الرابطة المحمدية للعلماء

زمن القيم… الأديان والحداثة والحرية

أجمعت المداخلات على أن هناك أزمة قيم حقيقية تجتازها المجتمعات المعاصرة

احتضنت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية يوم 8 يوليوز 2009 ندوة علمية في موضوع “زمن القيم” بمبادرة من جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة، بمشاركة نخبة متميزة من الباحثين والمفكرين من خلفيات وتوجهات معرفية مختلفة.

في الجلسة الأولى تقدم الأستاذ نور الدين أفاية بمداخلة بعنوان “القيم بين التفاهة والمواجهة” والأستاذ عبد الجليل الحجمري بدراسة حول :”مفهوم القيم في الفنون والثقافة” لتعقبها مداخلة الأستاذ أحمد عبادي بعنوان: “الأديان والحداثة والحرية”، ليتم اختتام هذه الجلسة بمداخلة الأستاذ محمد الساسي التي حاولت أن تقف على “قيم السياسة وسياسة القيم”.. أما في الجلسة الثانية فقد تناول الأستاذ عبد السلام أبو درار موضوع “التعددية والتسامح والديمقراطية”، تلته مداخلة الأستاذ محمد الإدريسي المشيشي العلمي حول موضوع “القيم ووسائل التواصل، والديمقراطية”، بينما انصبت مداخلة العربي بنعثمان على محاولة إعادة النظر في “قيمة العمل”، وقد عمق النقاش في نفس المحور الأستاذ فريد الباشا بمداخلة تناولت “القيم ومسألة الحق في الشغل” وفي الختام حاول الأستاذ فوزي بريطل أن يقدم حصيلة تقييمية..

وقد أجمعت المداخلات على أن هناك أزمة قيم حقيقية تجتازها المجتمعات الإنسانية المعاصرة ومن ضمنها مجتمعنا المغربي. وهي الأزمة القيمية والأخلاقية التي أثير بصددها نقاش عميق حاول الوقوف عن أهم أسبابها وأبرز مظاهرها وكذا أخطر نتائجها على التماسك الاجتماعي للمجتمعات..

وكان طبيعيا أن تتباين التشخيصات بالنظر إلى تباين الخلفيات والمرجعيات والمقاربات للسادة المتدخلين.. هذه القيم التي أقيم عليها نظام المجتمع العربي الجديد، وأقصد هنا المجتمعات الوطنية، انهارت بسبب سياسات مثلت انتهاكًا صارخًا وخيانة حقيقية لهذه المنظومة من القيم، ففقد المجتمع إيمانه بهذه القيم وإيمانه بالمنظومة التي قامت عليها ككل، وبالنظام السياسي والمدني الذي قامت عليه. الساسي لقد دخلنا إلى نظام الدولة الحديثة، وبالتالي انتقلنا إلى منظومة قيم جديدة وتبنيناها، سواء عن شعور واضح أو بدون شعور، قيم المواطنة التي تقتضي أن يكون الناس متساوين بصرف النظر عن أصولهم ومذاهبهم وأديانهم، وأن يكونوا خاضعين لقانون واحد يُحترم، وأن هناك قضاء وفصلا للسلطات. هذا النظام هو عبارة عن منظومة كاملة لتنظيم المجتمع، ويتضمن فكرة أن الفرد كائن حر يُحترم وله حقوق لا يمكن أن تنتهك ولا نعامله حسب انتمائه القبلي ونؤاخذه عليه، وإنما نحاكمه على عمله وعلى ممارسته، وهو حر ومسئول، بمعنى أنه يجب أن يشارك في الحياة الاجتماعية. هذه المنظومة التي تبنيناها وأقمنا عليها الدول التي نعيش فيها الآن تكونت فيها هويات وطنية وجنسيات جديدة.

لا أقصد بالتحديد ما ذهبت إليه، وما أقصده بالضبط هو أننا نعيش منذ زمن طويل صراعًا عنيفًا بين سلطات ليس لها أية قيم ولا تمثل الحداثة ولا تمثل العلمانية ولا تمثل أي شيء، وإنما تمثل شبكة من المصالح المتضامنة، والتي تكاد تتحول في بعض البلدان إلى مصالح عصابة من أجهزة الأمن والدولة.

ولم يعد هناك شيء يستند إليه المجتمع في علاقاته ويجمعه سوى القيم الدينية التي ورثها أو التقليدية التي عاشها، سواء كان ذلك على المستوى الإثني أو القومي أو الثقافي أو اللغوي الآن وفي ظروف التفكك هذه، دخلنا في عصر العولمة، وانطلقت سياسة فتح السوق العالمية التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الصناعية الكبرى، وتبعتها انفتاحات أخرى بسبب التقدم التكنولوجي، انفتاحات إعلامية وثقافية وفكرية، فوجدنا أنفسنا، ونحن في حالة من التفكك والصراع الداخلي العميق أمام تحدي التعايش مع ثقافات أخرى وضرورة الرد على الاختراقات الثقافية الأخرى، ونحن في أضعف حالة يمكن أن يكون عليها مجتمع، فنحن مفككون وغير قادرين على أن نبلور إجماعًا في مجتمعاتنا، لقد وجدنا أنفسنا أمام تحدي الانفتاح العالمي، فأصبحنا نتخبط فيما بيننا حول كيفية مواجهة هذه التحديات، ونتخبط حول أي إنسان نريد اليوم: هل نريد إنسانًا تابعًا للجماعة الدينية فقط؟ هل نريد إعادة بناء الجماعة الدينية؟ أم نريد إعادة بناء مجتمعات وطنية بالمعنى الحديث قائمة على دولة وقانون حديث وفصل بين السلطات؟ أردت أن أبين أننا في اضطراب كبير نتيجة لانهيار نظامنا القيمي الداخلي، ولقد زادتنا العولمة مشاكل جديدة، تمثلت في معرفة كيفية مواجهة دفق المعلومات والأفكار والتقنيات التي تشد جزءًا كبيرًا من رأينا العام خاصة نحو الخارج أصبحنا نتضارب في الداخل كما تشاهد اليوم بسبب انهيار التوازن الفكري والأخلاقي، وأصبحنا في حرب داخلية فيما بيننا، العولمة لم تخلق شيئًا من عدم، وإنما زادت في تفاقم الأزمة التي نعيشها، وعمقت الصدع الموجود فينا، وعمقت الصدع الموجود بيننا وبين المجتمعات الأخرى، في الوقت الذي يستدعي فيه الرد على تحديات العولمة تماسكًا داخليًّا وإقليميًّا حتى نخوض مفاوضات سياسية وأمنية مع التكتلات الكبرى، فنضمن أمننا كمجموعة عربية.

الآن ليست لدينا أية خطة أو مشروع لأننا مفككون داخل كل دولة، ومفككون على المستوى الإقليمي ونتعرض لهجوم، ليس من أمريكا وحدها، لأننا البطن الضعيف والرخو للمنظومة الجديدة التي يعيشها وضع العولمة اليوم.

هذا هو وضعنا، وهذه هي أزمتنا الحقيقية، وهي في عمقها أزمة قيم. فنحن اليوم لسنا مجمعين فيما بيننا على معنى الإنسانية، أي إنسان نريد، هذا هو عمق المسألة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق