مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

شذرات من سير رجالات مراكش السبعة الأنوار اللامعات في التعريف بصاحب دلائل الخيرات

د. محمد الهاطي  

باحث بمركز الإمام الجنيد

   ولد سيدي امحمد بن سليمان الجزولي، الشريف النسيب سنة 807 هجرية،  وقضى طفولته بمسقط رأسه جزولة من إقليم سوس. ازداد شغف هذا الطالب السوسي إلى مزيد الارتشاف من ينابيع العلم الصافية، فتحمل المشاق، واسترخص الغالي والنفيس في سبيل ذلك، وانخرط في مواكب الرحلة إلى مظان العلم ومراكزه آنذاك. ليُلقي عصا التسيار بفاس، فالتحق بمدرسة الصفارين التي عاش بها حياة العزلة والتأمل، إذ لم يكن يُدخل أحدا إلى غرفته التي كان يخلو فيها بنفسه. بعدها سيشد الجزولي الرحال إلى المشرق، هناك سيمكث زهاء سبع سنوات باحثا عن الشيخ المربي،  ليقفل راجعا إلى فاس من جديد.

      وقبل أن يرشده شيخه أحمد زروق إلى الشيخ المربي والمُعين على سلوك الطريق الشيخ محمد أمغار الصغير بتيط، قضى الجزولي ليالي وأياما بفاس يتلون فيها بين حال الوجد والشغف إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، يُردد شتى صيغ التصليات على النبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت وحال، لدرجة أن البعض اعتقد أن الجزولي قد أصيب بمس. وكما ذكر العلامة محمد العربي بن يوسف الفاسي: “فقد تتبع الجزولي المروي من ألفاظ الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم يجمعه، فأفرد لهذه الصيغ كتابا فريدا سماه: “دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار”؛ وهو المؤلف الذي أشاع محبة النبي صلى الله عليه وسلم في الآفاق، فرُزقَ من القبول ما قل نظيره، وطار صيته، وانتشرت نسخه بين الناس شرقا وغربا، وعكف الخاص والعام على قراءته وحمله، وشرح أسراره والتعاليق عليه منذ تأليفه، وما زالوا.

     كما تواترت عن الجزولي بعض الأقوال والحكم التي أوردها صاحب  “ممتع الأسماع”، ومنها قوله:

   “واعلم أن من كان في قلبه ثلاثة أمور وهو يدعو إلى الله بالتوبة فهو زنديق: الافتخار بالعلم، وسوء الخلق، وسوء الظن بالخَلْق”، وقال أيضا: “الأولياء يحسنون الظن بعباد الله، وعامة العلماء يسيئون الظن بعباد الله”، وقال كذلك: “الشيخ الواصل الذي يأخذ العلم من الله بدون واسطة، والمقطوع هو الذي سلك طريق المجاهدة، ولم يصل إلى طريق المشاهدة، فرجع إلى الخلق يدعوهم إلى الله، فدعاؤه على الحقيقة إنما هو للمجاهدة فقط؛ لأنه لم يصل إلى المشاهدة، والواصل هو الذي وصل إلى مقام المشاهدة وغاب في أنوار الكمال ولم يشغله شيء عن الملك الحق، وهو الذي إن رجع إلى الخلق رجع بأنوار وعلوم وأحكام، من تبعه تعلم وتنور، وفهم ما لم يفهمه غيره من أتباع المقطوعين”، وقال أيضا: “ليس كل داع وجب اتباعه، والداعي على الحقيقة هو الذي يدعو إلى الله على بصيرة”.   

  توفي الإمام الجزولي -رحمة الله عليه ونفع به- بآفوغال بمنطقة الشياظمة، صبيحة يوم الأربعاء من ذي القعدة الحرام، من عام تسعة وستين وثمانمائة للهجرة، ودُفن لصلاة الظهر من ذلك اليوم بوسط المسجد الذي كان أسسه هناك.

   وتجمع المصادر أن المدفن الأول للشيخ الجزولي كان بتاصروت، قبل أن تقدم بعض قبائل حاحا بنقل رفات الشيخ ودفنه بأفوغال، أما مدفنه الثالث والأخير، فلم يتم إلا سنة 930هـ، برياض العروس بحاضرة مراكش، حرسها الله.

   من مصادر ترجمته: ممتع الأسماع في ذكر الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع. والسعادة الأبدية في التعريف بمشاهير الحضرة المراكشية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق