مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

شرح الأرجوزة التلمسانية في الفرائض

من الأبواب الفقهية التي نالت اهتمام الفقهاء المالكية باب علم الفرائض، فإنهم ـ رحمهم الله ـ خصّوه بمصنفات مفردة، بل عَمِلوا على تقريبه لطلابه بشتى الصور الممكنة، من أبرزها نظم مسائله في أراجيز، والتي أضحت فيما بعد عليها المعوّل في تحصيل هذا العلم، ومن بين  الأراجيز التي ذاع صيتها، وطبقت شهرتها الآفاق: أرجوزة الشيخ الفقيه المتفنن العلامة العلم الأديب، النحوي اللغوي الفرضي الأريب أبي إسحاق إبراهيم بن الشيخ الفقيه المرحوم أبي يحيى بن أبي بكر بن عبدالله بن موسى الأنصاري التلمساني نزيل سبتة(ت.697هـ)، المشهورة بـ «التلمسانية»، التي عدد أبياتها 834 بيتاً؛ وهي أرجوزة محكمة بعملها، ضابطة عجيبة الوضع، كما نَصّ على ذلك ابن فرحون في ديباجه. ويكفي للدلالة على قيمتها عناية الأئمة الأعلام بها حفظا وتدريسا وشرحا وبيانا، وإكثارهم النقل عنها في مصنفاتهم.

ومن أَجلِّ الأئمة الذين تصدوا لشرح «التلمسانية» الإمام الفقيه الفرضي العروضي المبرز أبو الحسن علي بن يحيى بن محمد المغيلي المالكي، وكان دافعه إلى وضع شرحه  ما ذكره في مقدمته حيث قال: «لما رأيت طلبة الزمان مولعين برجز الفقيه الفاضل النحرير الفرضي أبي إسحاق إبراهيم بن أبي بكر التلمساني … معتكفين على درسه، ومعتنين بفهمه، انتدبت إلى شرحه، وفكّ ألفاظه، قاصدا بذلك ثواب الله تعالى، ومع ذلك فقد ألحّ عليّ بعض الطلبة ممن اعتنى به راغبا في ذلك، فأسعفته، وأجبته على ذلك…».

وبعد المقدمة تناول الشارح أبيات الأرجوزة مبينا معانيها، كاشفا غوامضها، وذلك بحسب ترتيب الأصل، الذي تناول الحقوق المتعلقة بالتركة، وأسباب الإرث، والوارثين من الرجال والنساء، والتعصيب، وموانع الإرث، والفروض وأصحابها، والحجب، والمسائل الشاذة، وميراث الخنثى، وأحكام الولاء، وأصول المسائل، والعول، وتصحيح المسائل، وقسمتها، والانكسار على الأحياز؛ على حيز واحد، واثنين، وعلى ثلاثة أحياز، وعلى أربعة، والإقرار والإنكار وما يتعلق به، والتنازع في الاستهلال، والصلح وما يتعلق به من أحكام، والوصية وأحكامها، والمناسخات، وكيف العمل عند اختلاف السهام والورثة، وانكسار السهام، وقسمة التركة، وكيفية قسمة التركة المشتملة على عين وعروض، وأحكام تتعلق بالدين. ولم يقف الشارح عند حدود ما ضمه الإمام التلمساني أرجوزته، بل زاد عليه بذكر  مسائل المعاياة، وبعض الأسماء المستغربة في علم الفرائض.

وقد سار الإمام المغيلي في شرحه على منهج واضح المعالم، فبعد أن يثبت الأبيات التي يريد شرحها، يوضح ما يحتاج إلى توضيح من مصطلحات لغوية وفقهية، واعتمد في توجيه كلام الناظم وبيانه ملكته اللغوية الفذة، كما أظهر اعتناءً بالقراءات القرآنية؛ إذ اتخذها في بعض الأحيان طريقا للترجيح، وأغنى شرحه بضرب الأمثلة التطبيقية المناسبة للقواعد الفرضية، وامتاز أسلوبه بالوضوح والدقة في التعبير، والبعدِ عن التكلف، والظاهر أنه جنح في شرحه إلى الاختصار، وصرح الشارح في أحيان كثيرة بمذاهب الصحابة والتابعين في المسائل المختلف فيها، وبيّن أقوال بعض المذاهب في ذلك، ولو نقلا عن مصادره.

وأما مصادر الإمام المغيلي في شرحه فمتنوعة، فإلى جانب الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين، يقف القارئ لكتابه على جمهرة من كتب الفقه المالكي، كالمدونة، والواضحة لابن حبيب، والنوادر، والرسالة لابن أبي زيد القيرواني، والمعونة، والإشراف للقاضي عبد الوهاب البغدادي، والجامع لابن يونس، والتبصرة للخمي، والمقدمات لابن رشد، والاستذكار لابن عبد البر، ومختصر الحوفي في الفرائض، وغيرها، وفي شرحه أيضا ذكرٌ لبعض كتب التفسير واللغة والنحو، وأما استفادته من هذه المصادر فليست على درجة واحدة.

واعتبارا لقيمة هذا الشرح الإمام، فإن العلماء أبدوا عنايتهم به، فكان ممن نقل أقوالَ صاحبِه: العلامةُ الدسوقي في حاشيته، والعلامة الخرشي في شرحه على مختصر الشيخ خليل، والشيخ عليش في منح الجليل شرح مختصر خليل، والعلامة الفرضي محمد بن أحمد بن محمد بنيس في بهجة البصر. ولا شك أن هذا الشرح القيم كان حاضرا في حلقات الدرس الفرائضي لا سيما عند علماء المالكية.

صدر هذا الشرح عن مركز الإمام الثعالبي للدراسات ونشر التراث بالجزائر، ودار ابن حزم ببيروت، الطبعة الأولى سنة 1430هـ/2009 م. دراسة وتحقيق عبد اللطيف زكاغ.

الكتاب شرح الأرجوزة التلمسانية في الفرائض
المؤلف الإمام العلامة الفقيه أبو الحسن علي بن يحيى المغيلي المالكي(ت. بعد816هـ).
مصادر ترجمته البستان (82)، وإيضاح المكنون(2/583)، ومعجم المؤلفين55/198.
دار النشر مركز الدراسات الإمام الثعالبي للدراسات ونشر التراث (الجزائر) ـ دار ابن حزم (بيروت) ط1 سنة 1430هـ/2009م.

إنجاز: مصطفى عكلي

Science

الدكتور مصطفى عكلي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

عميد كلية الدراسات الإسلامية بالإنابة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. المطلوب كتب للتحميل لان كتبكم نظيفة وسنية وخالية من دنس السلفية والكتاب المغاربة اقلامهم نظيفة ولكم شكري وتقديري ورمضان كريم

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق