مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةقراءة في كتاب

شرح توحيد الرسالة” للشيخ محمد بن قاسم جسوس ت 1182هـ

ترجمة المؤلف[1]:

هو الإمام أبو عبد الله محمد بن قاسم بن محمد بن قاسم بن أحمد جسوس المالكي الصوفي، العالم الفاسي الشهير، قال عنه الكتاني في سلوة الأنفاس: “الفقيه العلامة المحقق الورع الزاهد، المصنف الحاذق النبيه، ذو التصانيف العديدة والتآليف المفيدة شيخ الجماعة في وقته”.

ولد سنة1089هـ بمدينة فاس وبها نشأ، وعن شيوخها أخذ مختلف العلوم ومن هؤلاء:

محمد بن عبد القادر الفاسي(ت1116هـ) الفقيه العالم الذي أحرز قصبات السبق في النحو والبيان، والمنطق والحديث، والسير والتصوف والأصول والفقه[2]، وأبو عبد الله محمد الطيب بن محمد بن عبد القادر الفاسي(ت1113هـ)، الفقيه العالم القدوة، صاحب التصانيف المفيدة، وله تقاييد وأجوبة في غاية الإجادة[3]، وأبو عبد الله محمد بن عبد السلام البناني الفاسي(ت1163هـ) شارح “لامية الزقاق” و”الاكتفاء للكلاعي”[4]، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الملقب بالمسناوي(ت1136هـ)[5].

 فكان الشيخ جسوس بهؤلاء الشيوخ وغيرهم بحرا في العلوم، مشاركا في المعقول والمنقول، من منطق وبيان، وعربية وأصلين، وتصوف وفقه، وحديث وتفسير.

ثم تفرغ للتعليم بفاس أيضا، فأكب الناس على مجلسه لحسن طويته وزهده وورعه، وانفراده بالاجتهاد، فأخذ عنه جماعة كبيرة من جملتهم: العلامة عبد المجيد المنالي الزيادي(ت1163هـ)، والشيخ التاودي بنسودة المري(ت1209هـ).

من مؤلفاته:

مقدمة على صحيح البخاري[6].

شرح مختصر خليل في تسعة أسفار  ضخام.

شرحان على الحكم العطائية، في جزئين مستقلين[7].

شرح فقهية عبد القادر الفاسي.

شرح عقيدة ابن عاشر.

شرح تصوف ابن عاشر.

شرح شمائل الإمام الترمذي.

شرح على منظومة أبي سالم العياشي.

وفاته:

توفي رحمه الله بفاس ضحوة يوم الأربعاء من رجب سنة 1182هـ، ودفن بزاوية الشيخ أبي محمد عبد القادر بن علي الفاسي.

موضوع الكتاب ومحتواه:

قال الشيخ جسوس في مقدمة كتابه: “فهذا تعليق لطيف على عقيدة رسالة الشيخ الإمام أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني نفعنا الله به، يشتمل على فوائد، ونظم جملة وافرة من الفوائد جمعتها من معادنها، قاصدا إضافتها إلى ما كنت قيدته من مجلس قراءتي على الشيخ الفاضل العلامة المحقق البركة…أبي عبد الله سيدي محمد بن الأستاذ البركة سيدي أحمد بن المسناوي… فضمنت جميع ذلك هذه الأوراق حفظا له وصونا وقيدته لنفسي ولمن طلبه مني من الإخوان تذكرة وعونا رجاء أن أجده في مجلس الإملاء”[8].

قسم الشيخ جسوس الكتاب إلى جمل توحيد الرسالة وعددها ما يقرب المائة وأربعة عشرة جملة، يحددها ثم يفصل كلماتها بالشرح اللغوي، ليعود إلى مناقشة مضمون الجملة على ضوء الكتاب والسنة، ويعرض آراء شراح الرسالة قبله، ومواقف المذاهب الكلامية ويرجح في المسائل ما تقرر من المذهب الأشعري، كما يحتج في أغلب المسائل بآراء كبار المتصوفة. وفي ما يأتي عرض لشرحه إحدى جمل توحيد الرسالة: 

قال الشيخ جسوس: “قوله: السميع البصير، هما من أسمائه تعالى، والسمع والبصر صفتان ينكشف بهما الشيء ويتضح انكشافا يباين سواه ضرورة، وكما أن ذاته تعالى لا تشبه الذوات، فكذلك صفاته تعالى لا تشبه الصفات، فيرى تعالى ويسمع  الذوات والصفات، والجلي والخفي، والإسرار والإعلان،        ﴿أم يحسبون أنّا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى﴾ [سورة الزخرف: 80]، أي نسمعهما وليس سمعنا كسمعهم لا يتسلط إلا على الأشياء الجلية، وقال تعالى: ﴿ الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين  ﴾[الشعراء: 217-218]، أي حين تقوم من كل وقت من ليل أو نهار في ضياء أو ظلمة، “وتقلبك” أي تنقلك في أصلاب الأنبياء والأولياء، وأيُّ خفيٍّ أخفى مما في الأصلاب، وما قال المتكلمون من قصر تعلقهما على الموجودات غير الصواب، فإن الذي صرح به غير واحد من الصوفية تعلقهما بالمعدوم، وهو المتعين لأن تعلقهما تعلق انكشاف، فيلزم على تخصيصه بالوجود حال وجوده فقده في الأزل، قاله شيخنا فيما قيده على عقائد الصغرى فانظر تمامه، فقد نقل ذلك عن الواسطي والشيخ أبي طالب المكي، وسيدي عبد الرحمن الفاسي في حواشيه على الصغرى، فإنه نقل ذلك وأقره، قال سيدي زروق: “من عرف أنه السميع البصير راقبه في الحركات والسكنات حتى لا يراه حيث نهاه أو يفقده حيث أمره، وقد قيل لبعضهم: بم يستعين العبد على حفظ بصره؟ فقال: بعلمه أن نظر الله إليه أسبق إلى ما ينظر إليه”[9].

 

الهوامش:

[1] انظر ترجمته في: سلوة الأنفاس، الكتاني، 1/371، رقم 337. وشجرة النور الزكية، ابن مخلوف، 1/355. 

[2] سلوة الأنفاس، 1/355-357، رقم 320.

[3] سلوة الأنفاس، 1/378، رقم 321.

[4] سلوة الأنفاس، 1/153، رقم 74.

[5]شجرة النور الزكية، 1/333.

[6] مخطوط بالخزانة العامة بالرباط ضمن مجموع برقم 478د.

[7]أحد الجزئين مخطوط بالخزانة العامة بالرباط برقم 2623ك، والآخر بالخزانة الحسنية برقم 1208.

[8] شرح توحيد الرسالة، محمد بن قاسم جسوس، تح: ذ. إحسان النقوطي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- المملكة المغربية، ط: الأولى 2008م، 1/95-96.

[9] شرح توحيد الرسالة، 2/409-411.

 

                                                            إعداد الباحثة: إكرام بولعيش

 


 

ترجمة المؤلف[1]:
هو الإمام أبو عبد الله محمد بن قاسم بن محمد بن قاسم بن أحمد جسوس المالكي الصوفي، العالم الفاسي الشهير، قال عنه الكتاني في سلوة الأنفاس: “الفقيه العلامة المحقق الورع الزاهد، المصنف الحاذق النبيه، ذو التصانيف العديدة والتآليف المفيدة شيخ الجماعة في وقته”.
ولد سنة1089هـ بمدينة فاس وبها نشأ، وعن شيوخها أخذ مختلف العلوم ومن هؤلاء:
محمد بن عبد القادر الفاسي(ت1116هـ) الفقيه العالم الذي أحرز قصبات السبق في النحو والبيان، والمنطق والحديث، والسير والتصوف والأصول والفقه[2]، وأبو عبد الله محمد الطيب بن محمد بن عبد القادر الفاسي(ت1113هـ)، الفقيه العالم القدوة، صاحب التصانيف المفيدة، وله تقاييد وأجوبة في غاية الإجادة[3]، وأبو عبد الله محمد بن عبد السلام البناني الفاسي(ت1163هـ) شارح “لامية الزقاق” و”الاكتفاء للكلاعي”[4]، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الملقب بالمسناوي(ت1136هـ)[5].
 فكان الشيخ جسوس بهؤلاء الشيوخ وغيرهم بحرا في العلوم، مشاركا في المعقول والمنقول، من منطق وبيان، وعربية وأصلين، وتصوف وفقه، وحديث وتفسير.
ثم تفرغ للتعليم بفاس أيضا، فأكب الناس على مجلسه لحسن طويته وزهده وورعه، وانفراده بالاجتهاد، فأخذ عنه جماعة كبيرة من جملتهم: العلامة عبد المجيد المنالي الزيادي(ت1163هـ)، والشيخ التاودي بنسودة المري(ت1209هـ).
من مؤلفاته:
مقدمة على صحيح البخاري[6].
شرح مختصر خليل في تسعة أسفار  ضخام.
شرحان على الحكم العطائية، في جزئين مستقلين[7].
شرح فقهية عبد القادر الفاسي.
شرح عقيدة ابن عاشر.
شرح تصوف ابن عاشر.
شرح شمائل الإمام الترمذي.
شرح على منظومة أبي سالم العياشي.
وفاته:
توفي رحمه الله بفاس ضحوة يوم الأربعاء من رجب سنة 1182هـ، ودفن بزاوية الشيخ أبي محمد عبد القادر بن علي الفاسي.
موضوع الكتاب ومحتواه:
قال الشيخ جسوس في مقدمة كتابه: “فهذا تعليق لطيف على عقيدة رسالة الشيخ الإمام أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني نفعنا الله به، يشتمل على فوائد، ونظم جملة وافرة من الفوائد جمعتها من معادنها، قاصدا إضافتها إلى ما كنت قيدته من مجلس قراءتي على الشيخ الفاضل العلامة المحقق البركة…أبي عبد الله سيدي محمد بن الأستاذ البركة سيدي أحمد بن المسناوي… فضمنت جميع ذلك هذه الأوراق حفظا له وصونا وقيدته لنفسي ولمن طلبه مني من الإخوان تذكرة وعونا رجاء أن أجده في مجلس الإملاء”[8].
قسم الشيخ جسوس الكتاب إلى جمل توحيد الرسالة وعددها ما يقرب المائة وأربعة عشرة جملة، يحددها ثم يفصل كلماتها بالشرح اللغوي، ليعود إلى مناقشة مضمون الجملة على ضوء الكتاب والسنة، ويعرض آراء شراح الرسالة قبله، ومواقف المذاهب الكلامية ويرجح في المسائل ما تقرر من المذهب الأشعري، كما يحتج في أغلب المسائل بآراء كبار المتصوفة. وفي ما يأتي عرض لشرحه إحدى جمل توحيد الرسالة: 
قال الشيخ جسوس: “قوله: السميع البصير، هما من أسمائه تعالى، والسمع والبصر صفتان ينكشف بهما الشيء ويتضح انكشافا يباين سواه ضرورة، وكما أن ذاته تعالى لا تشبه الذوات، فكذلك صفاته تعالى لا تشبه الصفات، فيرى تعالى ويسمع  الذوات والصفات، والجلي والخفي، والإسرار والإعلان، ﴿       ﴾ [سورة الزخرف: 80]، أي نسمعهما وليس سمعنا كسمعهم لا يتسلط إلا على الأشياء الجلية، وقال تعالى﴿       ﴾[الشعراء: 217-218]، أي حين تقوم من كل وقت من ليل أو نهار في ضياء أو ظلمة، “وتقلبك” أي تنقلك في أصلاب الأنبياء والأولياء، وأيُّ خفيٍّ أخفى مما في الأصلاب، وما قال المتكلمون من قصر تعلقهما على الموجودات غير الصواب، فإن الذي صرح به غير واحد من الصوفية تعلقهما بالمعدوم، وهو المتعين لأن تعلقهما تعلق انكشاف، فيلزم على تخصيصه بالوجود حال وجوده فقده في الأزل، قاله شيخنا فيما قيده على عقائد الصغرى فانظر تمامه، فقد نقل ذلك عن الواسطي والشيخ أبي طالب المكي، وسيدي عبد الرحمن الفاسي في حواشيه على الصغرى، فإنه نقل ذلك وأقره، قال سيدي زروق: “من عرف أنه السميع البصير راقبه في الحركات والسكنات حتى لا يراه حيث نهاه أو يفقده حيث أمره، وقد قيل لبعضهم: بم يستعين العبد على حفظ بصره؟ فقال: بعلمه أن نظر الله إليه أسبق إلى ما ينظر إليه”[9].
الهوامش:
[1] انظر ترجمته في: سلوة الأنفاس، الكتاني، 1/371، رقم 337. وشجرة النور الزكية، ابن مخلوف، 1/355. 
[2] سلوة الأنفاس، 1/355-357، رقم 320.
[3] سلوة الأنفاس، 1/378، رقم 321.
[4] سلوة الأنفاس، 1/153، رقم 74.
[5]شجرة النور الزكية، 1/333.
[6] مخطوط بالخزانة العامة بالرباط ضمن مجموع برقم 478د.
[7]أحد الجزئين مخطوط بالخزانة العامة بالرباط برقم 2623ك، والآخر بالخزانة الحسنية برقم 1208.
[8] شرح توحيد الرسالة، محمد بن قاسم جسوس، تح: ذ. إحسان النقوطي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- المملكة المغربية، ط: الأولى 2008م، 1/95-96.
[9] شرح توحيد الرسالة، 2/409-411.
إعداد الباحثة: إكرام بولعيش

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق