مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

شروط الإفتاء (1)

 

شروط الإفتاء (1)

 

يقول العلامة أبو العباس سيدي أحمد بن عبد العزيز الهلالي (ت1175هـ)

مُبيناً شروط الإفتاء:

   

يشترط في المفتي أن يكون عدلاً عارفاً، أما شرط العدالة فلئلا يرتكب ما لا تجوز الفتوى به قصداً أو تساهلاً، فالقصد أن يتعمد ذلك لغرض فاسد كقصد ضرر أحد الخصمين، أوقصد نفع الآخر لعداوة أو صداقة، أو ليحصل له بذلك نفع من أجرة يأخذها فيدخل في قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ[1]، أو ليكتسب جاها عند سلطان مثلا بالترخيص له وما أشبه ذلك، فهو من نمط ما قبله.

والتساهل أن لا يتثبت فيُفتي بلا إمعان نظر في المسألة، إما لاعتقاده أن السرعة براعة وفضيلة لدلالتها على الاستحضار، وأن البطء عجز ونقص لدلالته على ضد ذلك، ولم يشعر المسكين أن الفضيلة هي التثبت في دين الله، والتأني لئلا يتقول على الله في دينه، ولأن يبطئ ولا يخطئ أجمل به من أن يَضل ويُضل.

 وإما لشهوة تحمله على الإسراع وهوى يُعميه عن الصواب فيرى غيره صواباً، وفي الحديث: “حبك الشيء يعمي ويصم” وقال الشاعر:

إنما تنتج المقالة في المر            ء إذا صادفت هوى في الفؤاد

وأما شرط المعرفة فلأن المطلوب من المفتي بيان الحق الذي هو الحكم الشرعي في العبادة أو المعاملة، والجاهل أعمى عنه ضال عن طريقه، والضال عن الطريق كيف يُطلَب منه أن يهدي الناس إليها، وفي الحديث: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأَضلّوا” أخرجه الشيخان والترمذي.

 وربما ظن الجاهل نفسه وظنه الجهال عالماً لكونه يتلقف بعض الجزئيات من بعض كتب النوازل من غير أن يأخذها عن عالم، ولا يفهم المراد منها ولا عنده من الآلات ما يمكنه التصرف به فيها وتطبيقها على نازلته، ولا يعرف صحة نقلها فيتصدر للفتوى وهو في الحقيقة مساوٍ للذين يستفتونه في الجهل وربما كان فيهم من هو أفهم منه، وإنما تميز عنهم بما رأوا عنده من الكتب.

 وفي نوازل سيدي عبد  الرحمان الفاسي ما نصه: “وقد أفتى أئمة المذهب كالقابسي واللخمي وابن رشد بأنه لا تجوز الفتوى من الكتب المشهورة لمن لم يقرأها على الشيوخ فضلا عن الغريبة”.اهـ.

ولله درّ القائل:

إذا لم يذاكر ذو العلوم بعلمه                   ولم يستفد علماً نسي ما تعلما

 وكم جامع للكتْب في كل مذهب                يزيد على الأيام في جمعها عمى

وقال آخر:

لا تحسبن بالكُتْب مثلنا ستصير           فللدجاجة ريش لكنّها لا تطير

وقال أبو حيان:

أمدّعيا علماً وليس بقارئ                        كتاباً على شيخ به يسهُل الحَزْن

أتزعم أن الذهن يوضح مشكلاً                بلا موضح كلا فقد كذب الذّهن

وإن الذي تبغيه دون معلم                      كموقد مصباح وليس له دُهن

وقال أيضاً:

يظن الغمر أن الكتب تهدي                            أخا فهمٍ لإدراك العلوم

وما يدري الجَهول بأن فيها                        غوامض حيرت عقل الفهيم

إذا رمت العلوم بغير شيخ                       ضللت عن الصراط المستقيم

وتلتبس الأمور عليك حتى                   تكون أضل من (توما) الحكيم

وكان (توما) هذايدعي الطب ويعتقد في نفسه أنه طبيب حكيم، فقال فيه بعضهم:

      قال حمار الحكيم (توما)                              لو أنصفوني ما كنتُ أُركب

لأنني جاهل بسيط                                        وراكبي جاهل مركّب

وقال ابن العريف:

من لا يشافه عالماً بأصوله           فيقينه في المشكلات ظنون

الكتب تذكرة لمن هو عالم              وصوابها بمجالها معجون

والفكر غواص عليه ومخرج           والحق فيها لؤلؤ مكنون

 

نصوص منتقاة من “كتاب نور البصر شرح خطبة المختصر”، للعلامة أبي العباس سيدي أحمد بن عبد العزيز الهلالي الفلالي.

 النسختان المعتمدتان:

1-  طبعة حجرية بدون تاريخ، ص132 وما يليها.

2-  طبعة دار يوسف بن تاشفين الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ومكتبة الإمام مالك- الإمارات العربية المتحدة. ط.1:(1428هـ-2007م). مراجعة وتصحيح: محمد محمود ولد محمد الأمين.  ص. (115-117).

 

 

 


[1] – سورة البقرة، الآية: 78.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق