مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

صورة الخليفة عمر بن الخطاب بين الحقيقة والزيف

 بقلم: يونس السباح

 يقول الأستاذ علي الطنطاوي رحمه الله في مقدمة كتابه أخبار عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما: (أنا كلّما ازددت اطلاعا على أخبار عمر، زاد إكباري إياه وإعجابي به، ولقد قرأت سير آلاف العظماء من المسلمين وغير المسلمين، فوجدت فيهم من هو عظيم بفكره، ومن هو عظيم ببيانه، ومن هو عظيم بخلقه، ومن هو عظيم بآثاره.

ووجدت عمر قد جمع العظمة من أطرافها، فكان عظيم الفكر، والأثر، والخلق، والبيان)[1]

وقد كثر اللغط حول صورة هذا الخليفة الراشد رضي الله تعالى عنه، فطالته يد التشويه والعبث في كثير من الكتب والتآليف[2]، وكذا المواقع الإلكترونية، كما شُوهت سيرته من قِبَل المغرضين في القنوات الفضائية، حتى صار كثير من الناس يتصورون صورة الخليفة عمر رضي الله عنه هي ما تروجه هذه المواقع، وتبثه هذه القنوات.

والحقيقة أن الصورة الحقيقية التي خلق الله عليها سيدنا عمر بن الخطاب كما وردت في الكتب المسندة الصحيحة خلاف هذه تماما، ولا تُمثّل هذه الصورة التي نشرت إلا الإساءة للصحابة الكرام، والإساءة إليهم هو إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم لزوما.

فقد ورد في فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثير من الفضائل والمزايا، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ)[3]، وقال: (إِيهًا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ) [4]، وكان رضي الله عنه يقول رأيه في المسألة فينزل الوحي موافقا لرأيه، حتى أفرد العلماء موافقاته لآي التنزيل بالتأليف.

وأما صورة عمر بن الخطاب فقد وردت في كتب السير[5]كالتالي:

كان رضي الله عنه طُوالا، أعسرَ أيسرَ[6]، أحور العينين[7]، آدم اللون، وقيل: كان أبيض شديد البياض، تعلوه حمرة، أشنب الأسنان[8]، وكان يصفِّر لحيته، ويرجّل رأسه بالحناء، قال عنه ابنه عبد الله: كان أبي أبيض تعلوه الحمرة، طوالا، أصلع أشنب. وقال أبو رجاء العطاردي: كان أطول جسيما، شديد الصلع، شديد الحمرة، وفي عارضيه خفة، وسَبَلَتُه[9] كبيرة، وفي أطرافها صهبة، إذا حزبه أمر فتلها. وقال أنس: كان يخضب بالحناء[10].

وروى يعقوب بن سفيان في (تاريخه) بسند جيد إلى رزّ بن حبيش، قال: رأيت عمر  أعسر أيسر، أصلع آدم، قد فرع الناس [11]كأنه على دابّة.

قال: فذكرت هذه القصة لبعض ولد عمر فقال: سمعنا أشياخنا يذكرون أن عمر كان أبيض، فلما كان عام الرمادة[12]، وهي سنة المجاعة، ترك أكل اللحم والسمن، وأدمن أكل الزيت، حتى تغيّر لونه، وكان قد أجهد نفسه، فشحب لونه[13].

إن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن إلا قرشيا بدويا، فصورته إذا لا تخرج عن صورة الرجل الآدم، والأدمة ليست عيبا يشين صورة الإنسان، فقد عرف هذا عن كثير من الصحابة، أمثال عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وموسى الجَوْن، والفضل بن العباس وغيرهم كثير رضي الله عنهم أجمعين.

ومن الملاحظ أن الإنسان تتغير صفاته الخَلْقية بحسب المؤثرات، فيؤثر فيه الجوع والعطش، والجهد والمشقّة، فكيف بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي جاء عام الرّمادة، وهو عام اسْوَدَّت فيه الأرض من قلة المطر، حتى عاد لونها شبيها بالرّماد، فكان رضي الله عنه يستمرئ الزيت، ولم يكن يشبع مع ذلك، فاسودّ لونه، وتغيّر جسمه، حتى كاد يُخشى عليه من الضعف. واستمر هذا الحال في الناس تسعة أشهر، ثم تحول الحال إلى الخصب والدعة، وانشمر الناس عن المدينة إلى أماكنهم[14] .

هذا بالإضافة إلى تحمله أعباء الخلافة، وتكبّده مشقة الرعية، وابتعاده عن مظاهر الدنيا الزائفة، وإقباله على الله بالزهد والتقشف والورع، من أجل أمته.

ولم يكن رضي الله عنه كما قيل دميما أو أحول أو غيرها من صفات الذم،  بل كان حسن الخلق بهي الطلعة، وما ورد من أن صلعه زاد لما كبر، فهي صفة البشر لا تقدح في صورة الإنسان، فمعظم الناس اليوم على هذا الشكل، وأما الأوصاف التي ذكرناها فهي صفات مدح حباه الله بها.

فرضي الله عن الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 


 أخبار عمر وأخبار عبد الله بن عمر ص 5.[1]

[2]  انظر على سبيل المثال: الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب. لعبد الباقي قرنة الجزائري.

[3]  أخرجه البخاري في صحيحه. كتاب فضائل الصحابة. باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه رقم 3689.

[4]  نفسه برقم 3683.

[5]  انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (3/323) صفة الصفوة (1/103) سير أعلام النبلاء (2/397) البداية والنهاية (4/134) الإصابة (7/313).

[6]  الأعسر الأيسر: هُو الذي يعْمَل بِيَدَيْه جَميعاً ويُسَمَّى الأضْبَطَ. النهاية في غريب الحديث والأثر (5/703).

[7]  الحَوَرُ بالتَّحْريك: أَنْ يَشْتَدَّ بَياضُ بَيَاضِ العَيْن وسَوادُ سَوَادِها وَتَسْتَديرَ حَدَقَتُهَا وتَرِقَّ جُفُونُها ويَبْيَضَّ ما حَوَالَيْهَا. تاج العروس:  مادة حور. 11/100.

[8]  الشَّنَبُ ماءٌ ورِقَّةٌ يَجْرِي على الثَّغْرِ وقيل رِقَّةٌ وبَرْدٌ وعُذوبةٌ في الأَسنان. للسان. مادة: شنب 1/506.

[9]  السبلة ما على الشفة العليا من الشعر يجمع الشاربين وما بينهما. اللسان مادة: سبل (4/485).

[10]  انظر في خضاب عمر. معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/192).

  فرع قومه علاهم وجاهة وشرفا. المعجم الوسيط مادة: فرع. 2/684.[11]

 كانت الرمادة جوعا شديدا أصاب الناس بالمدينة، واستمر هذا الجفاف زهاء تسعة أشهر، سنة 17-18هـ.[12]

[13]  الإصابة (7/313).

[14]  البداية والنهاية 4/87. بتصرف يسير.

women who cheat on their husbands read here why husband cheat on their wife
link affair dating sites wife cheat
discount drug coupons fem-choice.com free printable cialis coupons

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق