مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

رفع الإشكال عن صيام ستة أيام من شوال لأبي سعيد صلاح الدين خليل بن الأمير كيكلدي العلائي الشافعي(ت761هـ). تعريف وتوصيف

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين.

وبعد؛

فإن صيام ستة أيام من شهر شوال، لها  فضل عظيم وأجر كبير عند الله عز وجل، وجعل صيامها بعد رمضان يعادل صيام الدهر كله، ولهذا ألف العلماء حول صيام هذه الأيام مؤلفات منها: كتاب صلاح الدين خليل العلائي  الموسوم بـ: “رفع الإشكال عن صيام ستة أيام من شوال”، وهو من الكتب المهمة التي ألفت في رفع المشكلات المتعلقة بطرق حديث: ” من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر”[1]،. ولأهمية هذا الكتاب وقيمته العلمية خصصته بهذا المقال متناولا فيه ترجمة المؤلف، ثم التعريف بالكتاب.

أولا: التعريف بالمولف[2]:

*اسمه ونسبه:

هو: الحافظ أبو سعيد صلاح الدين خليل بن الأمير كيكلدي بن عبد الله العلائي الشافعي الدمشقي[3].

*مولده:

ولد سنة 694هـ [4].

*شيوخه:

أخذ العلائي عن مجموعة من العلماء منهم:

تقي الدين سليمان المقدسي[5]، وكمال الدين الزملكاني[6]، وبرهان الدين بن الفركاح[7]، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد الشيرازي[8].

*تلاميذه:

من العلماء الذين أخذوا عنه:

محمد بن محمد بن علي شمس الدين المعروف بالغماري المصري المالكي النحوي[9].

أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي[10].

* مصنفاته:

ألف العلائي مؤلفات كثيرة منها:

الأربعون في أعمال المتقين[11]، والأشباه والنظائر[12]، وتنقيح الفهوم في صيغ العموم[13]، وبرهان التيسير في عنوان التفسير[14]، وكشف النقاب عما روى الشيخان للأصحاب[15]، وكتاب المدلسين[16]، والوشي المعلم في الحديث[17]، وجامع التحصيل في أحكام المراسيل[18]، والنفحات القدسية[19]، والمجموع المذهب في قواعد المذهب[20].

*ثناء العلماء عليه:

أثنى عليه غير واحد من العلماء منهم:

قال الذهبي: “حافظ يستحضر الرجال والعلل، وتقدم في هذا الشأن مع صحة الذهن وسرعة الفهم”[21].

وقال ابن حجر: “كان ممتعا في كل باب فتح، ويحفظ تراجم أهل العصر ومن قبلهم، وكان له ذوق في الأدب، ونظم حسن مع الكرم وطلاقة الوجه”[22].

*وفاته: توفي بالقدس في المحرم سنة(761هـ)[23] .

ثانيا: التعريف بكتاب:” رفع الإشكال عن صيام ستة أيام من شوال”.

يعد هذا الكتاب الجليل والقيم الموسوم بـ “رفع الإشكال عن صيام ستة أيام من شوال” لأبي سعيد صلاح الدين خليل كيكلدي العلائي من أفضل ما ألف في رفع المشكلات المتعلقة بحديث: “من صام رمضان فأتبعه ستا من شوال “[24]، وبيان رواياته وطرقه، وذكر مظانه، وصيغ ألفاظه، وغير ذلك، وسبب تأليف العلائي لهذا الكتاب هو الرد على دعوى الحافظ أبي الخطاب عمر بن الحسن المعروف بابن دحية (ت 633هـ)، الذي ضعف هذا الحديث، واعتبره لم يصح منه شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 قال رحمه الله بعد الحمدلة والتصلية: “فقد وقفت على كلام ذكره الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية رحمه الله في كتابه المسمى بـ: “العلم المشهور في فضائل الأيام والشهور” يتضمن الطعن في حديث:”من صام رمضان فأتبعه ستا من شوال”، بتضعيف طرقه كلها، وأنه لا يصح منها شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستعنت بالله تعالى، وذكرت في هذه الأوراق ما قدر الله لي ذكره من الكلام على طرق هذا الحديث”[25]

 ثم قال : “والجواب عن كلام أبي الخطاب بن دحية رحمه الله تعالى، والله تعالى الموفق للصواب”[26].

ثم ذكر أن هذا الحديث قد روي من رواية أبي أيوب الأنصاري خالد بن زيد، وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشداد  بن أوس، وأبي هريرة، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم[27].

ثم بدأ في عرض كل رواية على حدة، ومن أخرجها من المحدثين، مبتدئا بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه الذي أخرجه مسلم، وقال: أصح ما في الباب[28].

ثم عرض الأسباب التي جعلت ابن دحية يحكم بضعف هذا الحديث، وأنه لم يصح منه شيئا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائلا: قال ابن دحية: “هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يدور على سعد بن سعيد وهو ضعيف جدا تركه مالك وأنكر عليه هدا الحديث…ـ إلى أن قال ـ: والمانع من العمل بالخبر ثلاثة معان: الفسق لقوله عز وجل: (إن جاءكم فاسق بنبإ)[29]، أو كثرة الغفلة والإتيان بالمناكير، أو أن يكون مجهولا، وهو أن لا تعرف حال الراوي في عدالته، وإن عرف اسمه ونسبه. انتهى كلامه”[30]

ثم بعد نقله لكلام ابن دحية بدأ في الجواب بتفنيد كلامه، بمجموعة من  الحجج منها:

أنه لا يقال: ضعيف جدا إلا لمن كان وضاعا متروكا…  وأن من وثقه قوم، وضعفه آخرون لسوء حفظه، أو لشيء قريب، وقد أحتُج به في الصحيح لا يقال فيه: ضعيف جدا[31].

وأن مالكا في الموطأ لم ينكر إلا العمل بالحديث، ولم يتعرض إلى الحديث، ولا إلى روايته… [32] .

ثم بعد كلام يرد فيه على ابن دحية قال العلائي رحمه الله: “فقد تقرر بهذا الجملة أن احتجاج صاحبي الصحيحين، أو أحدهما بالشيخ يكون مقدما على قول من جرحه، إذا لم يكن مفسرا، فكيف وقد وثقه جماعة آخرون، مع أن الجرح المذكور فيه ليس بغليظ العبارة كقولهم: متروك، وكذاب، أو نحوها، فإنه يظهر من حال من تكلم فيه أن ذلك لسوء حفظه، كما صرح به الحافظ أبو عيسى الترمذي، وكما نبه عليه أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات”[33].

ثم قال: “وقوله: ولذلك أعرض عنه البخاري ولم يخرجه في صحيحه” يقال: على أن البخاري رحمه الله باتفاق الأئمة لم يستوعب جميع الاحاديث الصحاح”[34].

وأن البخاري استشهد بسعد بن سعيد في صحيحه، فقال في كتاب الزكاة: “وقال سليمان عن سعد بن سعيد، عن عمارة بن غزية عن عباس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أحد جبل يحبنا ونحبه.. الحديث”[35].

وأنه “قد أخرج له في كتاب الأدب تصنيفه من رواية ابن المبارك عنه عن الزهري حديثا،  وذكره في تاريخه ولم يضعفه بشيء”[36].

ثم بعد كلام قال: “وهذا إيهام منه رحمه الله بتضعيف الحديث من وجه آخر لا يضر؛ لأن الحديث قد صح إلى سعد بن سعيد بطرق كثيرة، وقد ذكرنا خمسة عشر نفسا من الثقات الذين رووه عنه، ومنهم: الثلاثة الذين أخرجه مسلم رحمه الله من حديثهم”[37].

والعلامة العلائي رحمه الله لم يقتصر على ذكر اعتراضات ابن دحية رحمه الله على حديث أبي أيوب والجواب عنه، بل ذكر اعتراضات أخرى وأجاب عنها، قال رحمه الله: “وقد بقي اعتراضات لم يذكرها هو، فنذكرها مع الجواب عنها”[38].

ثم بعد ذكره هذه الاعتراضات والإجابة عنها. قال رحمه الله: “فقد تبين ولله الحمد أن حديث أبي أيوب رضي الله عنه في صيام الستة أيام من شوال صحيح محتج به لا مطعن لأحد فيه، والله تعالى أعلم”[39].

ثم انتقل إلى الكلام على حديث ثوبان مولى رسول الله رضي الله عنه، وذكر من أخرجه من المحدثين، كابن حبان، وابن ماجه، والبزار، والنسائي، وأحمد بن حنبل، وأيضا إلى ما اعترض به ابن دحية على حديث ثوبان رضي الله عنه ، والإجابة عنه[40].

ثم إلى الكلام على حديث شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أخرجه من المحدثين[41]. ثم عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومن أخرجه من المحدثين[42]، ثم عن حديث جابر  رضي الله عنه، ومن أخرجه من المحدثين[43].

ثم ختم كلامه بقوله: “وبالجملة  فالحديث بحمد الله قد صح من حديث أبي أيوب، وثوبان وشداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي هريرة من طريق ليث ابن أبي سليم يصلح للمتابعات لحديثهم، ولا يضره ضعف باقي الطرق كما أوهم ابن دحية رحمه الله”[44].

وفي آخر الكتاب عقد فصلا تكلم فيه على ما ذكره مالك  في الموطأ حول الحديث المذكور من رواية يحيى بن يحيى وغيره، وما قاله شراح الموطأ كابن عبد البر، والقرطبي[45].

وختاما فإن  العلائي سلك في كتابه: “رفع الإشكال عن صيام ستة أيام من شوال ” في الرد على ابن دحية منهجا دقيقا، وأسلوبا رفيعا، رافعا للمشكلات المتعلقة بتضعيف طرق حديث: “من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر”.

********************

هوامش المقال:

[1]  سيأتي تخريجه.

[2]   من مصادر ترجمته:  معجم شيوخ الذهبي (1/ 180)، وطبقات الشافعية الكبرى (10/ 35)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (3/ 91 رقم 642)، والدرر الكامنة (2/ 90)، وذيل طبقات الحفاظ (ص: 238)، والأنس الجليل (2 /106ـ107)، وفهرس الفهارس(2 /790)، والأعلام (2/ 321).

[3]  فهرس الفهارس(2 /790).

[4]  طبقات الشافعية الكبرى (10/ 35).

[5]  طبقات الشافعية الكبرى (10/ 35).

[6]  طبقات الشافعية الكبرى (10/ 36).

[7]  طبقات الشافعية الكبرى (10/ 36).

[8]  ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد (1/ 525).

[9]  ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد (1/ 237).

[10]   ذكره في معجم شيوخه(1/ 180).

[11]  ذيل طبقات الحفاظ (ص:238).

[12]  طبقات الشافعية الكبرى (10/ 35).

[13]  طبقات الشافعية الكبرى (10/ 35).

[14]  الأعلام(2 /321).

[15]  الأعلام(2 /321).

[16]  الأعلام(2 /321).

[17]  الأعلام(2/ 321).

[18]  طبقات الشافعية الكبرى (10/ 35).

[19]  الأعلام(2 /321).

[20]  الأعلام(2 /321).

[21]  ذيل طبقات الحفاظ (ص:238).

[22]  الدرر الكامنة(2 /91).

[23]  طبقات الشافعية الكبرى (10/ 36).

[24]   أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الصيام، باب: باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعا لرمضان، رقم:(1164) (2 /822). بلفظ:”…..ثم أتبعه ستا من شوال”.

[25]  رفع الإشكال عن حديث صيام ستة أيام من شوال (ص: 17).

[26]  نفسه (ص: 17).

[27]  نفسه (ص: 17).

[28]  نفسه (ص: 18).

[29]  سورة الحجرات الآية: 6.

[30]  نفسه (ص:20ـ 21ـ 22).

[31]  نفسه (ص:37ـ38).

[32]  ينظر نفسه (ص: 38 وما بعدها).

[33]  نفسه انظر (ص: 47-48).

[34]  نفسه انظر (ص: 49).

[35]  نفسه (ص: 49 ).

[36]  نفسه (ص: 50 ).

[37]  نفسه (ص: 51 ).

[38]  نفسه (ص: 54 ).

[39]  نفسه (ص: 61).

[40]  نفسه (ص: 62ـ63).

[41]  نفسه (ص: 68).

[42]  نفسه (ص: 70ـ71).

[43]  نفسه (ص: 74ـ75).

[44]  نفسه (ص: 76).

[45]  نفسه (ص: 77) وما بعدها.

******************

جريدة المصادر والمراجع:

الأعلام، لخير الدين الزركلي،  دار العلم للملايين. ط15، 2002 م.

الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، لمجير الدين الحنبلي، منشورات المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف(طهران)، 1388هـ ـ 1968م.

الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لشهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني، دار الجيل بيروت، 1414هـ ـ1993م.

ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد، لمحمد بن أحمد بن علي، تقي الدين، أبي الطيب المكي الحسني الفاسي، تحقيق: كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1410هـ/1990م.

ذيل طبقات الحفاظ للذهبي، لأبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: الشيخ زكريا عميرات، دار الكتب العلمية.

رفع الإشكال عن صيام ستة أيام من شوال، لأبي سعيد  صلاح الدين خليل العلائي، تحقيق: صلاح عايض الشلاحي، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1415هـ/1994م.

طبقات الشافعية، لأبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة، تحقيق:  عبد العليم خان، عالم الكتب ـ بيروت، ط1، 1407 هـ.

طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي، تحقيق: محمود محمد الطناحي، وعبد الفتاح محمد الحلو، دار هجر،ط2، 1413هـ.

فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، لعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، تحقيق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي ـ بيروت، ط2 ،1402ـ 1982م.

المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي،  دار إحياء الكتب العربية، توزيع دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1412هـ ـ 1991م.

معجم شيوخ الذهبي، لشمس الدين الذهبي، تحقيق: روحية عبد الرحمن السيوفي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ ـ 1990م.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق