مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةشذور

شنف الإيمان ودرة الولدان من واجب أمور الديانات: نص عقدي من كتاب الفوائد الجمة

 

– التعريف بالتمانرتي[1] وكتابه “الفوائد الجمة”[2]: 
كتاب “الفوائد الجمة في إسناد علوم الأمة” لأبي زيد عبد الرحمن التمانرتي المتوفى (سنة 1060هـ)، كتاب يفهرس فيه صاحبه لشيوخه بمنطقة سوس وجزولة بالخصوص، وهو من أهم كتب الفهارس التي خلفها المغاربة عامة والسوسيون خاصة، ويعتبر هذا الكتاب مرآة كاشفة عن نشاط الثقافة المغربية بهذا الجزء من بلاد المغرب، قسمه مؤلفه إلى أربعة أبواب وتحدث فيه عن دراسته وشيوخه وما يتصل بذلك. وقد اعتمده كثير من الذين كتبوا عن تاريخ المنطقة وانتفعوا به واتخذوه مصدرا مهما من مصادرهم.
ويعتبر أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد، التمنارتي، المعافري الجزولي. أحد شيوخ سوس، وعالم تارودانت ومفتيها، ولد بقرية تمنارت وفيها نشأ وترعرع.
وينتسب مسند سوس وعالمها إلى أسرة مشهورة بالعلم والصلاح، وفي أحضانها نشأ تحت رعاية والده. وقد استقى التمنارتي من شيوخ جزولة معارف وعلوماً متنوعة، ورسَخت قدمه في العلوم الإسلامية، واتسعت مجالات ثقافته لتشمل مختلف العلوم من فقه وأصول وحديث ومصطلحه والسيرة النبوية والتفسير والقراءات والرسم والعقائد والمنطق والتصوف والنحو والبلاغة والعروض والفلك والحساب.. وهذه المكانة العلمية أهلته ليتولى قضاء الجماعة بمدينة تارودانت حوالي ثلث قرن.
واتخذ التمانرتي من الجامع الكبير بتارودانت مقراً لحلقاته العلمية التي كان يحضرها نجباء الطلبة وحتى الفقهاء والعلماء، ويظهر ذلك من خلال المستوى العالي للمواد التي كان يُدَرِّسُها وهي: التفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والعقائد، وقد تتلمذ عليه وسمع منه عدد من العلماء الأجلاء.
كما خلف آثاراً مفيدة تدل على تبحره في العلم، ومن هذه التآليف: «الفوائد الجمة في إسناد علوم الأمة» وهو مطبوع؛ ومنه أخذنا هذه العقيدة، و«أجوبة فقهية»، و«ديوان شعر»، و«شرح منظومة الجزائري في التوحيد»، و«النور الباهر في نصرة الدين الطاهر»، و«شنف الإيمان ودرة الولدان من واجب أمور الديانات»؛ وهي رسالة تضمنت  نص هذه العقيدة، بالإضافة إلى فصل آخر عن تقسيم أفعال المكلفين ما بين الواجب والمستحب والمحرم والمكروه والمباح، والتعريف بها، وكذا أحكام الوضوء والصلاة والزكاة والصوم والحج، وذكر جماع آداب الخير.
2- نص العقيدة: 
يقول أبو عبد الرحمن التمانرتي في كتابه “الفوائد الجمة”: (ومما ينبغي أن يقيد في هذا الباب، المقدمة التي سميتها: “شنف الإيمان ودرة الولدان من واجب أمور الديانات”، ليكون الكناش جامعا لأشتات الفوائد، وإن كان في الحقيقة لُقط لُفاظة الموائد وهي: 
نحمد الله تعالى ونشكره، ونصلي على سيدنا محمد عبده ورسوله وخير خلقه.
فالإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتوتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج بيت الله الحرام إن استطعت إليه سبيلا.
والإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره.
والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
والإيمان بالله هو التصديق بوجوده، وأنه تعالى قديم باق لا أولية له، ولا انقضاء لدوامه، مخالف لخلقه، قائم بنفسه، واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله، موصوف بالقدرة، والإرادة، والعلم، والحياة، والسمع والبصر، والكلام، منزه عن سمات الحوادث، وصفات المتغيرات، (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الشورى/9.
والإيمان بالملائكة هو التصديق بوجودهم، وأنهم عباد مكرمون (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) التحريم/6.
والإيمان بكتب الله هو التصديق بكتب الله المنزلة على رسله.
والإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام هو التصديق برسالاتهم أجمعين، وأنهم مؤيدون بالمعجزات الدالة على صدقهم النازلة منزلة قوله: صدق عبدي في كل ما يبلغ عني، فواجب علينا تصديقهم واتباعهم في كل ما بلغوه عن الله تعالى، وأن محمدا أرسله الله إلى الإنس والجن، وأنه سيد المرسلين، وخاتم النبيئين، وأفضل الخلق أجمعين.
والإيمان باليوم الآخر هو التصديق بيوم القيامة وما اشتمل عليه من إحياء الموتى، والنشر، والحشر، والحساب، والميزان، والصراط، والحوض، والشفاعة، والجنة، والنار.
والإيمان بالقدر هو التصديق بأن الأمور كلها لله، وجميع أعمال العباد من خير وشر وطاعة ومعصية وكفران وإيمان واقع بقضاء الله وقدره، لا يخرج شيء عن إرادته تعالى…
ونحمد الله تعالى ونشكره على ما هدانا إليه من نعمة الإيمان والإسلام، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد الذي هدانا به إلى دار السلام، والحمد لله رب العالمين).
ونكتفي بهذا، مع أن إبراز إنتاج التمنارتي يقتضي من الباحثين وقفة أكبر لا يتسع لها مجال هذا المقال، ولولا وجود كتابه “الفوائد الجمة” لكان هذا العلَم نسيا منسيا، ولبقي شطر من تاريخ منطقة سوس مجهولا لنا.
الهوامش: 
[1] من مصادر ترجمته وأخباره: الفوائد الجمة في إسناد علوم الأمة، صفوة من انتشر للإفراني (ص: 273)، طبقات الحضيكي (2/399-401)، واليواقيت الثمينة (ص:193)، والأعلام للزركلي (4/ 108)، معلمة المغرب (7/2195- 2196).
[2] قام بتحقيق الكتاب: اليزيد الراضي، وقدم له: محمد المنوني، وصدر عن دار الكتب العلمية ببيروت- سنة الطبع:2007.
إعداد الباحث: منتصر الخطيب

1- التعريف بالتمانرتي[1] وكتابه “الفوائد الجمة”[2]: 

كتاب “الفوائد الجمة في إسناد علوم الأمة” لأبي زيد عبد الرحمن التمانرتي المتوفى (سنة 1060هـ)، كتاب يفهرس فيه صاحبه لشيوخه بمنطقة سوس وجزولة بالخصوص، وهو من أهم كتب الفهارس التي خلفها المغاربة عامة والسوسيون خاصة، ويعتبر هذا الكتاب مرآة كاشفة عن نشاط الثقافة المغربية بهذا الجزء من بلاد المغرب، قسمه مؤلفه إلى أربعة أبواب وتحدث فيه عن دراسته وشيوخه وما يتصل بذلك. وقد اعتمده كثير من الذين كتبوا عن تاريخ المنطقة وانتفعوا به واتخذوه مصدرا مهما من مصادرهم.

ويعتبر أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد، التمنارتي، المعافري الجزولي. أحد شيوخ سوس، وعالم تارودانت ومفتيها، ولد بقرية تمنارت وفيها نشأ وترعرع.

وينتسب مسند سوس وعالمها إلى أسرة مشهورة بالعلم والصلاح، وفي أحضانها نشأ تحت رعاية والده. وقد استقى التمنارتي من شيوخ جزولة معارف وعلوماً متنوعة، ورسَخت قدمه في العلوم الإسلامية، واتسعت مجالات ثقافته لتشمل مختلف العلوم من فقه وأصول وحديث ومصطلحه والسيرة النبوية والتفسير والقراءات والرسم والعقائد والمنطق والتصوف والنحو والبلاغة والعروض والفلك والحساب.. وهذه المكانة العلمية أهلته ليتولى قضاء الجماعة بمدينة تارودانت حوالي ثلث قرن.

واتخذ التمانرتي من الجامع الكبير بتارودانت مقراً لحلقاته العلمية التي كان يحضرها نجباء الطلبة وحتى الفقهاء والعلماء، ويظهر ذلك من خلال المستوى العالي للمواد التي كان يُدَرِّسُها وهي: التفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والعقائد، وقد تتلمذ عليه وسمع منه عدد من العلماء الأجلاء.

كما خلف آثاراً مفيدة تدل على تبحره في العلم، ومن هذه التآليف: «الفوائد الجمة في إسناد علوم الأمة» وهو مطبوع؛ ومنه أخذنا هذه العقيدة، و«أجوبة فقهية»، و«ديوان شعر»، و«شرح منظومة الجزائري في التوحيد»، و«النور الباهر في نصرة الدين الطاهر»، و«شنف الإيمان ودرة الولدان من واجب أمور الديانات»؛ وهي رسالة تضمنت  نص هذه العقيدة، بالإضافة إلى فصل آخر عن تقسيم أفعال المكلفين ما بين الواجب والمستحب والمحرم والمكروه والمباح، والتعريف بها، وكذا أحكام الوضوء والصلاة والزكاة والصوم والحج، وذكر جماع آداب الخير.

2- نص العقيدة: 

يقول أبو عبد الرحمن التمانرتي في كتابه “الفوائد الجمة”: (ومما ينبغي أن يقيد في هذا الباب، المقدمة التي سميتها: “شنف الإيمان ودرة الولدان من واجب أمور الديانات”، ليكون الكناش جامعا لأشتات الفوائد، وإن كان في الحقيقة لُقط لُفاظة الموائد وهي: 

نحمد الله تعالى ونشكره، ونصلي على سيدنا محمد عبده ورسوله وخير خلقه.

فالإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتوتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج بيت الله الحرام إن استطعت إليه سبيلا.

والإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره.

والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

والإيمان بالله هو التصديق بوجوده، وأنه تعالى قديم باق لا أولية له، ولا انقضاء لدوامه، مخالف لخلقه، قائم بنفسه، واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله، موصوف بالقدرة، والإرادة، والعلم، والحياة، والسمع والبصر، والكلام، منزه عن سمات الحوادث، وصفات المتغيرات، (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الشورى/9.

والإيمان بالملائكة هو التصديق بوجودهم، وأنهم عباد مكرمون (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) التحريم/6.

والإيمان بكتب الله هو التصديق بكتب الله المنزلة على رسله.

والإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام هو التصديق برسالاتهم أجمعين، وأنهم مؤيدون بالمعجزات الدالة على صدقهم النازلة منزلة قوله: صدق عبدي في كل ما يبلغ عني، فواجب علينا تصديقهم واتباعهم في كل ما بلغوه عن الله تعالى، وأن محمدا أرسله الله إلى الإنس والجن، وأنه سيد المرسلين، وخاتم النبيئين، وأفضل الخلق أجمعين.

والإيمان باليوم الآخر هو التصديق بيوم القيامة وما اشتمل عليه من إحياء الموتى، والنشر، والحشر، والحساب، والميزان، والصراط، والحوض، والشفاعة، والجنة، والنار.

والإيمان بالقدر هو التصديق بأن الأمور كلها لله، وجميع أعمال العباد من خير وشر وطاعة ومعصية وكفران وإيمان واقع بقضاء الله وقدره، لا يخرج شيء عن إرادته تعالى…

ونحمد الله تعالى ونشكره على ما هدانا إليه من نعمة الإيمان والإسلام، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد الذي هدانا به إلى دار السلام، والحمد لله رب العالمين).

ونكتفي بهذا، مع أن إبراز إنتاج التمنارتي يقتضي من الباحثين وقفة أكبر لا يتسع لها مجال هذا المقال، ولولا وجود كتابه “الفوائد الجمة” لكان هذا العلَم نسيا منسيا، ولبقي شطر من تاريخ منطقة سوس مجهولا لنا.

الهوامش: 

[1] من مصادر ترجمته وأخباره: الفوائد الجمة في إسناد علوم الأمة، صفوة من انتشر للإفراني (ص: 273)، طبقات الحضيكي (2/399-401)، واليواقيت الثمينة (ص:193)، والأعلام للزركلي (4/ 108)، معلمة المغرب (7/2195- 2196).

[2] قام بتحقيق الكتاب: اليزيد الراضي، وقدم له: محمد المنوني، وصدر عن دار الكتب العلمية ببيروت- سنة الطبع:2007.

 

                                                     إعداد الباحث: منتصر الخطيب

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق