مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

(رضوان الجِنْوي (ت991هـ

الإمام العلامة، الحافظ المسند، الزاهد الصالح، أبو النعيم وأبو الرضى رضوان بن عبد الله الجِنْوي، نسبة إلى جِنوة، من بلاد الروم (إيطاليا حاليا)، كان أبوه قدم منها إلى فاس في حدود 890هـ أو ما هو قريب منها، وكان نصرانيا، فأسلم وحسن إسلامه، وكانت أمه أيضا يهودية فأسلمت، فولدا أولادا، وكان منهم  مترجمنا، ولهذا كان يقول عن نفسه: ((خرجت من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين)).

مولده بفاس سنة 912هـ وبها نشأ، لقي في صغره الشيخ الزاهد أبا محمد عبد الله الغزواني، دفين مراكش (ت935هـ)، ثم انتقل هذا الشيخ إلى مراكش، فرحل  إليه أبوالنعيم بعدما كبر وتهيأ لذلك، وصاحبه مدة أربعة أشهر فتوفي الشيخ، وبقي المترجم بمراكش نحو العام يقرأ ويطلب العلم، ثم عاد إلى فاس فأخذ عن شيوخ العلم بها، أمثال:  الشيخ الفقيه الأستاذ، النحوي المتفنن، الرجل الصالح أبي العباس أحمد بن محمد الحباك الفاسي (ت938هـ)، والشيخ الفقيه الإمام أبي زيد عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم الدكالي المَشَنْزَائي(ت962هـ)، لازمه وانتفع به، والشيخ المُرَبِّي، الفقيه الصالح أبي عبد الله محمد بن علي الطالب (ت964هـ أو 965هـ)، والشيخ الفقيه الإمام ، المحدث النحوي المشارك أبي محمد عبد الوهاب الزقاق (ت961هـ)، والفقيه الإمام العالم، الرحالة المشارك شيخ الجماعة  أبي عبد الله محمد بن أبي الفضل خَرُّوف التونسي (ت966هـ)، لازم حضور مجلسه وحفظ من سماعه كثيرا، والإمام مفتي فاس، وخطيب مسجدها الأعظم، شيخ الجماعة أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن ابن جلال المغراوي (ت980هـ وقيل: 981هـ)، ولعل أبرز من  انتفع بهم أبو النعيم الجنوي هو الإمام الحافظ الرّاوية المحدث الرحالة المسنِد أبو زيد وأبو محمد عبد الرحمن بن علي بن أحمد العَاصِمي الفاسي، الشهير بـ: سُقَّيْنْ (ت956هـ)، فهو عمدته، وعليه كانت جل قراءته، ولازمه حتى توفي، وقد أجازه شيخه هذا في الصحيحين والموطإ والسنن لأبي داود، والجامع الصحيح للترمذي، والسنن الصغرى للنسائي، والرسالة لابن أبي زيد القيرواني وغير ذلك من مقروءاته ومسموعاته.

كان أبو النعيم الجنوي شديد الحرص على الاستفادة والتحصيل، وفي هذا يقول: ما جلست مجلسا من مجالس العلم إلا وأكتب شيئا أو أحفظه، وبذلك قيد من مسائل العلم ـ في الفقه والنحو واللغة والحديث والتفسير والتصوف وما أشبه ذلك ـ ما فاق به أقرانه، وتحصل له ما لم يتحصل لهم، مما جعل طلاب العلم يقبلون علىه للقراءة عليه والأخذ عنه والتربية بين يديه، فكان من ألمع الآخذين عنه: الفقيه العالم قاضي الجماعة بشفشاون أحمد بن الحسن ابن عُرضون (ت992هـ)، والفقيه العالم الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن محمد المكنى بأبي شامة المشنزائي(ت994هـ)، والفقيه العالم مفتي الحضرة المراكشية أبو محمد وأبو مالك عبد الواحد بن أحمد الحسني السجلماسي (ت1003هـ)، وأبو عبد الله محمد بن القاسم بن محمد القيسي الغرناطي الشهير بالقصار (ت1012هـ)، والإمام الحافظ المفسر الفقيه الأديب أبو عبد الله محمد بن علي القنطري القصري الأندلسي (ت1018هـ)، والعلامة الزاهد الورع أبو الحسن سيدي علي بن محمد الزرهوني المعروف بالدُشَيِّشْ بالتصغير (ت1021هـ)، والفقيه الأديب أبو العباس أحمد بن موسى المرابي الأندلسي (ت1034هـ)، وبالرغم من كثرة تلامذته فإن أبا النعيم  لا يرى نفسه شيخا، وإنما يعد نفسه صاحبا وأخا لهم، فإنه كان يقول: ((إنما نتعاون على الدين فقط، ولست لكم بشيخ))، ويقول: ((يا أصحاب، يا إخوان)).

وأجمع العلماء والمترجمون على الثناء على أبي النعيم، واصفين حاله بالزهد والتواضع، وأخلاقه بالشرف، وصفاته باللطف، وأدبه بالكامل، وأنه المتبع للسلف الصالح في علمه وعمله، فقال فيه تليمذه أبو العباس المرابي في الكتاب الذي وضعه في مناقب شيخه ((تحفة الإخوان)): ((كان من أعظم الأئمة في وقته، وممن أجمع العلماء على تعظيمه وتوقيره والاحترام له، من غير مدافع ولا منازع من أرباب الصدق، إليه انتهت رياسة هذا الشأن، وبه أحدق الأمر في تربية السالكين وتهذيب المريدين، وكشف مشكلاتهم، وتفصيل أحوالهم … ))، ثم وصف حاله على نحو ما تقدم.

وقال فيه أيضا: ((كانت طريقته سُنية، وشمائله سَنية، ومعاملته مرضية))، ووصفه أكثر من مرة بـ((أعجوبة الزمان، وخلاصة العلم والعرفان)).

وحلاه العلامة أبو محمد عبد الواحد ابن عاشر في إجازة له بـ ((الشيخ الشهير الكبير، الإمام الصالح العامل، محيي السنة بعد اندراسها، ومحيي الطريقة الصوفية بعد انطماسها، الخاشع المتبتل الزاهد العابد)).

 وقال فيه تلميذه أبو عبد الله القَصَّار: ((لو أدركه أبو نُعيم لجعله صدر حليته. أو قال: مع أويس القرني!)).

لم يخلف المترجم آثارا كثيرة، وإنما يذكر له بعض مترجميه فهرسة، وتخريج أحاديث الشهاب للقاضي القضاعي، وله مراسلات ومكاتبات وأوراد وأدعية وشعر ونظم، بث أبو العباس المرابي كثيرا من ذلك في ((تحفة الإخوان))، وختم كتابه هذا بتأليف سمّاه: ((المسك المختوم فيما للشيخ أبي النعيم من المنظوم)).

توفي أبو النعيم الجنوي رحمه الله بمدينة فاس ليلة الخميس، الثالث عشر أو الرابع عشر من ربيع الأول سنة 991هـ، ودفن خارج باب الفتوح، وكانت جنازته مشهودة.

مصادر ترجمته:

 تحفة الإخوان ومواهب الامتنان في مناقب سيدي رضوان، لأبي العباس المرابي، وممتع الأسماع في الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع، لمحمد المهدي الفاسي (ص91-93)، ونشر المثاني (1/89)، والإكليل والتاج (ص229-232)، وصفوة من انتشر (ص46-48)، وجذوة الاقتباس (1/197)، وسلوة الأنفاس(2 /290-295)، والأعلام للزركلي (3/27)، والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام (3/227-236) ، والفكر السامي (ص601)، ومعجم المؤلفين (4/ 165).

إعداد: د. مصطفى عكلي

Science

الدكتور مصطفى عكلي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

عميد كلية الدراسات الإسلامية بالإنابة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق