مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

صور تنزيلية لأصل ما جرى به العمل2

د/مولاي ادريس غازي

باحث بمركز دراس بن إسماعيل

وما قرره السجلماسي هنا مأخوذ من كلام ابن رشد الوارد في نوازله وقد نقله الحطاب في التزاماته فقال: “وقد ذكر ابن رشد في مسائل الحبس من نوازله أنه يجب أن يتبع قول المحبس، فما كان من نص جلي أن لو كان حيا فقال أنه أراد ما يخالفه، لم يلتفت إلى قوله ووجب أن يحكم ولا يخالف حده فيه، إلا أن يمنع منه مانع من جهة الشرع، وما كان من كلام محتمل لوجهين فأكثر، حمل على أظهر محتملاته إلا أن يعارض أظهرها أصل فيحمل على الأظهر من باقيها، إذا كان المحبس قد مات ففات أن يسأل عما أراد بقوله من محتملاته، فيصدق فيه إذ هو أعرف بما أراد وأحق ببيانه من غيره. هـ فعلم منه أنه إذا كان المحبس حيا وفسر اللفظ بأحد محتملاته قبل تفسيره به، ولو كان خلاف الأظهر، ولا يقبل قوله في الصريح أنه أراد به خلاف معناه”[1].

إلا أن العلامة المهدي الوزاني لم يرتض هذا التقييد الذي درج عليه السجلماسي، وقرر أن قاعدة مراعاة القصد في الأحباس التي جرى بها العمل ثابتة الإطلاق سواء كان اللفظ صريحا أو غير صريح، وأن تقييدها بالقيد المذكور إنما يتنزل على رأي القائلين بضرورة الوقوف عند اللفظ دون التفات إلى القصد، ومما ورد في تعقيبه قوله:

“لا يخفى أن هذا الكلام من أوله إلى آخره إنما هو على القول بتقديم اللفظ على القصد، لا على القول الذي به العمل فهو غلط منه”[2]. كما اعترض تقريره لكلام الناظم الوارد أعلاه بصورة اعتبار القصد المدلول عليه بالقرينة دون سواه فقال: “وعليه اعتراضان الأول أن تقريره بخصوص هذه الصورة وهي أن يكون اللفظ ظاهرا في معنى وتقوم القرينة على خلافه مخالف لظاهر النظم والنقل أيضا، إذ ليس فيه ما يشهد له بل ظاهرهما أن اللفظ إذا كان معارضا للقصد في باب الحبس فالعمل على القصد كيف ما كان اللفظ، الثاني أن جعله موضوع النقل خاصا بتلك الصورة خلاف كلام الأئمة بأجمعهم من الإطلاق”[3].

ب- أن جريان العمل بالقصد دون الدلالة اللفظية مبني على ترجيح بعض أكابر علماء المذهب، كأبي الحسن القابسي حيث استفاد العلماء من فتواه في مسألة الكتب المحبسة، قاعدة رجحان القصد على اللفظ في التحبيس، جاء في المعيار ما نصه:

“وسئل أيضا رحمه الله تعالى (أي أبو الحسن القابسي) عمن حبس كتبا وشرط في تحبيسه أنه لا يعطي إلا كتابا بعد كتاب، فإذا احتاج الطالب إلى كتب وتكون الكتب من أنواع شتى، فهل يعطى كتابين معا أو لا يأخذ إلا كتابا بعد كتاب؟

فأجاب: إذا كان الطالب مأمونا أمينا مكن من هذا، وإن كان غير معروف فلا يدفع إليه إلا كتاب واحد وإن كان من أنواع، خشية الوقوع في ضياع أكثر من واحد، وظاهر كلام أبي عمران أنه لا يتعدى ما شرطه، لقوله المسلمون عند شروطهم، وظاهر ما في هذا السؤال أنه يراعي قصد المحبس لا لفظه، ومنه ما جرى به العرف في بعض الكتب المحبسة على المدارس ويشترط عدم خروجها من المدرسة، وجرت العادة في هذا الوقت بخروجها بحضرة المدرسين ورضاهم، وربما فعلوا ذلك في أنفسهم ولغيرهم، وهو والله أعلم لما أشار إليه هذا الشيخ من مراعاة قصد المحبس لا لفظه”[4].

 

 

 

 


[1] – تحرير الكلام في مسائل الالتزام، ص 80.

[2] – تحفة أكياس الناس، ص 382.

[3] – تحفة أكياس الناس ص385. وقد نظم الشيخ ميارة قاعدة العمل بالقصد دون اللفظ في الأحباس فقال:

كذلك الحبـس قالوا إن شرط        تخرج الكتب فخلف قد فرط  

لايجري بها كذاك أن لا يدفعها       إلا كتاب بعد آخر اسمعا 

للقصد جاز فعل ما لو حضرا        موقفه رآه أيضا نظرا

وهذه قاعدة اللفظ إذا           عارضه القصد فقيل ذا وذا                                                  

انظر تحفة أكياس الناس للوزاني ص384.

[4] – المعيار 7/340، وقد نبه المحقق السجلماسي إلى أن ما جاء في هذا النص من قوله: “وظاهر ما في هذا السؤال هو من كلام البرزلي وليس من كلام القابسي معتمدا في ذلك على ما نقله الحطاب، ومما جاء في هذا التنبيه قوله: “ونقله في المعيار بعد نحو سبعة كراريس من الأحباس غير أنه وصل ما زاده من كلام البرزلي بآخر جواب القابسي، فقال بعد قوله خشية الوقوع في ضياع أكثر من واحد متصلا به ما نصه، وظاهر كلام أبي عمران أنه لا يتعدى ما شرطه لقوله عليه السلام المسلمون عند شروطهم إلى آخر ما سبق فأوهم كلامه ونقله هذا أن التذييل من تتمة الجواب”. شرح العمل الفاسي، 2/2-3.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق