مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويأعلام

صلحاء الصحراء بين الإشعاع الديني والاستنفار الجهادي الشيخ إعزى وهدى نموذجا

شكل التاريخ الديني واحدا من الحقول المعرفية التي نالت نصيبها من الإهتمام من قبل مجموعة من الدارسين  لا على مستوى الغرب أو على مستوى عالمنا الإسلامي. وقد اعتبر Gabriel Le Bras  من مؤسسي حقل السوسيولوجيا الدينية بداية من 1931 ، وقد اعتمد المؤرخون على المناهج التي وظفتها السوسيولوجيا الدينية بداية من 1960 . وقد ساهمت مدرسة الحوليات ، عبر أقطايها التاريخيين،في الدمج بين تاريخ الذهنيات والتاريخ الديني (1) . وقد استفادت مجموعة من الباحثين المغاربة من ثمرات الطفرة المنهاجية التي عرفتها الدراسات الدينية لتسلط الدور على التاريخ الديني بالبلاد  وبخاصة تاريخ الزوايا حيث ظهرت دراسات رصينة تشرح الجسم الزاوي وعلى رأسها الدراسة التي قام بها محمد حجي رحمه الله حول الزاوية الدلائية وتلتها دراسات أخرى جعلت التاريخ الديني شعبة من شعب  التاريخ العام للمجتمع المغربي عامة ومجتمع الصحراء منذ بروز الكيانات السياسية الأولى  في مغرب العصر الوسيط ، في عهد الرستميين والمدراريين ووصولا بالأدارسة والمرابطين والموحدين . واستمر هذا الموقع المتميز للتاريخ الديني في الوقائع التي عرفتها المنطقة مع نهاية الدولة الموحدية وبداية العصر الحديث على يد صلحاء المنطقة الذين قادوا الحملات الجهادية ضد الغزو الأجنبي الابيري . ويكفي المجال الصحراوي إنصافا أن يكون حاضرا بحدة من خلال كارطوغرافيا للصلحاء الذين جابوا أرجاء المنطقة لاستنفار الخاصة والعامة من الأتباع لمواجهة الأطماع الأيبيرية . وقد برز في هذا الباب مجموعة من الصلحاء، لن نستفيض في الحديث عنهم بقدر ما سنخصص غالبية مداخلتنا للشيخ المجاهد إعزى وهدى الذي أعطى لقصر اسا ما يميزه من الشهرة . فإذا كانت حواضر قد اشتهرت بالتجارة والرواج النقدي والسلعي مع الصحراء وإفريقيا السوداء من جهة ثم مع أوربا عبر المغرب من جهة ثانية ، ، فإن قصر اسا لم يكن أقل مكانة من ذلك بفعل المكانة المتميزة التي ربعها عليها إعزى وهدى حيث أصبحت حاضرة الإشعاع الديني وبؤرة الصلحاء ومشعل الجهاد ليس فقط على مستوى وادي نون بل يتعداه إلى الساقية الحمراء جنوبا وسوس شمالا.

1-  شخصية إعزى ويهدى :

لا تفيدنا المصادر التاريخية المروية والمسطورة إلا بالنزر اليسير عن شخصية إعزى وهدى وعن الظروف العامة والخاصة التي أفرزت لنا هذه الشخصية التي يمكن ، من خلال المعلومات الناذرة التي وصلتنا عنه ، أن نصنفه ضمن الشخصيات  الدينية والعسكرية التي عج بها مغرب العصر الوسيط . و تعتبر مدونة أسا والكراستان اللتان نشرهما محمد المختار السوسي المصادر الوحيدة الموجودة حاليا حول ترجمة الشيخ إعزى ويهدى . كما يمكن الإشارة إلى أن الباحث الفرنسي فانسان مونتاي قام بترجمة مقطتفات من المدونة إلى اللغة الفرنسية في العمل الذي قدم بمناسبة الاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيس جامعة محمد الخامس بالرباط (2).  فاعتمادا على ما أورده المختار السوسي في المعسول ، يمكن القول بأن الشيخ إعزى وهدى إزداد بمراكش سنة 646ه الموافق 1248م في دار الأمير يعقوب المنصور الموحدي أي في مرحلة قوة وازدهار الدولة الموحدية . وقد نقل عنه المختار السوسي في إحدى مذكراته ما نصه : " إن خروجنا من العدم إلى الوجود كان في أول ستة وأربعين وستمائة كان ذلك عند طلوع شمس يوم الخميس الثامن والعشرين من شهر الحرام " (3) . أما عن لقبه وكنيته فقد ورد في المذكرات ما نصه : " وأما اسمه فأبو يعزى ويهدى واسمه محمد وسماه أبوه على اسمه وسمته جدته للأم مع أقاربها بذلك وكنيته أبو يعزى ولقبه ويهدى لهذا يقال له أبو يعزى ويهدى "  . وتوفي أباه وهو في اليوم التاسع لولادته(4) .ويعتقد أن إسم " أبو يعزى " هو تعريب للإسم الصنهاجي أو المصمودي "إعزى"بمعنى العزيز أو المحبوب (5) . اما إسم "يهدى " فهو ليس غريبا عن لائحة أسماء الأعلام الموحدية ( المهدي ، الهادي ) أي المتلقي الهداية من الله ثم يهدي إليها البشر . من خلال هذه النتف اليسيرة عن ولادته ولقبه يظهر جليا مدى التأثير الذي سيحدثه جذع الخؤولة في تكوينه الشخصي والتربوي ، ولعل الذي يشفع لنا في هذا التخريج الأولي ما ورد في المذكرات إذ يقول ما نصه : "  ثم ألقتني إلى المكتب وأنا ابن خمسة سنين ولازمته ولم أهرب منه يوما ولا عجزت عن حفظ الوحي ، فتعلمني الطهارة والصلاة ، وتدلني على تقوى الله سبحانه وتعالى ، وتلقنني ذكر سهل بن عبد الله : الله معي ، الله حافظي ، الله شاهدي ، الله ناظر إلي " (6) .

وتستوقفنا في هذا الباب جملة من الملاحظات التي لا يمكن بأي حال من الأحوال المرور دون الإشارة إليها ،وأول هذه الملاحظات أن المرأة ،عبر التاريخ العام  للمغرب ، لعبت ، إلى جانب دورها المركب الذي يجمع بين التنشئة والنقل الثقافي ،لعبت أدوارا طلائعية في جانب حساس ومصيري بالنسبة لأجيال المغاربة الذين كتب لهم نهل المعرفة بجميع مراتبها سواء منها الدينية أو الدنيوية(7) . ويتبين من خلال ما ورد أن جدة الشيخ إعزى ويهدى كانت على قدر من المعرفة والعلم ما خولها أن تتابع السير التربوي والتكويني للشيخ . ثاني هذه الملاحظات أن الشيخ لمح إلى طبيعة النظام التربوي الذي يعتقد أنه كان صارما بالنسبة للتلاميذ في سنه من حيث أسلوب الفقهاء في التلقين الذي كان يتميز بالشدة مما حدى بالعديد من التلاميذ في سنه إلى الهروب وعدم متابعة الدراسة والتحصيل العلمي ، وقد كان يتابع مشاهد الهروب من الكتاب من طرف التلاميذ بدليل قوله " ولم أهرب منه يوما " في إشارة إلى تكرار هذه الظاهرة أمام عينيه . كما أن الشيخ إعزى ويهدى لمح إلى ظاهرة أخرى مرتبطة بالمقررات الدراسية التي هي في غالبها دينية من قرآن وسنة نبوية ومصنفات عقائدية وفقهية مختلفة التي يصعب على التلاميذ حفظها واستيعابها بسهولة بارتباط مع واقعهم الاجتماعي واللغوي ، بل يعجزون في بعض الأحيان عن حفظها ، وهي مشكلة تجاوزها بقوله " ولا عجزت عن حفظ الوحي " .

باستثناء هذه المعطيات الخاصة عن نشأته وبداية مشوارة التربوي فإن المصادر التاريخية لم تشف الغليل فيما يخص التطور الذي عرفته حياته الشخصية والتربوية التعلمية التي سيتم من خلالها تحديد تطلعاته الدينية والسياسية والعسكرية خلال مقامه بمراكش والتي ستكون لامحالة المسوغ الرئيس لخلفاء زعيم تنمل، محمد بن تومرت، لطرده من مراكش واللجوء إلى الجنوب الذي كان قبلة للثوار والخارجين عن قانون الدول الحاكمة والمنفيين وغيرهم من المغضوب عليهم .

 

  2- ظروف قدوم إعزى ويهدى إلى بلاد الأفنان ( اسا )  :

إن إشكالية النزوح من الشمال نحو الجنوب وخاصة الصحراء التي ميزت حركة الزعماء الدينيين آنيا والروحيين آجلا ألقت بظلالها على الأحداث التاريخية لفترات طويلة امتدت من البدايات الأولى لتأسيس الكيانات والدول في المغرب ، واستمرت حتى حدود الفترات المتأخرة ، ذلك أن الجنوب عامة  والصحراء خاصة ترى السلطة الحاكمة فيه مستودعا ومنفى لغير المرغوب فيهم ، غير أن الزعماء الوحيين يرون في تلك المنافي التي يلجؤون إليها سياحة بمفهومها الديني للإبتعاد عن تسلط الأجهزة الحاكمة من جهة ، واعتبارا بأن الصحراء شكلت على مر التاريخ " بلد الرؤى السماوية" (8) ، ملاذ الأنبياء والصلحاء والزهاد وحملة لواء القلم والبركة .

في ظل هذه الظروف العامة ، وفي سياق الظروف الخاصة بالدولة الموحدية التي ميزتها مجموعة من الأحداث بدءا بالقضاء على الدولة المرابطية وكيانها السياسي ومذهبها الذي قامت عليه ونهاية بالحملة التأديبية ضد فلول القبائل المكونة للدولة المرابطية ووصولا بتوجيه القبائل العربية النازحة من الشرق نحو الجنوب لاستكمال المهمة ، في ظل هذه الظروف سينتقل إعزى ويهدى من مراكش عاصمة الدولة الموحدية إلى بلاد الأفنان المقر الجديد للشيخ ومجال ديدنه الديني والجهادي في ما سيأتي من الأحداث في مناطق باني ووادي نون .

لايمكن الجزم ،كما أسلفنا سابقا ، بالإحاطة بكافة الحيثيات المحيطة بانتقال الشيخ إعزى ويهدى من مراكش إلى بلاد الأفنان (أسا) ، ولعل الداعي إلى إصدار هذا الحكم هو شح المعلومات المصدرية سواء منها الرسمية الموحدية أو غير الرسمية ( الشعبية) بما فيها إنتاجات الشيخ  . لانتوفر على معلومات دقيقة عن النزوح هل هو هروب من السلطة الموحدية ؟  أم تم نفيه من طرف أجهزة هذه السلطة ؟ وهذا يطرح أمامنا إشكالية أخرى تتعلق بمواقفه الفكرية والسياسية اتجاه السلطة الموحدية؟

أم لا يعدو الأمر أن يكون سياحة(9) عادية من مرابض العمران إلى غياهب الصحراء في إطار مشروع حملة تطهيرية ضد الخارجين عن مسار العقيدة الصحيحة . ولهذا الغرض تم تأسيس الزاوية على أسس جهادية منذ البدايات الأولى .

واعتمادا على ما ورد في الكراسة الثانية ،فإن صاحبها محمد بن سعيد المرغيثي قد رأى كتاب منسوبا إلى الشيخ إعزى ، ولعله ذلك الكتاب الذي يحمل عنوان " الهدى في مناقب إعزى ويهدى" (10) . إلا أن الأهمية القصوى للهذه الكراسة تكمن في كونها تخبرنا أن الرجل اشتد عوده في الميدان العسكري من خلال  إنشاء مدرسة عسكرية خاصة بالتدريب على الفروسية وفنون الحرب واستعمال الأسلحة المتطورة بمفهوم المرحلة ، بل تعدى الأمر ذلك إلى معرفته ببعض خبايا الكمياء التي يوظفها في الأغراض الحربية . وهذا يجعله يتجه بقوة نحو الأعمال الجهادية ذات الطابع العسكري ضد من يعتبرون وثنيين أو كفارا خاصة في المناطق التي انتقل إليها والتي تحتضن بقايا الممارسات بشقيها الوثني من جهة واليهودي المسيحي من جهة ثانية ، ويتعلق الأمر بالمناطق المحادية لأسا كمنطقة باني والسفوح الجنوبية والجنوبية الشرقية لجبال الأطلس الصغير . بل يذهب الكثير إلى الاعتقاد بأن أفول مجموعات بشرية ذات المكونات السلالية العرقية والعقائدية المختلفة كان من ثمرات بروز هذا الكيان الديني الجهادي ممثلا في زاوية إعزى ويهدى في حدود القرن 13 م . ولو أن محمد ضريف نفى وجود هذا الكيان الديني الممثل في الزاوية قبل ظهور الدولة المرينية ليس فقط في المنطقة ولكن في بلاد المغرب قاطبة ، حيث ساهمت في دعمها و تقويتها (11) . لكن مع ذلك تبقى هذه الحركة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحركة الصوفية التي حملت على عاتقها نشر الاسلام في ماوراء الحواضر منذ أواخر القرن السادس الهجري / 12م على عهد يعقوب المنصور الموحدي (12) حتى حدود القرن الرابع عشر لتحشر نفسها في الاطار السياسي بعد ذلك (13). وقد ظهر هذا التحول جليا مع ظهور أزمة السلطة في القرن السادس عشر أي بعد سقوط الوطاسيين ، حيث اعتبر ذلك – حسب بعض الدارسين – تحولا مهما في مسار التاريخ الديني للمجتمع المغربي (14) .

من خلال المعطيات الواردة أعلاه ، ومن خلال المعلومات التي استقيناها عن الشيخ إعزى ويهدى فيما يخص تكوينه الديني الصوفي من جهة والعسكري من جهة ، نخرج بمحصلة مفادها أن الشيخ عندما أتى إلى بلاد الأفنان ( أسا) كان يحمل هم المتصوفة آنذاك والمتمثل في الجهاد ضد بقايا الوثنيين وأتباع الديانات الأخرى ،  وهو الأمر الذي يحول دون التخريجات المختلفة التي ترجع تأسيس الزاوية إلى فترات متقدمة على الظروف العامة التي أسست فيها الزوايا في المغرب . فكان لزاما عليه تأسيس رباط يجمع إليه الاتباع والمريدين لتمرير قناعاته الدينية في مرحلة أولى ، ثم توجيههم للدعوة والجهاد في مرحلة ثانية مستثمرا بذلك قدراته العسكرية الفائقة .

أما عن كراماته ، فيتحدث المختار السوسي عن شذرات منها وهو لا زال طفلا إذ يقول : " ثم لما بلغت ثلاث سنين حدثتهم جدتي للأم أني ظهر في من التميز أمر غريب كالاستدلال على التوحيد ، وقبول ماتلقيت من ذكر المعجزات وأخبار الصالحين"(15) ، وأضاف متنبئا بمستقبل كبير ": ثم دخلت المسجد وذلك عند ضحى يوم الجمعة فإذا بأناس جلوس معهم رجل (…) فدعاني فجأته على استحياء وقعد وقعدت بين يديه متأدبا وذلك من الله لا مني فدعاني وقال لي : كذلك تكون إنشاء الله (…) ثم قال لي : الله تعالى يتوجك (16) . وإلى جانب السلاح العسكري الذي كان يتميز به الشيخ ، فإن سلاح البركة والفراسة physiognomonie  والكرامات كان حاضرا بشكل قوي من خلال ما جاء في وثيقة نسبت لمحمد بن سعيد المرغيثي الذي يقول فيها :" إن السيد إعزى ويهدى جعله الله هو وذريته على سائر الماء الخفي تحت الأرض وقد رأيت في مناقبهم أن كل موضع سكن فيه أيت إعزى وهدى لابد فيه من الماء ، وان لم يكن في الأصل ، فإنه لابد وأن ينبع فيه الماء(17) . ومن الفضائل الأخرى التي يتميز بها ، حسب ما جاء في نفس الوثيقة ، أن الله " جعله على باب العلم الظاهر والباطن مع جميع الأسرار الربانية والخصال المحمودة"(18)إن المحصلة التي يمكن أن نصل إلى الوقوف عندها حول ظروف قدوم إعزى وهدى إلى بلاد الأفنان ، لا يمكن القول بأنها اكتملت في غياب المعلومات الوافية الموثقة عن القدوم ، عن الصحبة ، عن الاستقبال ، عن تعامل الأهالي معه خصوصا وأنه ليس في وسط ينتمي إلى عصبيته .

3- زاوية أسا : من التأسيس إلى التقديس:

 يعتبر سكان قصر آسا امتداد لسكان درعة الأوائل الذين يمثلون الأعراش الغربية للشعوب الشرقية المنحدرة من كوش ين حام بن نوح . وقد أشار Jean Gatefosy   إلى أنهم لعبوا دورا حضاريا كبيرا في مجموعة من البلاد التي عمروها سواء في الهند أو في بلاد الرافدين وجزيرة العرب خاصة سبأ والحبشة وآسيا الصغرى . ويعود إليهم الفضل في تعمير المنطقة وفي الهندسة المعمارية المعتمدة على الحجر الذي تم  توظيفه في البناء وفق أشكال هندسية مختلفة ستنتشر فيما بعد في مجموعة من حواضر الصحراء الكبرى ( آسا – تيندوف – أطار – شنكيطي ـ تشيت ) (19) .

إن حديثنا عن الأشكال الهندسية المعمارية في المنطقة لم يكن من قبيل الصدفة بقدر ما سيكون له الأثر ، في اعتقادنا بأن تكون المنطقة جاذبة لإعزى وهدى نظرا لكونها كانت محصنة بفعل البناءات المتينة المعتمدة على الحجر ولعل الذي يشفع لنا في هذا التخريج أن الشيخ جاء إلى المنطقة حاملا مشاريعه الإصلاحية والجهادية ، فكان لزاما عليه اختيار الأمكنة المحصنة إن على مستوى الطبيعة( الجبال) أو على مستوى العمران . أما عن تأسيس الزاوية فهناك روايات متعددة تختلف باختلاف أصحابها . فهناك روايات شفوية تقول بأن مؤسس الزاوية هو سيدي محمد الشبكي الذي وصل إلى المنطقة سنة 130هجرية /748م ، الذي يعتبر أحد أئمة الاسلام ، وقد استقر بناحية " تكردات" استجابة لطلب إذا وقيس بغية تعليمهم لشعائر الدين الاسلامي . و يسير الضابط الفرنسي De la chapelleفي الاتجاه نفسه،حيث ينسب تأسيس الزاوية إلى نفس الشخص حيث أورد بأن " أشهر الصلحاء المستقرين بآسا هو الشيخ سيدي محمد الشبكي ، وينسب إليه تأسيس الزاوية (20). وليس غريبا أن تتطابق الرواية الشفوية مع ما جاء به الضباط العسكريون الفرنسيون أمثال دو لا شابيل ذلك أن القسط الوافر من المعلومات التي يحصلون عليها تأتي عبر أفواه المستجوبين من الشيوخ الكبار والأعيان أثناء التواجد الفرنسي في المنطقة .  وتوجد في الاتجاه المعاكس روايات أخرى تنسب تأسيس الزاوية إلى سيدي عيسى بن صالح الذي توفي حسب الباحثة الفرنسية D.J. Meunié  سنة 500هجرية /1107م (21)، وهو نفس الاتجاه الذي ذهب إليه Defurstفي عمل أنجزه عن قبيلة أيتوسا(22) .

إلا أن بعض الروايات تنسب تأسيس الزاوية إلى الشيخ إعزى ويهدى الذي ارتبط اسمه مع كل التحولات الدينية والاجتماعية التي ستعرفها المنطقة لهذا فقد طغى إسمه على كل ما يتعلق بالتأريخ للأحداث التي سيعرفها قصر آسا إن على مستوى المشروع الإصلاحي الديني والاجتماعي أو على مستوى المشروع الجهادي .

لاتوفر لنا المصادر المسطورة والمروية ما يشفي الغليل عن هذه المشاريع ، لكن ما ورد في سياق الحديث عن كراماته يوحي لنا بجملة من الإشارات الضمنية  الدالة التي تمكن من القول بأن أسلحة العصر وهي السيف والبركة والتزبو كانت قد ربعت الشيخ على كرسي الزعامة الروحية ، ومكنته من التفوق في مشاريعه الآنفة الذكر.

ولعل من أهم الإشارات التي تدعم ما وصلنا إليه هو المكانة الدينية التي ستحتلها أسا منذ هذه الفترة على مستوى سوس ووادي نون والصحراء فهذا De frustوصل إلى القول بأن " أسا شهدت تحولا في المشهد الديني حيث اعتبرت مدينة دينية بامتياز على صعيد منطقة سوس الأقصى " (23) . ولعل مكانة أسا ستزداد مع أبناء إعزى ويهدى وحفدته في مرحلة أولى ، ثم مع  ازدياد عدد الأولياء نزلاء القصر في مرحلة أخرى . هذا الزخم سيعطي للزاوية ، ومن تم لقصر آسا هالة من التقديس حيث حملت أسماء ذات دلالات كبيرة من قبيل "بلاد الإمام" و" قرية الأولياء " . فقد جاء في وثيقة الأنوار التي سبق ذكرها أنه كان يطلق على زاوية أسا إسم " قرية الأولياء بجبال النحاس وهي بلاد إداوكيس وهي الأفنان " (24) . وقد بلغت الروايات عن أسا حد الأساطير حيث يشير بعضها إلى أن " أورير الأنبياء" أو جبل الأنبياء " كان مزارا لمجموعة من الأنبياء وعلى رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث لازالت توجد حوافر فرسه على صخرة توجد في عين المكان . بل غالت هذه الأساطير في الأعتقاد بأن أسا هي القبلة الثانية بعد مكة . وقد اتخذت بعض المناطق هذه القدسية في أمكنة وأزمنة متفاوتة كما هو الشأن بالنسبة لتوبة في بلاد السنغال حاليا . ويعتقد أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي في أورير الأنبياء ثم حمل بعدها على ناقة بيضاء أدلجت به لتوصله إلى المدينة المنورة في الفجر . ولعل هذه الظاهرة المتمثلة في السفر ليلا وقطع مسافات طويلة إما نحو مكة أو مناطق أخرى مقدسة ، كانت شائعة لدى العباد والزهاد والصلحاء في إطار خوارقهم غير العادية التي تدخل في إطار إدارة اللامرئي حسب تعبير عبد الودود ولد الشيخ (25).

ولعل اقتران زاوية أسا بعيد المولد النبوي يعطي لها بعدا آخر في ارتباطها بالسلطة الحاكمة المرينية التي أولت هذا العيد أهمية بالغة خصوصا إذا ما علمنا بأن استراتيجية أبي عنان في الاحتفال بهذا العيد تستمد أصولها من فترة أبي يعقوب الذي جعل من عيد المولد النبوي عيدا تحتفل به سائر البلاد (26).

ويعتبر اتخاذ الزاوية لهذا العيد كرمز لها عاملا آخر ينم عن مدى تأثير السلطة المرينية الحاكمة في سلوكات الزاوية في عهد أحفاد إعزى ويهدى .

و أشارت الباحثة  Odette du Pigaudauأن الزاوية كانت تتمتع بسلطة وهبة دينية وسياسية ، بل وعسكرية أحيانا ، دامت قرابة 700سنة (27) . وتضيف قائلة بأن هذه الزاوية أعتبرت واحدة من فروع الزاوية الناصرية التي يمتد نفوذها على جنوب الأطلس الصغير . ووجدت زاوية أسا نفسها ، عبر هذا التسلسل ، في ارتباط وثيق مع زاوية تامكروت ، وفي مغيميمة وتزنيت . وقد تغلغلت الزاوية بنفوذها في المجال الذي تسيطر عليه القبائل الرحل في الصحراء في إطار العلاقة التي نسجتها مع صلحاء الساقية الحمراء (28). من هنا اتخذ المجال صيغة معقدة ومتراكبة لأن هناك استعمالات أخرى رمزية تتم فوقه إلى جانب الاستعمال العادي ، وقد أشار بول كلافال إلى تعدد استعمالات المجال قائلا " : المجال هو أحد الدعامات الممتازة للنشاط الرمزي فهو يدرك ويقوم بشكل مختلف من قبل أولئك الذين يسكنونه أو يمنحونه قيمة معينة " (29) . من خلال ماورد يمكن القول أن الشيخ إعزى ويهدى قد أعطى للمكان قدسيته وأعطى للقصر رمزيته وللمجال بعدا آخر إلى جانب بعده الواحي ذي نمط الانتاج المميز عن غيره من المجالات وذي التركيبة البشرية المتميزة عن تلك الموجودة في السواحل والسهول والجبال .

يبقى القول بأن الشيخ إعزى ويهدى قد  جاء يحمل  إلى المنطقة مشاريعه الإصلاحية والجهادية في غياب مشروع سياسي تمت ترجمته على أرض الواحة ، فإنه يكون بذلك قد نأى بنفسه عن زمرة " الزعامات الدينية التي جعلت من علمها أو من الشرف التي تدعيه أو البركة المنسوبة إليها رأسمالا رمزيا تخوض بفضله غمار الصراع من أجل السلطة السياسية أو تجعل منه موطئا لوراثة المناصب الدينية وتحصيل الثروات " (30) . ولكن يمكن إدخاله في خانة الزهاد والمتصوفة والأولياء والعلماء  الذين نذروا حياتهم لله والمجتمع ونهجوا القناعة والتقشف … ورفضوا مقايضة عملهم وسمعتهم الأخلاقية بمتاع الدنيا (31) .

  4-الإشعاع الجهادي لأيت إعزى ويهدى :

لعل من أهم الأسباب التي حذت بالشيخ إعزى ويهدى إلى القدوم إلى قصر أسا ، كما أشرنا سابقا ، هو الجهاد ضد بقايا الفكر الوثني والمسيحي  في المنطقة ، لكن تبقى المادة المصدرية غير قادرة ،بفعل شحها ، على إمدادنا بالمعلومات الكافية عن العمليات الجهادية سواء تلك التي قادها الشيخ إعزى ويهدى ضد بقايا المعتقدات الدينية القديمة ، أو تلك التي قادها أبناؤه وأحفاده ضد المد الايبيري فيما .  ولعل الذي نستنير به في هذا الباب   ما خلصت إلية  D.J.Meuniéمن أن " الشيخ إعزى ويهدى خاض عدة حروب تحت راية الجهاد في سبيل نشر الدعوة الاسلامية في هذا القطر ، ذلك أن سكان قصر أسا بل وسكان سلسلة باني الغربية بقوا على الوثنية أو الدين المسيحي إلى حين قدوم الطلائع الأولى من عرب معقل في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين "(32) وقد أضافت بأن أعداء للشيخ إعزى ويهدى كانوا محصنين في مواقع دفاعية قوية حيث تقول بأن " المناوئين سيطردون من تزكي سلام ( فم الحصن) وسيصفى المركز القوي أدروم من الوثنيين إذ سيتم القضاء عليهم (33) . وتشير قائلة بأن تأسيس زاوية أسا لن يتم إلا بعد الإنتصار على هؤلاء الوثنيين (34).

أما المرحلة الثانية من الجهاد فقد ارتبطت بالوضعية العامة التي عرفها المغرب عامة والمتمثلة في الغزو الإيبيري للسواحل المغربية في إطار مخططاتها التوسعية المستترة تحت غطاء الحملة التبشيرية التي تعرضت لها سواحل القارة الإفريقية .

ستستنفر في هذا الجو المشحون جميع الزوايا في المغرب وخاصة في الجنوب الذي كان يعرف مخاضا سياسيا تمثل في بروز الشرفاء السعديين الذين استنفروا الزوايا للجهاد ضد الايبيريين الذين استقروا في سانتاكروز دي مار بيكينيا (35) . حيث أسسوا مواقع محصنة على الساحل منذ سنة 1476 م (36) . وقد كانت جحافل الايبيريين تنطلق من هذه المرافئ المحصنة للإغارة على القوافل التجارية وعلى مضارب الرحل لاحتجاز العبيد وإرسالهم إلى جزر الكناري ثم من تم إلى أمريكا اللاتينية  للعمل في حقول قصب السكر. ولعل ما يثير الانتباه هو التنسيق الذي برز في هذه الفترة بين صلحاء الساقية الحمراء وقصر أسا باستنفار 12000 مجاهد من سوس الأقصى والصحراء للجهاد ضد الايبيريين حيث تم اكتساح سانتاكروز سنة 1524م  . ثم قاموا في مرحلة ثانية بدعم الشرفاء السعديين الذين استنفروا المجاهدين ضد التواجد البرتغالي في سانتاكروز دي كاب دو كير فتم طردهم سنة 1541 م.

وبارتباط مع العمليات الجهادية ، تبرز إشكالية النزوح في صفوف أيت إعزى ويهدى ، ذلك أن النزوح في اعتقادنا ارتبط منذ الوهلة الأولى بتصفية جيوب المقاومة الأولى المتمثلة في الوثنيين وأتباع الديانات الأخرى  ثم في مرحلة ثانية بعد ظهور القوات الإيبيرية على السواحل الجنوبية حيث يقول محمد بن سعيد المرغيثي في هذا الباب :" هم المجاهدون في سبيل الله أكثر من غيرهم ولا يخافون لومة لائم .. وقد أفنوا أعمارهم وأموالهم في الجهاد ابتغاء مرضاة الله ورسوله" (37).

ولعل هجرة أيت إعزى ويهدى من قصر أسا والاستقرار في كل من إكيسل وزريويلة وإفران الأطلس الصغير وبونعمان وفاصك وهي مناطق نعتبرها بوابات نحو الساحل لهو مؤشر على الروح الجهادية لديهم بدليل أن أقدم ضريح في زريويلة ، حسب الرواية الشفوية ، هو ضريح سيدي عبد الرحمان أيت إعزى ويهدى ، بل يضيف دولاشابيل بأن بعضا منهم توجه إلى أيت باعمران وهو ما ينم عن روح الاستنفار التي كانوا يبعثونها في نفوس الأهالي ضد التواجد الايبيري في المنطقة (38).

إضافة إلى المعطى الجهادي ، فإن هناك مؤشرات أخرى تفسر عمليات النزوح التي شملت أيت إعزى ويهدى  ويتعلق الأمر بالمتغيرات الإجتماعية والقبلية التي عرفتها المنطقة  في علاقتها بوادي نون والصحراء منذ القرن السابع عشر ممثلة في التدافع القبلي الذي عرفته المنطقة في إطار البحث عن مواقع للنفوذ . وقد نستحضر في هذا الباب التشكل القبلي الجديد الذي اتخذ اسم " قبائل تكنة " وهو الإسم الذي ظهر لأول مرة في ديوان قبائل المغرب في عهد أحمد المنصور السعدي . ومن أهم القبائل التي سيتم الحديث عنها منذ هذه الفترة هي قبيلة أيتوسا التي ستدخل قصرأسا وستتخذه عاصمة لها بعد عمليات الطرد أو الاندماج التي ستطال بقايا أيت إعزى ويهدى . وقد أثار انتباهنا الرواية التي تروج حول أسباب خروج بقايا أيت إعزى ويهدى من قصر أسا بعد قدوم أيتوسا ، وهي في تفاصيلها لاتبتعد عن الرواية التي أصلت للصراع الذي كان دائرا بين سكان تكاوست التاريخية أولاد دريس ، وعناصر قبيلة أيت لحسن القادمين الجدد (39) . وقد دخل بقايا أيت إعزى ويهدى في علاقة فعلية وارتباط كلي مع قبيلة أيتوسا بقصر أسا بحيث ستحتضن هذه القبيلة الأسر المتبقية التي احتفظت في المقابل بهيبتها ومكانتها الروحية المتميزة من خلال الهدايا التي تقدم للزاوية من طرف جميع فخذات القبيلة بل تجاوز الأمر ذلك إلى قبائل سوس الأقصى بحيث جاء في وثيقة توجد نسختها الأصلية في زريويلة أنه" في سوس الأقصى يؤدي كل من يحرث بالمحراث ثلاثة أمداد للنادر وجزء من الصوف وجمعتين من السمن أن يؤديه لأولاد الشيخ "(40) . وورد في مخطوط وجد بإفران الصغير " أن يؤدي كل كانون ذبيحة المجازرة على العام ودزة لكل خيمة وثلاث جمعات من الزبدة (…) فمن أعطى ما ذكرناه أعلاه فالله يبارك له في جميع أمواله " (41) . وفي السياق نفسه جاء في إحدى الوثائق ما نصه :" اتفقت جماعة من آل منصور كبيرا وصغيرا لحمله سيدي يحي العزوهدي بصاع من الزرع (…) لكل كانون منهم في وادي نون " (42). وتعتبر جماعة آل علي ومنصور فخدة من قبيلة أزوافيط ، وكانت تربطها علاقة متينة بأهل بوكرين من أيت إعزى ويهدى المستقرين بزريويلة حيث يوجد ضريح سيدي عبد الرحمان بن عبد الكريم بن إعزى ويهدى (5) .

  من خلال المتغيرات القبلية والعسكرية التي عرفتها المنطقة وتم الوقوف على بعضها ، يمكن القول بأنه إذا كان سلاح السيف  والجهاد قد تهاوى من يد أيت إعزى ويهدى ، فإن سلاح القلم والبركة استمر قائما في التعامل مع  القبائل المحاربة الجديدة وقد تجلى ذلك في سلطان "التزبو" ، حيث أصبح التوازي قائما بين السيف و القلم ، وهو وضع ستعرفه مجموعة من القبائل الصحراوية الأخرى ولو بدرجات مختلفة ومتفاوتة مثال قبيلة أيت لحسن وزاوية فيلالة ، وقبيلة إزركيين مع زاوية أهل الليلي من توبالت . 

 5- الإشعاع الثقافي لزاوية أسا :

عجت جميع الزوايا وخاصة زوايا الحواضر الصحراوية  بتراث معرفي كبير بارتباط مع ما تستقبله من عباد وصلحاء وفقهاء وعارفين ممتهنين للعلم والمعرفة من مصنفات دينية ولغوية وعلمية أسالت لعاب الباحثين والدارسين(43) ، فهل يصدق القول على زاوية أسا ؟ إن المعطيات المجمعة تجعل من الصعب تتبع الدور العلمي والثقافي للزاوية نظرا لأن المادة المصدرية لا تسعفنا في ضبط عدد مريديها ، ولا عدد الفقهاء والعلماء الذين  درسوا فيها و تخرجوا منها أو ساهموا في التدريس فيها ، علما بأن المختار السوسي يشير إلى أن " أيت إعزى ويهدى تفرعت منهم فروع شتى وزخرت بالعلماء (…) وهم كثيرون من علماء وصلحاء " (44) . ويبقى الاستثناء الوحيد هو العلامة محمد بن سعيد المرغيتي الذي يعود له الفضل في كل ما يتعلق بأخبار الزاوية ومؤِسسيها أيت إعزى ويهدى بحكم انتمائه إليهم ، ويعتيره محمد حجي المرجع الوحيد الذي يعتمد عليه في أخبار زاوية أسا ويقول عنه بأنه انتقل إلى مراكش للتدريس بمسجد الماسين ، ثم انتقل بعد ذلك إلى الزاوية الدلائية وتوفي حوالي 1678م(45). و لا تتوفر الزاوية على  مؤلفات للفقهاء الذين درسوا هناك  رغم الآثار المادية الشاهدة الممثلة في المسجد القديم الذي  يعتقد أنه بناه التونسيون الذين كانوا من رواد الزاوية فيما ولى من الدهر (46) والذي كان بدون شك صرحا لتداول العلوم السائدة آنذاك . ولعل من بين التفسيرات التي تعطى لهذا الغياب التام للإنتاج العلمي في الزاوية هو عمليات النزوح التي طالت أيت إعزى ويهدى إلى أرجاء سوس الأقصى حيث حملوا معهم تراثهم المعرفي المسطور في مخطوطات ووثائق . لكن في المقابل هنا ك بعض التفسيرات التي تشير إلى بقاء المخطوطات في قصر أسا حيث أورد Tony hodges  بأن سكان قصر أسا الأصليين "الحراطين" هم المالكين ليس فقط لرسوم ملكية الأراضي الفلاحية ، بل حتى وثائق زاوية أسا فإنها توجد تحت تصرفهم (47) .

وخلاصة القول أن إشعاع الزاوية وقداستها ومكانتها الرمزية الكبيرة في سوس الأقصى والصحراء لم تشفع لها في تراكم تراث معرفي ذي شأن وهي من أهم الإشكاليات المطروحة على حواضر المنطقة وخاصة وادي نون ، فلا التراكم التجاري ساهم في خلق طفرة علمية ونهضة ثقافية كما هو الشأن بالنسبة لحواضر غرب الصحراء كتنبوكتو وأطار ،وتندوف ، ولا التراكم الديني في قصر أسا ساهم في ذلك رغم أنه كان هو المحرك الرئيس للرواج التجاري المرتبط بالزاوية والذي كان قبلة للوافدين من كافة حواضر سوس وغرب الصحراء

      خـــــاتمة :

لا ندعي من خلال مداخلتنا هذه الإحاطة بجميع حيثيات التطور الكرونولوجي والتاريخي لزاوية أسا وهي دعوة صريحة ومباشرة لزيادة البحث والتنقيب عن غوامض التاريخ المحلي الديني للمنطقة من طرف باحثين متخصصين أفرادا وجماعات لأنه من خلال سرد للوقائع التي وقفنا عندها خرجنا بمحصلة مفادها أن التاريخ الديني للمنطقة لازال يعاني من شح المادة المصدرية الكفيلة بحل مجموعة من الإشكاليات ليس فقط على مستوى أسا بل على مستوى الجنوب المغربي قاطبة وهي إشكالية يعرفها أيضا التاريخ الديني للساقية الحمراء من خلال الروايات المتواترة حول ظروف قدوم الزعماء الروحيين أمثال الشيخ سيد أحمد الركيبي ، والشيخ سد أحمد العروسي ، كما أثيرت إشكالية العلاقة بين الزعماء الروحيين لقصر أسا وعلى رأسهم الشيخ إعزى ويهدى والزعماء الروحيين للساقية الحمراء .

كما أن المداخلة أثارت إشكالية علاقة الزعامات الروحية بالنسيج القبلي في بلاد تكنة والصحراء مما يستدعي من الدارسين والباحثين بذل المزيد من الجهود وتكريس الجهود الجماعية للكشف عن غوامض العلاقات التاريخية بين المكونات الدينية والقبلية بالمنطقة كما أثارت المداخلة إشكالية أخرى لها ارتباط وثيق بتراكم الإنتاج المعرفي سواء لدى زاوية أسا وفي منطقة وادي نون والصحراء عامة ذلك أن الطفرة الإقتصادية والدينية التي عرفتها المنطقة لم يوازيها حدوث طفرة في الإنتاج المعرفي وهو ما يستدعي الانكباب، من خلال البحث والتنقيب ، على حل هذا الإشكال  .  

 

ناجيه عمر

 


)1( André Burguière , Dictionnaire des Sciences Historiques , pres

 Universitaires de France, " Religion " , p 577

)2(Montiel (vincent) ,chronique de la zaouia d'assa ,in mélanges mohamed el fassi,publiés à l'occasion du dixième anniversaire de l'université mohamed v ,1957-1967,pp81,91.

(3)المختار السوسي ، المعسول ، ج 10 ، الرباط ، 1961 ، ص 166 .

(4)نفسه ، ص 171، 172 .

(5) أبو يعقوب يوسف التادلي ، التشوف إلى رجال التصوف ، تحقيق أحمد التوفيق ، منشورات كلية الآداب  والعلوم الانسانية ، الرباط ، 1984 ، ص ، 231.        

(6)المختار السوسي، م س ، ص  168.

(7)لدينا دراسة غير منشورة حول النساء العالمات في الصحراء تفيد في هذا الباب .

(8)تم اقتباس هذه الاستعارة من أحد أعمال الروائي الطوارقي إبراهيم الكوني المقيم في سويسرا .

(9)المقصود بالسياحة هنا مفهومها الدينيي ، فالعديد من العلماء والفقهاء يقضون فترة من حياتهم بعيدين عن الناس للإختلاء بالخالق تى لاينشغلون بهموم الدنيا .

(10)المختار السوسي ، م س ، ص 173 .

* – يقصد ببلاد الأفنان  آسا ، وقد وردت في وثيقة الأنوارلصاحبها محمد البربوشي الذي لانعرف عنه شيئا ، فهل يتعلق الأمر بأحد الفقهاء الموريتانيين البرابيش ، على أي فأسلوب الذي

كتبت به الوثيقة لا يصل إلى مستوى متانة وقوة اللغة العربية التي يتميز بها الشناقطة .

(11)محمد ضريف ، مؤسسة الزوايا بالمغرب ، ص 21 .

(12)محمد القبلي ، مساهمة في تاريخ التمهيد للدولة السعدية ، مجلة كلية الآداب ،ع 3-4 ، الرباط ، 1978 ، ص 55

(13)محمد ضريف ، م س ، ص 25 .

(14)رحمة بورقية ، الدولة والسلطة والمجتمع : دراسة في الثابت والمتحول في علاقة الدولة بالقبائل في المغرب ، الطبعة الأولى ، دار الطليعة ، بيروت ، 1991 ، ص 39 .

(15)المختار السوسي ، م س ، ص  168 .

(16)نفسه ، ص 169 .

(17) وردت المعلومات في وثيقة بحوزتنا ضمن مجموعة وثائق خاصة خاصة بزاوية أسا .

(18) الوثيقة نفسها .

(19) Odette du pigaudeau, Arts et coutumes des Maures, Hespéris Tamuda, vol III ,1967, p 355.

20F. de La chaelle, Esquise d'une histoire de sahara occidental,

     C.I.H.E.M, 1930, p 48.

)21(D.J. Meunié , Le Maroc saharien des origines a 1670, librairie klincksieck , 1982 , P  194.

)22(Defurst , Etude sur la tribu des Ait oussa , Assa , 1939 ,p 29 .

(23)De frust, op cit , p 29.

(24)وثيقة الأنوار ، توجد نسخة منها بحوزتنا .

)25( Abdelwedoud ould Cheikh, Nomadisme , Islam et Pouvoire politique dans la société Maure précoloniale , thèse pour le doctorat en sociologie , ParisV ? Tome 1 , 1985 ,p394 .  

(26)محمد ضريف ، م س ، ص 26 .

 

)27( Odette du Pigaudeau , op cit , p368

)28(Ibid 

(29)بول كلافال ، المجال والحياة الاجتماعية والسلطة ، ترجمة فريدة الزاهي ، مجلة البحث العلمي ، المعهد الجامعي للبحث العلمي ، الرباط ،ع 43-44 ، 1994 ، ص  31 .

 

(30)عبد اللطيف الهرماسي ، بيار بورديو : مسلمة " المصلحة" آفاق الاقتصاد السياسي للدين كتابات معاصرة (فنون وعلوم ) مجلة الإبداع والعلوم الانسانية ،ع 55، المجلد 14، شباط –

آذار ، 2005 ، ص 63 .

(31)عبد اللطيف الهرماسي ، نفسه ،

)32( D.J.Menié , op cit , p194.

)33)Ibid.

)34(Ibid.

(35)اختلفت الروايات حول موقع سانتا كروز هذه ، فمن قائل بأنها مرفأ سيدي إفني حاليا ، ومن

    قائل بأنها  منطقة النعيلة ( خنيفيس) الواقعة شمال الطرفاية .

(36) Odette du Pigaudeau , op cit , p 363.

(37) وثيقة تاريخية توجد منها نسغة مصورة بحوزتنا أعطانا إياها أحد طلبة أسا .

(38)– F. de La chaelle,op cit, p 48.

(39)عمر ناجيه ، البنيات الإجتماعية والاقتصادية لقبائل وادي نون في القرنين 18 و 19 ، أيت لحسن نموذجا ، بحث لنيل د.د.ع تخصص تاريخ ، كلية الآداب ، الرباط ، 1999 ، ص ص 224-225-226. 

(40) وثيقة تاريخية توجد نسخة منها في حوزتنا

(41)وثيقة تاريخية توجد نسخة منها في حوزتنا

(42) وثيقة تاريخية توجد نسخة منها في حوزتنا

(43)Abdel wedouod ould cheikh, op cit , p 394.

(44)المختار السوسي ، سوس العالمة ، الطبعة 2 ، الدار البيضاء ، 1984 ، ص 174

(45)محمد حجي ، الزاوية الدلائية ، ودورها الديني والعلمي والسياسي ،الرباط ، 1963ص 96

(46)Odette du Pigaudeau , op cit , p 361.

(47)Tony hodges, op cit , p31.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق