وحدة المملكة المغربية علم وعمرانأعلام

شاعر من الأندلس،أبو قاسم محمد بن هانيء

شاعر من الأندلس،أبو قاسم محمد بن هانيء

 في ظلال خلافة بني أمية بالأندلس، وفي عهد الناصر العظيم (300/350 ه) ولد الشاعر الكبير، ابن هانئ الأندلسي، اشتهر شعراء الأندلس، وأسيرهم ذكرا في تاريخ الشعر في المغرب.
ولد أبو قاسم محمد بن هانيء بن محمد الازدي في قرية وادعة من قرى اشبيلية، تدعى «سكون» عام 320هـ/932م، من أسرة عربية عريقة، يتصل نسبها بالمهلب بن أبي صفرة الازدي القائد الإسلامي المشهور في دولة بني أمية، وهي أسرة قحطانية يمنية، لها ماض حافل، وتاريخ تليد.
وكان أبوه هانيء من قرية من قرى «المهدية» عاصمة الفاطميين الأولى، وكان شاعرا أدبيا كما يروي المؤرخون، ثم هاجر من قريته في تونس على الأندلس، وعاش في اشبيلية، ونشا ابنه وترعرع في بيئتها الحافلة بالالون الحضارة والثقافة الآداب، وبأسباب المجد السياسي الذي كسبه الأمويون في عهد ملكهم الناصر لدين الله….
واختلف هانيء إلى حلقات العلم والأدب في اشبيلية، ثم رحل إلى قرطبة عاصمة الأمويين، ومقر الجامعات والمدارس والمكتبات والعلماء، وذات الشهرة التاريخية والحضارية الكبيرة.. وكانت هذه الرحلة للتعلم والتثقيف وقد حدثت في بدء حياة الشاعر، وكانت الثقافة الأندلسية في هذا العهد تنال من عناية الملك الأموي الناصر، ومن رعاية دولته وشعبه، كل ما كان يطمح إليه محب للعلم والمعرفة، وكان الناصر وولي عهده الحكم يعملان على نشر العلم، وتشجيع العلماء، وإقامة الجامعات ودور الكتب والمدارس، وفي عهدهما كانت رحلة العلماء من الشرق إلى الأندلس، ومن الأندلس إلى الشرق مستمر، وقد استقبل الناصر الوافدين على بلاطه من العلماء والأدباء كالقالي (288/356ه) وغيره.
وكانت السمة الغالبة على الثقافة الأندلسية حينذاك هي الدراسات الدينية واللغوية والأدبية الواسعة، وهي الثقافة التي تلقاها ابن هانيء في شبابه، ولعل ابن هانيء جلس في حلقة القالي بجامع قرطبة الكبير، واستمع إلى محاضراته اللغوية الشهيرة، وقد فرا الشعر الجاهلي وتأثر به واحتذاه، وخالط القبائل العربية التي كانت نازلة في قرطبة واشبيلية، وتأثر بلفاتها ولهجاتها.
وورث الشاعر عن أبيه حب الأدب وتذوقه، والإقبال على الشعر والاحتفاء به، مما نمى ملكة الشعر في نفسه، وقد اطلع الشاعر على آثار الشعراء الجاهليين والإسلاميين والمحدثين، وعلى شعر المتنبي الذي عاصره وتأثر به، فقد قرأ ديوانه كما ترشدنا إلى ذلك قصيدته الحادية والعشرين من ديوانه الذي علق عليه الدكتور زاهد علي.
وفي قصيدته الفائية الحادية والثلاثين من ديوانه وصف دقيق للنجوم وهيأتها وحركاتها في إشراقها وغروبها، وقد يدل ذلك على إلمام الشاعر ببعض فنون من الفلسفة، ويروي لنا التاريخ الأدبي أن ابن هانيء كان منهما في الأندلس بمذاهب الفلاسفة كما يقول الذهبي، وكانت الفلسفة محاربة في بيئة الأندلس حربا شديدا، وقد تعرض الشاعر بسبب ذلك للقتل، مما دعاه إلى التفكير في الهجرة إلى المغرب.
نظم ابن هانيء الشعر،، ونبغ فيه، وذاعت شهرته بين الشعراء، ومدح بشعره رجالات الدولة، وخاصة أمير اشبيلين بعد أن عاد إليها من قرطبة، وقربه الأمير إليه، ولكن ابن هاني الذي ورث حب التشجيع آل البيت عن والده، كان يتجه بقلبه نحو المهدية يريد أن يعيش في ظل الراية البيضاء المرفوعة عليها، ويبدو انه كان لا يخلص للأمويين ولا يريد أن يعيش تحت ظلالا رايتهم الخضراء، كما كان يكره العباسيين والراية السوداء المرفوعة في بغداد، الظاهر أن ابن هاني ستار هذا الاتهام الغير الحقيقي اضطهد الشاعر من الدولة، أشار عليه أمير ايشبيلية بالهجرة، حيث خرج إلى عدوة المغرب، عام 347ه أو 346ه وهو في السابعة والعشرين أو السادسة والعشرين من عمره، وبذلك انتهت حياته الأولى في الأندلس، وقد ضاع كل شعره في هذه الفترة، وفي الحديث عن هذه الهجرة يقول الشاعر:
مستكبر لم يشعر الذل نفسه         أبي بإبكار المهاول فاتك
ولو علقته من أمية أحبل             لجب سنام من بني الشعر تامك
ولما التقت أسيافها ورماحها         شراعا وقد سدت على المسالك
أجرت عليها عابرا، وتركتها        كان المنايا تحت جنبي آرائك
وما نقموا إلا قديم تشيع              يفنجي هزبرا شده المندار
وفي هذه القصيدة يحمل على بني أمية، ويرميهيم بالجبن والبخل  شتى الرذائل.
-3-
واستقر الشاعر في المهدية موطن أسرته الأول، ومدح جوهرا قائد المعز الفاطمي، ثم مدح الخليفة المعز نفسه، واصطفاه جعفر بن علي أمير الزاب «والمسيلة» لنفسه، وكان جعفر احد قواد الفاطميين وولاتهم، وقد ولى الزاب والمسيلة مدة طويلة  (334/360ه).
وفي ظلال جعفر وأسرته عاش الشاعر، وفيهم نظم أكثر شعره، ومن كرمهم نهل السؤدد والثراء، حتى ليقول ابن هاني:
خليلي ابن الزاب عنا وجعفر           وجنة خلد بنت عنها وكوثر
فقيلي ناي عن جنة الخلد آدم            فما راقه في ساحة الأرض منظر
خليلي ما الأيام إلا بجعفروما           للناس إلا جعفر، دام جعفر
وطارت إلى جعفر ابن هاني، ووصلت المعز، فأرسل إلى جعفر يطلب بابن هاني عام 350ه إلى القيروان عاصمة الخلافة الفاطمية، ومدح الخليفة، وقربه الخليفة إليه، وأقام ابن هاني في فناء الخليفة واستظل بظله، وقال من رفده وبره الشيء الكثير، وقصائد ابن هاني في الخليفة الفاكطمي المعز لدين الله تسمى «المعزظيات» وهي أروع شعره، وابلغ أدبه، وفيها الكثير من تراث الفاطميين الروحي والفكري والسياسي.
ولما فتح جوهر مصر، وضمها إلى دولة الفاطميين نظم ابن هاني قصيدته المشهورة:
يقول بنو العباس: هل فتحت مصر؟
فقل لبني العباس: قد قضي الأمر
وقيل أن الشاعر بدأها بدعوة المعز للقضاء على الخلافة العباسية في بغداد:
تجهر إلى بغداد قد فتحت مصروأنجز صرف الدهر ما وعد الدهر
يقول بنو العباس: هل بلغ المدةفقل لبني العباس: قد قضي الأمر
وفي عام 362ه خرج المعز ميمما وجهه شطر مصر، يتخذها عاصمة لملكه الواسع وخرج ابن هانئ معه يودعه حتى برقة، ثم قفل الشاعر راجعا إلى القيروان فقتل في الطريق بيد بعض اللصوص الذين نهبوا ما كان معه من مال، وكان مقتله في رجب 362ه، ووصل المعز الإسكندرية في شعبان عام 362ه، ثم القاهرة في رمضان من العام نفسه، وفي الطريق بلغه مقتل شاعره فحزن لموته حزنا شديدا.
وابن هاني شاعر أندلسي، لان الأندلس هي التي غذته ووهبته أريج الشاعرية وموهبتها العالية.
وشعره المأثور المروي قاله كله في المغرب، في المعز ورجال دولته، وقد تفوق على شعراء عصره في المغرب تفوقا ظاهرا، ومنهم:
1) علي التونسي الشاعر، الذي قال فيه ابن هاني لما هجاه شعراء المغرب بعد هجرته: (لا أجيب أحدا منهم إلا أن يهجوني علي التونسي فأجيبه) كما يروي ابن رشيق في العمدة.
2) ومنهم: عبد الله بن الحسن الجعفري.
3) ومقداد بن الحسن الكتاني…. وسواهم من الشعراء…
ومع أن شعر ابن هاني ينزع نحو البداوي، ويحتذى فيه حذو الجاهليين، فانه يعد نسيج وحده جودة معان، وصحة أسلوب، وجزالة لفظ، وأحكام بناء، وكثرة أطناب، وجودة ابتداء، وحسن انتهاء، وصوره الشعرية كثيرة حتى ليضيق بها البيت من شعره، فنراه يقول في شعره في المدح مثلا:
كبدر الدجى، كالشمس، كالفجر، كالضحى    كصرف الردى، كالليث، كالغيث، كالبحر
وهو يذكرنا بقول الشابي:
عذبة أنت كالطفولة، كالاحــ            ــلام، كاللحن، كالصباح الجديد
وأغراض شعره تتفاوت بين: المدح والفخر، والرثاء، والعتاب، والوصف، والغزل، والهجاء، والحكمة، والشعر السياسي.
وقد لقب بتبني المغرب، وعده النقاد نديدا لأبي الطيب المتنبي، وصنوا له في الشاعرية، ووازنوا بينهما موازنات طويلة.
لقد كان ابن هاني أمير الشعر في المغرب في عصره، وقد ترك دويا ضخما في حياته وبعه حياته… فعليه رحمة الله.
النهــــر
كأنما النهـر صفحـة كتبـت                  اسطرهـا، والنسيــم ينشئهــا
لما أبانت عن حسـن منظر                  هـامالت عليها الغصــون تقرأهــا

  دعوة الحق، العدد 74.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق