مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

شرح “موجز البلاغة” للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (الحلقة السابعة)

قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ :” حمدا لله الذي أنطق البلغاء، وفضل النبغاء..”.
قلت: أصل النطق: كل لفظ يعبر به عما في الضمير مفردا كان أو مركبا. وسمي بذلك لأن حقيقتَه اللفظ الذي هو كالنطاق للمعنى في ضمه وحصره له. وقد يطلق على غير الأصل على التشبيه أو التبع، فيطلق لكل ما يصوت به، ويطلق على ما نُطقه بالاعتبار ولسان الحال. وفي بعض ذلك قال العاملي في “الكشكول”:” كل ما دل على شيء فهو ناطق عنه، وإن لم يكن الصوتَ المسموع، وعلى هذا ما نقل عن حكيم أنه سئل: ما الناطق الصامت؟. فقال:” الدلائل المخبرة، والعبر الواعظة”.
وقد ذهب بعض أهل العلم أن من هذا الباب قولَه تعالى على لسان سليمان ـ عليه السلام ـ:”وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير”،النمل/16 وقولَه سبحانه:”وقالوا لجلودهم: لم شهدتم علينا؟. قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء”. فصلت/20.

 

في معنى قوله:”أنطق البلغاء، وفضل النبغاء..”


قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ :” حمدا لله الذي أنطق البلغاء، وفضل النبغاء..”.

قلت: أصل النطق: كل لفظ يعبر به عما في الضمير مفردا كان أو مركبا. وسمي بذلك لأن حقيقتَه اللفظ الذي هو كالنطاق للمعنى في ضمه وحصره له. وقد يطلق على غير الأصل على التشبيه أو التبع، فيطلق لكل ما يصوت به، ويطلق على ما نُطقه بالاعتبار ولسان الحال. وفي بعض ذلك قال العاملي في “الكشكول”:” كل ما دل على شيء فهو ناطق عنه، وإن لم يكن الصوتَ المسموع، وعلى هذا ما نقل عن حكيم أنه سئل: ما الناطق الصامت؟. فقال:” الدلائل المخبرة، والعبر الواعظة”.

وقد ذهب بعض أهل العلم أن من هذا الباب قولَه تعالى على لسان سليمان ـ عليه السلام ـ:”وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير”،النمل/16 وقولَه سبحانه:“وقالوا لجلودهم: لم شهدتم علينا؟. قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء”. فصلت/20.

وعلى هذا فالنطق أعم من الكلام، بالاعتبار النحوي، لا بغيره من الاعتبارات، لأن النحاة يشترطون في الكلام اللفظُ،.فاستعماله أقرب إلى عدم إسقاط التعريف النحوي من الاعتبار. إذ من البلاغة ما يكون إيماء، ومنها ما يكون إشارة، ومنها ما يكون صمتا. وليس كل هذا يشمله الكلام، والنطق يشمله. وأيضا فإن مدار هذه الكلمة على البلاغة والفصاحة، وليس كذلك الكلام. فإنهم يقولون: كتاب ناطق أي بين، على المثل، كأنه ينطق. والوضوح من مراتب البلاغة وعلاماتها. ويقولون: رجل منطيق. أي: بليغ. ومن ذلك ما أنشده ثعلب لذي الرمة أو لحُميد بن ثور الهلالي:

والنومُ ينتزعُ العصا من رَبّها          ويلوكُ ثِنْيَ لسانه المِنْطِيقُ.

ولهذا لما ذكر الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ البلغاء، قال: أنطق، ولما ذكر النبغاء، قال: فضل. إذ النبوغ مرتبة من مراتب البلاغة. وأصل هذه الكلمة: الظهور. ومن ذلك النوابغ من الشعراء. وهم جماعة من الشعراء ظهروا في الشعر ونبغوا فيه. فسمي كل واحد منهم: نابغة. والهاء هنا للمبالغة. ذكر منهم الآمدي ـ رحمه الله تعالى ـ في المؤتلف والمختلف جماعة منهم: 

النابغة الذبياني. ولقب بهذا اللقب رجلان، أشهرهما زياد بن معاوية، وهو أحد شعراء المعلقات. وثانيهما: نابغة بني قتال بن يربوع, وهذا قد درس شعره، وذهب.

ومنهم النابغة التغلبي، والنابغة العَدْواني، والنابغة الغنوي، والنابغة الشيباني، والنابغة الحارثي، والنابغة الجعدي. 

وإليهم يشير الفرزدق بقوله:

وهب القصائدَ لي النوابغُ إذ مضوا          وأبو يزيدَ وذو القروح وجرول.

فالنوابغ هم من ذكرت، وأبو يزيد: المخبل السعدي، وذو القروح: امرؤ القيس، وجرول: الحطيئة.

وقد اجتهد ابن رشيق ـ رحمه الله تعالى ـ فزعم أن الجعدي واسمه قيس بن عبد الله سمي نابغة لأنه نبغ بالشعر بعد أربعين سنة، وأن الذبياني زياد بن معاوية، سمي نابغة لقوله:

وحلَّتْ في بني القين بنِ جَسْرٍ          وقد نبغتْ لنا منهم شؤونُ

ولا أرى وجها لهذه التفرقة إلا إرادة الجمع بين الأقوال، والتصديق بكلها. وإلا فإن أصل اللفظ دال على المقصود منه. ولك أن تفرع بعد ذلك أوجه النبوغ جامعا بين الأقوال ـ إن شئت ـ دون أن ينقض بعضها بعضا، أو يميز شاعر عن غيره في ذكر سبب التسمية. وهذه الأقوال هي: أن النبوغ هنا دال على الشهرة، وسيرورة الشعر، أو إنه دال على قول الشعر على كبر، أو إنه دال على أنه لم يكن في إرث الشاعر شعر، ولم يعرف به أحد من أهل بيته، ثم قال وأجاد.

الدكتور محمد الحافظ الروسي

  • رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق