مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

عبد القادر بن علي بن يوسف الفاسي تـ1091هـ

  هو العلامة الـمُشارك الـمُحصِّل للمفهوم والمنقول أبو محمد عبد القادر بن علي بن يوسف بن محمد بن يوسف بن عبد الرحمن القَصْرِي أصلاً، الفاسي ولداً وداراً وشهرةً، ولد بمدينة القصر الكبير عند زوال يوم الاثنين ثاني رمضان سنة (ت1007هـ)، وتكفّل والده بتعليمه منذ صغره، فكان أول ما بدأ به تحفيظه كتاب الله العزيز سيرا على عادة أهل المغرب في تعليم الصبيان، كما حظي أيضا بعناية كبيرة من قبل شيوخ أسرته، وعلى رأسهم جده علي؛ حيث أسهموا في تربيته وتأديبه وتلقينه جملة من المتون وفي مختلف الفنون، ولم يكن مترجمنا ليقف عند هذا الحد، بل دفعه تعطشه وشغفه للعلم للرحيل إلى عاصمة العلم والعلماء مدينة فاس، قصد التّبحر ومقارعة الأقران ومزاحمتهم في المجالس التي تعقد بمساجد وزوايا الحضرة الفاسية، وقد أُعجب به وبحماسته عمه أبو حامد محمد العربي الفاسي(ت1052هـ)، واغتبط بذلك كثيرا وقال: «لو لم تكن ابن أخي، بل أقول ابني، لسررت غاية السرور بوجود مثلك في علماء الإسلام، فكيف وأنت مني في محل قلبي من جسدي، فقرّت بك عيني ووُرِيَ بِكَ زَنْدِي، فلله الحمد على ما منح، خصوصا وعموما من ذلك، ونسأله أن يديم لنا ما يُقر أعيننا بك، وأن يمنحنا بركة الأب الذي وعد بذلك في ذريته»، وقد ذكر الشيخ عبد القادر جملة من شيوخه في فهرسته التي جمعها له ابنه عبد الرحمن، كما ذكر له أيضا هذا الأخير جملة منهم في كتابه: «تحفة الأكابر بمناقب الشيخ عبد القادر» – وهو كتاب مخطوط له نسخة بالخزانة الملكية تحت رقم(25330)، وأخرى بالخزانة الوطنية(1766د)، على أنَّ أبرزهم وأشهرهم علما وورعا وزهدا: العالم المحقق أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الفاسي(ت1036هـ)، والمؤرخ التقيُّ أبو العباس أحمد بابا بن أحمد التنبكتي(ت1036هـ)، والمحدث الرَّاوية أبو العباس أحمد بن محمد الـمَقَّرِي(ت1041هـ).

  وبعدما برَع رحمه الله في علوم النقل والعقل، وأضحى يُلَقَّب بالحافظ، والمحدث، والفقيه، والأصولي، والمتكلم، والنحوي، واللغوي، والمنطقي، والأديب، والجدلي، وما شابه ذلك، جلس للتدريس والتعليم فكانت حِلَقُهُ تعجّ بالشيوخ والطّلاب الوافدين على الحضرة الفاسية حتى قيل: «كل من يُـحسن النحو بفاس ويزعم أنه أخذه عن غير سيدي عبد القادر فهو كاذب»، وقيل أيضا: «لا تجد عالما أو متعلما بإفريقية والمغرب إلا وهو من تلامذته أو تلامذتهم»، بل أكثر من هذا: «لولا ثلاثة لانقطع العلم من المغرب في القرن الحادي؛ لكثرة الفتن التي ظهرت فيه وهم: محمد بن ناصر، ومحمد بن أبي بكر الدلائي، وعبد القادر الفاسي »، وقد جمع ابنه أبو زيد الآخذين عنه في سفر سماه: «ابتهاج البصائر فيمن قرأ على الشيخ عبد القادر»، جُلهم من كبار العلماء الذين شغلوا منصب التدريس والفتيا والخطابة والقضاء والمشورة في عهد الدولة العلوية؛ كالرَّحالة المسند الحجة أبو سالم عبد الله بن محمد العياشي(ت1090هـ)، والإمام الكبير أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي(ت1102هـ)، والفقيه النوازلي أبو علي الحسن بن رحال المعداني(ت1140هـ).

  ويبدو أن الشيخ رحمه الله فضَّلَ تكريس حياته لمهنة التدريس مع نساخة الكتب، خاصة صحيح البخاري فيبيعها ويأكل من ثمنها؛ إذ لم يثبت عنه رحمه أنه تقلد منصبا من مناصب الدولة رغم كفاءته وأحقيته بذلك، ومع ذلك فإنه كان قوَّالاً للحق لا يخاف في الله لومة لائم، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، يواجه به الكبراء والملوك.

  وقد أُعجب بهذه الشخصية المتكاملة الأوصاف جمهور من العلماء فأثنوا عليها الثناء الحسن، يقول محمد الطيب القادري في نشره وقد كَفَى ووفّى:

أولـهم هو الإمام الماهرُ     العالـمُ الـمفرد عبد القادر

شيخ الشيوخ وفريد المنصب      محيي العلوم في جميع المغرب

قد أشـرقت من أفْقِه أنـوار     واتضحت من علمه أسرار

وانعقد الإجماع عَّلى تقديمه      واتفق الكـل على تعظيمه

يعلو به الـمكان والـمقدار    ويعظم التفخيم والوقـار

  مقامه في فاس ذو اشـتهار   مُؤمَّـل لـحاجة الـزّوار

تلمذت له شيوخ المغرب         قاطبة فهو العليُّ المنصب

  أما التأليف فالمعروف عن المترجم رحمه الله أنه لم يتصدر لتأليف كتاب بعينه، أو لشرح متن من المتون، وإنما كانت تصدر منه أجوبة عن مسائل كان يسأل عنها فيجيب، تكفل بجمعها ابنه عبد الرحمن وبعض أصحابه منها: الأجوبة الصغرى -مطبوعة-، والنوازل الكبرى، منها نسخة بالمكتبة الوطنية رقم 2926د، وأخرى بالقرويين رقم 741، وعقيدة أهل الإيمان، منها نسخة بالوطنية رقم 2738د.

  توفي رحمه الله زوال يوم الأربعاء ثامن رمضان سنة (1091هـ)، ودفن من الغد في موضع تدريسه للعلم بالزاوية المنسوبة إليه الآن بحومة القلقليين بفاس.

  ترجمته في: فهرسته وإجازته لأبي سالم العياشي، واقتفاء الأثر(142ـ 147)، وصفوة من انتشر(310ـ 314)، ونشر المثاني(2/270ـ 279)، والتقاط الدرر(217ـ218)، وخلاصة الأثر(2/444ـ451)، وسلوة الأنفاس(1/350-355)، وشجرة النور(314ـ315).

  إنجاز: د. رشيد قباظ.

Science

الدكتور رشيد قباظ

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق