مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

شروط الإفتاء (4)

 

 

يقول العلامة أبو العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي (ت1175هـ)مُبيناً شروط الإفتاء: 

 

“وقال ابن فرحون في تبصرته: قال المازري: الذي يفتي في هذا الزمان أقل مراتبه في نقل المذهب أن يكون قد استبحر في الاطلاع على روايات المذهب وتأويل الأشياخ، وتوجيههم لما وقع من الاختلاف فيها، وتشبيههم مسائل بمسائل سبق إلى الذهن تباعدها وتفريقهم بين مسائل يقع في النفس تقاربها إلى غير ذلك. اهـ. وهذه هي الحالة الأولى عند القرافي.

 وقسم ابن رشد من ينتسب للعلم إلى ثلاثة طوائف:

 –الأولى: اعتقدت صحة مذهب مالك رضي الله عنه تقليداً بلا دليل عندها على صحته، فحفظت فهمه من غير تفقه فيه بتمييز الصحيح من غيره.

الثانية: اعتقدت صحته بدليل عندها على صحة أصوله التي بنى عليها مذهبه، فحفظت مسائله وتفقهت في معانيها فعلمت منها الصحيح والسقيم، لكنها لم تبلغ درجة التحقيق بحصول شروط القياس.

 -والثالثة: زادت على الثانية بتوفر شروط القياس، لكونها عالمة بأحكام القرآن وناسخه ومفصله وخاصه وأضداده، والسنن الواردة في الأحكام مميزة صحيحها من ضده، عالمة بأقوال العلماء من الصحابة ومن بعدهم واتفاقهم واختلافهم، عالمة من علم اللسان بما يفهم به معاني الكلام، عالمة بوضع الأدلة في مواضعها.

 فالأولى: لا تصح لها الفتوى، ويصح لها في نفسها إن لم تجد من تقلده أن تعمل بما حفظته. وإن نزلت بشخص نازلة ولم يجد من يقلده فلها أن تخبره بمحفوظها ويعمل به. فإن كان في المسألة خلاف، كان كمن سأل العلماء فاختلفوا في نازلة؛ فقيل يخيّر أو يتحرّى فيعمل بقول أعلمهم أو بأشدها ؟ أقوال.

 والثانية: لها الفتوى بالنص وبالقياس فيما لا نص فيه، وتقيس على المنصوص عليه كتاباً أو سنةً أو إجماعاً فإن عدم فله القياس على المقيس على المنصوص، وفي القياس وتحقيق ما يتعلق به تتفاوت العلماء تفاوتاً بعيداً؛ إذ ليس الفقه في الدين بكثرة الرواية وإنما هو نور يضعه الله حيث يشاء، ومن حق   الرجل أن لا يفتي حتى يراه الناس أي العلماء المقتدى بهم أهلاً للفتوى ويرى نفسه هو أيضا أهلاً لها. اهـ. باختصار وأكثره بالمعنى.

 قال البرزلي: ظاهر كلام ابن رشد أن الطائفة الحافظة غير العارفة بوجوه الترجيح مقلِّدة فلا يجوز لها التصدي للفتيا بوجه، ويجوز لها في نفسها الاقتداء إن عدم من يرجح لها بعض ما حفظته. اهـ.

 فإن قلت: هذه من الطائفة الأولى عند ابن رشد وقد سوّغ لها أن تنقل لمن نزلت به نازلة من محفوظها ويعمل به إلى آخر ما تقدم عنه في الكلام عليها، ونقلها لغيرها هو الفتوى؟

 قلت: مجرد نقلها لمحفوظاتها من غير تصرف فيه بوجه لا يعدّ عندهم فتوى، وإنما هو مجرد تبليغ كمن يبلغ لفظ حديث رواه فلا يعد مفتيا بمضمنه، وكمن ينقل فتوى عن إمام من الأئمة لا يشترط فيه إلا العدالة وفهم ما ينقله، كما نقله البرزلي عن عز الدين.

 ثم قال البرزلي: وظاهر مفهوم ما سبق من كلام المفتين أن من لا حفظ له ولا فهم له لا يجوز له التصدي للفتيا لغيره، ولا الاقتداء في نفسه بما يظهر له من غير دليل؛ لأنه حكَم في الشريعة برأيه وهواه، وهو مجمع على منعه، ولا يدخله الخلاف الذي في القاضي الورع الجاهل عند بعض العلماء؛ لأنه بالعقل يسأل وبالورع يقف، فاعتماده على القول به على من يصح الاعتماد عليه بخلاف هذا الحاكم بهواه فهو أحد القاضيين اللذين في النار وهو الجاهل الحاكم برأيه. اهـ.

 قلت: قوله: (مَن لا حفظ له ولا فهم) مثله مَن له مجرد الحفظ بلا فهم، إذ لا فرق في هذا بين من كان العلم في صدره وبين من لم يكن إلا في قِمَطْره، فما مثلهما إلا كمثل الحمار يحمل أسفاراً وكمثل البعير يكلف بالأثقال أسفاراً، وفي مثله أنشد الأعلم في ديباجة شرح مختار أشعار الستة قول الشاعر :

زوامل لأشعار لا علم عندهم          بجيدها إلا كعلم الأباعر

لعمرك ما يدري البعير إذا غدا          بأوسُقه أو راح ما في الغرائر”

 

نصوص منتقاة من “كتاب نور البصر شرح خطبة المختصر”، للعلامة أبي العباس سيدي أحمد بن عبد العزيز الهلالي الفلالي.

 النسختان المعتمدتان:

1-  طبعة حجرية بدون تاريخ، ص132 وما يليها.

2-  طبعة دار يوسف بن تاشفين الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ومكتبة الإمام مالك- الإمارات العربية المتحدة. ط.1:(1428هـ-2007م). مراجعة وتصحيح: محمد محمود ولد محمد الأمين.  ص. (121-123).

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق