مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

صورتنزيلية لأصل ما جرى به العمل4

د/مولاي ادريس غازي 

باحث بمركز دراس بن اسماعيل

 

والناظر في نوازل الأحباس يجد طائفة من فتاوي الفقهاء مبنية على اعتبار المعاني المصلحية في الأحباس دون الرسوم أو المباني اللفظية، ومن النماذج الدالة على هذا الباب نسوق ما يلي:

– جواز نقل الكتب من موضع التحبيس قصد تعميم الانتفاع بها، وهذه المسألة تتفرع على أصل اعتبار المعنى المصلحي في التحبيس، فقد سئل سيدي عبد القادر الفاسي عن الانتفاع بالكتب المحبسة على المسجد هل هو مختص بمن هو مجاور للموضع أم لا يلزم فيه الاختصاص بالمحل، وخاصة إذا انعدم فيه من ينتفع بها وأمكن الانتفاع بها في غيره فأجاب: “الحمد لله، الجواب –والله الموفق- إن شرط المحبس إذا كان جائزا يجب اتباعه ما أمكن، فإذا تعذر كهذا صرف في مثله فيجوز حينئذ الانتفاع بالكتب في غير ذلك المسجد، إن كان آخذها مأمونا اعتبارا بقصد المحبس إذ لو عرض عليه ذلك ما كرهه”[1].

– جواز التصرف في مصاريف الأحباس سواء كانت معلومة أو مجهولة تبعا لما تقتضيه المصلحة [2]، وهذه المسألة أيضا مبنية على هذا الأصل ومتنزلة على مقتضاه، حيث أفتى كثير من الفقهاء بجواز صرف ما فضل عن الأوقاف وخاصة أوقاف الملوك في غير المصرف المنصوص عليه من طرف المحبس رعيا للمصلحة، من هؤلاء الفقيه أبو مهدي عيسى الماواسي، فقد سئل عن حكم تخصيص راتب للمؤذن والإمام ومن يزاول التعليم بالمسجد مما يفضل عما يجب صرفه في المصالح المعتادة للمساجد كالزيت والحصر، فكان جوابه: “الحمد لله أوقاف المسجد المذكور يختلف القول فيها باختلاف محبسها، فإن كانت أوقافها من أحباس الملوك وكان لها على ما سموه من المصرف فضل بين فجائز صرف ذلك الفضل في غير ما سماه الواقف من المصرف، فيعطى منه للإمام والمؤذن وقارئ الكتب المعتادة لما في ذلك من المصلحة العامة، ولا يدخل في ذلك الخلاف المعروف في أوقاف الأحباس، لأن الأئمة في تصرفاتهم وكلاء عن المسلمين وليس للوكيل التصرف إلا على وجه المصلحة، والزائد على المحتاج إليه في المصرف المعين لا مصلحة فيه، فللناظر صرف ذلك الزائد في سبيل الخير غير الجهة التي عينها الواقف، وهذا المنصوص لشهاب الدين القرافي وهو فقه صحيح قوي. وأما إن كان الوقف من غير الملوك وكانت له غلة واسعة ففضل منها كثير على الجهة التي عينها، ففي المذهب خلاف في استنفاذ الزائد المستغنى عنه في غير ما سماه المحبس من سبيل الخير، فلابن القاسم لا يصرف في غيره بل يوسع به في المصرف المذكور للسداد فيه من غير سرف، قال: ويبتاع بالفاضل أصولا تحبس في المصرف المسمى، وبهذا أفتى القاضي أبو الوليد ابن رشد وقال أصبغ وابن الماجشون: أن ما يقصد به وجه الله يجوز أن ينتفع ببعضه في بعض، وروى أصبغ عن ابن القاسم مثل ذلك في مقبرة قد عفت فبنى قوم عليها مسجدا ولم أر به بأسا، قال: وكذلك ما كان لله فلا بأس أن يستعان ببعضه على بعض، وقد رأى بعض المتأخرين أن هذا القول أرجح في النظر لأن استنفاذ الزائد في سبيل الخير أنفع للمحبس وأنمى لأجره، ولقد أخذ بهذا القول أيضا ابن رشد في بعض فتاويه فأفتى بجواز رم مسجد من وفر مسجد غيره، ويكاد في هذا الزمان الاتفاق على المبادرة إلى استنفاذ الأوفار في سبيل الخير، فإن في بقائها موقوفة تعرضا للسلف الذي هو شقيق التلف والله سبحانه المولى الموفق بفضله، وكتب مسلما على من يقف عليه العبد الفقير إلى الله تعالى عيسى الماواسي لطف الله به”[3].

 


[1] – نوازل العلمي 2/337.

[2] – انظر جواب ابن لب في المعيار 7/91، وكذلك 7/112، و7/478.

[3] – نوازل العلمي 2/344-345.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق