مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

سلسلة التعريف بالمصادر النحوية 2- الجمل في النحو للزجاجي

كتبته: فرح الشويخ الباحثة بمركز ابن أبي الربيع السبتي
تمهيد
نشط التأليف في النحو عند العرب منذ القرنين الثاني والثالث نشاطا دؤوبا، تُوج بمؤلفات نحوية جليلة القدر عظيمة الفائدة، أسهمت في إغناء التراث النحوي العربي، وانتقل النحو بذلك من طور الوضع والتكوين والنشأة والنمو إلى طور النضج والكمال؛ فقد نشأت مدرسة البصرة وبعدها مدرسة الكوفة بزمن طويل، ونشأ الخلاف بين المدرستين فوجد من النحاة من تعصب لمدرسة معينة، ووجد من أحاط بآراء المدرستين معا واختار لنفسه مذهبا يرضاه وهو حال مدرسة بغداد، فقد” وصل إليها علم البصرة والكوفة، فإذا هي لا تميل إلى قول إحداهما كل الميل، ولكنها تأخذ من كل القولين بطرف مع شيء من التفاوت في مقدار ما تأخذ. والزجاجي واحد من هؤلاء الذين تلقوا علم البصرة والكوفة، وبسطوا أقوال علماء المذهبين جميعا منتخبين منها ما يرون أنه الحق وكان بعد ذلك أميل إلى البصريين بآرائه وأحكامه”(1). وكل أولئك يجعل كتبه جديرةً بالدراسة والنظر، ومنها كتابه هذا «الجمل في النحو» الذي ذاعت شهرته، وشاعت سمعته

تمهيد

نشط التأليف في النحو عند العرب منذ القرنين الثاني والثالث نشاطا دؤوبا، تُوج بمؤلفات نحوية جليلة القدر عظيمة الفائدة، أسهمت في إغناء التراث النحوي العربي، وانتقل النحو بذلك من طور الوضع والتكوين والنشأة والنمو إلى طور النضج والكمال؛ فقد نشأت مدرسة البصرة وبعدها مدرسة الكوفة بزمن طويل، ونشأ الخلاف بين المدرستين فوجد من النحاة من تعصب لمدرسة معينة، ووجد من أحاط بآراء المدرستين معا واختار لنفسه مذهبا يرضاه وهو حال مدرسة بغداد، فقد” وصل إليها علم البصرة والكوفة، فإذا هي لا تميل إلى قول إحداهما كل الميل، ولكنها تأخذ من كل القولين بطرف مع شيء من التفاوت في مقدار ما تأخذ. والزجاجي واحد من هؤلاء الذين تلقوا علم البصرة والكوفة، وبسطوا أقوال علماء المذهبين جميعا منتخبين منها ما يرون أنه الحق وكان بعد ذلك أميل إلى البصريين بآرائه وأحكامه”(1). وكل أولئك يجعل كتبه جديرةً بالدراسة والنظر، ومنها كتابه هذا «الجمل في النحو» الذي ذاعت شهرته، وشاعت سمعته.

التعريف بالمؤلِّف:

اسمه ومولده ونشأته:

هو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي النحوي البغدادي داراً ونشأة، النهاوندي أصلاً ومولداً(2)، ولم يذكر أحد من الذين ترجموا له على كثرتهم السَّنة التي ولد فيها. وقد انتقل الزجاجي إلى بغداد، ولزم الزّجاج أبا إسحاق، وقرأ عليه النحو، وانتقل إلى الشام، فأقام بحلب مدّة، ثم انتقل إلى دمشق، وأقام بها وصنّف(3)، وكانت حياة أبي القاسم حركة دائمة وعلما متصلا، فهو – حيثما أقام- تلميذ متطلع مستفيد، أو معلم يجلس للدرس والإملاء(4).

شيوخه وتلامذته:

شيوخ الزجاجي كثر فما نزل بلدا إلا لقي شيوخه وأخذ عنهم، ولعل من أبرزهم أبا إسحاق إبراهيم السري بن سهل الزجاج (ت311هـ) الذي صاحبه فنسب إليه وعرف به(5)، وكذلك تَلْمَذَ الزجاجي لمشاهير العلماء في عصره والذين كان لهم أثر بالغٌ في تكوين شخصيته وثقافته المتنوعة، ومن بينهم ابن السراج(316هـ) أحد علماء عصره المشهورين بالنحو، والأخفش الأصغر(315هـ) ، وأبو بكر الأنباري (271-328هـ) صاحب التصانيف في النحو واللغة والأدب، وذكروا من شيوخه أبا عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة المشهور بـنفطويه (244-323هـ) وابن كيسان(299هـ)  وابن دريد الأزدي(223-321هـ) ، وأبا موسى الحامض(305هـ)،  وغيرهم كثير ممن خمل ذكرهم أو اقتصرت شهرتهم على عصرهم.

وقد دَرَّسَ الزجاجي في جامع بني أمية” كما رحل إلى طبرية وأيلة، فأملى وحدث، لاسيما في دمشق، وانتفع به كثيرون وتخرجوا على يديه”(6) ومنهم محمد بن سابقة النحوي وعبد الرحمن بن عمر بن نصر، أحمد بن محمد بن سلامة وأبو يعقوب إسحاق بن أحمد الطائي.

وفاته:

توفي الزجاجي رحمه الله- في رجب سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وقيل: سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة(7)، وقيل: في شهر رمضان سنة أربعين وثلاثمائة (8) بطبرية.

مصنفاته:

خلف الزجاجي مصنفات جليلة تشهد على غزارة علم الرجل أهمها:

– كتاب الجمل: وهو أهم كتبه المشهورة في أيدي الناس(9)، يقول القفطي:” والكتاب مبارك ما اشتغل به أحد إلا انتفع”(10)،”وهو كتاب المصريين وأهل المغرب وأهل الحجاز واليمن والشام إلى أن اشتغل الناس ب«اللمع» لابن جنّى، و«الإيضاح» لأبي على الفارسي”(11).

– الإيضاح في علل النحو: وهو كتاب يتألف من مقدمة وثلاثة وعشرين بابا في النحو، تناول الحديث فيه عن الاسم والفعل والحرف يضاف إليها مسائل صغيرة ألحقها الزجاجي في آخره(12)، وقد قام بتحقيقه الدكتور مازن المبارك.

– تفسير رسالة أدب الكتاب: وهو كتاب شرح فيه الزجاجي خطبة أو مقدمة كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة الدينوري ويعد من أقدم شروح الكتاب وأوسعها، حققه وعلق عليه الدكتور عبد الفتاح سليم، نشره معهد المخطوطات العربية، سنة 1993م.

– مختصر الزاهر: وهو كتاب اختصر فيه كتاب «الزاهر في معاني كلام الناس» للأنباري، حققه تامر محمد أمين حسنين، نشرته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر في مجلدين، سنة 2013م.

– اللامات: وهو كتاب يبحث في اللامات ومواقعها في كلام العرب وكتاب الله عز وجل، قام بتحقيقه الدكتور مازن المبارك أيضا.

– الأمالي: وهو عبارة عن مجموعة أخبار وقصص وحكايات وأشعار متتالية متنوعة، لا نظام لها ولا رابطة بينها، وقد يتعرض لبعض المسائل النحوية فيورد أقوال النحاة فيها، ثم يذكر رأيه ويعلله(13)، قام بتحقيقه وشرحه عبد السلام محمد هارون.

التعريف بالمؤلَّف:

مكانته وأهميته وثناء العلماء عليه:

يقول اليافعي:” لعمري إن كتابين قد عظم النفع بهما، مع وضوح عبارتهما، وكثرة أمثلتهما، وهما: «جمل الزجاجي» المذكور، و«الكافي في الفرائض» للصروفي، من أهل اليمن رضي الله تعالى عنه، هما كتابان مباركان ما اشتغل أحد بهما إلا انتفع خصوصاً أهل اليمن بكتاب الكافي المذكور، وبالجمل في بلاد الإسلام على العموم”(14).

كتاب «الجمل» من الكتب النحوية التي شاع نفعها وعم ذكرها، والتي أثنى عليها جل العلماء العرب وتداولها الطلبة ووقفوا عليها بالدرس والتحليل شرقا ومغربا، حتى أصبح الزجاجي ينسب إلى كتابه فيقال( الزجاجي صاحب الجمل)، يقول ابن العماد:” وقد انتفع بكتابه «الجمل» خلق لا يحصون”(15)، وفي ذلك يقول ابن خلكان أيضا:” وكتابه «الجمل » من الكتب المباركة لم يشتغل به أحد إلا وانتفع به، ويقال إنه صنفه بمكة، حرسها الله تعالى، وكان إذا فرغ من باب طاف أسبوعاً ودعا الله تعالى أن يغفر له وأن ينفع به قارئه”(16).

يقول حاجي خليفة في معرض حديثه عن كتاب الجمل:” وهو كتاب، نافع، مفيد”(17).

يقول السيد البطليوسي أحد شراح الكتاب:” وهو – لعمري- كتاب قد أنجد وأغار، وطار في الآفاق كل مطار، وواضعه – رحمه الله- قد نزع فيه المنزع الجميل، فإنه حذف الفضول واختصر الطويل”(18).

ومن نوادر ما يروى في شأن الكتاب أن الزجاجي” لما صنف «الجمل» لم يضع مسألة إلا وهو على طهارة”(19).

مضامينه:

عقد الزجاجي –رحمه الله- كتابَه في خمسة وأربعين ومائة باب، تنوعت بين أبواب النحو والصرف والأصوات والضرورات الشعرية وإن غلب عليه الطابع النحوي.

يتحدث الزجاجي في القسم الأول من الكتاب عن أقسام الكلام العربي حيث يقول:” أقسام الكلام ثلاثة: اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى”، معرفا بكل قسم على حدة؛ فالاسم: “ما جاز أن يكون فاعلا أو مفعولا أو دخل عليه حرف من حروف الخفض”، والفعل: “ما دل على حدث وزمان ماض أو مستقبل”، والحرف: “ما دل على معنى في غيره” (20).

ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى باب الإعراب وفيه تحدث عن الأسماء المعربة والمبنية، كما تحدث عن علامات الإعراب مفصلا القولَ في كل من الرفع والنصب والخفض والجزم، ثم يتبع هذا الباب بمجموعة من الأبواب النحوية كباب الأفعال والفاعل والمفعول به.

بعد ذلك يعقد المؤلف بابا في التوابع بدءاً بالنعت والعطف، مرورا بالتوكيد وانتهاءً بالبدل، وما إلى ذلك من الأبواب النحوية كالابتداء والأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر وغيرها من الأبواب التي يسير في ترتيبها ترتيبا دقيقا، ويظهر في ترتيبها احتفاله بالعامل(21).

يتخلل هذه الأبواب النحوية مجموعة من الأبواب الصرفية والصوتية كباب ما ينصرف وما لا ينصرف وباب صيغة “فَعَال”، وباب التصغير والنسب إضافة إلى باب في الترخيم وباب في العدد والمذكر والمؤنث والمقصور والممدود، كما خصص المؤلف أبوابا للحروف وعملها ومواضعها ومعانيها.

وفي القسم الأخير من الكتاب يتحدث الزجاجي –رحمه الله- عن أقسام المفاعيل الخمسة، وعن الجمع المكسر، وعمَّا يجوز للشاعر أن يستعمله في ضرورة الشعر، ويختم الكتاب بمجموعة من الأبواب الصرفية كبابي الحروف المجهورة والمهموسة يقول المؤلف:” الحروف المهموسة عشرة، وهي: الهاء، والحاء، والخاء، والكاف، والسين، والشين، والثاء، والصاد، والتاء، والفاء”(22)، و”الحروف المجهورة تسعة عشر حرفا، وهي ما عدا المهموس الذي ذكرنا”(23)، وباب أبنية الأفعال والأسماء، وباب الإمالة والإدغام وشواذه، وباب الإبدال والإعلال، وباب حروف الهجاء وغيرها من الأبواب الصرفية، وبذلك يكون كتاب «الجمل» كتابا جامعا وشاملا للأبواب النحوية والصرفية والصوتية كذلك.

منهجه:

يغلب الأسلوب التعليمي على كتاب الجمل للزجاجي فقد ذكرنا سابقا أنه قضى ردحا من الزمن مُدَرِّسا بجامع بني أمية وغيره، مما انعكس على أسلوب كتاباته، خاصة فيما يتعلق بسهولة الأسلوب ووضوحه وخلوه من التعقيد مراعاة لمستوى المتعلمين، وفي ذلك يقول القفطي:” وكانت طريقته في النحو متوسطة، وتصانيفه يقصد بها الإفادة”(24)،ويقال ” إن كتب النحو لا توضع كلها لطبقة واحدة من الناس. فلئن كان كتاب سيبويه وأمثاله يصلح للشيوخ الذين تعمقوا في العلم، ووقفوا على أسراره ودقائقه، فإن كتاب الزجاجي وأمثاله لينفع المبتدئين في النحو والمتطلعين إلى تعلمه”(25).

ومن سمات منهج الزجاجي في كتابه أيضا كثرة الأمثلة والشواهد القرآنية والشعرية وكلها أمور يقصد بها الإفادة، فقد أورد ما يزيد على عشرين ومائة بيت من الشعر والرجز ونسب أكثرها إلى قائليها، وقد أورد عددا من الأمثال والأقوال المشهورة، إضافة إلى حديثين شريفين فقط(26)، وكثرة هذه الشواهد تفضي به إلى التحليل والتعليل، كما تفضي به أحيانا إلى مناقشة آراء أعلام المدرستين البصرية والكوفية، وإن كانت كثرة هذه الأمثلة والشواهد عند البعض تنتقص من أهمية الكتاب يقول ابن خلكان:” وهو كتاب نافع لولا طوله بكثرة الأمثلة”(27).

شروح الكتاب:

لقي كتاب الجمل للعلامة الزجاجي عناية بالغة من المهتمين بالنحو حتى ذُكِر أن له مائة وعشرين شرحا – على أن هذا العدد وإن كان مبالغا فيه إلا أنه يدل على أهمية الكتاب وشهرته- والمطلع على هذه الشروح يجد أن أغلب هؤلاء الشارحين مغاربة وأندلسيون وفي ذلك يقول محمد الطنطاوي:” لهذا الكتاب عند المغاربة حظوة تداني كتاب سيبويه عند المشارقة، فتصدى الكثير لشرحه وشرح شواهده”(28).

وقد تنوعت هذه الشروح بين شرح للكتاب ككل( كشرح الجمل للأعلم الشنتمري من النحويين، وشرح الإمام عبد القاهر الجرجاني من البلاغيين)، وشرح شواهد الكتاب وأبياته (ومن بينها نذكر كتاب “عون الجمل” لأبي العلاء المعري ألفه في شرح شواهد الجمل، وكذلك كتاب “الحلل في شرح أبيات الجمل” للبطليوسي، ولابن هشام الأنصاري شرح موجز للكتاب مع شرح شواهده وإعرابها كذلك)، وشرح مشاكله ومواضع الخلل فيه (ونمثل له بكتاب “الحلل في إصلاح الخلل من كتاب الجمل ” للبطليوسي أيضا، وهو كتاب مطبوع متداول) وذكر حاجي خليفة أنه أحسن شروح الكتاب(29)، أو وضع تعليقات وتعقيبات على الكتاب وذكر السيوطي أن لابن الضائع شرحاً للجمل رد فيه اعتراضات البطليوسي على الزجاجي.

طبعاته:

طبع الكتاب ثلاث طبعات نوردها كالآتي:

الطبعة الأولى: بتحقيق الشيخ محمد بن أبي شنب، طبع في الجزائر، بمطبعة جول كربونل، سنة 1926م.

الطبعة الثانية: طبع في باريس مرة ثانية بعناية الشيخ محمد بن أبي شنب أيضا،  سنة 1957م.

الطبعة الثالثة: حققه وقدم له الدكتور علي توفيق الحمد، مطبوعات مؤسسة الرسالة في بيروت ودار الأمل في الأردن سنة1404هـ / 1984م.‏

ــــــــــــــ

الهوامش:

1-الزجاجي حياته وآثاره ومذهبه النحوي ص:16.

2-وفيات الأعيان 3/136.

3-إنباه الرواة على أنباه النحاة2/160.

4-الزجاجي حياته وآثاره ومذهبه النحوي ص:8.

5-وفيات الأعيان 3/136.

6-مقدمة محقق كتاب الجمل ص:13.

7-وفيات الأعيان 3/136.

8-إنباه الرواة على أنباه النحاة2/160.

9-نزهة الألباء في طبقات الأدباء ص:227.

10- إنباه الرواة على أنباه النحاة2/160.

11-المصدر نفسه 2/161.

12-الزجاجي حياته وآثاره ومذهبه النحوي ص:54.

13-المرجع نفسه ص:54.

14-مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان2/249.

15-شذرات الذهب في أخبار من ذهب4/220.

16-وفيات الأعيان 3/136.

17-كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون1/604.

18- الحلل في إصلاح الخلل من كتاب الجمل ص:57.

19-البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة ص:81.

20-الجمل في النحو ص:1.

21- مقدمة محقق كتاب الجمل ص:20.

22- الجمل في النحو ص:412.

23-المصدر نفسه ص:413.

24-إنباه الرواة على أنباه النحاة2/160.

25-الزجاجي حياته وآثاره ومذهبه النحوي ص:24.

26-مقدمة محقق كتاب الجمل ص:19.

27-وفيات الأعيان 3/136.

28-نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة ص:174.

29-كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون1/604.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق