مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات محكمة

شواهد ابن عقيل الحلقة الخامسة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه ومن والاه.

  • شواهد المعرب والمبني:

 الشاهد العاشر:

عَلَى أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ عَشِيَّةً /// فَمَا هِيَ إِلَّا لَمْحَةٌ وَتَغِيبُ

ذكره ابن عقيل عند قول ابن مالك في الألفية:

وَنُونَ مَجْمُوعٍ وَمَا بِه الْتَحَقْ /// فَافْتَحْ، وَقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ

وَنُونُ مَا ثُنِّيَ وَالْمُلْحَقِ بِهْ /// بِعَكْسِ ذَاكَ اسْتَعْمَلُوهُ فَانْتَبِهْ

أما الجمع وما أُلحق به فقد تقدم في الحلقة السابقة، وذكر فيه الشاهد الثامن والتاسع، وأما المثنى وما أُلحق به فهذا موضعه. والأصل في نونه أن تأتي مكسورة، وحكوا فيه الفتح على أنه لغة، على عكس الجمع، فالأصل في نونه الفتح، وكسرها ليس بلغة، وما رأيتَه في الشاهدين الذين ذُكرا فيه إنما هو على الشذوذ، وقد وقعت الكلمة فيهما قافيةَ البيت، وبيت الشاهد هذا الذي ذكره ابن عقيل في المثنى رُوي بفتح نونه، والكلمة وقعت حشوَ البيت ولم تقع قافيتَهُ، وفتح النون لا يؤثر في وزن البيت، لذلك عَدُّوها لغةً.

وصرح ابن عقيل بأن كسر النون في الجمع شاذ، وفتحها في التثنية لغة، بخلاف ظاهر كلام ابن مالك.

وقد حكاها العيني في مقاصده أيضا لغةً لبني أسدٍ عن الفَرَّاء، وردّ كونها ضرورة؛ لأن الوزن لا ينكسر بفتحها كما تقدم معك. وذكر أن فيها لغةً ثالثة، وهي الضم كما عند بعض العرب، وأنشد قول الشاعر(1):

يَا أَبَتَا أَرَّقَنِي الْقِذَّانُ /// فَالنَّوْمُ لَا تَطْعَمُهُ الْعَيْنَانُ

مِنْ عَضِّ بُرْغُوثٍ لَهُ أَسْنَانُ /// وَلِلْخَمُوشِ فَوْقَنَا تَطْنَانُ

ونُسب هذا الرجز لرؤبة كما في ملحقات ديوانه، لكنه بسكون النون(2)، وأورده له البغدادي في الخزانة بضم النون(3). وهذه النون إنما تُضم مع الألف لأنها أشبهت غضبان وعثمان، ولا تُضم مع الياء(4).

وقائل هذا الشاهد لم يعيّنه ابن عقيل، وهو حُميد بن ثور الهلالي كما عند العيني، وهو مُثبت في ديوانه  بنفس الرواية من قصيدة في وصف القَطاة، وهو من بني عامر بن صعصعة، إسلامي مُجيد كما قال ابن قتيبة(5)، وهو صاحب الشاهد التاسع والخمسين، سيأتي قريبا إن شاء الله في باب الابتداء في وصف الذئب، وفيه:

يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ وَيَتَّقِي /// بِأُخْرَى الْمَنَايَا، فَهْوَ يَقْظَانُ نَائِمُ

وقد عدّه الأصبهاني من المخضرمين، أدرك عمر بن الخطاب وقال الشعر في أيامه، وله خبر معه ذكره أبو الفرج في الأغاني(6).

الشاهد الحادي عشر:

أَعْرِفُ مِنْهَا الْجِيدَ وَالْعَيْنَانَا /// وَمَنْخِرَيْنِ أَشْبَهَا ظَبْيَانَا

استشهد به ابن عقيل في مجيء نون المثنى مفتوحة مع الألف، والقياس كسرها. وموضع الشاهد في قوله: عينانَا، أما ظبيانَا، فمختلف فيه، هل هو مُثنى ظبي، أو اسمُ رجل. وفي هذا البيت كلام؛ لأنه يُروى بما يُسقط الاحتجاج به، كما أنه يُنسب لأكثر من شاعر، وفي ما يلي بيان ذلك:

عند أبي زيد في نوادره أن البيت برواية: ومنخِرانِ، فيكون الشاعر جمع في البيت بين لغتين: الفتح مع الألف، والكسر مع الألف، ويبعُد أن يتفق ذلك؛ وقبل البيت بيتان آخران كما عند أبي زيد(7):

إِنَّ لِسُعْدَى عِنْدَنَا دِيوَانَا /// يُخْزِي فُلَانًا وَابْنَهُ فُلَانَا

كَانَتْ عَجُوزًا عَمِرَتْ زَمَانَا /// وَهْيَ تَرَى سَيِّئَهَا إِحْسَانَا

أَعْرِفُ مِنْهَا الْأَنْفَ وَالْعَيْنَانَا /// وَمَنْخِرَانِ أَشْبَهَا ظَبْيَانَا

أما العيني فنقل ما أورده أبو زيد وتبعه في ذلك، فقد رَدّ أن يكون «ظبيانَا» مثنى ظبي، قال: بل الظبيان اسمُ رجل كما ذكرنا(8). فيكون تقدير الكلام: ومنخرين أشبها منخريْ ظَبيانَ، على حذف المضاف كما في الآية الكريمة: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، أي: واسأل أهلَ القريةِ.

وهذا لا يُسلم له بصحة البيت، فإن روايته مرة «ومنخرين» وأخرى «ومنخران» مُشْعِرَةٌ بصناعته، وهذا ما ذهب إليه ابن عقيل، قال: وقد قيل: إنه مصنوع، فلا يُحتج به(9).

وفي البيت شاهد آخر لم يذكره ابن عقيل، وهو إجراء المثنى بالألف في جميع أحواله، فقوله: العينانَا، منصوب بالألف، مفعول به معطوف على الجيد للفعل «أعرفُ»، وهي لغة قوم من العرب هم بنو الحارث بن كعب، وعلى هذه اللغة خَرّجوا الآية الكريمة: {إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63]، فيلتزمون الألف في الرفع والنصب والجر. وقد مثله في ذلك عند الشاهد السادس، وهو قوله:

إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا /// قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا

أما قائل الشاهد فلم يذكره ابن عقيل، قال أبو زيد عند إيراده للأبيات: «أنشدني المفضّل لرجل من بني ضبّة هلك منذ أكثر من مائة سنة»(10). ولم يعيّنه ولم يزد على ذلك.

وقد ذكر العيني أنه يُنسب لرؤبة أيضا، وصحح نسبة أبي زيد أنه لرجل من بني ضبّة، وهو في ملحقات ديوان رؤبة مما يُنسب إليه، أورده محققه بنفس الرواية التي عند ابن عقيل.

  • ما يؤخذ مما تقدم:
  • أن موضع الشاهد في البيت إذا لم يكن بتغير الرواية فيه انكسارٌ للوزن فلا بأس في ذلك، وهو كما في الشاهد العاشر، فقوله: أحوذيين، النون فيه لا تؤثر على وزن البيت فتحا أو كسرا، فاعتلّوا بذلك وعدّوه لغة، وليس ضرورة.
  • أن البيت إذا رواه الثقةُ يؤخذ به ولا يُنظر إلى ما جاء مخالفا له. فالشاهد الحادي عشر أخذوا برواية أبي زيد له على ما به من ورود لغتين فيه: إثبات الألف في النصب، مع فتح النون وكسرها.
  • أنه لا بأس من عدم تعيين قائل البيت إذا رواه الثقةُ. فأبو زيد نسبه إلى أحد بني ضبة ولم يُعيّنه، ومع ذلك أخذ النحاة بروايته ووثّقوها، ومنهم العيني في مقاصده.
  • أن البيت الذي يرد على أكثر من لغة قد يَسقط الاحتجاجُ به عند قوم.
  • أن البيت الواحد قد يرد فيه أكثر من وجه للاستشهاد كما في الشاهد الحادي عشر، ففيه مجيء المثنى بالألف مطلقا في الرفع والنصب والجر، وهي لغة قوم من العرب، وفيه مجيء نون المثنى مفتوحة مع ثبات الألف فيه، وفيه أيضا كسرها مع ثبات الألف على ما رواه أبو زيد.

هذا والله أعلم، ولله الحمد من قبلُ ومن بعدُ والصلاة والسلام على نبيه وعلى الصحب والتابعين بعدهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

  • المقاصد النحوية للعيني: 222.
  • ديوان رؤبة بن العجاج: 186.
  • خزانة الأدب للبغدادي: 1/92.
  • انظر همع الهوامع للسيوطي: 1/166.
  • انظر ترجمته في الشعر والشعراء: 1/390، وعند العيني في مقاصده: 222، والأغاني: 4/356.
  • انظره في الأغاني: 4/356، ويذكره البلاغيون في باب الكنايات.
  • نوادر أبي زيد: 168.
  • مقاصد العيني: 227.
  • 1/63، عند الشاهد الحادي عشر.
  • نوادر أبي زيد: 168.

المصادر والمراجع:

– القرآن الكريم برواية ورش.

– خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، لعبد القادر البغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي.

– ديوان رؤبة بن العجاج ضمن مجموع أشعار العرب، تحقيق وليم بن الورد البروسي، دار ابن قتيبة.

– شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة دار التراث.

– الشعر والشعراء، لابن قتيبة، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف.

– المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية، لبدر الدين العيني، تحقيق علي محمد فاخر وغيره، دار السلام.

– النوادر في اللغة، لأبي زيد الأنصاري، تحقيق محمد عبد القادر أحمد، دار الشروق.

– همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، لجلال الدين السيوطي، تحقيق عبد السلام هارون وعبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق