وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

سقايات مدينة مكناس

تعد مدينة مكناس إحدى حواضر المغرب الشهيرة خلال العصور الإسلامية، وتتميز بمآثرها التاريخية  وقصورها ومساجدها وبهوائها وبساتينها، كما تتوفر مدينة مكناس على العديد من  السقايات منذ عهد الموحدين، حيث  شهدت مكناس في عصر الموحدين تطوراً عمرانياً كبيرا، فاهتموا بتوفير الماء للمدينة عن طريق استخدام نظام مائي يوفر المياه للسقايات والمساجد   والساحات العمومية، وقد شكلت نظاما فعالا في تزويد ساكنتها بالماء، وتميزت بزخارفها ونسقها المعماري المتباين من حومة إلى أخرى ومن عصر إلى آخر…

وكانت في المدينة بداوة ثم تمدنت واكتسبت حضارة، وزيد بعد عام الستمائة في جامعها الأكبر زيادة ظاهرة، وجلب إليها الماء على ستة أميال من عين طيبة الماء، عجيبة القدر بموضع يقال له تاجما، وأجري الماء إلى الباب الشرقى الجوفي من أبواب الجامع وسمي باب الحفاة، وكان متصلا بالباب الذي يسمي لهذا العهد باب الزرائعيين، وبنيت قريبا من هذا الجامع دار للوضوء حفيلة على مثال دار الوضوء بفاس، وهذا كله في أيام الموحدين[1]

وجاء في  إتحاف أعلام الناس:” حينئذ صرفت حامية مكناسة وجهتها عن ماء عيون أبى العمائر، وأباحت ورده لمن يريده من وارد وصادر، فضعفت رغبة الأهالى في السقى من ذلك الماء بعد الحرص الشديد، ورجع لها بعض ما كان بها قبل من المستقذرات كغسل الأثواب الوسخة وأدخلت الدولة الحامية ماء عين تاكما للمدينة الجديدة وقصرته عليها واستغنت به عما سواه، ثم بعد كتبي هذا أدخل ماء عين تاجما للمدينة الأهلية أيضا لمكناسة واتخذت له سقايات عمومية بأزقتها وأبيح إدخاله للدور لمن تعلقت له به رغبة بالشراء من الإدارة البلدية، وقد كان ماء هذه العين في سالف الدهور مسوقا للمسجد الأعظم بالعاصمة في ساقية وسط حائط حذو الوادى في ناحية ضريح أبى زكرياء الصبان المعروف الآن بسيدى بوز كرى.”[2]

وتعتبر السقايات التقليدية بمدينة مكناس جزء من التراث المعماري العريق، من حيث النقش والزخرفة، وتؤرخ لمراحل مختلفة من تاريخ المدينة، إذ يعود تاريخ أول سقاية أحدثت بالمدينة إلى القرن 12 خلال فترة الموحدين، وكانت تسمى آنذاك بسقاية الشهود التي كانت تقع بحي القرسطون أمام المسجد الأعظم، وأن أغلب السقايات الموجودة حاليا والتي كانت تزود الساكنة بالماء هي في طريق الانقراض، ولا تزال آثارها قائمة مما يستوجب صيانتها باعتبراها منجزا تاريخيا عريقا، وتراثا يؤثث الفضاء داخل المدينة، وفي الواقع أن هناك سقايات عريقة اختفت واندثرت بشكل كلي، فيما لا تزال آثار سقايات أخرى قائمة يتعين ترميمها وإصلاحها، وذلك لدورها الأساسي بالنسبة لبعض الأحياء والدواوير التي لا تتوفر على ربط لشبكة الماء الصالح للشرب[3].

وتعد أحياء المدينة العتيقة، كساحة الهديم وباب منصور العلج  والقصبة الإسماعلية، من أهم المواقع الأثرية التي تتواجد بها سقايات مرتبطة بالإرث التاريخي لمكناس، منها من اندثر واختفى، ومنها من تغيرت وظيفتها وبقيت على شكل أطلال، في حين بدأت سقايات أخرى تفقد وظيفتها فطالها النسيان، وفقدت جماليتها وحضورها التاريخي في حياة الساكنة، لاسيما وأن السقايات كانت مرتبطة إما بأنشطة حرفية وتجارية أو بالمساجد أو تزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب، ولولا موقعها داخل النسيج التاريخي، الذي يساهم في تأثيث الفضاء بفسيفسائها القديم، وكذا تصنيف مآثر المدينة ضمن قائمة التراث العالمي، وتمت إزالة ما تبقى من السقايات العريقة على غرار ما حدث لسقايات تقليدية بأحياء حديثة تم حذفها كليا بمبرر تبذير الماء، خاصة بعدما تم ربط منازل قاطني هذه الأحياء بشبكة الماء الصالح للشرب والصرف الصحي، ويتعلق الأمر بأحياء سيدي بوزكري والنزالة بطريق مولاي إدريس وسيدي بابا ومرجان وبني امحمد وتواركة والفخارين وكذا دواوير أخرى بضواحي مكناس كمنطقتي الحاج قدور وتولال[4]..

ومنها تجديد سقاية أبى الحسن على بن منون، وإحداث أنبوبين للسبيل بزقاق روى مزيل، وتجديد سقاية جامع الزيتونة، وتجديد سقاية حومة حمام الجديد، وسقاية درب القرع، وسقاية التوتة، وسقاية ضريح أبى محمد عبد القادر العلمى، وسقاية سبع أنابيب مع تجديد سقفها وترصيف أرض مباحها، وسقاية حمادشة بتزيمى الصغرى، وسقاية تزيمى الكبرى، وسقاية براكة، وسقاية حومة جامع الساباط، وسقاية الغمادين داخل باب الجديد[5].

وإحداث سقاية وكنف بالوسعة داخل باب السيبة، وتجديد سقاية العوادين وسقف سقاية الشريشرة، وسقاية تبربارين، وإحداث سوق لبيع الخضر يدعى البلاصة بالعريصة المعروفة قديما باسم حبس قارة التي كانت معدة لنزول قائد حنطة الأتاى، وإنشاء المحكمة الباشوية حذو البلاصة المذكورة، وإحدات البوسطة بمحل الزواية العينية التي كان أحدثها القائد إدريس بن يعيش، وصرف على بنائها كمية ليست بالتافهة الكائنة بدار السمن. [6]

ويوجد بمدينة مكناس حوالي 74 سقاية تقليدية وحديثة توجد بأحياء المدينة العتيقة، وهنا نذكر أهمها:

السقاية الكبرى بالهديم: من بناءات العهد الإسماعيلي وتم إعادة تجديدها في عهد السلطان مولاي يوسف بن الحسن سنة 1332 هـ ، كماهو منقوش عليها.

سقاية سبع عنانب: تقع بزنقة السويقة أمام الزاوية الكتانية بالمدينة القديمة تعود لفترة المرينيين، وتعد من أكبر سقايات مدينة مكناس.

سقاية سيدي احمد بن خضرا

سقاية باب عيسي

 

سقاية قبة السوق

 

سقاية السرايرية

 

هذه السقايات وغيرها ما تزال أغلبها تزود الساكنة بالماء، ومنها من تغيرت وظيفتها، ومنها من تعرضت للإهمال والخراب… الأمر الذي يتطلب ضرورة وضع رؤية واضحة لترميم ماتبقى من سقايات المدينة وإنقاذها من الاندثار.

[1] –  الروض الهتون في مكناسة الزيتون ص 74 طبعة 1988 المطبعة الملكية الرباط.

[2] –  إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس (1/80) الطبعة الأولى 2008م مكتبة الثقافة الدينية القاهرة.

[3] –  الفضائل النفسية والاجتماعية والقيمية لبناء الأسبلة المائية الوقفية الخيرية ص 107 الطبعة الثانية  1436هـ، دار الهدى للطباعة.

[4] –  الفضائل النفسية والاجتماعية والقيمية لبناء الأسبلة المائية الوقفية الخيرية ص 109 الطبعة الثانية  1436هـ، دار الهدى للطباعة.

[5] –  إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس (1/265) الطبعة الأولى 2008م مكتبة الثقافة الدينية القاهرة.

[6] –  إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس (1/265) الطبعة الأولى 2008م مكتبة الثقافة الدينية القاهرة.

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق