مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

شرح “موجز البلاغة”للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (الحلقة الحادية عشرة)

 

مختصر سعد التفتازاني
                   قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ :”.. وهي زبدة مستخلصة من تحقيقات المطول والمفتاح يحتسُونها قبل إبانها، ثم يتناولون مختصر التفتازاني قبل أن يأخذوا شيئا من علم المعاني، وفي ابتدائهم شوطٌ، وفي انتقالهم طفرةٌ”.
قلت: قوله “زبدة مستخلصة”، فيه مجاز. والمقصود أن ما في الرسالة السمرقندية هو صفو ما في “المطول” و”المفتاح”.
والمقصود بالتحقيقات هنا إثبات دليل المسائل مطلقا. فإذا أرادوا التعبير عن إثبات دليل المسألة على وجه فيه دقة، عبروا عنها بالتدقيقات. ولا يستعمل التحقيق إلا في المعنى، كما لا يستعمل التهذيب إلا في اللفظ.
وفي قوله: يحتسونها، إشارة إلى جملة من المعاني، هي: قلة الأخذ، والتمهل في العمل، وشدة الطلب. لأن الاحتساء: نَبْثُ التراب لخروج الماء، وهو العمل في مهلة. فإنَّ احتساه كتحَسَّاه. والتحسي: عملٌ في مهلةٍ. فالإشارة هنا إلى ضعف ما يحصلونه وقلته.

مختصر سعد التفتازاني

قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ :”.. وهي زبدة مستخلصة من تحقيقات المطول والمفتاح يحتسُونها قبل إبانها، ثم يتناولون مختصر التفتازاني قبل أن يأخذوا شيئا من علم المعاني، وفي ابتدائهم شوطٌ، وفي انتقالهم طفرةٌ”.

قلت: قوله “زبدة مستخلصة”، فيه مجاز. والمقصود أن ما في الرسالة السمرقندية هو صفو ما في “المطول” و”المفتاح”.

والمقصود بالتحقيقات هنا إثبات دليل المسائل مطلقا. فإذا أرادوا التعبير عن إثبات دليل المسألة على وجه فيه دقة، عبروا عنها بالتدقيقات. ولا يستعمل التحقيق إلا في المعنى، كما لا يستعمل التهذيب إلا في اللفظ.

وفي قوله: يحتسونها، إشارة إلى جملة من المعاني، هي: قلة الأخذ، والتمهل في العمل، وشدة الطلب. لأن الاحتساء: نَبْثُ التراب لخروج الماء، وهو العمل في مهلة. فإنَّ احتساه كتحَسَّاه. والتحسي: عملٌ في مهلةٍ. فالإشارة هنا إلى ضعف ما يحصلونه وقلته.

وإبان كل شيء: وقته وحينه الذي يكون فيه. ومعنى ذلك أنهم قدموا في الطلب ما كان حقه أن يؤخر. وهي رسالة السمرقندي.

قال:”..ثم يتناولون مختصر التفتازاني..”. أي: يتعاطون مختصر التفتازاني. وهو شرحه الصغير على “تلخيص المفتاح”. وكان إتمامه له سنة: 756 هـ، وذلك بعد سنوات قلائلَ من فراغه من الشرح الكبير، وهو “المطول”. إذ كان فراغه منه سنة: 748 هـ. فالأول هو مختصر للشرح الثاني. وقد كتب محمد بن عرفة الدسوقي (ت: 1232 هـ) على هذا المختصر حاشية، وهي مشهورة معروفة.

وقوله: “قبل أن يأخذوا شيئا من علم المعاني، وفي ابتدائهم شوط، وفي انتقالهم طفرة..”. يقصد به أن الرسالة السمرقندية في البيان، وليس فيها شيء من علم المعاني، ولذلك فإن قراءتهم لها لا تنفعهم في تحصيل مسائل هذا العلم، فإنهم إنما يبدؤون في قراءته من “مختصر التفتازاني”، وفي ذلك من الصعوبة ما لا يخفى.

فهم لم يبدؤوا من حيث ينبغي لهم أن يبدؤوا، بل تركوا شوطا، وانتقلوا إلى الذي يليه. والأصل في الشوط: مسافةٌ من الأرض يعدوها الفرسُ، كالميدان ونحوه. ثم تُوُسِّعَ في استعمالها على سبيل المجاز.

وفيه معنى آخر يحتمله الكلام، ولا أرى الشيخ قصده، وهو: ترك التثبت. لأن أصل وضع الشوط في مُضِيٍّ في غير تثبتٍ ولا في حقٍّ. ولذلك كره جماعة من الفقهاء أن يقال لطَوْفَاتِ الطواف: أشواطٌ. لأن الشوطَ باطلٌ، والطوافَ بالبيت من الباقيات الصالحات.

والطفرة: الوثبة. أي إن انتقالهم إلى “مختصر السعد” فيه ترك لكتب أخرى يحتاج أن ينظر فيها المبتدئ قبل أن يعرج على مثل هذا الكتاب.

قال:” فرأيت أن أضع لهم مختصرا وجيزا يُلِمُّ بمهمات علم البلاغة ليكون لهم كالمقدمة لمزاولة دروس مختصر التفتازاني، ووضعته وضع من يقصد إلى تثقيف طلبة هذا العلم بالمسائل النافعة المجردة عن المباحث الطفيفة في فنون البلاغة الثلاثة..”.

أشار هنا إلى منهجه في مختصره، وهو عدم التعمق في المسائل، مما لا ينفع المبتدئ في هذا العلم. وهو قوله: يلم بمهمات علم البلاغة. فإن قولهم: ألم بالأمر معناه أنه لم يتعمق فيه. واقتصاره على المهمات فيه ترك لقضايا الخلاف، وجزئيات المسائل وتفريعاتها. وبذلك فهو يصلح مقدمة، تقوم مقام الرسالة السمرقندية التي كانوا يبدؤون بها، ينتقلون بعدها لمختصر السعد، رحمه الله تعالى.

الدكتور محمد الحافظ الروسي

  • رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق