الرابطة المحمدية للعلماء

زيارة الوحدة التاريخية للمغفور له محمد الخامس إلى محاميد الغزلان سنة 1958

يخلد الشعب المغربي وفي طليعته أسرة المقاومة وجيش التحرير بعد غد الأحد الذكرى 54 للزيارة التاريخية التي قام بها بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه إلى محاميد الغزلان يوم 26 فبراير 1958 حيث استقبل رضوان الله عليه ممثلي وشيوخ وأبناء القبائل الصحراوية وتلقى بيعتهم وولاءهم وجسد في خطابه التاريخي بالمناسبة مواقف المغرب الثابتة في سبيل تحقيق وحدة التراب الوطني.

وذكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في مقال بالمناسبة أن هذه الزيارة التاريخية جاءت تتويجا لملاحم الكفاح الوطني المرير ضد الاحتلال الأجنبي وكانت تعبيرا واضح المعالم عن عزم الشعب المغربي الأبي بقيادة العرش العلوي المجيد على استكمال استقلاله وحرصه على استرجاع أراضيه المغتصبة وتحقيق الوحدة الترابية المقدسة.

وقد أكد ذلك بشكل صريح المغفور له محمد الخامس في خطابه التاريخي أمام سكان محاميد الغزلان ومن خلالهم إلى الأمة المغربية والعالم أجمع حيث قال “سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لاسترجاع صحرائنا وكل ما هو ثابت لمملكتنا بحكم التاريخ ورغبات السكان وهكذا نحافظ على الأمانة التي أخذنا أنفسنا بتأديتها كاملة غير ناقصة”.

وكشف مبدع المسيرة الخضراء المظفرة المغفور له الحسن الثاني قدس الله روحه إبان زيارته الميمونة إلى محاميد الغزلان يوم 11 أبريل 1981 في خطابه السامي بالمناسبة عن المضامين السياسية لزيارة والده المنعم وعن الدلالات التاريخية العميقة التي يرمز إليها هذا الحدث الوطني المجيد حيث قال رضوان الله عليه مخاطبا سكان محاميد الغزلان “إن الذاكرة ترجع بنا إلى الوراء ترجع بنا إلى سنة 1958 حينما زاركم والدنا المنعم محمد الخامس وإننا لنذكر تلك الزيارة باعتزاز وتأثر نذكرها باعتزاز لأن من هنا انطلق صوته رحمة الله عليه مطالبا باسترجاع الأراضي المغربية حتى تتم الوحدة الوطنية ونذكرها بتأثر لأنها لم تكن صيحة في واد بل كانت نداء وجد أعظم صدى وكان عرسا له أكبر نماء وكان درسا في السياسة والصبر والمصابرة ها نحن اليوم نجني ثماره”.

لقد أعلن جلالة المغفور له محمد الخامس فور عودته منتصرا من المنفى السحيق يوم 16 نونبر 1955 يحمل إلى الشعب المغربي الأبي بشرى الحرية والاستقلال حرصه على إعادة بناء الكيان الوطني على أساس الاندماج الترابي بين مناطقه وأقاليمه وتحطيم الحدود الوهمية المصطنعة الموروثة عن العهد الاستعماري. فقبل أيام من زيارته لربوع ورزازات وزاكورة ألقى جلالته قدس الله روحه خطابا ساميا بعرباوة يوم 16 فبراير 1958 جاء فيه ”وإن مجيئنا الرمزي إلى هذا المكان ليؤذن بأنه لن يبقى بعده شمال وجنوب إلا في الاصطلاح الجغرافي العادي وسيكون هناك فقط المغرب الموحد”.

وفي غمرة هذه الأجواء الوطنية توجه الموكب الملكي إلى هذه المنطقة المجاهدة لصلة الرحم بأبنائها فهب المواطنون عن بكرة أبيهم لاستقباله رضوان الله عليه كما توافد أبطال المقاومة وأعضاء جيش التحرير ووجهاء وأعيان وممثلو الأقاليم الجنوبية لاستقبال جلالته وهو الاستقبال الذي أوردت جريدة ”العهد الجديد” وصفا رائعا له جاء فيه ”كان الموكب يمر وسط آلاف المواطنين الذين هبوا من مختلف النواحي لتحيته والهتاف بحياته وكان جلالته ينزل من سيارته كلما وصل قرية من القرى ليرد على تحية سكانها”.
وبقدر ما كانت هذه الزيارة الملكية الميمونة تجسيدا للعلاقات القائمة على امتداد قرون بين العرش العلوي المجاهد والشعب المغربي الأبي بقدر ما كانت تأكيدا وتثمينا لنضال وجهاد أبناء المناطق الجنوبية من أجل التحرير والوحدة. لقد أظهر أبناء الأقاليم الجنوبية تعلقا متينا وراسخا بوطنهم وملكهم ودينهم كما عبروا عن مشاعر الاعتزاز العميق بانتمائهم إلى الرصيد الكفاحي التاريخي الذي جمع سكان الصحراء بإخوانهم في باقي مناطق البلاد خلال فترات تاريخية وجهادية ضد الاحتلال الأجنبي.

 وتظل المعارك التي خاضها جيش التحرير بالجنوب المغربي الذي شكل أبناء الأقاليم الصحراوية عموده الفقري منقوشة في السجل التاريخي لهذه الأمة بمداد الفخر والاعتزاز وهي المعارك التي جسدت فيها ساكنة الأقاليم الجنوبية قدرة فائقة على الجهاد والتضحية والفداء مكرسين بذلك تقاليد الكفاح الوطني التي أسسها أسلافهم عبر الحقب والعصور والتي لم تكن ملحمة معارك بوغافر بجبل صاغرو سنة 1933 إلا واحدة منها.

لقد جنى المغرب ثمار كفاحه المستميت والمتواصل إذ تم استرجاع مدينة طرفاية في سنة 1958 ومدينة سيدي إفني سنة 1969. وكان ذلك بفضل السياسة الحكيمة التي نهجها المغفور له الحسن الثاني رضوان الله عليه الذي عمل جاهدا من أجل توحيد البلاد وتخليص مناطقها الجنوبية من الوجود الأجنبي. وقد مكنته عبقريته الفذة قدس الله روحه وحنكته السياسية من تحقيق ذلك عبر المسيرة الخضراء المظفرة التي نادى بها يوم 16 أكتوبر 1975 داعيا شعبه الوفي للتوجه إلى الصحراء المغربية في مسيرة شعبية سلمية سلاحها القرآن والإيمان لاسترجاع الحق المسلوب.

وكانت المسيرة الخضراء تجسيدا فعليا لمضامين الخطاب السامي الذي وجهه المغفور له محمد الخامس إلى ساكنة محاميد الغزلان ومحطة بارزة في مسار استكمال الوحدة الترابية.

وعلى هذا النهج الثابت يواصل صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ملحمة الدفاع عن الوحدة الترابية وصيانتها وتثبيت مغربية الأقاليم الصحراوية التي كانت وستبقى جزء لا يتجزأ من التراب الوطني في ظل السيادة الوطنية.

وأكدت المندوبية السامية أن أسرة المقاومة وجيش التحرير وهي تخلد هذه الذكرى المجيدة لتسعى من وراء ذلك إلى ربط الحاضر بالماضي وتلقين الأجيال الصاعدة تاريخ الكفاح الوطني الطافح بالملاحم والبطولات والزاخر بالأمجاد والمكرمات والمبرات تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى الاعتزاز بالأمجاد والذكريات الوطنية الخالدة واستحضار تضحيات الشهداء الأبرار شهداء الحرية والاستقلال والوحدة الترابية لاستلهام دلالات كفاحهم وجهادهم والتذكير بتضحياتهم الجسام في سبيل إعلاء راية الوطن وإذكاء الروح الوطنية الخالصة ومواقف المواطنة الايجابية في ملاحم الجهاد الأكبر لبناء المغرب الجديد وتوطيد دعائم ارتقائه الموصول على درب الحداثة والديمقراطية والتنمية الشاملة والمستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق