مركز الدراسات القرآنيةشذور

شذرات من التفسير (5):العباد في الدعاء على ثلاثة ضروب

هذه شذرات من تفسير تنبيه الأفهام إلى تدبر الكتاب الحكيم وتعرف الآيات والنبأ العظيم؛ لأبي الحكم عَبْد السَّلام بن عَبْد الرحمن بن محمد اللخمي الإشبيلي (ت 536 هـ)، في معرض تفسيره لقوله عز وجل:(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب. أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليومنوا بي لعلهم يرشدون) (البقرة: 186)، حيث يقول رحمه الله:

نظم جل جلاله وتعالى علاؤه وشأنه هذا بالمجاورة بقوله (كتب عليكم الصيام) (البقرة: 183)، وذكر جل ذكره ما جاء في ذلك؛ لقرب حكم الاستجابة من حال الصائم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تغني الإشارة إليه عن الإكثار طلبا للاختصار.

السؤال على ضربين: 

أحدهما: سؤال يعرف، ويعلم الجواب من ذلك بأنه قريب ممن دعاه.

والضرب الآخر: هو استدعاء بقول الله عز وجل: “هل من سائل فيُعطى؟ هل من داعٍ فيستجاب له”[1]، فالدعاء للإجابة، والسؤال للمثوبة والإعطاء. يقول: “دعوت الله، ودعوت الله” فالدعاء إلى الله عز وجل هو تحبيبه إلى عباده، وإدخالهم في عبادته، والعمل بطاعته.

يقول الله عز وجل: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا) (فصلت:33)، ودعاؤك إليه التضرع، وإظهار الحاجات والفاقة، كما قالوا: الدعاء زينة للآلات وحلية للأدوات، وإظهار الحاجات إلى رب العالمين.

  والعباد في الدعاء على ثلاث ضروب بعد اجتماعه في أصله:

فدعاء بالأقوال: وهو دعاء العامي.

– ودعاء بالأفعال: وهو دعاء الزاهد.

– ودعاء بالأحوال: وهو دعاء العارف، وهذه المنزلة مشتركة بين الدعاء والاستدعاء، فالدعاء ما تقدم ذكره، وهو النداء والتضرع، وإظهار الفاقة، والدعاء بالأحوال والأفعال هو الاستدعاء؛ لأنه بحالة الاضطرار، ولا بد للداعي من استدعاء في دعائه، وهو إظهار الاضطرار والافتقار، ولا بد من استعمال معنى السؤال؛ ليجمع له ذلك.

ولما كانت حقيقة الدعاء وفائدته إظهار الفاقة، والفقر إلى الله تعالى، فإنما يفتقر العبد إلى الله عز وجل عند رؤية الحقيقة وضرورة الحاجة إليه، فيكون علمه حينئذ بموضع الاستدعاء نفس العبودية، ويكون الدعاء على هذا استدعاء بالحال.

ومثل هذا قوله تعالى: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) (الأنفال:66)، فإنما خفف جل جلاله عنهم، والاضطرار الذي كان حالا علم الله ذلك منهم، وهو الذي ضيعه الغافلون قبلهم فحاق بهم المكروه. قال الله عز وجل: (فلما سوا ما ذكروا به…) إلى قوله جل قوله: (أخذناهم بغتة) (الأنعام: 44)، وقوله جل قوله: (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) (الأنعام:43)

وقوله: (فليستجيبوا لي) معناه: بالإيمان، والعمل بطاعتي (لعلهم يرشدون) (البقرة: 186)، أي: يصلحوا لأنْ أختصهم وأتولاهم بولايتي، فألحقهم بمن توليت شأنهم وعصمتهم ووليت أمرهم، فيكونون يسمعون بي، ويتضرعون بي، وينطقون بي، ويمشون بي، وأجعلهم في مواطن محادثتي وتكليمي، وهناك إن دعوني أجبتهم، وإن سألوني أعطيتهم، وإن استنصروني نصرتهم.

المصدر: تفسير ابن برجان، المسمى تنبيه الأفهام إلى تدبر الكتاب الحكيم وتعرف الآيات والنبأ العظيم؛ لأبي الحكم عَبْد السَّلام بن عَبْد الرحمن بن محمد اللخمي الإشبيلي، 1/399-400

 [1] ـ صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، رقم الحديث: 758.

Science

د.محمد المنتار

• مدير البوابة الإلكترونية للرابطة المحمدية للعلماء.
• رئيس مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق