مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

شروط الإفتاء (3)

 

يقول العلامة أبو العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي (ت1175هـ)مُبيناً شروط الإفتاء:

 

“وما ذكرته في هذه الطبقات مأخوذ من كلام ابن عرفة وغيره.

 وقد قال ابن عرفة في أجوبته عن أسئلة أبي إسحاق الشاطبي ما نصه: المفتي في ذلك إن كان مجتهداً عالماً محصّلاً لِشرائط الاجتهاد أفتاه بمقتضى اجتهاده، بعد إعلامه أنه يفتيه باجتهاده. وإن كان مجتهداً في مذهب إمام معين للسائل وقلده، أفتاه بمذهبه نصا أو قياساً بشرط ذلك كله، وإن عجز عن ذلك ولم يجد غيره ، أفتاه بما يتحققه نصّا من قول الإمام المقلَّد، إن كان مطلعاً على أقواله، عارفا بحكم اللسان، وقاعدة العام والخاص والمطلق والمقيد؛ هذا أدنى ما شرط فيه.

 وكان بعضهم يفتي وهو لا يعرف إعرب بسم الله الرحمن الرحيم، استناداً منه بحفظ أقوال الإمام مالك وأصحابه، وظاهر قول المازري في كتاب الأقضية أن فعل هذا لا يجوز. اهـ.

 وقال القرافي -رحمه الله- في الفرق الثامن والسبعين من كتاب الفروق ما نصه:

“اعلم أن طالب العلم له أحوال:

 –الحالة الأولى: أن يشتغل بمختصر من مختصرات مذهبه،  فيه مطلقات مقيدة في غيره وعمومات مخصوصة  في غيره، فمتى كان الكتاب الذي حفظه وفهمه كذلك، أو جوّز عليه أن يكون كذلك حرم عليه أن يفتي، وإن أجاده حفظاً وفهماً، إلا في مسألة يقطع فيها أنها مستوعبة التقييد، وأنها لا تحتاج إلى معنى آخر من كتاب آخر، فيجوز له أن ينقلها لمن احتاجها على وجهها من غير زيادة ولا نقصان، وتكون هي عين الواقعة المسؤول عنها، لا أنها تشبهها و لاتخرج عليها، بل هي هي حرفاً بحرف؛ لأنه قد تكون هناك فروق تمنع من الإلحاق، أو تخصيص أو تقييد يمنع من الفتيا بالمحفوظ فيجب الوقف.

 –الحالة الثانية: أن يتسع تحصيله في المذهب بحيث يطلع من تفاصيل الشروحات والمبسوطات على تقييد المطلقات وتخصيص العمومات، ولكنه مع ذلك لم يضبط مدارك إمامه، ومستنداته في فروعه ضبطاً متقناً بل سمعها من حيث الجملةُ من أفواه الطلبة والمشايخ، فهذا يجوز له أن يفتي بجميع ما ينقله ويحفظه من مذهبه اتباعاً لمشهور ذلك المذهب بشروط الفتيا، ولكنه إذا وقعت له واقعة ليست في حفظه لا يخرّجها على محفوظاته، ولا يقول هذه مسألة تشبه المسألة الفلانية؛ لأن التخريج إنما يصح ممن أحاط بمدارك إمامه وأدلته وأقيسته وعلله التي اعتمد عليها مفصلةً، ومعرفة رتب تلك العلل ونسبتها إلى المصالح الشرعية، وهل هي من باب المصالح الضرورية أو الحاجية أو التتميمية؟ وهل هي من باب المناسب الذي اعتبر نوعه في نوع الحكم أو غيره من أنواع المناسب؟ إلى غير ذلك من تفاصيل الأقيسة ورتب العلل ومعرفة القوادح وأجوبتها.

 وسبب ذلك أن المقلد الذي يريد القياس على مسائل، نسبته إلى مذهب إمامه كنسبة إمامه إلى صاحب الشريعة في اتباع نصوصها، والتخريج على مقاصده. فلهذا لا يجوز التخريج إلا لمن هو عالم بتفاصيل الأقيسة والعلل، ورتب المصالح وشروط القواعد وما يصلح أن يكون معارضا وما لا يصلح أن يكون معارضا، وهذا لا يعرفه  إلا من عرف أصول الفقه معرفة حسنة، فإذا كان بهذه الصفة وحصل له المقام بقي عليه مقام آخر، وهو النظر وبذل الجهد في تصفح تلك القواعد الشرعية وتلك المصالح وأنواع الأقيسة وتفاصيلها. فإن لم يحصل له المقامان حرُم عليه القياس لاحتمال وجود الفارق، وغير ذلك مما يمنع من الإلحاق فتأمل ذلك، فالناس مهملون له إهمالاً شديداً، وهجموا على الفتيا في دين الله تعالى والتخريج على قواعد الأئمة بغير شروط التخريج والإحاطة بها، بما بل صار يُفتي من لم يُحط بالتقييدات، ولا بالتخصيصات من منقولات إمامه وذلك لعب في دين الله، وفسوق ممن يعتمده. أو ما علموا أن المفتي مخبر عن الله تعالى، وأن من أخبر عنه تعالى مع عدم ضبطه ذلك الخبر فهو عند الله تعالى بمنزلة الكاذب عليه، فليتق الله امرؤ في نفسه ولا يُقْدم على قولٍ أو فعل بغير شرط.

الحالة الثالثة: أن يصل طالب العلم إلى ما ذكرنا من الشروط، مع الديانة الوازعة والعدالة  المتمكنة فهذا يجوز له أن يفتي في مذهبه نقلاً أو تخريجاً، ويعتمد على ما يقوله في جميع ذلك. انتهى كلام القرافي مع تغيير يسير في الحالة الثانية وإسقاط كثير من كلامه فيها؛ لأنه أسهب فيها غاية الإسهاب وله في التنبيه الثامن من السؤال الأربعين من كتاب الأحكام نحو ما ذكر في الحالة الثانية.”

نصوص منتقاة من “كتاب نور البصر شرح خطبة المختصر”، للعلامة أبي العباس سيدي أحمد بن عبد العزيز الهلالي الفلالي.

 النسختان المعتمدتان:

1-  طبعة حجرية بدون تاريخ، ص132 وما يليها.

2-  طبعة دار يوسف بن تاشفين – الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ومكتبة الإمام مالك- الإمارات العربية المتحدة. ط.1:(1428هـ-2007م). مراجعة وتصحيح: محمد محمود ولد محمد الأمين.  ص. (119-121).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق