مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

صورتنزيلية لأصل ما جرى به العمل 6

د/مولاي ادريس غازي

باحث بمركز دراس بن إسماعيل

– جواز بيع الحبس خشية الهلاك من المجاعة:

وهذه المسألة أيضا لها صلة وثيقة بالقاعدة المذكورة، وحاصلها أن الشيء الموقوف على المساكين يجوز بيعه إذا كانت إلى ذلك ضرورة كالمجاعة وخيف عليهم الهلاك والموت، حيث لا سبيل إلى درء ذلك عنهم إلا بتفويت عينه وصرف ثمنه فيما هو سبب للبقاء أحياء، وهذا ما أفتى به القاضي أبو الحسن علي بن محسود وقد وردت فتواه في المعيار ونصها: “وسئل القاضي أبو الحسن سيدي علي بن محسود رحمه الله عن أرض المساكين المحبسة عليهم هل يجوز بيعها في مثل هذه السنة لعيشهم لما نزل من الخصاصة والحاجة بالمساكين أم لا؟

فأجاب بيع أرض المساكين في مثل هذه السنة لعيشهم وحياة أنفسهم أفضل عند الله من بقاء الأرض بعد هلاكهم، وقد أمرت ببيع كثير منها في مثل هذه السنة”[1].

إلا أن هذه الفتوى لم تؤخذ مأخذ التسليم من بعض العلماء، حيث نجد منهم من استشكلها وأورد عليها الاعتراضات كالشيخ عبد الرحمن بن محمد الفاسي والفقيه الصديني[2]، لأن الأصل في الحبس عدم جواز البيع بحال[3]، كما نص أبو زيد الفاسي في عملياته على عدم جريان العمل بهذه الفتوى فقال:

بيع المحبس على المسكيـن لم

 

يقع مع الحاجة عند من حكم

أما العلامة الوزاني فقد أيد الفتوى المذكورة، وقرر أن لا موجب فيها للإشكال، وأن الاعتراضات الموردة عليها غير متجهة وذلك من وجوه:

– الوجه الأول: أن محل جواز البيع في فتوى ابن محسود هو الضرورة الفادحة، وليس مطلق الحاجة مع انتفاء الضرورة، وعلى هذا المحل الأخير يتنزل القول بالمنع بخلاف الصورة الأولى.

– الوجه الثاني: أن الفتوى المذكورة لها مستند نقلي صريح في المذهب، حيث نقل ابن رحال جواز البيع عن اللخمي وعبد الحميد، وهذا ما أشار إليه التسولي بقوله: “تأمل ما قاله الفقيه الصديني وأبو زيد الفاسي مع نقل ابن رحال جواز البيع عن اللخمي وعبد الحميد ونصه: ومن حبس عليه شيء وخيف عليه الموت لمثل مجاعة، فإن الحبس يباع وينفق على المحبس عليه قاله اللخمي وعبد الحميد. وعلل اللخمي ذلك بأن المحبس لو حضر لكان إحياء النفس عنده أولى هـ. باختصار. ثم قال: ولعل فتوى البرقي حيث لا يغلب على الظن الهلاك إن لم يبع هـ. كلام ابن رحال باختصار. وفي المعيار عن العبدوسي أنه يجوز أن يفعل في الحبس ما فيه مصلحة مما يغلب على الظن حتى كاد يقطع به أنه لو كان المحبس حيا لفعله واستحسنه هـ”[4].

– الوجه الثالث: أن هذه الفتوى جارية على قاعدة مراعاة قصد المحبس دون لفظه التي جرى العمل بمقتضاها، وتم إعمالها في كثير من نظائر المسألة موضوع الفتوى، بل إن نازلة ابن محسود فرد من أفرادها وجزئي من جزئياتها التي تنطبق عليها تمام الانطباق، فلا موجب فيها للاستشكال ولا وجهة فيها للاعتراض.[5]

 

 


[1] – المعيار 7/332، ونوازل العلمي 2/346، والنوازل الكبرى للوزاني 8/502.

[2] – انظر النوازل الكبرى للوزاني 8/504، وشرح العمل الفاسي للسجلماسي 2/53.

[3] – انظر نوازل العلمي 2/334.

[4] – البهجة 2/447-448.

[5] – انظر تحفة أكياس الناس، ص420-421.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق