مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

روض الأماني قراءة في كتاب ” التصوير البياني”

كتبته الباحثة بمركز ابن أبي الربيع السبتي فرح الشويخ 

ترجمة المؤلف

     يعد الدكتور محمد محمد أبو موسى من أبرز علماء البلاغة العرب ،الذين حملوا على عاتقهم لواء الدعوة إلى النهوض بالبلاغة العربية وعلى رأسها البيان، كانت ولادته في مصر سنة 1937م ،حيث نشأ وحفظ القرآن الكريم ودخل الأزهر، يلقب ب “شيخ البلاغيين” ووريث المدرسة الشاكرية نسبة إلى محمود محمد شاكر،كانت حياته متنقلة بين عدد من الأماكن التي عاش فيها وأبرزها القاهرة و لييبيا والرياض. له عدد من البحوث والكتب في البلاغة العربية منها : 

* البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري وأثرها في الدراسة البلاغية.

* دلالات التراكيب دراسة بلاغية.

* خصائص التراكيب دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني.

* الإعجاز البلاغي دراسة تحليلية لتراث أهل العلم.

* دراسة في البلاغة والشعر.

* قراءة في الأدب القديم.

* القوس العذراء وقراءة التراث.

* من أسرار التعبير القرآني دراسة تحليلية لسورة الأحزاب. 

* التصوير البياني دراسة تحليلية لمسائل البيان.

* مدخل الى كتابي عبد القاهر الجرجاني.

* شرح أحاديث من صحيح البخاري دراسة في سمت الكلام الأول .

* مراجعات في أصول الدرس البلاغي.

* تقريب منهاج البلغاء لحازم القرطاجني.

* الشعر الجاهلي دراسة في منازع الشعراء.

* آل حم –غافر- فصلت دراسة في أسرار البيان.

* آل حم – الشورى – الزخرف – الدخان دراسة في أسرار البيان.

* آل حم –الجاثية – الأحقاف دراسة في أسرار البيان.

وصف أبواب الكتاب

     قامت هذه الدراسة القيمة التي تناولت مسائل علم البيان الأساسية على ثلاثة فصول جامعة ،ومتفاوتة الحجم ،انفرد كل فصل من هذه الفصول بمسألة بيانية تخصه، وهي على التوالي التشبيه والمجاز والكناية تبعا للتقسيم الذي جرى عليه القوم في بحث البيان.

    وبما أن مزايا الكلام يأخذ بعضها بيد بعض عند المؤلف، فإن الفصل بينهما هو فصل اضطراري توجبه ضرورة التنظيم والتبويب، لذلك نجده غالبا في بداية كل فصل يحاول ربط كل مسألة بيانية بنظيرتها، من خلال إبراز الفروق في الدلالة بين التشبيه والمجاز وبين المجاز والكناية مثلا، وعيا منه بأن مناط الفرق بين هذه الأساليب وإحكام فهمها هو الأصل في بلاغة البيان.

    وليس من المبالغ فيه أن نقول إن القارئ لا يستطيع على أية حال تجاوز تلك المقدمات الهادفة التي صاغها الدكتور محمد محمد أبو موسى في مختلف طبعات هذه الدراسة ، إذ يمكن اعتبارها وقفات لتأمل الذات العربية و علاقتها بعلومها المشرقة ،وعلى رأسها البلاغة التي تعتبر مرتقى علوم اللغة كما يقول الخطيب القزويني.

    ولما كان التشبيه أكثر مسائل البيان شيوعا وجريانا في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، فضلا عن أنه جزء أصيل في بلاغة اللغة وآدابها على حد تعبير المؤلف، حرص هذا الأخير على أن يكون أول فصول هذه الدراسة، ساعيا إلى الكشف عن أسراره ودقائقه، إلا أن دراسته للتشبيه انصبت على المشبه به حيث قال: “لأنه هو الشئ الذي جاء به المتكلم ليقرن به المشبه فيكتسب منه شيئا، وبمقدار تعرفنا على دلالات المشبه به وإشاراته في سياق النص يكون قربنا من غايتنا ” .

    كما حاول التعرف على ما وراء صور التشبيه من معنى دقيق يشير إلى مدى حس الشاعر بما يقول، من خلال الكشف عن دلالة المشبه به انطلاقا من دراسته للتشبيه المفرد والمركب، فضلا عن التشبيه الضمني والوهمي مع الكشف أيضا عن التشبيهات المستمدة من عناصر كونية، والمستخرجة من عادات محدودة ومحصورة في بيئاتها، كما نبه إلى الأطوار الحضارية وأثرها في التشبيه، ومن المباحث الجليلة في هذا الفصل أيضا دراسته لأصول استحسان التشبيه وجودته.

وقد عزز المؤلف تحليله لشواهد التشبيه بمناقشته لآراء علماء البلاغة المتقدمين وعلى رأسهم عبد القاهر وابن رشيق.  

    وقد انتقل حديث المؤلف في الفصل الثاني إلى المجازوهو أكبر فصول الكتاب من ناحية الحجم- موازنة بالفصلين الآخرين- نظرا لتشعب مسائله ، وصعوبة تحديد علاقاتها من جهة، وتباين آراء العلماء حول مسائله من جهة ثانية مما تطلب بسطا وتوسعا في القول.

    وقد تطرق فيه المؤلف إلى ضروب من المجاز وعلى رأسها الاستعارة،باعتبارها أسلوبا من أساليب المجاز، مشيرا إلى الفروق بينه وبين التشبيه من ناحية الدلالة، بالإضافة إلى الفرق بين التشبيه والاستعارة .ومن ضروب المجاز أيضا والتي تطرق لها المؤلف الاستعارة التصريحية والتمثيلية والوفاقية أضف إلى ذلك الأصلية والتبعية ، والاستعارة في الحرف مستعينا في ذلك بآراء المتأخرين في تصنيفهم لمباحث الاستعارة ومناقشته لمذاهبهم المختلفة في ضروبها المتنوعة.

    أما الفصل الأخير فقد تناول فيه المؤلف مسألة الكناية ، وهو أصغر فصول الكتاب من ناحية الحجم إلا أنه على القدرنفسه من التفصيل والتحليل والتأمل في كل أسلوب على حدة، وذلك بغية التعرف على اللمسات الدقيقة في كل تعبير، وكذلك من أجل التعرف على ودائع الكلام وصوره على حد تعبير المؤلف.

    وقد تناول المؤلف في هذا الفصل الفروق في جوهر الدلالة بين المجاز والكناية ، مستندا في ذلك على ما ذكره البلاغيون ، ومعتمدا في تعريفها على تعريف “قدامة “لهذا الضرب من ضروب البيان وهو التعريف الذي سلك سبيله إلى كتب البلاغة كلها، محاولا الكشف عما وراء هذا الأسلوب من الأسرار والدقائق، متتبعا تقسيم المتأخرين للكناية من زاوية قرب المعنى المراد إلى كناية قريبة وأخرى بعيدة، مشيرا إلى أنواعها الثلاثة بدءا بالكناية عن صفة ، مرورا بالكناية عن نسبة ، وانتهاء بالكناية عن موصوف مع بيان أثر هذه الأقسام الثلاثة في أداء المعنى.

    ومن المعلوم لقارئ كتاب “التصوير البياني” خاصة وكتب الدكتور محمد محمد أبي موسى عامة أنه لا يولي للتبويب و التقسيم اهتماما كبيرا بالقدر الذي يوليه لعملية التحليل ، فهو ينتقل من موضوع إلى موضوع بطريقة غير مباشرة، ومع ذلك ففي الكتاب تناسق كبير في الأفكار والمواضيع التي صاغها في هذه الدراسة ، سواء بين الفصول جميعا أو داخل كل فصل على حدة.

عرض مضمون الكتاب

    بدأ المؤلف كتابه بمقدمات صدره بها ، تطرق فيها إلى موضوع الدراسة  وهو التشبيه والمجاز والكناية، والتي تقوم بنيتها في نظر المؤلف على عناصر لغوية خالصة، وهذه الأبواب الثلاثة هي من أشد وسائل الكلام رقة و رهافة وتأثرا بالأحوال والطباع ، كما أن هذه الفنون فضلا عن أنها وسيلة من الوسائل الأساسية في تذوق الشعر ونقده فقد ارتبطت بالقرآن الكريم ، وكانت بابا من أبواب فهمه وتذوقه. 

  ينتقل حديث المؤلف بعد ذلك إلى التشبيه وهو موضوع الفصل الأول ، انطلاقا من التشبيه  المفرد وهو ما يكون فيه الوصف المشترك محققا في شىء واحد، وهذا التشبيه يقع حسنا بمقدار ما فيه من حس وما يضمره من معنى يرشد إلى دقة وعي الشاعر وحسه بما يقول ، وهذا أساس مهم جدا في تقدير التشبيه من الناحية البلاغية، مركزا حديثه على المشبه به، فهذا الأخير صورة من الصور احتفظت بها النفس ووعتها فإذا ما أثارها شيء استجابت ووثبت إلى اللسان مع العلم بأن النفس لا تحتفظ إلا بما هو موضع اهتمامها .

    وقد أشار المؤلف في سياق حديثه عن التشبيه إلى أن الصور البيانية يموت منها الكثير بذهاب الأشياء أو العادات التي استمدت منها، أو المرتبطة بظروف وأحوال معينة ولهذا يكون تأثيرها في بيئتها و زمانها أكثر من تأثيرها في بيئتنا وزماننا.

    وعلى عكس التشبيه المفرد فإن التشبيه المركب هو أن يعتبر الشاعر أكثر من شىء في تكوين الصورة، وأن يأخذ أشياء فرادى معزولات بعضها عن بعض فيشبهها بنظائرها ويسمي المتأخرون هذا الضرب من التشبيه تمثيلا وتجد فيه المشبه غالبا من الأمور المحسوسة.

   ولم يفت المؤلف الإشارة إلى أن التشبيه الذي يكون فيه المشبه به متبوعا بالأوصاف التي تصف صورة متكاملة الملامح و محددة السمات يأتي في ضرب آخر من ضروب التشبيه الذي يسميه البلاغيون بالتشبيه الضمني ،وهو ما لا يكون التعبير فيه نصا في التشبيه وإنما بنيت العبارة عليه وطوته وراء صياغتها.

   وإذا كان التشبيه الضمني تشبيها تدل عليه العبارة دلالة ضمنية، فإن التشبيه الوهمي يكون فيه المشبه به منتزعا من الوهم ويحددونه بأنه ليس مدركا بالحواس ولكنه لو أدرك لكان مدركا بها.

    ومن فضائل ما ذكره المؤلف في هذا الفصل تحديده لأصول معرفة الحسن والأحسن من صور التشبيه ، وأولها الجمع الصحيح بالعلاقة البينة بين طرفين متباعدين في الجنس بقوة خيال الشعراء ونفاذهم في صميم الأشياء، ويرى المؤلف أن هذه التشبيهات من النوع الغريب المعجب، لكن الجمع بين المتباعدين ليس أصلا لحسن التشبيه هكذا بالإطلاق ولكنه يكون معجبا إذا كان الجمع صحيحا من ناحية مغزى التشبيه، ومن ناحية حس النفس بالطرفين مجموعين ، أي أن يكون بينهما مناسبة وملاءمة من جهة ما يثيران في النفس من مشاعر وأحوال، ويربط المؤلف إلى جانب غيره من البلاغيين التشبيه الحسن بالغرابة والندرة ويسمونه التشبيه البليغ.

    ومن أسس قبول التشببيه و جودته أيضا أنه يصف لك المعاني الذهنية و القلبية في صور حية بينة، وكذلك من الأسس التي يذكرها البلاغيون في جودة التشبيه ما يكون فيه من عنصر التفصيل والتحليل أي بناء التشبيهات على أساس من النظر المستقصى وتحليل الأفكار والأحوال والمشاعر وتجلية أبعادها.

    ويرى المؤلف أن مظهر المقدرة البيانية لا يكمن في تشكيل صور و تشبيهات وكشف علاقات جديدة فقط، وإنما يكون أيضا في تجديد الصور الرتيببة التي ذهب الإلف بروائها، وهي في هذا النوع أكثر براعة واقتدارا، كما نبه إلى الأطوار الحضارية وأثرها في إخماد أو موت بعض التشبيهات واستهجان ما لم يكن منها مستهجنا في طور سابق.

     وإذا كان التشبيه من أساليب الحقيقة لأن الكلمات فيه لم تنتزع من دلالتها لتستعمل في شىء آخر، فإن الاستعارة من أساليب المجاز (وهو موضوع الفصل الثاني من الكتاب )، لأن الكلمة فيها جرت على غير ما هي له. فعند الانتقال من التشبييه إلى الاستعارة تتحول الأشياء وتبرز في غير صورها الحقيقية وتنتقل الكلمات من معانيها المألوفة إلى معان جديدة .

    والاستعارة على حد تعبير المؤلف واحدة من أصول صناعة الأدب والشعر ومن أبرز الوسائل البيانية بالحس والشعوروالأفكارالمحتجبة ، ويمكن القول كذلك أنها نوع من الإدراك للأشياء تتحول فيه عن طبائعها المألوفة وتأخد صورا جديدة وحقائق جديدة.

ومن ضروبها: الاستعارة التصريحية أي التي تكون الكلمة فيها مستعملة في غير معناها أو المصرح فيها بالمشبه به ، أضف إلى ذلك الاستعارة التمثيلية وهي المبنية على تشبيه التمثيل ومن خلالها يبرز المعنى الذهني في صورة محسوسة ، كما أشار المؤلف إلى تقسيم المتأخرين للاستعارة باعتبار أخذ الشبه من المعقول للمعقول إلى وفاقية وهي ما أمكن اجتماع طرفيها ، وعنادية وهي ما لايمكن فيها ذلك ، أما الاستعارة التهكمية أو الضدية فهي ما يستعار فيها الشىء لما يناقضه على سبيل التهكم والسخرية .

    وقد قسم المؤلف الاستعارة من حيث اللفظ المستعار إلى قسمين:أصلية وتبعية، وتكون أصلية إذا كان المستعار منه اسم جنس ، وتكون تبعية إذا كان المستعار منه اسما مشتقا أو فعلا أو حرفا، أما الاستعارة المركبة فهي عبارة عن تحريك أحداث مترابطة وأحوال متماسكة وإدماجها في مثلها إلى جانب الاستعارة المكنية وهي التي يكون فيها المستعار محذوفا مرموزا إليه بشىء من لوازمه.

ومما تجدر الإشارة إليه أيضا أن البلاغيين نظروا إلى الاستعارة نظرا يتعلق بما يقترن بها من تفريعات وأوصاف كالترشيح والمراد به تربية المستعار منه وتنميته وإشاعته حتى يوهم بأنه حقيقة، أما التجريد فهو الاستعارة التي يذكر فيها وصف أو تفريع كلام يتصل بالمشبه أو المستعار له، وبين المنزلتين تقع الاستعارة المطلقة وهي تأتي بعد المرشحة وقبل المجردة.

    وإذا كانت الاستعارة تقتضي وجود علاقة المشابهة فإن المجاز المرسل يقتضي ضرورة وجود علاقات أخرى ، وهو أعم من الاستعارة ، وكل استعارة مجاز وليس كل مجاز استعارة.

    وبالانتقال إلى الفصل الثالث المعنون بالكناية نجد المؤلف يعمل على تحديد مناط الفرق بين المجاز والكناية وهو فرق جوهري في طبيعة الدلالة ، فالكناية لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة معناه لانتفاء القرينة المانعة من ذلك ، وكذلك فالكناية هي أن يريد الشاعر الدلالة على معنى من المعاني فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك ، بل بلفظ يدل على معنى هو ردفه وتابع له.

    وقد ذكر أن الكناية من حيث مدلولها تأتي على ثلاثة أنواع ، فهي إما أن تكون كناية عن صفة أو موصوف أو نسبة ، كما أشار المؤلف إلى تقسيم المتأخرين للكناية من زاوية قرب المعنى المراد من الرادف الهادي إليه إلى كناية قريبة وأخرى بعيدة ، فالأولى هي ما ينتقل منها إلى المعنى المقصود من غير واسطة ، أما الثانية فهي التي يكون بين المعنى المباشر للتركيب والمعنى المراد واسطة ، وهذه الوسائط تقل وتكثر ، فإذا كثرت هذه الوسائط سميت الكناية تلويحا ، وإن قلت الوسائط وكان فيها ضرب من الخفاء سميت رمزا، وإن لم تكن خفية سميت الكناية إيماءا وإشارة.

    أما الكناية عن نسبة فهي أن تقع الكناية في نسبة الصفات إلى شىء متصل بالموصوف وليس في الصفات ذاتها ، والقسم الثالث من أقسام الكناية ما يراد به موصوف أي لا يراد به صفة ولا نسبة ، وهذا القسم ليس فيه ما في القسمين الأولين من الاعتبارات البلاغية وإن كان لا يخلو من دقائق لطيفة . 

    وقد ختم المؤلف هذا الفصل بتحديده للعبارة فهذه الأخيرة في نظره هي الفكرة ،وليس شيئا منفصلا عنها وإنما هي هي لأنه لا يوجد فكر ولا حس غير مرتبط بالكلمة أو بصيغة أخرى فإن الكلمات بإزاء المعاني و مرتبة معها فكلاهما ينهض في النفس ملتبسا بصاحبه ، ولا مجال للقول على حد تعبيره بوحدة المعنى من جميع وجوهه إذا ورد في جملتين مختلفتين ،لأن المعنى لا يتكرر بكل شياته وأحواله وخصائصه في عبارتين. كما قام بإبطال الفكرة القائلة بإيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة ، لأن الطرق المختلفة في نظره لا تؤدي إلى معنى واحد. 

    كما أكد على أنه من المركوز في الطباع و الراسخ في غرائز العقول أنه متى أريد الدلالة على معنى فترك أن يصرح به ويذكر باللفظ الذي هو له في اللغة ، وعمد إلى معنى آخر فأشير به إليه وجعل دليلا عليه كان للكلام بذلك حسن ومزية لا يكونان إذا لم يصنع ذلك وذكر بلفظه صريحا ، وهذا من أجل مميزات علم البيان .

المنهج

    عندما نتحدث عن كتاب “التصوير البياني” فإننا نتحدث بالضرورة عن قيام منهج بلاغي رصين اعتمده صاحبه في عرض مسائل هذه الدراسة القيمة ألا وهو المنهج الاستنباطي، هذه الدراسة التي توخت أن تقترب من النص، وأن تتخذ الأفكار البلاغية وسائل لبحثه وتحليله .

     ويظهر المنهج الاستنباطي جليا في الكتاب بشكل عام، وفي كل فصل من فصوله بشكل خاص، إذ ينطلق المؤلف في بداية كتابه من فكرة عامة مفادها بيان أهمية الدراسة البلاغية وعلى رأسها علم البيان ليخصص حديثه بعد ذلك، فيجعل كل فصل من فصول الكتاب مختصا بمسألة بيانية ،وهي كالآتي (التشبيه والمجاز والكناية).

     أما على مستوى الفصول فنلاحظ أن المؤلف يتبع نفس المنهج في كل فصل على حدة ، ونأخذ على سبيل المثال الفصل الأول (التشبيه) ، إذ نلاحظ أن المؤلف ينطلق من فكرة عامة وهي عناية الباحثين بدراسة التشبيه واهتمامهم به ومذاهبهم في دراسته، وغرضه الشخصي من دراسته أيضا ، لينتقل بعد ذلك إلى عرض جوانب هذه الدراسة وأقسامها وجزئياتها كالتشبيه المفرد والمركب ، أضف إلى ذلك الوهمي والضمني وكذلك تحديده لأصول استحسانه ، وهكذا يسري هذا المنهج على باقي فصول الكتاب .

     وإلى جانب هذا المنهج عمل المؤلف على توظيف بعض الأساليب التي ساهمت في إغناء الدراسة ، وأبرزها التفسير وتحليل الشاهد والتعرف على الكلمة الغنية والوقوف عندها ، وليس الأمر في التحليل كما يقول المؤلف هو إدراك المعنى من العبارة الأدبية وإنما تأملها وبيان وجه دلالتها من أجل سبر أغوار دلالات الصور واستخراج ما استكن في كل جانب من جوانبها .

    كما عمل المؤلف في هذه الدراسة على عرض صور البيان دون إهمال صياغة الجملة وما فيها من دقائق تنعكس على الصور البيانية التي لا يمكن أبدا إدراك دلالاتها من غير تأمل للعلاقات والوشائج التي توجد بين كلماتها ، حيث يقول المؤلف : ” إن دراسة الصياغة ودلالات التراكيب ينبغي أن تكون مقدمة لدراسة كل صورة من صور البيان ،لأنها هي الخطوط التي تتكون منها هذه الصور ” من خلال التأمل في هذه الصور والتعرف على معانيها مما يهدي إلى الوجه الذي تستقيم عليه من ضروب البيان ، وكذلك التأمل في الأساليب وتفسير كل صورة بما يناسبها أو بما هو الأظهر فيها من صور البيان.

    كما نبه المؤلف إلى ضرورة بيان الفروق الخفية بين الكلمات المتشابهة في سياق عرض الشواهد و تحليلها حيث قال : ” نريد أن نعرف بها ما ينطوي عليه الكلام من صدق الإحساس أو زيفه وما فيه من عمق الدلالة  أو سطحيتها “.

    ولا بد من الإشارة إلى أن شواهد المؤلف في معرض حديثه عن مسائل علم البيان تنوعت بين الشواهد القرآنية ، والشواهد الشعرية وهذه الأخيرة تنوعت كذلك بين شواهد الشعراء القدماء والمحدثين والمعاصرين له، مما أضفى تنوعا في معجم الشواهد ، دون أن ننسى المنزع النفسي للمؤلف في تحليله للشواهد وإن كان لم يعتمده أساسا في عملية التحليل ولو وظفه لكان في ذلك زيادة فضل .

وهذا المنهج وهذه الأساليب مجتمعة مكنت المؤلف من أن تكون له بصمة خاصة ومميزة عن غيره من البلاغيين سواء من القدماء أو المحدثين ، في دراسة مسائل البيان العربي من خلال كتابه “التصوير البياني” .

أهمية الكتاب المدروس

     لقد كانت الدراسة البلاغية من أبرز العلوم التي توجهت نحوها أنظار الباحثين العرب على حد تعبير المؤلف ، فكثرت حولها الدراسات الكاشفة عن مواطن الضعف والخلل في مادتها العلمية وفي منهج تناولها و الواصفة للمسلك الذي ينبغي أن تسير فيه ، ومن بين هذه الدراسات الدراسة القيمة للدكتور محمد محمد أبي موسى ، والتي عرضها في كتابه “التصوير البياني” ، إحساسا منه بالغايات النبيلة التي تحققها هذه الدراسة حين يدار درسها على الطريق الصحيح وحين يتبع المنهج المحقق لهذه الغايات .

    وعلى الرغم من كثرة المحاولات التي استهدفت مسائل البلاغة وخاصة علم البيان ،إلا أن المحاولات التي تنهمك في تناول مسائل هذا العلم بالدراسة والتحليل والتأمل والمناقشة الفعالة قليلة إلى، دون أن ننسى جهود العلماء المحنكين في هذا الميدان وعلى رأسهم الدكتور محمد محمد أبو موسى ” شيخ البلاغيين ” ،إذ يعتبر كتابه – السالف ذكره -دراسة مستقصية لمسائل علم البيان ، اتخذت من مقولات البلاغيين بداية لتفكيرها ، وعلى رأسهم عبد القاهرالجرجاني صاحب كتابي “دلائل الإعجاز” و” أسرار البلاغة “ ، وهما من أبرز المصادر التي اعتمد عليها المؤلف ، لذلك يمكن اعتبار كتابه تشخيصا مبسطا لبعض القضايا البلاغية المهمة في هذين الكتابين .

ثم إن هذه الدراسة راجعت كلام الأئمة ثم تناولت من هذه الجهود بعض جوانبها وشرحتها كما تمثلتها .

ويمكن القول إن هذه الدراسة المستفيضة لمسائل علم البيان قادرة على إشراك القارئ في الدخول في أغوار التحليل ،يقول المؤلف :” لم نكتب هذا الكتاب لنعلم به طلاب العلم ،وإنما قصارى هذا الكتاب أن يشير إلى مواطن العلم وإلى الجهات التي فيها كنوزه وودائعه وعلى طالب العلم أن يسلك الطريق إليها ” ، ولهذا بدون شك أهمية بالغة و تأثير قوي على تحريك ملكة الفهم عند القارئ، وهي ميزة ينفرد بها المؤلف ، كما تكمن أهمية هذا الكتاب في كونه يستمد مقولاته من الجيلين معا :جيل المتقدمين وعلى رأسهم : الجرجاني و ابن رشيق ، وجيل المعاصرين وعلى رأسهم: محمود محمد شاكر ومحمد عبد الله دراز ،   والعقاد.

    ومن مميزات هذا الكتاب أيضا توظيفه لمجموعة من الأساليب الحجاجية أثناء عملية التحليل كالتفسير والاستشهاد والاستنتاج والموازنة خاصة بين صور الشعراء في موضوع معين ، بغية الكشف الدقيق عن الصور البيانية وغوامض المعاني الكامنة وراء هذه الصور البيانية .

 

 

كتبته الباحثة بمركز ابن أبي الربيع السبتي فرح الشويخ 
ترجمة المؤلف
     يعد الدكتور محمد محمد أبو موسى من أبرز علماء البلاغة العرب ،الذين حملوا على عاتقهم لواء الدعوة إلى النهوض بالبلاغة العربية وعلى رأسها البيان، كانت ولادته في مصر سنة 1937م ،حيث نشأ وحفظ القرآن الكريم ودخل الأزهر، يلقب ب “شيخ البلاغيين” ووريث المدرسة الشاكرية نسبة إلى محمود محمد شاكر،كانت حياته متنقلة بين عدد من الأماكن التي عاش فيها وأبرزها القاهرة و لييبيا والرياض. له عدد من البحوث والكتب في البلاغة العربية منها : 
البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري وأثرها في الدراسة البلاغية.
دلالات التراكيب دراسة بلاغية.
خصائص التراكيب دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني.
الإعجاز البلاغي دراسة تحليلية لتراث أهل العلم.
دراسة في البلاغة والشعر.
قراءة في الأدب القديم.
القوس العذراء وقراءة التراث.
من أسرار التعبير القرآني دراسة تحليلية لسورة الأحزاب. 
التصوير البياني دراسة تحليلية لمسائل البيان.
مدخل الى كتابي عبد القاهر الجرجاني.
شرح أحاديث من صحيح البخاري دراسة في سمت الكلام الأول .
مراجعات في أصول الدرس البلاغي.
تقريب منهاج البلغاء لحازم القرطاجني.
الشعر الجاهلي دراسة في منازع الشعراء.
آل حم –غافر- فصلت دراسة في أسرار البيان.
كتبته الباحثة بمركز ابن أبي الربيع السبتي فرح الشويخ 
ترجمة المؤلف
     يعد الدكتور محمد محمد أبو موسى من أبرز علماء البلاغة العرب ،الذين حملوا على عاتقهم لواء الدعوة إلى النهوض بالبلاغة العربية وعلى رأسها البيان، كانت ولادته في مصر سنة 1937م ،حيث نشأ وحفظ القرآن الكريم ودخل الأزهر، يلقب ب “شيخ البلاغيين” ووريث المدرسة الشاكرية نسبة إلى محمود محمد شاكر،كانت حياته متنقلة بين عدد من الأماكن التي عاش فيها وأبرزها القاهرة و لييبيا والرياض. له عدد من البحوث والكتب في البلاغة العربية منها : 
البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري وأثرها في الدراسة البلاغية.
دلالات التراكيب دراسة بلاغية.
خصائص التراكيب دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني.
الإعجاز البلاغي دراسة تحليلية لتراث أهل العلم.
دراسة في البلاغة والشعر.
قراءة في الأدب القديم.
القوس العذراء وقراءة التراث.
من أسرار التعبير القرآني دراسة تحليلية لسورة الأحزاب. 
التصوير البياني دراسة تحليلية لمسائل البيان.
مدخل الى كتابي عبد القاهر الجرجاني.
شرح أحاديث من صحيح البخاري دراسة في سمت الكلام الأول .
مراجعات في أصول الدرس البلاغي.
تقريب منهاج البلغاء لحازم القرطاجني.
الشعر الجاهلي دراسة في منازع الشعراء.
آل حم –غافر- فصلت دراسة في أسرار البيان.
آل حم – الشورى – الزخرف – الدخان دراسة في أسرار البيان.
آل حم –الجاثية – الأحقاف دراسة في أسرار البيان.
وصف أبواب الكتاب
     قامت هذه الدراسة القيمة التي تناولت مسائل علم البيان الأساسية على ثلاثة فصول جامعة ،ومتفاوتة الحجم ،انفرد كل فصل من هذه الفصول بمسألة بيانية تخصه، وهي على التوالي التشبيه والمجاز والكناية تبعا للتقسيم الذي جرى عليه القوم في بحث البيان.
    وبما أن مزايا الكلام يأخذ بعضها بيد بعض عند المؤلف، فإن الفصل بينهما هو فصل اضطراري توجبه ضرورة التنظيم والتبويب، لذلك نجده غالبا في بداية كل فصل يحاول ربط كل مسألة بيانية بنظيرتها، من خلال إبراز الفروق في الدلالة بين التشبيه والمجاز وبين المجاز والكناية مثلا، وعيا منه بأن مناط الفرق بين هذه الأساليب وإحكام فهمها هو الأصل في بلاغة البيان.
    وليس من المبالغ فيه أن نقول إن القارئ لا يستطيع على أية حال تجاوز تلك المقدمات الهادفة التي صاغها الدكتور محمد محمد أبو موسى في مختلف طبعات هذه الدراسة ، إذ يمكن اعتبارها وقفات لتأمل الذات العربية و علاقتها بعلومها المشرقة ،وعلى رأسها البلاغة التي تعتبر مرتقى علوم اللغة كما يقول الخطيب القزويني.
    ولما كان التشبيه أكثر مسائل البيان شيوعا وجريانا في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، فضلا عن أنه جزء أصيل في بلاغة اللغة وآدابها على حد تعبير المؤلف، حرص هذا الأخير على أن يكون أول فصول هذه الدراسة، ساعيا إلى الكشف عن أسراره ودقائقه، إلا أن دراسته للتشبيه انصبت على المشبه به حيث قال: “لأنه هو الشئ الذي جاء به المتكلم ليقرن به المشبه فيكتسب منه شيئا، وبمقدار تعرفنا على دلالات المشبه به وإشاراته في سياق النص يكون قربنا من غايتنا ” .
    كما حاول التعرف على ما وراء صور التشبيه من معنى دقيق يشير إلى مدى حس الشاعر بما يقول، من خلال الكشف عن دلالة المشبه به انطلاقا من دراسته للتشبيه المفرد والمركب، فضلا عن التشبيه الضمني والوهمي مع الكشف أيضا عن التشبيهات المستمدة من عناصر كونية، والمستخرجة من عادات محدودة ومحصورة في بيئاتها، كما نبه إلى الأطوار الحضارية وأثرها في التشبيه، ومن المباحث الجليلة في هذا الفصل أيضا دراسته لأصول استحسان التشبيه وجودته.
وقد عزز المؤلف تحليله لشواهد التشبيه بمناقشته لآراء علماء البلاغة المتقدمين وعلى رأسهم عبد القاهر وابن رشيق.  
    وقد انتقل حديث المؤلف في الفصل الثاني إلى المجازوهو أكبر فصول الكتاب من ناحية الحجم- موازنة بالفصلين الآخرين- نظرا لتشعب مسائله ، وصعوبة تحديد علاقاتها من جهة، وتباين آراء العلماء حول مسائله من جهة ثانية مما تطلب بسطا وتوسعا في القول.
    وقد تطرق فيه المؤلف إلى ضروب من المجاز وعلى رأسها الاستعارة،باعتبارها أسلوبا من أساليب المجاز، مشيرا إلى الفروق بينه وبين التشبيه من ناحية الدلالة، بالإضافة إلى الفرق بين التشبيه والاستعارة .ومن ضروب المجاز أيضا والتي تطرق لها المؤلف الاستعارة التصريحية والتمثيلية والوفاقية أضف إلى ذلك الأصلية والتبعية ، والاستعارة في الحرف مستعينا في ذلك بآراء المتأخرين في تصنيفهم لمباحث الاستعارة ومناقشته لمذاهبهم المختلفة في ضروبها المتنوعة.
    أما الفصل الأخير فقد تناول فيه المؤلف مسألة الكناية ، وهو أصغر فصول الكتاب من ناحية الحجم إلا أنه على القدرنفسه من التفصيل والتحليل والتأمل في كل أسلوب على حدة، وذلك بغية التعرف على اللمسات الدقيقة في كل تعبير، وكذلك من أجل التعرف على ودائع الكلام وصوره على حد تعبير المؤلف.
    وقد تناول المؤلف في هذا الفصل الفروق في جوهر الدلالة بين المجاز والكناية ، مستندا في ذلك على ما ذكره البلاغيون ، ومعتمدا في تعريفها على تعريف “قدامة “لهذا الضرب من ضروب البيان وهو التعريف الذي سلك سبيله إلى كتب البلاغة كلها، محاولا الكشف عما وراء هذا الأسلوب من الأسرار والدقائق، متتبعا تقسيم المتأخرين للكناية من زاوية قرب المعنى المراد إلى كناية قريبة وأخرى بعيدة، مشيرا إلى أنواعها الثلاثة بدءا بالكناية عن صفة ، مرورا بالكناية عن نسبة ، وانتهاء بالكناية عن موصوف مع بيان أثر هذه الأقسام الثلاثة في أداء المعنى.
    ومن المعلوم لقارئ كتاب “التصوير البياني” خاصة وكتب الدكتور محمد محمد أبي موسى عامة أنه لا يولي للتبويب و التقسيم اهتماما كبيرا بالقدر الذي يوليه لعملية التحليل ، فهو ينتقل من موضوع إلى موضوع بطريقة غير مباشرة، ومع ذلك ففي الكتاب تناسق كبير في الأفكار والمواضيع التي صاغها في هذه الدراسة ، سواء بين الفصول جميعا أو داخل كل فصل على حدة.
عرض مضمون الكتاب
    بدأ المؤلف كتابه بمقدمات صدره بها ، تطرق فيها إلى موضوع الدراسة  وهو التشبيه والمجاز والكناية، والتي تقوم بنيتها في نظر المؤلف على عناصر لغوية خالصة، وهذه الأبواب الثلاثة هي من أشد وسائل الكلام رقة و رهافة وتأثرا بالأحوال والطباع ، كما أن هذه الفنون فضلا عن أنها وسيلة من الوسائل الأساسية في تذوق الشعر ونقده فقد ارتبطت بالقرآن الكريم ، وكانت بابا من أبواب فهمه وتذوقه. 
  ينتقل حديث المؤلف بعد ذلك إلى التشبيه وهو موضوع الفصل الأول ، انطلاقا من التشبيه  المفرد وهو ما يكون فيه الوصف المشترك محققا في شىء واحد، وهذا التشبيه يقع حسنا بمقدار ما فيه من حس وما يضمره من معنى يرشد إلى دقة وعي الشاعر وحسه بما يقول ، وهذا أساس مهم جدا في تقدير التشبيه من الناحية البلاغية، مركزا حديثه على المشبه به، فهذا الأخير صورة من الصور احتفظت بها النفس ووعتها فإذا ما أثارها شيء استجابت ووثبت إلى اللسان مع العلم بأن النفس لا تحتفظ إلا بما هو موضع اهتمامها .
    وقد أشار المؤلف في سياق حديثه عن التشبيه إلى أن الصور البيانية يموت منها الكثير بذهاب الأشياء أو العادات التي استمدت منها، أو المرتبطة بظروف وأحوال معينة ولهذا يكون تأثيرها في بيئتها و زمانها أكثر من تأثيرها في بيئتنا وزماننا.
    وعلى عكس التشبيه المفرد فإن التشبيه المركب هو أن يعتبر الشاعر أكثر من شىء في تكوين الصورة، وأن يأخذ أشياء فرادى معزولات بعضها عن بعض فيشبهها بنظائرها ويسمي المتأخرون هذا الضرب من التشبيه تمثيلا وتجد فيه المشبه غالبا من الأمور المحسوسة.
   ولم يفت المؤلف الإشارة إلى أن التشبيه الذي يكون فيه المشبه به متبوعا بالأوصاف التي تصف صورة متكاملة الملامح و محددة السمات يأتي في ضرب آخر من ضروب التشبيه الذي يسميه البلاغيون بالتشبيه الضمني ،وهو ما لا يكون التعبير فيه نصا في التشبيه وإنما بنيت العبارة عليه وطوته وراء صياغتها.
   وإذا كان التشبيه الضمني تشبيها تدل عليه العبارة دلالة ضمنية، فإن التشبيه الوهمي يكون فيه المشبه به منتزعا من الوهم ويحددونه بأنه ليس مدركا بالحواس ولكنه لو أدرك لكان مدركا بها.
    ومن فضائل ما ذكره المؤلف في هذا الفصل تحديده لأصول معرفة الحسن والأحسن من صور التشبيه ، وأولها الجمع الصحيح بالعلاقة البينة بين طرفين متباعدين في الجنس بقوة خيال الشعراء ونفاذهم في صميم الأشياء، ويرى المؤلف أن هذه التشبيهات من النوع الغريب المعجب، لكن الجمع بين المتباعدين ليس أصلا لحسن التشبيه هكذا بالإطلاق ولكنه يكون معجبا إذا كان الجمع صحيحا من ناحية مغزى التشبيه، ومن ناحية حس النفس بالطرفين مجموعين ، أي أن يكون بينهما مناسبة وملاءمة من جهة ما يثيران في النفس من مشاعر وأحوال، ويربط المؤلف إلى جانب غيره من البلاغيين التشبيه الحسن بالغرابة والندرة ويسمونه التشبيه البليغ.
    ومن أسس قبول التشببيه و جودته أيضا أنه يصف لك المعاني الذهنية و القلبية في صور حية بينة، وكذلك من الأسس التي يذكرها البلاغيون في جودة التشبيه ما يكون فيه من عنصر التفصيل والتحليل أي بناء التشبيهات على أساس من النظر المستقصى وتحليل الأفكار والأحوال والمشاعر وتجلية أبعادها.
    ويرى المؤلف أن مظهر المقدرة البيانية لا يكمن في تشكيل صور و تشبيهات وكشف علاقات جديدة فقط، وإنما يكون أيضا في تجديد الصور الرتيببة التي ذهب الإلف بروائها، وهي في هذا النوع أكثر براعة واقتدارا، كما نبه إلى الأطوار الحضارية وأثرها في إخماد أو موت بعض التشبيهات واستهجان ما لم يكن منها مستهجنا في طور سابق.
     وإذا كان التشبيه من أساليب الحقيقة لأن الكلمات فيه لم تنتزع من دلالتها لتستعمل في شىء آخر، فإن الاستعارة من أساليب المجاز (وهو موضوع الفصل الثاني من الكتاب )، لأن الكلمة فيها جرت على غير ما هي له. فعند الانتقال من التشبييه إلى الاستعارة تتحول الأشياء وتبرز في غير صورها الحقيقية وتنتقل الكلمات من معانيها المألوفة إلى معان جديدة .
    والاستعارة على حد تعبير المؤلف واحدة من أصول صناعة الأدب والشعر ومن أبرز الوسائل البيانية بالحس والشعوروالأفكارالمحتجبة ، ويمكن القول كذلك أنها نوع من الإدراك للأشياء تتحول فيه عن طبائعها المألوفة وتأخد صورا جديدة وحقائق جديدة.
ومن ضروبها: الاستعارة التصريحية أي التي تكون الكلمة فيها مستعملة في غير معناها أو المصرح فيها بالمشبه به ، أضف إلى ذلك الاستعارة التمثيلية وهي المبنية على تشبيه التمثيل ومن خلالها يبرز المعنى الذهني في صورة محسوسة ، كما أشار المؤلف إلى تقسيم المتأخرين للاستعارة باعتبار أخذ الشبه من المعقول للمعقول إلى وفاقية وهي ما أمكن اجتماع طرفيها ، وعنادية وهي ما لايمكن فيها ذلك ، أما الاستعارة التهكمية أو الضدية فهي ما يستعار فيها الشىء لما يناقضه على سبيل التهكم والسخرية .
    وقد قسم المؤلف الاستعارة من حيث اللفظ المستعار إلى قسمين:أصلية وتبعية، وتكون أصلية إذا كان المستعار منه اسم جنس ، وتكون تبعية إذا كان المستعار منه اسما مشتقا أو فعلا أو حرفا، أما الاستعارة المركبة فهي عبارة عن تحريك أحداث مترابطة وأحوال متماسكة وإدماجها في مثلها إلى جانب الاستعارة المكنية وهي التي يكون فيها المستعار محذوفا مرموزا إليه بشىء من لوازمه.
    ومما تجدر الإشارة إليه أيضا أن البلاغيين نظروا إلى الاستعارة نظرا يتعلق بما يقترن بها من تفريعات وأوصاف كالترشيح والمراد به تربية المستعار منه وتنميته وإشاعته حتى يوهم بأنه حقيقة، أما التجريد فهو الاستعارة التي يذكر فيها وصف أو تفريع كلام يتصل بالمشبه أو المستعار له، وبين المنزلتين تقع الاستعارة المطلقة وهي تأتي بعد المرشحة وقبل المجردة.
    وإذا كانت الاستعارة تقتضي وجود علاقة المشابهة فإن المجاز المرسل يقتضي ضرورة وجود علاقات أخرى ، وهو أعم من الاستعارة ، وكل استعارة مجاز وليس كل مجاز استعارة.
    وبالانتقال إلى الفصل الثالث المعنون بالكناية نجد المؤلف يعمل على تحديد مناط الفرق بين المجاز والكناية وهو فرق جوهري في طبيعة الدلالة ، فالكناية لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة معناه لانتفاء القرينة المانعة من ذلك ، وكذلك فالكناية هي أن يريد الشاعر الدلالة على معنى من المعاني فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك ، بل بلفظ يدل على معنى هو ردفه وتابع له.
    وقد ذكر أن الكناية من حيث مدلولها تأتي على ثلاثة أنواع ، فهي إما أن تكون كناية عن صفة أو موصوف أو نسبة ، كما أشار المؤلف إلى تقسيم المتأخرين للكناية من زاوية قرب المعنى المراد من الرادف الهادي إليه إلى كناية قريبة وأخرى بعيدة ، فالأولى هي ما ينتقل منها إلى المعنى المقصود من غير واسطة ، أما الثانية فهي التي يكون بين المعنى المباشر للتركيب والمعنى المراد واسطة ، وهذه الوسائط تقل وتكثر ، فإذا كثرت هذه الوسائط سميت الكناية تلويحا ، وإن قلت الوسائط وكان فيها ضرب من الخفاء سميت رمزا، وإن لم تكن خفية سميت الكناية إيماءا وإشارة.
    أما الكناية عن نسبة فهي أن تقع الكناية في نسبة الصفات إلى شىء متصل بالموصوف وليس في الصفات ذاتها ، والقسم الثالث من أقسام الكناية ما يراد به موصوف أي لا يراد به صفة ولا نسبة ، وهذا القسم ليس فيه ما في القسمين الأولين من الاعتبارات البلاغية وإن كان لا يخلو من دقائق لطيفة . 
    وقد ختم المؤلف هذا الفصل بتحديده للعبارة فهذه الأخيرة في نظره هي الفكرة ،وليس شيئا منفصلا عنها وإنما هي هي لأنه لا يوجد فكر ولا حس غير مرتبط بالكلمة أو بصيغة أخرى فإن الكلمات بإزاء المعاني و مرتبة معها فكلاهما ينهض في النفس ملتبسا بصاحبه ، ولا مجال للقول على حد تعبيره بوحدة المعنى من جميع وجوهه إذا ورد في جملتين مختلفتين ،لأن المعنى لا يتكرر بكل شياته وأحواله وخصائصه في عبارتين. كما قام بإبطال الفكرة القائلة بإيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة ، لأن الطرق المختلفة في نظره لا تؤدي إلى معنى واحد. 
    كما أكد على أنه من المركوز في الطباع و الراسخ في غرائز العقول أنه متى أريد الدلالة على معنى فترك أن يصرح به ويذكر باللفظ الذي هو له في اللغة ، وعمد إلى معنى آخر فأشير به إليه وجعل دليلا عليه كان للكلام بذلك حسن ومزية لا يكونان إذا لم يصنع ذلك وذكر بلفظه صريحا ، وهذا من أجل مميزات علم البيان .
المنهج
    عندما نتحدث عن كتاب “التصوير البياني” فإننا نتحدث بالضرورة عن قيام منهج بلاغي رصين اعتمده صاحبه في عرض مسائل هذه الدراسة القيمة ألا وهو المنهج الاستنباطي، هذه الدراسة التي توخت أن تقترب من النص، وأن تتخذ الأفكار البلاغية وسائل لبحثه وتحليله .
     ويظهر المنهج الاستنباطي جليا في الكتاب بشكل عام، وفي كل فصل من فصوله بشكل خاص، إذ ينطلق المؤلف في بداية كتابه من فكرة عامة مفادها بيان أهمية الدراسة البلاغية وعلى رأسها علم البيان ليخصص حديثه بعد ذلك، فيجعل كل فصل من فصول الكتاب مختصا بمسألة بيانية ،وهي كالآتي (التشبيه والمجاز والكناية).
     أما على مستوى الفصول فنلاحظ أن المؤلف يتبع نفس المنهج في كل فصل على حدة ، ونأخذ على سبيل المثال الفصل الأول (التشبيه) ، إذ نلاحظ أن المؤلف ينطلق من فكرة عامة وهي عناية الباحثين بدراسة التشبيه واهتمامهم به ومذاهبهم في دراسته، وغرضه الشخصي من دراسته أيضا ، لينتقل بعد ذلك إلى عرض جوانب هذه الدراسة وأقسامها وجزئياتها كالتشبيه المفرد والمركب ، أضف إلى ذلك الوهمي والضمني وكذلك تحديده لأصول استحسانه ، وهكذا يسري هذا المنهج على باقي فصول الكتاب .
     وإلى جانب هذا المنهج عمل المؤلف على توظيف بعض الأساليب التي ساهمت في إغناء الدراسة ، وأبرزها التفسير وتحليل الشاهد والتعرف على الكلمة الغنية والوقوف عندها ، وليس الأمر في التحليل كما يقول المؤلف هو إدراك المعنى من العبارة الأدبية وإنما تأملها وبيان وجه دلالتها من أجل سبر أغوار دلالات الصور واستخراج ما استكن في كل جانب من جوانبها .
    كما عمل المؤلف في هذه الدراسة على عرض صور البيان دون إهمال صياغة الجملة وما فيها من دقائق تنعكس على الصور البيانية التي لا يمكن أبدا إدراك دلالاتها من غير تأمل للعلاقات والوشائج التي توجد بين كلماتها ، حيث يقول المؤلف : ” إن دراسة الصياغة ودلالات التراكيب ينبغي أن تكون مقدمة لدراسة كل صورة من صور البيان ،لأنها هي الخطوط التي تتكون منها هذه الصور ” من خلال التأمل في هذه الصور والتعرف على معانيها مما يهدي إلى الوجه الذي تستقيم عليه من ضروب البيان ، وكذلك التأمل في الأساليب وتفسير كل صورة بما يناسبها أو بما هو الأظهر فيها من صور البيان.
    كما نبه المؤلف إلى ضرورة بيان الفروق الخفية بين الكلمات المتشابهة في سياق عرض الشواهد و تحليلها حيث قال : ” نريد أن نعرف بها ما ينطوي عليه الكلام من صدق الإحساس أو زيفه وما فيه من عمق الدلالة  أو سطحيتها “.
    ولا بد من الإشارة إلى أن شواهد المؤلف في معرض حديثه عن مسائل علم البيان تنوعت بين الشواهد القرآنية ، والشواهد الشعرية وهذه الأخيرة تنوعت كذلك بين شواهد الشعراء القدماء والمحدثين والمعاصرين له، مما أضفى تنوعا في معجم الشواهد ، دون أن ننسى المنزع النفسي للمؤلف في تحليله للشواهد وإن كان لم يعتمده أساسا في عملية التحليل ولو وظفه لكان في ذلك زيادة فضل .
وهذا المنهج وهذه الأساليب مجتمعة مكنت المؤلف من أن تكون له بصمة خاصة ومميزة عن غيره من البلاغيين سواء من القدماء أو المحدثين ، في دراسة مسائل البيان العربي من خلال كتابه “التصوير البياني” .
أهمية الكتاب المدروس
     لقد كانت الدراسة البلاغية من أبرز العلوم التي توجهت نحوها أنظار الباحثين العرب على حد تعبير المؤلف ، فكثرت حولها الدراسات الكاشفة عن مواطن الضعف والخلل في مادتها العلمية وفي منهج تناولها و الواصفة للمسلك الذي ينبغي أن تسير فيه ، ومن بين هذه الدراسات الدراسة القيمة للدكتور محمد محمد أبي موسى ، والتي عرضها في كتابه “التصوير البياني” ، إحساسا منه بالغايات النبيلة التي تحققها هذه الدراسة حين يدار درسها على الطريق الصحيح وحين يتبع المنهج المحقق لهذه الغايات .
    وعلى الرغم من كثرة المحاولات التي استهدفت مسائل البلاغة وخاصة علم البيان ،إلا أن المحاولات التي تنهمك في تناول مسائل هذا العلم بالدراسة والتحليل والتأمل والمناقشة الفعالة قليلة إلى، دون أن ننسى جهود العلماء المحنكين في هذا الميدان وعلى رأسهم الدكتور محمد محمد أبو موسى ” شيخ البلاغيين ” ،إذ يعتبر كتابه – السالف ذكره -دراسة مستقصية لمسائل علم البيان ، اتخذت من مقولات البلاغيين بداية لتفكيرها ، وعلى رأسهم عبد القاهرالجرجاني صاحب كتابي “دلائل الإعجاز” و” أسرار البلاغة ” ، وهما من أبرز المصادر التي اعتمد عليها المؤلف ، لذلك يمكن اعتبار كتابه تشخيصا مبسطا لبعض القضايا البلاغية المهمة في هذين الكتابين .
ثم إن هذه الدراسة راجعت كلام الأئمة ثم تناولت من هذه الجهود بعض جوانبها وشرحتها كما تمثلتها .
ويمكن القول إن هذه الدراسة المستفيضة لمسائل علم البيان قادرة على إشراك القارئ في الدخول في أغوار التحليل ،يقول المؤلف :” لم نكتب هذا الكتاب لنعلم به طلاب العلم ،وإنما قصارى هذا الكتاب أن يشير إلى مواطن العلم وإلى الجهات التي فيها كنوزه وودائعه وعلى طالب العلم أن يسلك الطريق إليها ” ، ولهذا بدون شك أهمية بالغة و تأثير قوي على تحريك ملكة الفهم عند القارئ، وهي ميزة ينفرد بها المؤلف ، كما تكمن أهمية هذا الكتاب في كونه يستمد مقولاته من الجيلين معا :جيل المتقدمين وعلى رأسهم : الجرجاني و ابن رشيق ، وجيل المعاصرين وعلى رأسهم: محمود محمد شاكر ومحمد عبد الله دراز ،   والعقاد.
    ومن مميزات هذا الكتاب أيضا توظيفه لمجموعة من الأساليب الحجاجية أثناء عملية التحليل كالتفسير والاستشهاد والاستنتاج والموازنة خاصة بين صور الشعراء في موضوع معين ، بغية الكشف الدقيق عن الصور البيانية وغوامض المعاني الكامنة وراء هذه الصور البيانيةكتبته الباحثة بمركز ابن أبي الربيع السبتي فرح الشويخ 
ترجمة المؤلف
     يعد الدكتور محمد محمد أبو موسى من أبرز علماء البلاغة العرب ،الذين حملوا على عاتقهم لواء الدعوة إلى النهوض بالبلاغة العربية وعلى رأسها البيان، كانت ولادته في مصر سنة 1937م ،حيث نشأ وحفظ القرآن الكريم ودخل الأزهر، يلقب ب “شيخ البلاغيين” ووريث المدرسة الشاكرية نسبة إلى محمود محمد شاكر،كانت حياته متنقلة بين عدد من الأماكن التي عاش فيها وأبرزها القاهرة و لييبيا والرياض. له عدد من البحوث والكتب في البلاغة العربية منها : 
البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري وأثرها في الدراسة البلاغية.
دلالات التراكيب دراسة بلاغية.
خصائص التراكيب دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني.
الإعجاز البلاغي دراسة تحليلية لتراث أهل العلم.
دراسة في البلاغة والشعر.
قراءة في الأدب القديم.
القوس العذراء وقراءة التراث.
من أسرار التعبير القرآني دراسة تحليلية لسورة الأحزاب. 
التصوير البياني دراسة تحليلية لمسائل البيان.
مدخل الى كتابي عبد القاهر الجرجاني.
شرح أحاديث من صحيح البخاري دراسة في سمت الكلام الأول .
مراجعات في أصول الدرس البلاغي.
تقريب منهاج البلغاء لحازم القرطاجني.
الشعر الجاهلي دراسة في منازع الشعراء.
آل حم –غافر- فصلت دراسة في أسرار البيان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق