مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

سال سائل بعذاب واقع ..

 

 

 

بدر العمراني

قال: (وفي الجامع لأحكام القرآن للقرطبي عند تفسير قوله تعالى: “سأل سائل بعذاب واقع” من سورة المعارج آية [1]. قيل: إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان، وذلك أنه لما بلغه قول النبي (ص) في علي (رض): “من كنت مولاه فعلي مولاه” ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح ثم قال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله، وإنك رسول الله فقبلناه منك، … إلى قوله: ثم لم ترض بهذا حتى فضلت ابن عمك علينا، أفهذا شيء منك أم من الله؟ فقال النبي (ص): والله الذي لا إله إلا هو ما هو إلا من الله، فولى الحارث وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فو الله ما وصل إلى ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله، فنزلت: “سأل سائل..”)([1]).

قلت: هذا القول ضعيف، خصوصا وأنّ القرطبي أورده بصيغة التّمريض، وذكره مع جملة من الأقوال الواردة في سبب نزول الآية، مصدّرة ب: قيل، دون ترجيح.

وأصل الحكاية، ما رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، عبر خمس روايات:

الأولى: قال: أخبرنا أبو عبدالله الشّيرازي، أخبرنا أبو بكر الجرجرائي، حدثنا أبو أحمد البصري، قال: حدثني محمد بن سهل، حدثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصاري، حدثنا محمد بن أيوب الواسطي، عن سفيان بن عُيَيْنة، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن علي قال: لمّا نصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا يوم غدير خُمّ فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. طار ذلك في البلاد، فقدم على رسول الله النّعمان بن الحارث الفهري، فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأمرتنا بالجهاد والحج والصلاة والزكاة والصوم فقبلناها منك، ثم لم ترض حتّى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فهذا مولاه. أفهذا شيء منك أو من الله؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو إن هذا من الله، قال: فوَلّى النّعمان وهو يقول: اللهم إنْ كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطرْ علينا حجارة من السّماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فرماه الله بحجر على رأسه فقتله، فأنزل الله تعالى: (سأل سائل..)([2]).

هذا سند ضعيف جدا، فيه رواة لا تُعْرَفُ لهم ترجمة؛ مثل: زيد بن إسماعيل، علاوة على إعضاله، لأنّ عليّاً هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب تابعي([3]) لم يُدْرِكْ الحادث. ولم يُفصح عمّن تحمّل الخبر.

الثانية: حدّثونا عن أبي بكر السَّبِيعي، حدثنا أحمد بن محمد بن نصر أبو جعفر الضُّبَعي، قال: حدثني زيد بن إسماعيل بن سنان، حدثنا شُرَيْح بن النّعمان، حدثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر، عن أبيه، عن علي بن الحسين، قال: لمّا نصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا يوم غدير خُمّ فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. فطار ذلك في البلاد. الحديث به سواء معنى([4]).

هذا إسناد منكر، سنده معضل كسابقه، علاوة على أنّ الحسكاني لم يفصح عن شيوخه، وأبو بكر السبيعي لعلّه مصحّف عن أبي بكر الشافعي، الراوي عن أبي جعفر الضُّبَعِي، وهو: محمد بن أحمد بن هارون الرِّيوَنْدِي، متّهم بالوضع، قال الحاكم (وهو تلميذه): فلم يقتصر على ذلك، وعرض عليّ من حديثه المناكير الكثيرة، وروايته عن قوم لا يُعرفون، مثل: أبي العلوك والحجازي وأحمد بن عمر الزَّنْجاني([5]).

وزيد بن إسماعيل بن سنان، لم أقف على ترجمته، وشيخه شُرَيْح بن النعمان تصحّف، والصواب: سُرَيْج بالسين المهملة([6]).

الثالثة: ورواه أيضاً في التّفسير العتيق([7]) قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الكوفي، قال: حدثني نصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجُعْفِي، عن محمد بن علي قال: أقبل الحارث بن عمرو الفهري إلى النبي (ص)، فقال: إنك أتيتنا بخبر السماء فصدّقناك وقبلنا منك. فذكر مثله إلى قوله: فارتحل الحارث فلمّا صار ببطحاء مكة أتته جَنْدَلَة من السماء فشَدَخَتْ رأسه، فأنزل الله: (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين) بولاية علي عليه السّلام([8]).

هذا إسناد منكر، في سنده:

نصر بن مزاحم الكوفى. رافضي جَلْد، تركوه. قال العُقَيْلي: شيعي في حديثه اضطراب وخطأ كثير. وقال أبو خيثمة: كان كذابا. وقال أبو حاتم: واهي الحديث، متروك. وقال الدارقطني: ضعيف([9]).

عمرو بن شِمْر الكوفي، رافضي متروك([10]).

جابر بن يزيد الجُعْفِي، شيعي غالٍ، قال أبو داود: ليس عندي بالقوي. وقال النسائي: متروك([11]).

ومحمد بن علي هو ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهذا يدل على الإعضال.

الرابعة: قال: حدثني أبو الحسن الفارسي، حدثنا أبو الحسن محمد بن إسماعيل الحسني، حدثنا عبدالرحمن بن الحسن الأسدي، حدثنا إبراهيم.

وأخبرنا أبوبكر محمد بن محمد البغدادي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني، حدثنا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي، حدثنا إبراهيم بن الحسين الكسائي، حدثنا الفَضْل بن دُكَيْن، حدثنا سفيان بن سعيد، حدثنا منصور، عن رِبْعِي، عن حُذَيْفة بن اليمان، قال: لما قال رسول الله (ص) لعلي: من كنت مولاه فهذا مولاه، قام النعمان بن المنذر الفهري، فقال: هذا شيء قلته من عندك أو شيء أمرك به ربك؟ قال: لا بل أمرني به ربي، فقال: اللهم أنزل علينا حجارة من السماء، فما بلغ رحله حتى جاءه حجر فأدماه فخرّ ميتاً، فأنزل الله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع). والطريقان لفظهما واحد([12]).

إسناد منكر، فيه:

عبدالرحمن بن الحسن الأسدي، قال صالح بن أحمد الهمذاني الحافظ: ادعى الرواية عن إبراهيم بن دِيزِيل، فذهب علمه. وقال القاسم بن أبي صالح: يكذب. وقال الخطيب البغدادي: رأيت في كتبه تخاليط([13]).

وإبراهيم بن الحسين الكسائي هو ابن دِيزِيل، وبه اشتهر وعُرِف([14])، وفي هذا السند تمّ تدليسه.

الخامسة: وأخبرنا عثمان، أخبرنا فُرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب البَجَلي قال: حدثنا أبو عمارة محمد بن أحمد المهدي، حدثنا محمد بن أبي معشر المدني، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعضد علي بن أبي طالب يوم غدير خُمّ، ثم قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، فقام إليه أعرابي فقال: دعوتنا أن نشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك رسول الله فصدّقناك، وأمرتنا بالصلاة والصيام فصلّينا وصمنا، وبالزكاة فأدّينا، فلم تقنعك إلا أن تفعل هذا؟ ! فهذا عن الله أم عنك؟! قال: عن الله لا عَنّي. قال: الله الذي لا إله إلاّ هو لهذا عن الله لا عنك ؟ ! ! قال: نعم ثلاثاً. فقام الأعرابي مسرعاً إلى بعيره وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك.. الآية، فما اسْتَتَمّ الكلمات حتى نزلت نار من السماء فأحرقته، وأنزل الله في عقب ذلك: سال سائل، إلى قوله: دافع([15]).

هذا إسناد منكر، فيه:

فرات بن إبراهيم الكوفي شيعي صاحب تفسير، ذكره أغابزرك الطهراني في الذريعة، وقال: (يروي فيه عن سائر مشايخه البالغين إلى نَيِّف ومائة كلهم من رواة أحاديثنا بطرقهم المسندة إلى الأئمة الأطهار عليهم السلام، وليس لأكثرهم ذكر ولا ترجمة في أصولنا الرجالية)([16]).

وأبو عمارة محمد بن أحمد بن المهدي، قال الدّارقطني: ضعيف جدا. وقال الخطيب البغدادي: وفي حديثه مناكير وغرائب([17]).

إذن، هذا الخبر باطل.

والصحيح ما رواه النَّسَائي قال: حدثنا بِشْر بن خالد، حدثنا أبو أسامة، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع). قال النَّضْر بن الحارث بن كَلِدَة حين قال: (اللّهم إنْ كان هذا هو الحق من عندك) الآية، فدعا على نفسه، وسأل العذاب، فنزل ما سأل يوم بدر فقُتِل صَبْرًا، ونزل فيه: “سأل سائل بعذاب واقع” الآية. وإسناده صحيح. ذكر هذا السبب كل من الواحدي وابن كثير([18]). ولا ذكر فيه لولاية علي رضي الله عنه. 

                           والله الموفق لإيضاح الحق.

 


([1]) مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح للدكتور علاء الدين القزويني ص 100-101.

([2]) شواهد التنزيل 2/381-382.

([3]) انظر ترجمته في تهذيب الكمال 20/382.

([4]) شواهد التنزيل 2/382.

([5]) انظر لسان الميزان 5/42.

([6]) انظر ترجمته في تهذيب الكمال 10/218.

([7]) والتفسير العتيق هذا ينسبه الحسكاني إلى الحسين بن الحكم بن مسلم الكوفي الحبري الوَشّاء (ت281هـ)، شيخ من أهل السّنة، ثقة. ولا يُعرف له تفسير عند من ترجم له من أهل السنة. انظر ترجمته في تاريخ الإسلام للذهبي 6/739. ومغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار للعيني 1/212. إلا أن الشيعة طبعوا له تفسيرا وعدّوه من الزيدية.

([8]) شواهد التنزيل 2/382.

([9]) ميزان الاعتدال 4/253-254.

([10]) ديوان الضعفاء والمتروكين 1/206.

([11]) ديوان الضعفاء والمتروكين 1/142.

([12]) شواهد التنزيل 2/383-384.

([13]) تاريخ بغداد 11/591.

([14]) انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 13/184.

([15]) شواهد التنزيل 2/385.

([16]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 4/298.

([17]) تاريخ بغداد 1/227-228.

([18]) انظر أسباب النزول للواحدي 329. وتفسير ابن كثير 4/418.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق