مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

شرح “موجز البلاغة”للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (الحلقة العاشرة)

قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ:”.. إذ يبتدؤون بمزاولة رسالة الاستعارات لأبي القاسم الليثي السمرقندي، وهي زبدة مستخلصة من تحقيقات المطول والمفتاح، يحتسونها قبل إبانها، ثم يتناولون مختصر التفتازاني قبل أن يأخذوا شيئا من علم المعاني، وفي ابتدائهم شوطٌ، وفي انتقالهم طفرة..”.
قلت: يقصد بالمطول كتاب المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم لسعد الدين التفتازاني (ت: 791 أو 792 هـ). وقد كان السعد ـ رحمه الله تعالى ـ ممن قرأ الدلائل والأسرار قراءة قال عنها:” فقد تناهيتُ في تصفحهما غايةَ الوسع والطاقة”، فأورثه ذلك حسن فهم كلام الشيخ، ونظر في المفتاح والإيضاح فحل أكثر غوامضهما. وكان الرجل محبا للتحقيق، كارها للتقليد، فخالف بذلك المتأخرين في مسائل. ونبه على نكت ذكر أنه اهتدى إليها بنور التوفيق. ومن أمثلة ما خالف فيه المتأخرين، منتصرا لعبد القاهر، ذهابه مذهبه في أن من المجاز العقلي قسمٌ يُسند فيه الفعل إلى فاعله المجازي ابتداءً من غير أن يكون له فاعل حقيقي. فإسناد الزيادة إلى الوجه في قول القائل: يزيدك وجهه حسنا، مجاز، لأن الوجه لا يزيد في الحقيقة، وإن لم يكن للفعل: يزيد، فاعل حقيقي يمكن تقديره. ورأي الرازي في “نهاية الإيجاز”، والسكاكي في “المفتاح”، والقزويني في ” التلخيص”، ومن تبعهم من المتأخرين، أن التقدير هو: يزيدك الله. وعلى هذا فعندهم أن الشيخ عبد القاهر لم يدرك الفاعل الحقيقي، وهو الله سبحانه وتعالى. وهذا كلام قال عنه السعد ـ رحمه الله تعالى ـ :” وفي ظني أن هذا تكلف، والحق ما ذكره الشيخ”. 

 

قول المؤلف “تحقيقات المطول والمفتاح”


قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ:”.. إذ يبتدؤون بمزاولة رسالة الاستعارات لأبي القاسم الليثي السمرقندي، وهي زبدة مستخلصة من تحقيقات المطول والمفتاح، يحتسونها قبل إبانها، ثم يتناولون مختصر التفتازاني قبل أن يأخذوا شيئا من علم المعاني، وفي ابتدائهم شوطٌ، وفي انتقالهم طفرة..”.

 قلت: يقصد بالمطول كتاب المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم لسعد الدين التفتازاني (ت: 791 أو 792 هـ). وقد كان السعد ـ رحمه الله تعالى ـ ممن قرأ الدلائل والأسرار قراءة قال عنها:” فقد تناهيتُ في تصفحهما غايةَ الوسع والطاقة”، فأورثه ذلك حسن فهم كلام الشيخ، ونظر في المفتاح والإيضاح فحل أكثر غوامضهما. وكان الرجل محبا للتحقيق، كارها للتقليد، فخالف بذلك المتأخرين في مسائل.

ونبه على نكت ذكر أنه اهتدى إليها بنور التوفيق. ومن أمثلة ما خالف فيه المتأخرين، منتصرا لعبد القاهر، ذهابه مذهبه في أن من المجاز العقلي قسمٌ يُسند فيه الفعل إلى فاعله المجازي ابتداءً من غير أن يكون له فاعل حقيقي. فإسناد الزيادة إلى الوجه في قول القائل: يزيدك وجهه حسنا، مجاز، لأن الوجه لا يزيد في الحقيقة، وإن لم يكن للفعل: يزيد، فاعل حقيقي يمكن تقديره.

ورأي الرازي في “نهاية الإيجاز”، والسكاكي في “المفتاح”، والقزويني في ” التلخيص”، ومن تبعهم من المتأخرين، أن التقدير هو: يزيدك الله. وعلى هذا فعندهم أن الشيخ عبد القاهر لم يدرك الفاعل الحقيقي، وهو الله سبحانه وتعالى. وهذا كلام قال عنه السعد ـ رحمه الله تعالى ـ :” وفي ظني أن هذا تكلف، والحق ما ذكره الشيخ”.

وقد اهتم المتأخرون بهذا الكتاب لما فيه من تحقيقات. فكتبوا عليه حواشي، منها حاشية الفقيه عبد الحكيم بن شمس الدين السيالكوتي الهندي الحنفي(ت: 1067 هـ)، وقبله كتب الشريف الجرجاني(ت: 816 هـ) حاشية على هذا الكتاب. غير أن الشريف لم يكن منصفا كل الإنصاف في تعقبه على السعد، وذلك لمناظرات وقعت بينهما، من أشهرها تلك التي ألف فيها طاشْ كُبْرِي زاده (ت: 968 هـ) رسالته: الإنصاف في مشاجرة الأسلاف في اجتماع الاستعارتين التبعية والتمثيلية. وهي مطبوعة معروفة. وذلك أن السعد جوز اجتماع التبعية والتمثيلية في قوله تعالى: “أولئك على هدى من ربهم”، ومنع الجرجاني ذلك الاجتماع بين الاستعارتين فيها. وقد ظهر أثر ذلك فيما كتبه السيد، حتى قال المقريزي في “درر العقود الفريدة” عند ذكر تصانيف السعد:” وتعقبَ الكثيرَ منها الشريفُ الجرجاني وغيره، وغالب ما يُتعقب عليه لا يخلو من تعسف”. وقال الفناري (ت: 884 هـ) في حاشيته على المطول:” فإطباق المحشي(يقصد السيد) على الطعن في الشارح (ويعني: السعد)، لا يُلتفت إليه”. 

وللسعد استدراكات على الخطيب جمعها د. أحمد هنداوي هلال في كتاب تحت عنوان :”استدراكات السعد على الخطيب في المطول: دراسة بلاغية تحليلية”. وقد يتجاوز ذلك للاستدراك على عبد القاهر وعلى السكاكي، وقد يحرر ما أشكل من كلامهما، مصرحا بذلك أحيانا، وغير مصرح أحيانا أخرى. ويُنصح لطالب العلم، إذا أراد أن يتتبع هذه المسائل أن يعود إلى كتاب ضياء الدين القالِش الذي سماه: التفتازاني وآراؤه البلاغية. 

وإلى هذه التحقيقات يشير المؤلف بقوله:” مستخلصة من تحقيقات المطول..”.

ويكفي في وصف السعد شهادة ابن خلدون ـ رحمه الله تعالى ـ له في مقدمته بالرسوخ في علم البيان، وعلم الكلام، وعلم الأصول، وما قاله عنه ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في “الدرر الكامنة”، إذ ذكر أنه ” قد انتهت إليه معرفة علوم البلاغة والمعقول بالمشرق، بل بسائر الأمصار”، ثم قال” ولم يكن له نظير في معرفة هذه العلوم”.

وذكر المؤلف” المفتاح”، وهو كتاب “مفتاح العلوم” لأبي يعقوبَ يوسفَ السكاكيِّ ( ت: 626 هـ). والمقصود القسم الثالث منه، وهو القسم الخاص بالمعاني والبيان. ذلك أن السكاكي جعل كتابه أقساماً، فقسم في الصرف، وقسم في النحو، وقسم في المعاني والبيان، وقسم في علم الاستدلال، وقسم في العروض والقافية. غير أن الذي شغل العلماءَ هو القسم الثالث. وإن كان السكاكي يرى أن تكملة “علم المعاني”، وهي تتبعُ خواصِّ تراكيب الكلام، في الاستدلال. فهو عنده جزء عظيم النفع من أجزاء علم المعاني. بل إنه كان يرى أن الاستعارة والكناية وغيرهما من مسائل علم البيان أقيسةٌ منطقيةٌ وإلزاماتٌ يستعملها المتكلمون لإقناع المخاطبين بما يريدون إثباته أو نفيه من نظريات وآراء.

الدكتور محمد الحافظ الروسي

  • رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق