مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكيغير مصنف

شرح جامع المختصر الكبير لابن عبد الحكم لأبي بكر الأبهري (ت375هـ)

ترجمة المؤلف:

اسمه ونسبه:

  هو: محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح أبو بكر الأبهري، التميمي، المعروف بالأبهري الكبير([1])، نسبة إلى أبهر، قرية قرب زنجان من أرض الجبل.

شيوخه:

أخذ عن أبي عروبة الحراني، ومحمد بن الباغندي، ومحمد بن الحسين الأشناني، وابن أبي داود، وعبيد الله بن الحسن الأنطاكي الصابوني، وأبي بكر ابن الجهم الوراق، وأحمد بن مروان الخياش، وابن داسة، والبغوي، والمروزي، وغيرهم.

تلاميذه:

  أخذ عنه جماعة، منهم: أبو الحسن الدارقطني، والباقلاني، والأصيلي، وأبو محمد بن نصر القاضي، وإبراهيم بن مخلد، وابنه إسحاق بن إبراهيم، والبرقاني، وأبو الحسن ابن القصار، وأبو جعفر الأبهري الصغير، وأبو سعيد القزويني، وأبو القاسم الجلاب، وأبو القاسم التنوخي، والحسن بن علي الجوهري، واستجازه أبو محمد ابن أبي زيد القيرواني.

منزلته وثناء العلماء عليه:

  كان الأبهري إماما، فقيها، أصوليا، مدرسا، مقرئا، ذابا عن المذهب، صاحب السند العالي، وشيخ المالكية ببغداد في وقته، «انتهت إليه الرئاسة في مذهب مالك»، وعنه انتشر في البلاد، «ولم ينجب أحد بالعراق من المالكية بعد إسماعيل القاضي ما أنجب أبو بكر الأبهري».

  وكان المالكية يرحلون إليه للأخذ عنه والتفقه منه، قال المقري متحدثا عن الأندلسيين: «ارتحل أعلامهم إلى بغداد في تحصيل الفقه من الأبهري». [أزهار الرياض (3/27)].

  وقد عرض عليه القضاء، فامتنع عنه، وفضل التفرغ للتدريس، والإقراء، والتأليف، فألف كتبا مهمة، عليها معول أصحاب المذهب، لاسيما مالكية العراق، شرح فيها المذهب، وذب عنه، واحتج له، ورد على المخالف.

مؤلفاته:

  ألف كتبا كثيرة، منها: شرح المختصـر الكبير والصغير لابن عبد الحكم، وكتاب في أصول الفقه، وشرح مسائل الأسدية، ومسلك الجلالة في مسند الرسالة، وإجماع أهل المدينة، وفضل المدينة على مكة، والرد على المزني، ومسألة الجواب والدلائل والعلل، ومسألة إثبات حكم القافة، والأمالي.

وفاته:

توفي في شوال سنة (375ﻫ)، وقد نيف على الثمانين سنة.

مصادر ترجمته:

طبقات الفقهاء (ص: 156)، ترتيب المدارك (6/183)، تاريخ الإسلام (26/580)، الديباج المذهب (ص: 351)، شجرة النور (ص: 91) [204]، الفكر السامي (2/143).

كتاب شرح مختصر ابن عبد الحكم لأبي بكر الأبهري:

  حظيت مختصرات ابن عبد الحكم باهتمام كثير من علماء المالكية، خصوصا مالكية العراق المتقدمين، الذين كان معولهم عليها مع المدونة، قال ابن عبد البر: «صنف [أي: ابن عبد الحكم] كتابا اختصر فيه تلك الأسمعة بألفاظ مقربة، ثم اختصر من ذلك الكتاب كتابا صغيرا، وعليهما مع غيرهما يعول البغداديون المالكية في المدارسة». [الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء (ص: 99)]. وقال عياض مبينا عناية العلماء بهذين المختصرين: «وقد اعتنى الناس بمختصراته، ما لم يُعتن بكتاب من كتب المذهب بعد الموطأ والمدونة». [ترتيب المدارك: 3/110].

  وممن اعتنى بهذه المختصرات من مالكية العراق أبو بكر الأبهري، لاسيما المختصر الكبير، فقد قال عن نفسه: «قرأت مختصر ابن عبد الحكم خمسمائة مرة». [ترتيب المدارك: 6/186].

  وقد شرح أبو بكر الأبهري المختصرين: الكبير والصغير، قال ابن عبد البر: «وإياهما شرح الشيخ أبو بكر الأبهري». [الانتقاء ص: 99].

  وطريقة الأبهري في هذا الشرح أنه يذكر المسألة كما هي في الأصل، التي هو عبارة عن سماعات ابن عبد الحكم من مالك، وكبار تلاميذه: ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، ثم يردف ذلك بالاحتجاج للمسألة، وبيانا لعللها، وإبرازا لمستندها، مع الاستدلال لها ببعض الآيات، والأحاديث، ويسوق ذلك بأسلوب سهل، بعيدا عن التعقيد والإطناب، مصدرا ذلك غالبا بقوله: «إنما قال ذلك…»، أو: «إنما كره…».

شرح جامع مختصر ابن عبد الحكم:

  شرح كتاب الجامع لأبي بكر الأبهري، ليس كتابا مستقلا كما قد يُتَوهم، وإنما هو قطعة من شرحه على المختصر الكبير لابن عبد الحكم.

  وذلك أن ابن عبد الحكم لما ألف مختصره الكبير ذيله بكتاب الجامع، كما هي عادة المالكية في تآليفهم.

  وهذه طريقة في التأليف اخترعها مالك ـ رحمه الله ـ، حيث خص الجامع لما ند من المسائل عن أبواب الفقه، ولم يندرج تحتها، قال ابن العربي: «كتاب الجامع: هذا كتاب اخترعه مالك ـ رحمه الله ـ في التصنيف لفائدتين:

ـ أحدهما: أنه خارج عن رسم التكليف المتعلق بالأحكام التي صنفها أبوابا، ورتبها أنواعا.

والثاني: أنه لما لاحظ الشريعة وأنواعها، ورآها منقسمة إلى أمر ونهي، وإلى عبادة ومعاملة، وإلى جنايات وعبادات، نظمها أسلاكا، وربط كل نوع بجنسه، وشذت عنه من الشريعة معان مفردة، لم يتفق نظمها في سلك واحد؛ لأنها متغايرة المعاني، ولا أمكن أن يجعل لكل منها بابا؛ لصغرها، ولا أراد هو أن يطيل القول فيما يمكن إطالة القول فيها، فجمعها أشتاتا، وسمى نظامها كتاب الجامع، فطرق للمؤلفين ما لم يكونوا قبل ذلك به عالمين في هذه الأبواب كلها…».

اعتماده:

   شرح مختصر ابن عبد الحكم لأبي بكر الأبهري من الكتب المعتمدة عند المالكية في الذب عن المذهب، والرد على المخالفين، لا سيما الشافعي ومن قال بقوله من أهل العراق، وقد حظ ابن أبي زيد القيرواني بعض تلاميذه الراحلين للعراق على تحصيل هذا الكتاب وأمثاله من كتب الخلاف والحجة التي ألفها مالكية العراق في شرح المذهب والاحتجاج له والذب عنه، قال ابن أبي زيد القيرواني (ت386ﻫ): «وإن كانت لك رغبة في الرد على المخالفين من أهل العراق والشافعي، فكتاب ابن الجهم إن وجدته، وإلا اكتفيت بكتاب الأبهري إن كسبته، وكتاب الأحكام لإسماعيل القاضي، وإلا اكتفيت باختصارها لبكر بن العلاء، وكتاب الحاوي لأبي الفرج إن كسبته، ففيه فوائد، وإن استغنيت عنه لقلة لهجك بالحجة، فأنت عنه غني بمختصر ابن عبد الحكم، وكتاب الأبهري». [وصية ابن أبي زيد القيرواني إلى بعض طلبته، تحقيق د محمد العلمي، مجلة مرآة التراث، العدد: 3، سنة 1435ﻫ، (ص: 136)].

  ولما دخلت كتب أبي بكر الأبهري الأندلس في حياته، أرسل الحكم المستنصر في شراء شرحه على المختصر الكبير لابن عبد الحكم، فاشتري له. [المستوعب: 1/262].

مخطوطاته:

  لكتاب شرح الجامع نسختان مخطوطتان، الأولى: بمكتبة الأزهر، (عدد: 1655)، فقه مالكي، والثانية: بمكتبة جوطا بألماني، (عدد: 1143).

طبعاته:

   طبع شرح أبي بكر الأبهري على جامع المختصر الكبير لعبد الله بن عبد الحكم في مجلد لطيف، يقع في (206) صفحة، بدار الغرب الإسلامي، ط1، سنة 1425/2004، بتحقيق الدكتور حميد لحمر، وقد اعتمد المحقق في تحقيقه للكتاب على نسختين مخطوطتين.

بقلم الباحث عبد الرحيم اللاوي

 


[1]   قيل له الأبهري الكبير؛ تمييزا له عن تلميذه الأبهري الصغير: محمد بن عبد الله أبي جعفر الأبهري، المعروف بابن الخصاص وبالوتلي (ت365ﻫ).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق