 

why do married men cheat on their wives women affair how many people cheat
why do women cheat why husbands cheat reasons why women cheat on their husbands
redirect read abortion pill process
go induced abortion plan b abortion pill
bystolic copay savings card bystolic generic
cialis coupon cialis coupon cialis coupon
bystolic coupon 2013 go bystolic generic alternative

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق