مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةقراءة في كتاب

شرح الأسماء الحسنى للإمام أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي: ت.895هـ

 

تقديم: 
تعد المباحث المتعلقة بأسماء الله تعالى وصفاته من أشرف مباحث علم أصول الدين، ولأهمية هذا المبحث عقد له بعض العلماء فصلا خاصا ضمن كتب العقائد، ومنهم من أفرده بالتصنيف، ومن هؤلاء الإمام العالم الشيخ محمد بن يوسف السنوسي الحسني المتوفى سنة 895هـ.
التعريف بالإمام السنوسي[1]: 
نسبه ومولده: هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عمر شعيب السنوسي، وبه اشتهر نسبة لقبيلة بالمغرب، والحسني، نسبة للحسن بن علي بن أبي طالب من جهة أم أبيه، وكان مولده بعد الثلاثين وثمانمائة بسنتين (832ﻫ).
 نشأته: نشأ الإمام السنوسي خيِّرا مباركا فاضلا صالحا، تربَّى وأخذ العلم بداية عن أبيه أبي يعقوب يوسف، عالم تلمسان وصالحها وزاهدها وكبير علمائها، ثم بعده على خيرة علماء عصره؛ أخذ عنهم علم المعقول والمنقول وأدب الولاية، فانتفع بعلمهم وببركة دعائهم، وتصدَّر لمجالس العلم وأدى ما تلقاه منها على أحسن وجه.
مؤلفاته: صنّف إمامنا في مختلف الفنون، فصنف في التصوف والحديث والطب وفي العقيدة وعلم الكلام، منها: 
“عقيدة أهل التوحيد والتسديد المخرجة من ظلمات الجهل وربقة التقليد، المرغمة أنف كل مبتدع عنيد”؛ وتسمى العقيدة الكبرى، المشهورة بكبرى السنوسي، وشرحها وسمّاها: “عمدة أهل التوفيق والتسديد في عقيدة أهل التوحيد”،
“أم البراهين” وهي العقيدة الصغرى؛ وهي المشهورة بالسنوسية الصغرى،
“المقدمات في التوحيد”؛ وهي مقدمات على العقيدة الصغرى، ثم شرحها، وهي ثمان مقدمات في أصولي الفقه والدين، وشرح كلمتي الشهادة. 
“شرح أسماء الله الحسنى”؛ حيث يفسر الاسم، ثم يذكر حظّ العبد منه. وهو هذا الكتاب المحقق، هذا إلى غيرها من المؤلفات الكثيرة.
وفاته: وتوفي رحمه الله يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأخيرة عام خمسة وتسعين وثمانمائة (895هـ) قاله تلميذه الملالي في تأليفه الذي ذكر فيه مناقبه، وسيرته وما ظهر من كراماته في حياته وبعد مماته، سماه «المواهب القدوسية في المناقب السنوسية»[2].
التعريف بكتاب “شرح الأسماء الحسنى”: 
تحدث الإمام السنوسي عن قضية الصفات، وقرر أن مذهب أهل السنة قاطبة: هو جعل  الأحكام السبعة المعنوية [كونه تعالى حيّا عَليما مُريدا قَادرا سميَعا بَصيرا مُتكلما] ملازمة لصفات أخرى، وجودية تقوم بذاته تعالى تسمى صفات المعاني: وهي [القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام].
    وبعد أن قرر هذا، ردَّ على المعتزلة المنكرين لصفات المعاني، والفلاسفة المنكرين لجميع الصفات، منبها في ذلك على الاحتياط في الإطلاقات اللفظية المتعلقة بالصفات، بحيث إنه لا يصح أن نطلق عليها في العبارة، أنها غير ذاته، أو مخالفة لها، أو أن يقال أنها عين الذات، لِما يوهمه الأولان من صحة العدم والمفارقة، ولِما يقتضيه الثالث من نفي الصفات واتحادها مع الذات.
وقام الأستاذ نزار حمادي بتحقيق هذا الكتاب اعتمادا على نسختين كما ذكر في مقدمة التحقيق: 
النسخة (أ) وتوجد ضمن مجموع تحت رقم: 12986 بدار الكتب الوطنية بتونس.
النسخة (ب) وتوجد ضمن مجموع تحت رقم: 9105 بدار الكتب الوطنية بتونس.
ومما جاء في مقدمة الإمام السنوسي في كتابه قوله: (الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نبيه وعبده. وبعد، فهذه جملة مختصرة في شرح أسماء الله الحسنى، وكيفية العمل بها، حتى يجمع العبد الناظر في هذه الجملة بين المعرفة بالله والعمل بأحكام الله، وذلك كفيل بالسعادة الأخروية على حسب ما نص عليه الصادق والمصدق- صلوات الله وسلامه عليه- في قوله: (إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة)، قيل أحصاها علما وعملا. وهذه الجملة المختصرة وافية ببيان الأمرين بفضل الله تعالى، نسأل الله تعالى أن ينفع بها مؤلفها وناظرها بجاه أشرف خلقه سيدنا ومولانا محمد صلوات الله وسلامه عليه).[ص: 25]
ثم ابتدأ العلامة السنوسي في شرح أسماء الله التسعة والتسعين تباعا ابتداء من اسم الجلالة (الله) و(الرحمن) و(الرحيم)، إلى نهايتها باسم الله تعالى (الصبور)، مع زيادة اسم الله تعالى (الأحد)، فبلغ بذلك مائة وواحد من أسماء الله تعالى، شرحا مختصرا معرفا به مما يتضح به معناه، ويجمع خصائصه، ومبينا حظ العبد من كل معاني هذه الأسماء وما يجب على العبد تجاهها..
ونختار من تعريفات هذه الأسماء بعضا منها توضيحا لطريقته في البيان والشرح، يقول الإمام السنوسي في اسم الله تعالى:
(الله): هو اسم علم على الإله الواجب الوجود المعبود بحق. وحظ العبد منه دوام التعلق به في الظاهر والباطن، والفناء به عن كل ما سواه تبارك وتعالى؛ لأنه لما كان اسما جامعا للذات والصفات والأفعال امتحى من القلب عند استحضار كمال هذه الثلاثة العديمة المثال في حقه تعالى كل ما عداه- تبارك وتعالى- من الذوات والصفات والأفعال. ولهذا كان هذا الاسم الأعظم، الفرد الجامع، ذكرا لأصحاب الفناء والبقاء. نسأله سبحانه أن يمنَّ علينا بما منَّ به عليهم بلا محنة.[ص: 26-27]
(الملك): هو الذي له كمال القدرة والاستقلال بالتصرف العام بلا حجر، وله الأمر المطاع والنهي المتبع والوعد والوعيد والجزاء بالثواب والعقاب بلا معارض ولا معاند. وحظ العبد منه لزوم الخدمة والمذلة والتعظيم والمخافة والرجاء والحياء، مع الوقوف بالباب، ورفع الهمة عن جميع الأكوان بالانتماء إلى عليِّ ذلك الجانب.[ص: 28-29]
(الخالق): هو المقدِّر لجميع الكائنات بمشيئته، وقيل: هو المبدع لجميعها بقدرته. وحظ العبد منه إسقاط تدبيره ومشيئته لعدم انقياد الكائنات لهما، والتعلق بتدبير المولى- تبارك وتعالى- ومشيئته النافذة.[ص: 31]
(السميع): هو الذي انكشف كل موجود لصفة سمعه، كان ذلك الموجود كلاما أو غيره، قديما كان أو حادثا. وحظ العبد منه صون ظاهره وباطنه من كل ما يستحيي أن ينكشف لسمع مولانا- تبارك وتعالى-.[ص: 37]
(البصير): هو مثل السميع.[ص: 38]
(الواحد الأحد): معناهما متقارب، والواحد هو الذي لا يصح عليه التركيب ولا يقبل الانقسام، ويتعالى على النظير وصفات الأجرام. وحظ العبد منهما إفراد ظاهره وباطنه لمولاه، فلا يذكر ولا يتحرك ولا يسكن ولا يتصرف عموما بقصد سواه.[ص: 55]
(القادر المقتدر): هما بمعنى واحد، إلا أن في لفظ المقتدر زيادة مبالغة، ومعناهما: الذي له القدرة والاقتدار؛ أي المتمكن بلا معالجة ولا واسطة من إيجاد كل ممكن وإعدامه. وقد يقال: المقتدر أخص من القادر؛ فيكون معناه: المتمكن من التأثير والفعل بواسطة الأسباب العادية كالملائكة ونحوهم وإن لم يكن لتلك الأسباب أثر ألبتة، فيكون من توابع الملك.. وحظ العبد منهما التحقق بعجز نفسه وعجز العوالم كلها عن إبداء أثر ما، والإيواء بكلية القلب إلى المولى القادر، عاكفا على ذكره ومحبته وطاعته.[ص: 56]
(الأول الآخر): معناهما: الموجود قبل وجود كل ما سواه، والباقي بعد فناء ما عداه، ومن لازمهما وجوب وجوده تبارك وتعالى، إذ لو جاز وجوده- تعالى عن ذلك- لكان وجوده حادثا فيفتقر إلى محدث يجب أن يسبق وجوده عليه، ويتأخر وجوده عن عدمه، فتنتفي حينئذ الأولية والآخرية، وهما واجبان له تبارك وتعالى. وحظ العبد منهما صرف وجهة القلب عن كل ما سواه – تبارك وتعالى- بالتوكل والاعتماد، لعلمه بإحاطة العدم بكل ما سواه- جل وعلا- سابقا ولاحقا، وقصر المنة والذكر والعبادة على المولى العظيم الرب الأول الآخر جل وعلا.[ص: 56-57]
(الغني): هو المتصف بسعة الكمال الذي لا نهاية له في الذات والصفات والأفعال، فلا حاجة له إلى شيء في ذاته ولا صفاته لوجوبهما واستحالة النقص فيهما، ولا حاجة له في فعل جميع الممكنات إلى وزير أو معين أو واسطة ألبتة. وحظ العبد منه أن يتمسك في جميع أحواله بالفقر الضروري إلى مولاه الغني، وليقطع طمعه من نفسه ومن كل مخلوق على الدوام لعموم الفقر التام اللازم لكل ما سواه تعالى، وتعلق الفقير تضييع وقت وعناء بلا فائدة.[ص: 61-62]
(الهادي): هو المرشد خلقه وسائقهم إلى منافعهم الدينية والدنيوية، إما بشعور منهم أو بغير شعور كما في حق الأطفال والبهائم والعقلاء في كثير من الأمور. وحظ العبد منه قريب من الذي قبله.[ص: 64]
ومما جاء في خاتمة الكتاب بلسان العلامة الإمام السنوسي قوله: (نسأله سبحانه أن يمن علينا بحسن الخاتمة والوفاة على أعلى درجات الإيمان، ويجمعنا مع الآباء والأمهات والإخوة والأحبة والزوجات والذرية في دار النعيم بلا محنة ولا عتاب ولا عقوبة ولا هوان، بفضله وإحسانه..[ص: 66]
فهذه جملة من شرح الإمام السنوسي لأسماء الله تعالى التسعة والتسعين وطريقته في الشرح والبيان. وقد قام المحقق في نهاية تحقيقه لكتاب “شرح الأسماء الحسنى”  بوضع فهارس للكتاب اشتملت على فهرس للآيات القرآنية وفهرس للأحاديث الشريفة ثم فهرس لموضوعات الكتاب. هذا وصدر الكتاب عن مؤسسة المعارف للطباعة والنشر ببيروت في طبعته الأولى سنة 2008.
الهوامش: 
[1] ترجمته في: نيل الابتهاج بتطريز الديباج، لأحمد بابا التنبكتي، ص: 563. وتعريف الخلف برجال السلف، لأبي القاسم محمد الحفناوي، ج:1 ص 176. و شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد مخلوف، ص 266. وثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي، ص: 436/446. ومعجم أعلام الجزائر لعادل نويهض، ص: 180/181. ومعجم المؤلفين، ج: 12 ص:132. والأعلام للزركلي، ج: 5 ص:301.
[2] المواهب القدوسية في المناقب السنوسية للإمام أبي عبد الله محمد بن عمر الملالي التلمساني، تحقيق وتعليق: علال بوربيق- بحث مقدم للمشاركة في المسابقة الدولية لإحياء التراث الجزائر 1429ﻫ/2008م.

تقديم: 

تعد المباحث المتعلقة بأسماء الله تعالى وصفاته من أشرف مباحث علم أصول الدين، ولأهمية هذا المبحث عقد له بعض العلماء فصلا خاصا ضمن كتب العقائد، ومنهم من أفرده بالتصنيف، ومن هؤلاء الإمام العالم الشيخ محمد بن يوسف السنوسي الحسني المتوفى سنة 895هـ.

التعريف بالإمام السنوسي[1]: 

نسبه ومولده: هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عمر شعيب السنوسي، وبه اشتهر نسبة لقبيلة بالمغرب، والحسني، نسبة للحسن بن علي بن أبي طالب من جهة أم أبيه، وكان مولده بعد الثلاثين وثمانمائة بسنتين (832ﻫ).

 نشأته: نشأ الإمام السنوسي خيِّرا مباركا فاضلا صالحا، تربَّى وأخذ العلم بداية عن أبيه أبي يعقوب يوسف، عالم تلمسان وصالحها وزاهدها وكبير علمائها، ثم بعده على خيرة علماء عصره؛ أخذ عنهم علم المعقول والمنقول وأدب الولاية، فانتفع بعلمهم وببركة دعائهم، وتصدَّر لمجالس العلم وأدى ما تلقاه منها على أحسن وجه.

مؤلفاته: صنّف إمامنا في مختلف الفنون، فصنف في التصوف والحديث والطب وفي العقيدة وعلم الكلام، منها: 

“عقيدة أهل التوحيد والتسديد المخرجة من ظلمات الجهل وربقة التقليد، المرغمة أنف كل مبتدع عنيد”؛ وتسمى العقيدة الكبرى، المشهورة بكبرى السنوسي، وشرحها وسمّاها: “عمدة أهل التوفيق والتسديد في عقيدة أهل التوحيد”،

“أم البراهين” وهي العقيدة الصغرى؛ وهي المشهورة بالسنوسية الصغرى،

“المقدمات في التوحيد”؛ وهي مقدمات على العقيدة الصغرى، ثم شرحها، وهي ثمان مقدمات في أصولي الفقه والدين، وشرح كلمتي الشهادة. 

“شرح أسماء الله الحسنى”؛ حيث يفسر الاسم، ثم يذكر حظّ العبد منه. وهو هذا الكتاب المحقق، هذا إلى غيرها من المؤلفات الكثيرة.

وفاته: وتوفي رحمه الله يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأخيرة عام خمسة وتسعين وثمانمائة (895هـ) قاله تلميذه الملالي في تأليفه الذي ذكر فيه مناقبه، وسيرته وما ظهر من كراماته في حياته وبعد مماته، سماه «المواهب القدوسية في المناقب السنوسية»[2].

التعريف بكتاب “شرح الأسماء الحسنى”: 

تحدث الإمام السنوسي عن قضية الصفات، وقرر أن مذهب أهل السنة قاطبة: هو جعل  الأحكام السبعة المعنوية [كونه تعالى حيّا عَليما مُريدا قَادرا سميَعا بَصيرا مُتكلما] ملازمة لصفات أخرى، وجودية تقوم بذاته تعالى تسمى صفات المعاني: وهي [القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام].

    وبعد أن قرر هذا، ردَّ على المعتزلة المنكرين لصفات المعاني، والفلاسفة المنكرين لجميع الصفات، منبها في ذلك على الاحتياط في الإطلاقات اللفظية المتعلقة بالصفات، بحيث إنه لا يصح أن نطلق عليها في العبارة، أنها غير ذاته، أو مخالفة لها، أو أن يقال أنها عين الذات، لِما يوهمه الأولان من صحة العدم والمفارقة، ولِما يقتضيه الثالث من نفي الصفات واتحادها مع الذات.

وقام الأستاذ نزار حمادي بتحقيق هذا الكتاب اعتمادا على نسختين كما ذكر في مقدمة التحقيق: 

النسخة (أ) وتوجد ضمن مجموع تحت رقم: 12986 بدار الكتب الوطنية بتونس.

النسخة (ب) وتوجد ضمن مجموع تحت رقم: 9105 بدار الكتب الوطنية بتونس.

ومما جاء في مقدمة الإمام السنوسي في كتابه قوله: (الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نبيه وعبده. وبعد، فهذه جملة مختصرة في شرح أسماء الله الحسنى، وكيفية العمل بها، حتى يجمع العبد الناظر في هذه الجملة بين المعرفة بالله والعمل بأحكام الله، وذلك كفيل بالسعادة الأخروية على حسب ما نص عليه الصادق والمصدق- صلوات الله وسلامه عليه- في قوله: (إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة)، قيل أحصاها علما وعملا. وهذه الجملة المختصرة وافية ببيان الأمرين بفضل الله تعالى، نسأل الله تعالى أن ينفع بها مؤلفها وناظرها بجاه أشرف خلقه سيدنا ومولانا محمد صلوات الله وسلامه عليه).[ص: 25]

ثم ابتدأ العلامة السنوسي في شرح أسماء الله التسعة والتسعين تباعا ابتداء من اسم الجلالة (الله) و(الرحمن) و(الرحيم)، إلى نهايتها باسم الله تعالى (الصبور)، مع زيادة اسم الله تعالى (الأحد)، فبلغ بذلك مائة وواحد من أسماء الله تعالى، شرحا مختصرا معرفا به مما يتضح به معناه، ويجمع خصائصه، ومبينا حظ العبد من كل معاني هذه الأسماء وما يجب على العبد تجاهها..

ونختار من تعريفات هذه الأسماء بعضا منها توضيحا لطريقته في البيان والشرح، يقول الإمام السنوسي في اسم الله تعالى:

(الله): هو اسم علم على الإله الواجب الوجود المعبود بحق. وحظ العبد منه دوام التعلق به في الظاهر والباطن، والفناء به عن كل ما سواه تبارك وتعالى؛ لأنه لما كان اسما جامعا للذات والصفات والأفعال امتحى من القلب عند استحضار كمال هذه الثلاثة العديمة المثال في حقه تعالى كل ما عداه- تبارك وتعالى- من الذوات والصفات والأفعال. ولهذا كان هذا الاسم الأعظم، الفرد الجامع، ذكرا لأصحاب الفناء والبقاء. نسأله سبحانه أن يمنَّ علينا بما منَّ به عليهم بلا محنة.[ص: 26-27]

(الملك): هو الذي له كمال القدرة والاستقلال بالتصرف العام بلا حجر، وله الأمر المطاع والنهي المتبع والوعد والوعيد والجزاء بالثواب والعقاب بلا معارض ولا معاند. وحظ العبد منه لزوم الخدمة والمذلة والتعظيم والمخافة والرجاء والحياء، مع الوقوف بالباب، ورفع الهمة عن جميع الأكوان بالانتماء إلى عليِّ ذلك الجانب.[ص: 28-29]

(الخالق): هو المقدِّر لجميع الكائنات بمشيئته، وقيل: هو المبدع لجميعها بقدرته. وحظ العبد منه إسقاط تدبيره ومشيئته لعدم انقياد الكائنات لهما، والتعلق بتدبير المولى- تبارك وتعالى- ومشيئته النافذة.[ص: 31]

(السميع): هو الذي انكشف كل موجود لصفة سمعه، كان ذلك الموجود كلاما أو غيره، قديما كان أو حادثا. وحظ العبد منه صون ظاهره وباطنه من كل ما يستحيي أن ينكشف لسمع مولانا- تبارك وتعالى-.[ص: 37]

(البصير): هو مثل السميع.[ص: 38]

(الواحد الأحد): معناهما متقارب، والواحد هو الذي لا يصح عليه التركيب ولا يقبل الانقسام، ويتعالى على النظير وصفات الأجرام. وحظ العبد منهما إفراد ظاهره وباطنه لمولاه، فلا يذكر ولا يتحرك ولا يسكن ولا يتصرف عموما بقصد سواه.[ص: 55]

(القادر المقتدر): هما بمعنى واحد، إلا أن في لفظ المقتدر زيادة مبالغة، ومعناهما: الذي له القدرة والاقتدار؛ أي المتمكن بلا معالجة ولا واسطة من إيجاد كل ممكن وإعدامه. وقد يقال: المقتدر أخص من القادر؛ فيكون معناه: المتمكن من التأثير والفعل بواسطة الأسباب العادية كالملائكة ونحوهم وإن لم يكن لتلك الأسباب أثر ألبتة، فيكون من توابع الملك.. وحظ العبد منهما التحقق بعجز نفسه وعجز العوالم كلها عن إبداء أثر ما، والإيواء بكلية القلب إلى المولى القادر، عاكفا على ذكره ومحبته وطاعته.[ص: 56]

(الأول الآخر): معناهما: الموجود قبل وجود كل ما سواه، والباقي بعد فناء ما عداه، ومن لازمهما وجوب وجوده تبارك وتعالى، إذ لو جاز وجوده- تعالى عن ذلك- لكان وجوده حادثا فيفتقر إلى محدث يجب أن يسبق وجوده عليه، ويتأخر وجوده عن عدمه، فتنتفي حينئذ الأولية والآخرية، وهما واجبان له تبارك وتعالى. وحظ العبد منهما صرف وجهة القلب عن كل ما سواه – تبارك وتعالى- بالتوكل والاعتماد، لعلمه بإحاطة العدم بكل ما سواه- جل وعلا- سابقا ولاحقا، وقصر المنة والذكر والعبادة على المولى العظيم الرب الأول الآخر جل وعلا.[ص: 56-57]

(الغني): هو المتصف بسعة الكمال الذي لا نهاية له في الذات والصفات والأفعال، فلا حاجة له إلى شيء في ذاته ولا صفاته لوجوبهما واستحالة النقص فيهما، ولا حاجة له في فعل جميع الممكنات إلى وزير أو معين أو واسطة ألبتة. وحظ العبد منه أن يتمسك في جميع أحواله بالفقر الضروري إلى مولاه الغني، وليقطع طمعه من نفسه ومن كل مخلوق على الدوام لعموم الفقر التام اللازم لكل ما سواه تعالى، وتعلق الفقير تضييع وقت وعناء بلا فائدة.[ص: 61-62]

(الهادي): هو المرشد خلقه وسائقهم إلى منافعهم الدينية والدنيوية، إما بشعور منهم أو بغير شعور كما في حق الأطفال والبهائم والعقلاء في كثير من الأمور. وحظ العبد منه قريب من الذي قبله.[ص: 64]

ومما جاء في خاتمة الكتاب بلسان العلامة الإمام السنوسي قوله: (نسأله سبحانه أن يمن علينا بحسن الخاتمة والوفاة على أعلى درجات الإيمان، ويجمعنا مع الآباء والأمهات والإخوة والأحبة والزوجات والذرية في دار النعيم بلا محنة ولا عتاب ولا عقوبة ولا هوان، بفضله وإحسانه..[ص: 66]

فهذه جملة من شرح الإمام السنوسي لأسماء الله تعالى التسعة والتسعين وطريقته في الشرح والبيان. وقد قام المحقق في نهاية تحقيقه لكتاب “شرح الأسماء الحسنى”  بوضع فهارس للكتاب اشتملت على فهرس للآيات القرآنية وفهرس للأحاديث الشريفة ثم فهرس لموضوعات الكتاب. هذا وصدر الكتاب عن مؤسسة المعارف للطباعة والنشر ببيروت في طبعته الأولى سنة 2008.

 

                                           إعداد الباحث: منتصر الخطيب

 

الهوامش: 

 

[1] ترجمته في: نيل الابتهاج بتطريز الديباج، لأحمد بابا التنبكتي، ص: 563. وتعريف الخلف برجال السلف، لأبي القاسم محمد الحفناوي، ج:1 ص 176. و شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد مخلوف، ص 266. وثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي، ص: 436/446. ومعجم أعلام الجزائر لعادل نويهض، ص: 180/181. ومعجم المؤلفين، ج: 12 ص:132. والأعلام للزركلي، ج: 5 ص:301.

[2] المواهب القدوسية في المناقب السنوسية للإمام أبي عبد الله محمد بن عمر الملالي التلمساني، تحقيق وتعليق: علال بوربيق- بحث مقدم للمشاركة في المسابقة الدولية لإحياء التراث الجزائر 1429ﻫ/2008م.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق