مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

شرح حديث قول النبي ﷺ: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه للفاطمي الشرادي

 

 

 

                                                                                         إنجاز: عبد الفتاح مغفور*

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،

وعلى آله وصحابته الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد؛

جرت عادت العلماء أن يشرحوا حديثا، أو أكثر وإفراده بالتأليف، ويسمى: تقييدا، وخاصة منها الأحاديث المتعلقة بالأحكام الفقهية، فيكون ذلك الشرح  حافلا بالاستنباطات الفقهية المهمة، والتحقيقات الدقيقة، والنقول المفيدة، والفوائد العديدة. وشرح الحديث الذي بين أيدينا ينتمي إلى هذا الفن من التأليف.

ولصغر جرم هذا التقييد ارتأيت أن أنشره مقالا، ذلك أني قسمت الاشتغال عليه إلى قسمين: الأول: تعريف  موجز بالمقيِّد، والتقييد، والثاني: ضبط النص، والتعليق عليه.

القسم الأول: تعريف  موجز بالمقيِّد، والتقييد

أولا: تعريف موجز بالمقيِّد[1]:

1- اسمه، ونسبه، ونسبته ولقبه: هو: الفاطمي بن المقدم محمد  بن حمادي الفاسي، يعرف فريقه بالشرادي  بوعصا[2]. 

2- مولده ونشأته: ولد عام ( 1285هـ )، بفاس، وبها أخذ العلم عن جماعة من العلماء.

3- شيوخه: تخرج الفاطمي بن محمد الشرادي على يد كبار شيوخ عصره، منهم: أحمد بن محمد  ابن الخياط،  وعن الشيخ عبد السلام  بن محمد الهواري، وعن الشيخ  عبد الله  ابن الشيخ  إدريس البدرواي  الحسني، وعن الشيخ عبد المالك بن محمد العلوي الضرير،  وعن الشيخ عبد الله الكامل الأمراني الحسني، وعن الشيخ أحمد بن الطالب ابن سودة الجد، وعن الشيخ محمد بن جعفر الكتاني  الحسني، وغيرهم[3].

4- تلاميذه: تخرج عليه نخبة من العلماء منهم: أبو الشتاء بن الحسن الصنهاجي الغازي[4]، ومحمد بن الحسن الصنهاجي، وعبد الرحمن مولاي الكبير بن زيدان، ومحمد بن محمد بن سعيد المكناسي، وأحمد بن عبد القادر الفاسي، ومحمد بن محمد بن عبد القادر المدعو قدور العبادي، محمد بن الطيب بن محمد الصبيحي السلاوي، أحمد بن بنعاشر بن عبد النبي السلاوي، وغير هؤلاء الأعلام[5].

4- وظائفه: من المهام التي تولاها العلامة الفاطمي بن محمد الشرادي،  القضاء بمدينة  تارودانت مدة. ثم رجع إلى فاس، فأسندت إليه في آخر عمره عضوية المجلس العلمي  بالقرويين بعد رجوعه من القضاء، وكان  أيضا خطيب جامع المنية،  وزاول  مهنة التدريس والتربية، فأجاد وأفاد فيها، وكان أكثر إقرائه لمختصر خليل وألفية ابن مالك[6].
5- مؤلفاته[7]: ألف  العلامة الفاطمي بن محمد الشرادي  مؤلفات عديدة، أذكر منها إجمالا:

النسيم الصيفي والروح اليوسفي، وحاشية على الشيخ التاودي على التحفة، وشرح على ألفية بن مالك، وتأليف في الذكاة، وتسهيل النجعة بمراتب الشفعة، ووردة الدهان في أحكام الرهان، ومسائل النحلة، وتشنيف السمع في حكم السبع، وتقييد في نوني التوكيد وغيرها.

6- منزلته العلمية: علامة، مشارك، كثير التدريس والإفادة، المطلع، المحصل. هكذا حلاه المؤرخ الثبت عبد السلام ابن سودة في إتحاف المطالع بوفيات أهل القرن الثالث عشر والرابع[8]، في النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال[9].

7- وفاته: توفي مترجمنا بفاس يوم الأربعاء 19 صفر الخير عام 1344 هـ الموافق لـ 8 شتنبر 1925م، ودفن إلى جانب شيخه أحمد بن الخياط في زاوية سيدي يحيى الزكاري بحي الرميلة بفاس[10].

ثانيا: تعريف موجز بالتقييد:

تقدم أن الفاطمي بن محمد الشرادي ترك  مؤلفات عديدة أغلبها في الفقه المالكي، طبع بعضها والآخر لا زال مخطوطا في الخزائن الوطنية، ومن التقاييد التي لا زالت مخطوطة: تقييد على قول النبي ﷺ: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) [11] بين خلاله رحمه الله مفهوم الإكراه، وأنواعه والأحكام الفقهية المتعلقة به في الفقه المالكي،  كما أنه  استخرج منه  فوائد  جليلة القدر عظيمة النفع.

ودراسة موضوع الإكراه في الشريعة الإسلامية،  وبيان أحكامه، وخطورة  أثره على الناس له أهمية كبيرة في شريعتنا السمحة؛ لأن الإكراه يعدم الرضا والاختيار اللذين هما شرط التكليف عند العلماء.

القسم الثاني: ضبط النص، والتعليق عليه

بسم الله الرحمن الرحيم   وصلى الله على سيدنا  محمد وآله.

الحمد لله والصلاة  والسلام على مولانا  رسول الله صلى عليه وسلم،  اعلم أن الإكراه: وهو إلزام الغير للإنسان أمرا جبرا عليه، هل يلزمه  ما أكره عليه أولا؟  وعلى الثاني: هل على إطلاقه  أو مع تفصيل ؟ ظاهر الحديث الشريف  في قوله صلى الله عليه وسلم: /2/ (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)[12]  الإطلاق بمعنى  أن المكرَه لا يكلف بشيء كالمجنُون والمغمى عليه،  وعلىه قول الأصوليين، كما في السبكي[13]: والصواب امتناع تكليف الغافل  والملجَأ، وكَذَا المكرَه على الصحيح. ومنه قوله  مسألة: لا تكليف إلا بفعل  أي: اختياري. ومعنى الحديث الشريف: رفع عن أمتي المؤاخذة بالخطأ  والنسيان، لا رفع وقوعها فإنها واقعة.

وأما قوله تعالى: (ربنا لا تؤخذنا إن نسينا أو أخطأنا)[14]، فقد وقع فيه  طلب عدم المؤاخذة،   مع إخباره  صلى الله عليه وسلم، برفع الله بها عن الأمة، وأجيب  بأن الطلب تعبد وتضرع  وشكر، فلا ينافي إخباره صلى الله عليه وسلم برفع المؤاخذة، هذه أحد الأجوبة  عن الآية أنظر  التفسير.

وقيل معنى الحديث:  “رفع أمتي الخطأ“، أي: إثمه  لا حكمه؛  إذ حكمه من الضمان  لا يرتفع،  والنسيان  كذلك ما لم يتعاط سببه حتى فوت الواجب، فإنه يأثم، وما استكرهوا عليه في غير الزِّنى  والقتل؛ إذ لا يباحان في الإكراه  قاله المناوي في شرحه  للجامع  الصغير[15].

 وللفقهاء رضي الله عنهم  في الإكراه  تفصيل، ومحصله أن الإكراه، إما أن يكون على النطق  بقول يمينا،  أو طلاقا، أو عتاقا، أو إقرارا  ونحو ذلك من المعاملات والتبرعات. وإما أن يكون على فعل في نفسه، أو في غيره  تعلق به  حق المخلوق أم لا؟  فالإكراه على الأيمان  والطلاق والعتاق ونحوها، هو الإكراه على الأقوال، والإكراه على الحنث  إكراه على الأقوال والأفعال  وإن كانت الأيمان اختيارية، فمعنى /3/ أكره على كذا أكره على إنشاء  عقده  يمينا، أو طلاقا، والصيغة إما أن تكون صيغة حنث  وهي لأفعلن ، أو إن لم أفعل  أو صيغة  بر وهي  إن  فعلت، أو لا فعلت، وقد تقدم قول المصنف  والمنعقدة على بر بأن فعلت،  أو  لا فعلت، أو حنث  بلأفعلن، أو إن لم أفعل  إن لم يؤجل  وفيهما  يقول سيدي علي الأجهوري[16]: البر إن فعلت.

وأما الإكراه  على الفعل فتارة  يكون الفعل المكره عليه حنثا  من يمين منعقدة  في حالة الاختيار  إكراه على الحنث فيها، وتارة  يكون فعلا لا تعلق للأيمان  به،  كقتل وزنى ونحو ذلك وله تفصيل آخر، والمكره به الذي وقع  من أجله الخوف إما قتل، وإما دونه من مؤلم ضرب أو سجن، أو قيد، أو صفع لذي مروءة، أو أخذ مال.

 فالصور أربع: المكره  عليه قول  ودخلت فيه العقود وغيرها. وإما فعل قتل أو زنى أو  ضرب أوشرب خمر وغير ذلك. والمكره  به  إما قتل أو خوف  مؤلم غير قتل  مما تقدم.

 فالشيخ خليل  رضي الله عنه سوى بين الإكراه  على الأقوال،  والإكراه على الأفعال في عدم المؤاخذة،  وعدم اللزوم  كان الإكراه  بخوف مؤلم  من ضرْب،  أو سجن،  أو قيد، أو صفع،  لذي مروءة، وأحرى بقتل.

 قال رضي الله عنه  مخرجا من اللزوم : “لا إن أكره  ولو  بكتقويم جزء العبد ، أو في فعل  إلا أن يترك  التورية  مع معرفتها  بخوف مؤلم:  من قتل أو ضرب  أو سجن /4/ أو قيد  أو صفع  لذي مروءة  بملأ، أو قتل  ولده، أو لماله وهل  إن كثر؟ تردد لا أجنبي  وأُمِرَ بالحلف  ليسلم، وكذا العتق  والنكاح  والإقرار واليمين  ونحوه”[17] هـ. قاله وكتبه أفقر الورى  إلى مولاه الفاطمي  بن محمد الشرادي  لطف الله به.

*****************

جريدة المصادر والمراجع:

1.إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع لعبد السلام بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن الطالب بن محمد -فتحا- ابن سودة (ت 1400هـ)، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1417 هـ – 1997 م.

2.الأعلام لخير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي، دار العلم للملايين ط5 – أيار / مايو 2002 م.

3.البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير لعمر بن علي بن أحمد ابن الملقن الشافعي المصري، تحقيق: مصطفى أبو الغيط و عبدالله بن سليمان وياسر بن كمال، دار الهجرة للنشر والتوزيع – الرياض-السعودية، ط1- 1425هـ-2004م.

4.التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لأحمد بن علي بن محمد ابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، ط1- 1419هـ-1989م.

5.التنوير شرح الجامع الصغير لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق محمَّد إسحاق محمَّد إبراهيم.مكتبة دار السلام، الرياض ط1، 1432 هـ ـ 2011 م.

6.سل النصال للنضال بالأشياخ، وأهل الكمال (فهرس الشيوخ) لعبد السلام عبد القادر بن سودة. تحقيق محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، ط1 ـ 1417هـ- 1997م.

7.السنن الكبرى لأحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبي بكر البيهقي (ت: 458هـ)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان  ط2  1424 هـ ـ 2003 م.

8.السنن لابن ماجه أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تحقيق  شعيب الأرنؤوط ـ  عادل مرشد ـ محمَّد كامل قره بللي ـ عَبد اللّطيف حرز الله دار الرسالة العالمية ط1 1430 هـ ـ 2009 م.

9.شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد بن عمر بن علي ابن سالم مخلوف (ت: 1360هـ) اعتناء: عبد المجيد خيالي دار الكتب العلمية، لبنان ط1، 1424 هـ – 2003 م

10.الضعفاء الكبير لأبي  جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي المكي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي دار المكتبة العلمية ـ بيروت ط1، 1404هـ ـ 1984م.

11.اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة (التذكرة في الأحاديث المشتهرة) لبدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، 1406 هـ – 1986م

12.مختصر خليل بن إسحاق بن موسى، ضياء الدين الجندي المالكي المصري، تحقيق:  أحمد جاد، دار الحديث/القاهرة ط1، 1426هـ/2005م.

هوامش المقال:

***************

[1] ـ أنظر ترجمته في إتحاف المطالع لابن سودة( 2/ 440) سل النصال، للمؤلف نفسه(35). معلمة المغرب(16/ 5324). معجم المطبوعات المغربية، للقيطوني( 188-189 ).  موسوعة أعلام المغرب (8/ 2974).

 [2]   سل النصال للنضال(ص: 35) معلمة المغرب 16/ 5324

[3]  سل النصال للنضال(ص: 35)

[4]  سل النصال للنضال(ص: 35)

[5]  رتبتهم حسب الذكر في سل النصال (ص: 119-123-125-138-187-199-207-214)

[6]  سل النصال (ص: 35)، معلمة المغرب  (16/ 5324).

 [7] معظم مؤلفات الفقيه الفاطمي في الفقه المالكي، وهي صغيرة الحجم في عمومها طبعت  تقريبا كلها  على الحجر بفاس.انظر سل النصال (ص: 35).

[8]  اتحاف المطالع(2 /440).

[9]  سل النصال للنضال(ص:35)

[10]  سل النصال للنضال(ص:35)، معلمة المغرب  (16/ 5324)، اتحاف المطالع(2 /440)

[11]  في مجموع من ص:511 إلى 513.تحت رقم:2892د بالمكتبة الوطنية، خطه مغربي لا بأس به.

[12]  أخرجه ابن ماجه ، كتاب الطلاق: باب طلاق المكره والناسي حديث (2045)،   (3 /201)، والعقيلي في “الضعفاء”  رقم : (1710)، (4 /145) والبيهقي  في  كتاب الطلاق: باب ما جاء في طلاق المكره. رقم: (15094)، (7 /584). وقد تكلم على هذا الحديث غير واحد من العلماء، أذكر منهم على سبيل الاختصار: ابن حجر العسقلاني في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (671_674)، وابن الملقن في البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير (4/177_183)، وبدر الدين الزركشي في اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة المعروف بالتذكرة في الأحاديث المشتهرة (ص: 63_65) فلينظر تعليقهم على الحديث سندا ومتنا.

[13]  أبو نصر: عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، قاضي القضاة، المؤرخ، الباحث. من تصانيفه: “طبقات الشافعية الكبرى”و”جمع الجوامع”. توفي رحمه الله (771 هـ) الأعلام للزركلي(4 /184).

[14]  من الآية 285 من سورة البقرة

[15]  التنوير شرح الجامع الصغير(6 /261)

[16]  هو  أبو الحسن علي الأُجْهُوري المصري، شيخ المالكية في عصره. أخذ عن مشايخ كثر منهم: الشمس محمد الرملي، والبدر حسن الكرخي. وعنه من لا يعد كثرة. له تآليف كثيرة منها: شروحه الثلاثة على مختصر خليل، كبير في اثني عشر مجلدا، لم يخرج عن المسودة، ووسيط في خمسة، وصغير في مجلدين، وشرح على رسالة ابن أبي زيد القيرواني . توفي ليلة الأحد مستهل جمادى الأولى سنة (1066ﻫ)، وعمره تسع وتسعون سنة. خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر  (3 /157)، شجرة النور (ص: 303) [1174]، الأعلام (5 /13).

 [17]  مختصر خليل(ص:115)

* راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق