مركز الدراسات القرآنيةشذور

شذرات من التفسير (6) ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾

إن الأساس الذي تنبى عليه الأخلاق في القرآن الكريم هو التقوى، فإنها الطريق إلى التخلق بالأخلاق الفاضلة، واكتساب الفضائل وإزالة الرذائل، وهي جهد متواصل من الفرد لا يتحقق إلا بالعمل المتواصل والإكثار من الأعمال الصالحة، لتتمكن الأخلاق الفاضلة من النفس ويتعذر إزالتها، وفي مقابل ذلك حذرنا القرآن المجيد من بعض التصرفات والأفعال التي تضيع فيها ثروات الأمة وتهدر في سافه، من ذلك الإسراف والتبذير، يقول الله سبحانه في سورة الإسراء: الآية 26: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾.

يقول محمد الطاهر ابن عاشور (المتوفى: 1393هـ) في معرض تفسيره لهذه الآية: «والتبذير: تفريق المال في غير وجهه، وهو مرادف الإسراف، فإنفاقه في الفساد تبذير، ولو كان المقدار قليلا، وإنفاقه في المباح إذا بلغ حد السَّرَفِ تبذير، وإنفاقه في وجوه البر والصلاح ليس بتبذير. وقد قال بعضهم لمن رآه ينفق في وجوه الخير: لا خير في السَّرَفِ، فأجابه المنفق: لا سرف في الخير، فكان فيه من بديع الفصاحة مُحسنُ الْعَكْسِ.

ووجه النهي عن التبذير هو أن المال جعل عوضا لاقتناء ما يحتاج إليه المرء في حياته من ضروريات وحاجيات وتحسينات. وكان نظام القصد في إنفاقه ضامن كفايته في غالب الأحوال بحيث إذا أنفق في وجهه على ذلك الترتيب بين الضروري والحاجي والتحسيني أَمِنَ صَاحِبُهُ مِنَ الَخْصَاصَةِ فيما هو إليه أشد احتياجا، فتجاوز هذا الحد فيه يسمى تبذيرا بالنسبة إلى أصحاب الأموال ذات الكفاف، وأما أهل الوفر والثروة فلأن ذلك الوفر ءات من أبواب اتسعت لأحد فضاقت على آخر لا محالة لأن الأموال محدودة، فذلك الوفر يجب أن يكون محفوظا لإقامة أود المعوزين وأهل الحاجة الذين يزداد عددهم بمقدار وفرة الأموال التي بأيدي أهل الوفر والجدة، فهو مرصود لإقامة مصالح العائلة والقبيلة وبالتالي مصالح الأمة.

.. والمقصد الشرعي أن تكون أموال الأمة عدة لها وقوة لابتناء أساس مجدها والحفاظ على مكانتها حتى تكون مرهوبة الجانب مرموقة بعين الاعتبار غير محتاجة إلى من قد يستغل حاجتها فيبتز منافعها ويدخلها تحت نِيرِ سُلطانه».

المصدر: التحرير والتنوير المسمى «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، محمد الطاهر ابن عاشور (ت 1393هـ)، (تونس: الدار التونسية للنشر، سنة: 1984 هـ) ج 15، ص 79.

Science

د. رضوان غزالي

باحث بمركز الدراسات القرآنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق