وحدة الإحياءقراءة في كتاب

صدور الأعمال الكاملة للندوة العلمية الدولية: “مستقبل التراث.. المشروعية والمشروع وسؤال التجديد”.

صدرت الأعمال الكاملة للندوة العلمية الدولية التي تم تنظيمها بالتعاون والشراكة بين الرابطة المحمدية للعلماء من خلال وحدتها البحثية للإحياء، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إيليسكو من خلال معهد المخطوطات العربية؛ التابعين لجامعة الدول العربية حول موضوع: “مستقبل التراث.. المشروعية والمشروع وسؤال التجديد“، القاهرة: معهد المخطوطات العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة، الطبعة الأولى (1438هـ/2017م)، والكتاب من القطع الكبير (268 صفحة).

تناولت الجلسة الافتتاحية الأولى كلمتين لكل من فضيلة الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء الدكتور أحمد عبادي، بعنوان: “تلازم سؤالَي التراث والحداثة“، والدكتور فيصل الحفيان (مدير معهد المخطوطات العربية) بعنوان: “هاجس القلق على التراث“.

وقد استهل الأستاذ أحمد عبادي كلمته بالقول:”لقد خلص الفكر الفلسفي العربي المعاصر إلى التسليم بالتلازم التاريخي والمعرفي الوثيق بين سؤال الحداثة والتجديد وسؤال التراث. وبمقتضى هذا التلازم فقد ترسخ الوعي بأن كيفية التعامل مع التراث إنما تتصل جدليا مع كيفية التعامل مع العصر؛ إذ مثلما يمثل التراث آلية دفاعية عن الذات في مواجهة ما تعتقد أنها أخطارا تتهدد وجودها المادي والرمزي على حد سواء، فإنه يمثل بالأصالة آلية نهضوية في جميع التجارب الحضارية التي عرفها التاريخ الإنساني المديد”.

ومن هنا، يضيف فضيلته، “تنبع مشروعية الحديث عن “مستقبل التراث”، ليس سعيا لحفظ وجوده في المستقبل، كمادة ومخزون، في مواجهة تيارات الحداثة والعولمة الجارفة فحسب، وإنما تأكيدا واستلهاما لدوره في بناء مستقبل المجتمعات البشرية بمختلف ثقافاتها”.

وتفسير ذلك من وجهة نظره؛ “أن خطاب الحداثة خطاب دائم الاتصال والعودة إلى أصوله وجذوره التاريخية والحضارية والفكرية من خلال عودته إلى منظومة الأفكار الكلاسيكية في الحضارة اليونانية، والرومانية، والوسيطة، وكذا من خلال قراءته الموصولة والمستأنفة للعهدين القديم والجديد”.

وهو ما جعل فضيلته يدعو إلى التفاعل الحضاري الخلاق بين البنيتين التراثية والعصرية، وهو التفاعل الذي يجعل التراث بمثابة رحم تتمخض فيه عملية التجديد لا عائقا يحول دون تطور المجتمع وتقدمه، ما كان له أن يكون إلا بفعل احتكامه لمنطق وسنة التدافع التاريخي والحضاري، لا إلى منطق الصراع الإيديولوجي على التراث إمعانا في تسييسه واقتسام تركته وتبديدها بدل تثميرها رأسمالا جماعيا يوحد الأمة والجماعة ولا يفتتها.

كما أوضح الدكتور أحمد عبادي كيف أن “في المجتمعات التي لم تجد بعد مساحة توازن بهذا الخصوص، ومنها المجتمعات العربية الإسلامية، لاتزال العلاقة بالتراث لم تضبط بالوظيفية والوضوح المطلوبين، ومن أبرز أسباب ذلك عدم كفاية الجهود المستثمرة في مجال تكشيف هذا التراث الثر، والاطلاع على مضامينه، واستبانة معالم هندساته التي تختلف باختلاف علومه وفنونه. مما يجعل الاضطراب يتطرق من هذا الصوب إلى عالم أفكارها وتصوراتها وتمثلاتها وممارساتها؛ بل إلى مؤسساتها وبنيانها الاجتماعي العام. وهو ما يقتضي إيلائه ما يستحق من عناية واهتمام يناسبان درجة وتجذر هذا الاضطراب”.

ومما له دلالة رمزية كبيرة، يضيف الأستاذ أحمد عبادي، أن “انعقاد هذه الندوة المباركة في رباط الخير في الجناح الغربي لأمتنا، حيث يبرز الحضور الحي للتراث أكثر وأجلى ما يبرز، بفعل ما تتميز به بلادنا من عناصر الاستمرارية التاريخية والحضارية فيها؛ ليس على مستوى عاداتها وتقاليدها وأنماط فنونها وتعبيراتها الجمالية والدينية فقط، وإنما كذلك على مستوى بنيان السلطة والاجتماع السياسي فيها، حيث تأخذ مقولة “مستقبل التراث” كل أبعادها ودلالاتها في الكيفية التي تفاعلت فيها عناصر التراث والتجديد في منظومة وشكل الاجتماع السياسي الحديث في بلدنا، وهي أبعاد ودلالات بمقتضاها يعد التعاقد الدستوري الحديث امتدادا عصريا لتعاقد أصلي يتمثل في جماع البيعات التي قام على أساسها نظام الحكم في بلدنا، والتي تجد معياريتها في صحيفة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم”.

وبالتالي فإن جانبا مهما من عوامل فاعلية وقوة ومشروعية البنية التعاقدية الدستورية الحديثة لدينا، إنما يجد أصله الممتد في أصل التعاقد الدستوري التاريخي من خلال بيعة المولى إدريس الأكبر، وكذا من خلال صحيفة المدينة، المشار إليها آنفا، والتي لازالت تستبطن وتختزن من عناصر الإمداد والإلهام للأمة الشيء الكثير.

إن هذا التفاعل الحضاري الخلاق بين البنيتين التراثية والعصرية هو الذي يجعل التراث بمثابة رحم تتمخض فيه عملية التجديد، لا عائقا يحول دون تطور المجتمع وتقدمه، وهو تفاعل ما كان له أن يكون، لولا احتكامه لمنطق وسنة التدافع التاريخي والحضاري، لا إلى منطق الصراع الإيديولوجي على التراث، إمعانا في تسييسه أو اقتسام تركته وتبديدها بدل تثميرها باعتبارها رأسمال جماعي يوحد الأمة والجماعة ولا يفتتهما.

أما الدكتور فيصل الحفيان فبعد أن ذكر بالمضامين الكبرى للنسخة المصرية من هذه الندوة/المؤتمر حول مستقبل التراث، شدد على أن النسخة المغربية تمثل امتدادا نوعيا للنسخة الأولى؛ مبرزا فضيلته أن “حديث المستقبل اليوم يقوم على ثلاثة أسس: المشروعية، والمشروع، وسؤال التجديد، على حين كان حديث المستقبل بالأمس ينهض على أساس ما عبر عنه يومها بـ”نحو خطة شاملة للتراث”. مضيفا أن “في المؤتمر الذي نحن على أبوابه اليوم والذي نعده النسخة المغربية لسابقه، وللمغرب خصوصيته، امتدادا لخصوصيته التاريخية والجغرافية التي نعرفها جميعا، كنا واعين ألا نجتر أو نراوح أو نقفز، ولذلك حددنا ثلاثة محاور رئيسة”.

وفي هذا السياق يبرز الأستاذ فيصل كيف أن هذا المؤتمر “يعالج مشهد الصراع على التراث بمراحله التاريخية ومعانيه المتعددة، بالإضافة إلى مآلاته التي تلوح مخايلها، لكن الكثيرين لا يعرفون أبعاد هذا الصراع، ولا يقدرون حجم خطره على التراث وعلى أصحابه معا”.

كما أوضحت أعمال هذه الندوة/المؤتمر أن القلق على التراث يتجلى من خلال مقاربة التحديات التي يواجهها، وهي تحديات كثيرة، بعضها تاريخي، وبعضها عصري، على أن التاريخي ما زال حيا يتجدد، ويلبس في كل زمن لبوسا مختلفا، ولقد عدت إحدى الدراسات إثنى عشر تحديا، لا بد من الوعي بها أولا حتى يمكن تجاوزها”.

 وقد انتظمت دراسات هذا الكتاب في ثلاثة محاور وسبع جلسات:

المحور الأول: المشروعية

وقد أسهم في جلسته الثانية “أسئلة التراث ومآلاته” كل من الدكتور فيصل الحفيان (مدير معهد المخطوطات العربية) بدراسة حول؛ “أسئلة المشروعية والمشروع والتجديد“، ود. رضوان السيد (أستاذ الدراسات الإسلامية-الجامعة اللبنانية) بدراسة حول؛ “الصراع على التراث.. أيُّ معنًى، وأيُّ مآلات؟“.

كما ساهم في جلسته الثالثة “التحدي وإشكالية الحداثة” كل من الدكتور عباس أرحيلة (أستاذ التعليم العالي في الأدب العربي-مراكش) حول؛ “تحديات التراث الإسلامي“، ود. عبد السلام طويل (أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسة بكلية الحقوق،

جامعة عبد المالك السعدي-تطوان، ورئيس الوحدة البحثية للإحياء بالرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، ورئيس تحرير مجلتها الإحياء) بدراسة حول؛ “إشكالية الحداثة والموقف من التراث“.

المحور الثاني: المشروع

استهل جلسته الرابعة “بين الإمكان والأفق” كل من الدكتور محسن المحمدي (أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي-بني ملال) بدراسة حول؛ “الفَلَك العربي الإسلامي (الطريق نحو الحداثة)“، ود. جمال بامي (رئيس مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية، ووحدة علم وعمران بالرابطة المحمدية للعلماء) بدراسة حول: “المعرفة النباتية والطبية بالمغرب بين التراث العلمي والعلاج التقليدي.. دراسة تاريخية أنثروبولوجية“، ود. عبد الصمد غازي (مدير موقع مسارات للأبحاث والدراسات الاستشرافية والإعلامية بالربطة المحمدية للعلماء) بدراسة حول؛ “التراث الصوفي وسؤال التحقيق والتحقُّق“.

أما الجلسة الخامسة “الوعي والقواعد” فقد ساهم فيها كل من الدكتور الحسان شهيد (أستاذ التعليم العالي، كلية أصول الدين وحوار الحضارات، تطوان-المغرب) بدراسة بعنوان: “في إشكالية التراث.. دراسة مصطلحية“، ود. محمد إقبال عروي بدراسة تناولت؛ “قواعد منهجية في التعامل مع المسألة التراثية“، ود. محمد الشيخ بدراسة حول؛ “الرِّقابة على التراث بين الأمس واليوم“.

المحور الثالث: سؤال التجديد

استهل جلسته السادسة الموسومة بـ”النقد والمنهج” كل من الباحثة بغداد عبد المنعم (باحثة في تاريخ الهندسة العربية الإسلامية) ببحث حول؛ “النقد التراثي آلية تجديدية بين (التراثية) والثقافة“، ود. الطيب بوعزة (أستاذ التعليم العالي بمركز تكوين المعلمين بطنجة) بدراسة حول؛ “التجديد وسؤال المنهج“.

وقد اختتمت الجلسة السابعة أشغال هذه الندوة بمحاضرة ختامية ألقاها الدكتور الشاهد البوشيخي (الأمين العام لمؤسسة البحوث والدراسات العلمية “مبدع”، والمدير المؤسس لمعهد الدراسات المصطلحية) حول موضوع؛ “المصطلح العلمي في التراث.. الواقع والتحديات“.

صدور الأعمال الكاملة للندوة العلمية الدولية:"مستقبل التراث.. المشروعية والمشروع وسؤال التجديد".

الوسوم

ذ. خالد رابح

باحث مساعد بالوحدة البحثية للإحياء

المحرر التنفيذي والمشرف على التحيين التقني للموقع الإلكتروني للوحدة البحثية للإحياء-الرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق