مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

زكاة الفطر: حكم مشروعيتها، وآثارها على المجتمع

بسم الله الرحمن الرحيم:

   إن من حكمة الله تعالى وفضله على عباده، أن شرع لهم مجموعة من العبادات والأعمال التي تجبر النقص والتقصير، الذي يشوب بعض الفرائض الأخرى، فشرع لهم زكاة الفطر لتطهير الصيام مما قد يؤثر فيه، وينقص ثوابه،ولأهمية هذا الموضوع أحببت أن أنجز فيه مقالا أتحدث فيه إن شاء الله على حِكَم مشروعية زكاة الفطر، وعن بعض آثارها على المجتمع، وقبل ذلك أعرف بزكاة الفطر لغة واصطلاحا، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق والسداد:

التعريف اللغوي والاصطلاحي لزكاة الفطر:

الزكاة لغة:  “أصل الزكاة في اللغة:  الطهارة، والنماء، والبركة والمدح، وكل ذلك قد استعمل في القرآن والحديث” ([1])، وهي كذلك بمعنى الصلاح؛ قال تعالى: (خيرا منه زكاة وأقرب رحما) ([2]) أي: خيرا منه عملا صالحا وقال الفراء: زكاة: صلاحا”([3]).

والفطر لغة: “الفطر الشق، وجمعه: فطور،وأصل الفطر: الشق، ومنه قوله تعالى: (إذا السماء انفطرت) ([4]) أي: انشقت”([5]).

وقيل: الفطر : أصل صحيح يدل على فتح شيء وإبرازه، من ذلك الفطر في رمضان”([6]).

زكاة الفطر اصطلاحا: عرفها الإمام بدر  الدين العيني بأنها: “اسم لما يعطى من المال بطريق الصلة؛ ترحما مقدرا ، بخلاف الهبة فإنها تعطى صلة, تكرما لا ترحما”([7]).

وقال السبكي : “مال يعطى لمن يستحق الزكاة على وجه مخصوص””([8])

ويقال لها كذلك “صدقة الفطر “، وقد أضيفت للفطر ؛لأنها تجب بالفطر من رمضان، قال الحافظ ابن حجر:”  أضيفت الصدقة للفطر؛ لكونها تجب بالفطر من رمضان([9])

وقال العيني : “وإضافة الصدقة إلى الفطر من إضافة الشيء إلى شرطه” ([10]).

من حكم مشروعية زكاة الفطر:

شرعت زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وهي السنة التي فرض فيها شهر رمضان، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: “فرض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زكاة الفطر ، صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد ، والحر، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة”([11]).

ولا شك أن في مشروعيتها حكم عظيمة؛ ومن بين هذه الحكم أذكر الآتي:

 1 —تحقيق العبودية لله تعالى: إن من أعظم حكم زكاة الفطر ، كغيرها من العبادات المفروضة هو: تحقيق العبودية لله تعالى مصداقا لقوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ([12]).

2-أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث؛ مصداقا للحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما: قال: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ،طهرة للصائم من اللغو    والرفث “([13]). و (اللغو)  : هو مالا ينعقد عليه القلب من القول، ( والرفث ) هنا: هو الفحش من كلام”([14])، فتجبر النقص والخلل الذي وقع في الصوم، قال النووي (676هـ) في المجموع عن وكيع ابن الجراح -رحمه الله- قال:” زكاة الفطر لشهر رمضان ؛ كسجدتي السهو للصلاة ،تجبر نقصان الصوم ،كما يجبر السجود نقصان الصلاة “([15]) .

2-أنها طـُعمة للمساكين وإغنائهم عن السؤال؛ مصداقا لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم “وطعمة للمساكين”([16])، و(طعمة ) وهو : الطعام الذي يؤكل، وفيه دليل على أن الفطرة تصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة([17]) .

3-نيل الأجر والثواب الجزيل عند الله تعالى بدفعها لمن يستحقها في وقتها المحدد، كما في حديث ابن عباس المتقدم : ” من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات “([18])، قال السبكي (ت: ): “ثمرتها سقوط الواجب في الدنيا، ونيل الثواب  في العقبى”([19]).

4-كونها من النعم التي من الواجب على المسلم شكر الله تعالى عليها، بأن مد له في عمره ، وجعله يدرك صيام رمضان، ويكمل صيامه،ويدرك زكاة الفطر ليحصل على تواب آدائها .

5-إشراك أغلب أفراد المجتمع الإسلامي فيها؛ لأن المقدار الذي يجب إخراجه من هذه الزكاة قليل، ومن غالب قوت يومهم، وهذا فيه تيسير على الناس ليشتركوا  في الثواب والأجر العظيم .

آثار زكاة الفطر على المجتمع.

زكاة الفطر أمرها عظيم، وآثارها على المجتمع معلوم ؛ ومن آثارها أذكر خمسة منها وهي:

1-أن زكاة الفطر  تؤلف بين قلوب المسلمين.

2-أنها أحد أسباب الفرحة يوم العيد لكل فئات المجتمع؛ من غنيهم إلى فقيرهم، فلا أحد يبقى في هذا اليوم محتاجا إلى القوت والطعام.

3-أن زكاة الفطر تسهم في بناء مجتمع  متماسك بين أفراده ، وتزيد من الألفة، والمودة، والتلاحم بينهم.

4-أن زكاة الفطر  تقلل من التفاوت بين أفراد المجتمع، خاصة في أيام العيد فالكل سواء.

4-أن زكاة الفطر تبعد الحقد والحسد من نفوس الفقراء على إخوانهم الأغنياء.

الخاتمة:

من خلال ما تقدم أخلص إلى الآتي:

-أن من معاني الزكاة في اللغة: الطهارة، والنماء، والبركة، والصلاح.

-إضافة الزكاة للفطر من باب إضافة الشيء إلى شرطه؛ وذلك لكونها تجب بالفطر من رمضان.

-شرعت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة.

-أن في مشروعيتها  على المسلمين حكم عظيمة؛ ومن الحكم التي أشرت إليها الآتي:

1 –تحقيق العبودية لله تعالى.

2-أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث.

2-أنها طـُعمة للمساكين وإغنائهم عن السؤال.

3-نيل الأجر والثواب الجزيل عند الله تعالى بدفعها لمن يستحقها في وقتها المحدد.

4-كونها من النعم التي من الواجب على المسلم شكر الله تعالى عليها.

5-إشراك أغلب أفراد المجتمع الإسلامي فيها؛ لأن المقدار الذي يجب إخراجه من هذه الزكاة قليل، ومن غالب قوت يومهم.

– كما أن لزكاة الفطر آثار  معلومة على المجتمع وهي : 

1-أنها  تؤلف بين قلوب المسلمين.

2-أنها  أحد أسباب الفرحة يوم العيد لكل فئات المجتمع،

3-أنها تسهم في بناء مجتمع  متماسك بين أفراده، وتقلل من التفاوت بين أفراد المجتمع، و تبعد الحقد والحسد من نفوس الفقراء على إخوانهم..

والحمد لله رب العالمين.

**********************

هوامش المقال

([1]) لسان العرب (14/ 358) مادة: “زكا”.

([2]) سورة الكهف من الآية: (81).

([3]) لسان العرب (14 /358) مادة: “زكا”.

([4]) سورة الانفطار الآية: (1).

([5]) لسان العرب (5/ 55) مادة: “فطر”.

([6]) معجم مقاييس اللغة (4 /510) مادة: “فطر”.

([7]) عمدة القارئ (9 /153).

([8]) الدين الخالص أو  إرشاد الخلق إلى دين الحق (8/ 189).

([9]) فتح الباري (3 /367).

([10]) عمدة القارئ (9/ 153).

([11]) أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 466)، كتاب: الزكاة، باب: صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين، برقم: (1503)، ومسلم في صحيحه (1/ 437)، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير ، برقم: (984) واللفظ للبخاري.

([12]) سورة الذاريات الآية: (56).

([13]) أخرجه أبو داود في سننه (2/ 111)، برقم: (1609)، وابن ماجه في سننه (1 /585)، برقم: (1827)، والدار قطني في سننه (2/ 138)، برقم: (1) وقال عن رواته: “ليس فيهم مجروح” ، وحسن النووي إسناده في المجموع (6 /126).

([14]) عون المعبود (3 /49).

([15]) المجموع للنووي (6 /140).

([16]) تقدم تخريجه.

([17])عون المعبود (3 /49).

([18]) تقدم تخريجه.

([19]) الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق  (8/ 194).

********************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

الجامع الصحيح. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه، وأبوابه، وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه، وقام بإخراجه، وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ.

الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق. لمحمود محمد خطاب السبكي . تحقيق: السيد أمين محمود خطاب. دار الكتب العلمية بيروت (د.ت).

سنن ابن ماجه.  لمحمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. دار الفكر – بيروت. (د.ت).

سنن أبي داود.  لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. المكتبة العصرية، صيدا – بيروت. (د.ت).

سنن الدار قطني. لعلي بن عمر أبو الحسن الدارقطني. تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني دار المعرفة – بيروت ، 1386 هـ– 1966مـ.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج لمحمد بن محمد مرتضى الزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ.

عمدة القاري شرح صحيح البخاري. لبدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني . ضبطه وصححه: عبد الله محمود محمد عمر. دار الكتب العلمية بيروت. 2018مـ.

عون المعبود شرح سنن أبي داود. لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي الهندي، حكم على أحاديثه، محمد ناصر الدين الألباني، قرأه واعتنى به وعلق عليه وخرج أحاديثه: أبو عبيدة  مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف، الرياض، ط1/ 1430هـ – 2009مـ.

فتح الباري شرح صحيح البخاري. لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني.  دار المعرفة – بيروت ، 1379.

لسان العرب (ج5 و ج14). لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور. دار صادر بيروت. ط3/ 1414هـ- 1994مـ.

المجموع شرح المهذب. لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي. طبعة دار الفكر.دمشق (د.ت).

معجم مقاييس اللغة. لأحمد بن فارس بن زكريا. تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون. دار الفكر بيروت. نشر: 1399هـ- 1979مـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق