مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثشذور

رسالة في أحكام الاختصاص

رسالة في أحكام الاختصاص (*)

للأستاذ عبد الله كنون

  كنت في سنة (1353هـ) أدرس ألفية بن مالك بشرح المكودي لجماعة من الطلبة المتقدمين في دراسة النحو؛ وكانت الطريقة المفضلة لديهم هي ما يمكن أن نسميه بالألفية ومثلها معها؛ فقد درج المشايخ عندنا على استدراك ما فات الناظم وتكميل ما بقي عليه من القواعد والمسائل؛ ونظم ذلك في أبيات من الرجز المشطور على نهج الألفية؛ ليحفظها الطلبة كما يحفظون الالفية نفسها، ويوجد من هذه الأنظام الشيء الكثير؛ بحيث يكاد كل باب من أبواب الألفية وفصولها يكون له ذيل سلحق به..

  لكنني لما وصلت إلى باب الاختصاص وهو في الألفية بيتان فقط لا غير، شعرت بمزيد الحاجة إلى ما يوسع دائرة المعرفة بأحكام هذا الباب، لا سيما وقد نبه المكودي في شرحه على عدم استيعاب ابن مالك لأقسام الاختصاص الثلاثة، وهي ما كان بأي والمعرف بال والمضاف، فذكر الأولين ولم يذكر المضاف ثم قال المكودي: «ومع هذا فقد أجحف الناظم بهذا الباب؛ إذ لم يصرح بما يتعلق به من المعنى والإعراب. وحاصله أن المختص على قسمين: قسم مبني على الضم وهو أيها الفتى ونحوه، وبني لشبهه بالمنادى لفظا وموضعه نصب بفعل واجب الحذف، فإذا قلت: أنا أفعل كذا أيها الرجل فتقدير عامله: أخص بذلك أيها الرجل، والمراد: بأيها المتكلم نفسه. وقسم معرب نصبا وهو المضاف.

  وقد بحثت في المراجع المعتادة عن ذيل لهذا الباب فلم أجد شيئا وتذكرت أن مشايخنا الذين أخذنا عنهم الألفية لم يكونوا يزيدون عليه كذلك شيئا. ورجعت إلى النظم المعروف (بالاحمرار) وهو للعلامة المختار بن بنونة الشنقيطي، ضمنه ألفية ابن مالك كلها، وأضاف إليها مثلها أو أكثر، مما أغفلته في غالب الأبواب، ولكونه كان يكتب بالحمرة فرقا بينه وبين الأصل فقد عرف (بالاحمرار) على أنه لما طبع في مصر سنة1327هـ جعل كل ما زاده على الأصل بين هلالين.

  والغريب أن ابن بنونة على توسعة في نظمه هذا وزياداته المفيدة على الألفية، ترك باب الاختصاص غفلا ولم يزد فيه على ابن مالك ولا بيتا واحدا.

  فعجبت من تواطؤ العلماء على الاكتفاء بما ذكره ابن مالك من أحكام الاختصاص وهو شيء قليل، ولم أجد بدا من نظم ما استدركه عليه المكودي، وهو ما يتعلق بإعراب الاختصاص مع أصلاح البيت الثاني من الألفية بما يشمل القسم الثالث وهو المضاف وإن كان هذا الإصلاح معروفا عند الطلبة فهو ليس لي، وقد صارت أبيات الاختصاص بهذا العمل أربعة وهي:

 الاختصاص كنداء دون يا              كأيها الفتى بإثر أرجونيا

 وقد يرى مضافا أو مصحوب آل        كمثل نحن العرب أسخى من بذل

  ونصبه مفعولا بفعل أصمرا            مثل أخص غير أن لا تظهرا

  وإن يكن أيا وصفها فضم              واجعله إعرابا محليا تعم

  وقد سر الطلبة بذلك وكتبوا البيتين الملحقين لحفظهما، ومر الدرس على ما يرام، وبعد أيام حضر عندنا طالب من البادية، وعلم بالأمر، فأخبرنا أن الشيخ عبد السلام بن الحاج له تقييد مفيد على باب الاختصاص من الألفية وأتاني به. فلما تصفحته وجدته كما ذكر مفيدا جدا في هذا الباب؛ إلا أنه ليس من تأليف الشيخ المذكور بل من إملائه في مجلس درسه؛ والذي كتبه أحد طلبته المحصلين، كما أشار إلى ذلك في أوله وفي آخره وسمى نفسه أحمد الأندلسي.

  وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ عبد السلام بن الحاج كان مستقرا بقرية(الأهرا) من قبيلة بني كرفط المعروفة بشمال المغرب، وكان مكبا على تدريس العلم بهذه القرية، حتى أننا في إبان الطلب لم يكن يأتينا طالب من بادية الشمال لم يقرأ عليه وكان اسمه على ألسنة الطلبة كاسم أحد كبار الأعلام من رجال جامعة القرويين؛ إلا أن ترجمته غير معروفة لدينا بسبب سكناه في البادية رحمه الله، ولما تأملت هذا التقييد أو الرسالة بعبارة أخرى، وجدته شرحا على بيتي الألفية مبسطا يحكي طريقة المشايخ في إلقاء دروسهم على الطلبة، وهو يشير أولا إلى تقصير ابن مالك في استيفاء أحكام الباب، والغموض الذي يكتنف معنى الاختصاص مما جعله صعب الإدراك على الطلبة. ثم يحصي الكلام عليه في ثمانية مباحث:

1- في حقيقته

 2-  في سر ذكره عقب النداء.

3- في بيان ما يتفق فيه مع النداء.

4- في بيان ما يختلفان فيه.

5- في بيان فوائده.

6- في بيان أقسامه.

7- في إعرابه.

8- في معناه.

  وهذا كله في خمس صفحات متوسطة تضمنت الكثير من بسائط النحو كإعراب الأمثلة وتقرير كلام الناظم، لأنها كما قلت صورة من درس هذا الشيخ الذي ألقاه على الطلبة، فينبغي أن ننظر إليها كذلك، ولا نظن أنها رسالة من رسائل النحاة الكبار كابن هشام وأبي حيان وأضرابهما، ومع ذلك فقد استوفت مطالب هذا الباب كما سنرى… وقد عدنا إلى باب الاختصاص وقررناه بحسب ما أتى في هذه الرسالة من معلومات قيمة.

  ورغب الطلبة في نظم ذلك وإلحاقه بالأصل تعميما للفائدة وتسهيلا لحفظه، فلبيت رغبتهم وضمنت هذه الأغراض في نظم جعلته تكملة لباب الاختصاص من الألفية، مع زيادة ما ذكره الزمخشري في المفصل من هذا المنصوب على المدح أو الذم أو الترحم جوازا، لأنه ألحقه بباب الاختصاص وجعله فصلا منه، والنحاة يذكرون المنصوب على المدح عرضا أثناء الإعراب ولا يخصونه بباب، فسلكت فيه مسلك الزمخشري جمعا للنظائر وحرصا على الإفادة. وهذا هو النظم:

تكملة لباب الاختصاص        تسد منها موضع الخصاص

وتذهب الإجحاف بالتأكيد      عما لدى الناظم والمكودي

فإن قارئيهما لو أنصفا         لقال كل منهما قد أجحفا

ونسأل الله الذي وهبنا         مقدرة العمل أن يثيبنا

وأفضل الصلاة والسلام        على النبي وآله الكرام

الاختصاص كنداء دون يا      كأيها الفتى بإثر أرجونيا

وقد يرى مضافا أو مصحوب أل    كمثل نحن العرب أسخى من بذل

وهو يبين ضميرا قد سبق        وكونه المتكلم أحق

ولا تجز أن يسبق الضميرا       وأت به وسطا أو أخيرا

وانصبه مفعولا بفعل أضمرا      مثل أخص غير أن لا تظهر

وإن يكن أيا ووصفها فضم       واجعله إعرابا محليا تعم

ووصف أي هذه مصحوب أل      وما على سواه في الباب عمل

والاختصاص قد يجيء علما     ونصبه عكس النداء التزما

وجملة المختص إن تأخرت       محلها نصب على الحال ثبت

وصاحب الحال الضمير قبلها     وإن توسطت فلا حكم لها

واختص الاسم لثلاثة معان       فخر، تواضع، زيادة بيان

نحو إلى أيها الكريم              يلتجئ السائل والمحروم

ونحو يا سريع الاستجابة        اغفر لنا أيتها العصابة

ونحو إنا معشر الإسلام         أحوج ما كنا إلى الوئام

هذا؛ ولفظ الاختصاص خبرى     إلا بأي فهو إنشاء درى

وقصدنا بأي من تكلمنا          من ثم كان كالندا في المعتما

 فصل:

ومنه ما يجيء بعد المظهر       تفننا في اللفظ غير منكر

ونصبه جاء على الترحم         والذم والمدح بلا تحتم

تقول ريح المؤمن المسكينا      مما يكيد الكافر اللعينا

والملك لله المليك الأعظما       صلى على محمد وسلما

وقد فضضنا مسكة الختام       والحمد لله على التمام

  هذا وفي المدة الأخيرة وقفت على نسخة ثانية من الرسالة المتحدث عنها، فأحببت أن أجعلها هي حديثي في المجمع؛ وقد قابلتها بالنسخة الأولى التي جرى عليها النظم؛ وأعددتها للنشر بعد تصحيحها وتهذيب بعض عباراتها التي تحرفت من النسخ، وبالاطلاع عليها يعلم ما كانت عليه الدراسات العربية في المغرب، إلى وقت قريب، وفي البادية من السعة والعمق وهذا نصها:

بسم الله الحمد الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين.

  وبعد؛ فهذا شرح وتحصيل لما ذكره ابن مالك رضي الله عنه في باب الاختصاص؛ وسميته بالتحصيل لما يتعلق بالاختصاص من التفضيل. والباعث على ذلك أن بعض الطلبة المبتدئين غفر الله لنا ولهم ولجميع المسلمين طلب مني أن أضع له شرحا على ذلك وتحصيلا لما يشتمل عليه من الإعراب وغيره ليسهل ذلك علينا جميعا وينضبط وينحصر، فأجبته لذلك مع إضافة بعض تقرير شيخنا العالم العلامة المدرس الأستاذ سيدي عبد السلام بن الحاج الصروخ (1) الأهراوي الكرفطي أطال الله عمره نفعا لمسلمين؛ وإن كنت لست أهلا لذلك، لأني ما زلت مبتدئا أيضا، لكن أنبه عليه حسبما يظهر من كلام النحاة كالمكودي والموضح، مستعينا بمن منه الإعانة والتوفيق والسداد والتحقيق وهو الله تعالى فأقول:

  قال الناظم رحمه الله: (الاختصاص) بمعنى المختص من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول كقوله تعالى: «هذا خلق الله» بمعنى مخلوق الله. ذكره بعد أبواب النداء وذكر في ترجمته بيتين وقد أجحف به وقصر كل التقصير، ولذلك صعب علينا وعلى كثير من الطلبة. وقد شرح هذين البيتين كثير من الشراح، كل واحد بما ظهر له، بأتم شرح، ومع ذلك فما زال معناه صعبا علينا مع قلته؛ وما ذلك إلا لعدم الحصر؛ وأنا أحصره وأجمعه إن شاء الله على حسب ما يظهر لنا من الترتيب والمناسبة حتى يكون سهلا.

  والحاصل أن الكلام في الاختصاص ينحصر في ثمانية مباحث: (الأول) في حقيقته لفظا واصطلاحا (الثاني) بيان الإتيان به عقب أبواب النداء (الثالث) في بيان شبهه بالنداء مع ما يشتركان فيه (الرابع) فيما يفترقان فيه (الخامس) في بيان فوائده (السادس) في بيان أقسامه (السابع) في بيان إعرابه (الثامن) في بيان معناه.

  هذا حاصله بتقريب؛ وتفصيله: أما حقيقته لغة فهو مصدر اختصصته بكذا إذا جعلته مختصا به، وأما اصطلاحا فعرفه الأزهري بالمعنى المصدري فقال: هو تخصيص حكم علق بضمير ما تأخر عنه من اسم ظاهر معرب أي إن كان بغير أيها، ومبنى إن كان بها نحو: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة» فقوله: تخصيص حكم؛ فالحكم في المثال هو الإرث؛ وقوله: علق بضمير هو نحن، لأن الحكم وهو عدم الإرث أخبر به عن نحن فهو متعلق به، وقوله: ما تأخر عنه أي عن الضمير من اسم ظاهر وهو معاشر الأنبياء لأنه هو المفسر للضمير وعرفه الموضح بمعنى الاسم بقوله: هو الاسم المعمول لأخص، يريد ونحوه واجب الحذف؛ وهو في المثال: معاشر الأنبياء فهو معمول لعامل محذوف وجوبا تقديره أخص معاشر الأنبياء. وأما وجه الإتيان به عقب النداء فقال المكودي: لشبهه به لفظا؛ أي ومعنى. أما وجه شبهه به لفظا فلأنهم نقلوا صورة أيها وأيتها كما كان في النداء من كونهما مبنيين على الضم متصلين بهاء الواحدة ويقعان بلفظ واحد على المفرد والمثنى والجمع تذكيرا وتأنيثا موصوفين باسم واجب الرفع مقرون بأل؛ تقول: أنا أفعل كذا أيها الرجل أو أيتها المرأة، ونحن نفعل كذا أيها الرجلان أو أيتها المرأتان أو الرجال أو النساء، وهذا الشبه لفظا لعله يأتي(2)، كان الاختصاص بأيها أو أيتها لا بغيرهما من المضاف والمقرون بأل كما يأتي في أقسامه. وأما وجه مشابهته له في المعنى فهو أن الاختصاص موجود فيهما معا؛ إلا أن الاختصاص في النداء للمخاطب لأن المنادى بكسر الدال؛ يخصص المنادى بفتحها بالإقبال، وفي الاختصاص للمتكلم، يخصص نفسه تواضعا أو تفاخرا أو بيانا على ما يأتي في نكته إن شاء الله. والحضور موجود فيهما معا والتوكيد فيهما معا، لأن الاسم المنصوب على الاختصاص مع عامله جملة في محل نصب على الحال إن كانت متأخرة، وهي مؤكدة لصاحبها ولا محل لها إن توسطت على ما يأتي في بيان الإعراب. والمنادى في بعض الأحوال يكون توكيدا كما إذا كنت تتكلم مع مخاطبك وهو مصغ لك وأنت تناديه يا فلان، فنداؤك له توكيد. وإلى هذا أشار الناظم بقوله: (كنداء) فيؤخذ منه الشبه لفظا ومعنى، ويؤخذ من قوله كنداء أن الاختصاص أي المختص يكون منصوبا بعامل محذوف وجوبا كالنداء، وأنه ليس منادى على الأصح. وقال الأخفش هو منادى، ولا ينكر أن ينادي المرء نفسه بدليل قول عمر رضي الله عنه: كل الناس أفقه منك يا عمر والمراد بعمر هو نفسه.

  وأما ما يفترقان فيه فقال الموضح: يفترقان في ستة أشياء: (الأول) أن النداء يكون معه حرف النداء لفظا أو تقديرا، والاختصاص لا يكون معه لا لفظا ولا تقديرا، (الثاني) أن النداء يكون في الأول والوسط والآخر، والاختصاص لا يكون إلا وسطا أو طرفا كما يأتي: (الثالث) أن الاختصاص لابد أن يتقدم عليه اسم بمعناه، والغالب أن يكون ضمير متكلم بخلاف النداء، (الرابع) أن الاختصاص يقل كونه علما بخلاف النداء فيكثر، (الخامس) أن الاختصاص إن ورد علما على قلة ينتصب كقولهم: بك الله نرجو الفضل بخلاف النداء فإنه يبنى على الضم (السادس) أن الاختصاص يكون بأل قياسا بخلاف النداء لا يكون بأل إلا اضطرارا. وإلى بعض ما يفترقان فيه أشار الناظم بقوله: (دون يا) يعني أن الاختصاص لا يكون معه الياء؛ يريد ولا غيرها من حروف النداء لا لفظا ولا تقديرا، وأشار إلى ما فيها من مثال فقال: (كأيها الفتى بإثر ارجونيا) أي بعد ارجوني أيها الفتى بالواو وهي الفاعل بأرجوا إن كان الخطاب لجماعة أو بغير واو إن كان الخطاب لمفرد، وهو على الأول مبني على حذف النون وعلى الثاني على حذف الواو، ويأتي تمام الإعراب حيث أنبه عليه إن شاء الله تعالى، فيؤخذ منه الفرق الثاني وهو أنه لا يكون أولا وإنما يكون وسطا أو آخرا. ويؤخذ منه الفرق الثالث وهو أنه لا بد أن يتقدم اسم بمعناه، والغالب أن يكون ضمير متكلم وهو الياء من أرجوني. ويؤخذ منه الرابع وهو أنه يقل كونه علما لأن أيها الفتى ليس علما. ويؤخذ من الشيخ المكودي فرق سابع وهو أن أيها في النداء توصف بأحد ثلاثة أشياء وهنا لا توصف إلا بالاسم المقرون بأل وهو ظاهر. ويؤخذ السادس وهو كونه بأل قياسا من قوله: (وقد يرى ذا دون أي تلو أل) ومن المثال وهو قوله: (نحن العرب أسخى من بذل). والخامس لا يؤخذ منه وهو أنه إن ورد علما ينتصب كما تقدم.

  وأما نكته أي فوائده في ثلاثة: التواضع، والتفاخر، وزيادة البيان. وقد جمعها بعضهم بقوله:

  نكت الاختصاص قل عند البيان       فخر تواضع زيادة بيان

  مثال التفاخر قولهم: على أيها الجواد يعتمد الفقير، ففيه من الفخر ما لا يخفى، لأن هذا المتكلم وصف نفسه بالجواد. ومنه ما مثل به المصنف وهو قوله: نحن العرب أسخى من بذل، ومنه ما مثل به المكودي: نحن العرب أقرى الناس للضيف، ومنه قول الشاعر:

  نحن بني ضبة أصحاب الجمل           الموت أحلى عندنا من العسل

  ومثال التواضع: أنا أيها الرجل مفتقر إلى عفو الله. ومثال البيان: نحن معاشر الأنبياء لا نورث. ولعل البيان لازم لهما.

  وأما أقسامه فثلاثة: قسم يكون بأيها وأيتها، موصوفين باسم مقرون بأل واجب الرفع كما تقدم؛ وقسم يكون بالاسم المقرون بأل، وقسم يكون مضافا، وقد ذكر الناظم منها اثنين أشار إلى الأول بقوله مثالا: كأيها الفتى بإثر ارجونيا، وأشار إلى الثاني بقوله: (وقد يرى ذا دون أي تلو أل) يعني أن الاسم المنصوب على الاختصاص قد يوجد تاليا لأل بغير أي؛ ثم مثل ذلك بقوله: (كمثل نحن العرب أسخى من بذل). ومنه ما مثل به المكودي: نحن العرب أقرى الناس للضيف، وبقي عليه قسم ثالث وهو المضاف مثاله قوله عليه السلام: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث»، ومنه قول الشاعر: نحن بني ضبة…الخ ولذا قال بعضهم: لو قال: وقد «يرى مضافا أو مصحوب أل» لشمله.

  وأما إعرابه فقال المكودي: هو على قسمين: قسم مبني وهو ما مثل به الناظم بقوله: (أرجوني أيها الفتى) فقوله ارجوني أمر من رجاء يرجو وإذا طلب الرجاء والواو هو الفاعل خلافا لمن قال إنه لمجرد الإشباع(3)؛ قال: ويدل على كونه للإشباع قوله أيها الفتى مفردا، فلو كان ضميرا لقال أيها الرجال ونحوه؛ والصواب أنه فاعل خطاب لجماعة فلو كان خطابا للمفرد قيل فيه: ارجني فيصح؛ والياء المتصلة به مفعول به والنون نون الوقاية، وأيها لفظ معنى على الضم لشبهه بالنداء أو نقل مبنيا؛ فلا يسأل عن علته وهو في محل نصب على الاختصاص بفعل واجب الحذف تقديره أخص، والفتى صفة له مرفوع وجوبا كما كان في النداء بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، ومحله نصب بفعل واجب الحذف(4). والجملة من العامل ومعموله في محل نصب على الحال مؤكدة لصاحبها وهو ياء المتكلم المتصلة بالفعل، والتقدير ارجوني في حال كوني مخصوصا من بين الناس باستحقاق الرجاء فكأنه قال: ارجوني وأنا أحق من يرجى، وقسم معرب نصبا وهو المعرف بأل والمضاف، فمثال المعرف بأل ما مثل به الناظم وهو نحن العرب أسخى من بذل؛ فنحن مبتدأ في محل رفع، والعرب منصوب على الاختصاص بفعل محذوف وجوبا تقديره أخص؛ والجملة حالية من الضمير المذكور أو الضمير المستتر في الخبر وهو أسخى، وهي مؤكدة ولا محل لها من الإعراب لأنها معترضة بين المبتدأ والخبر، ومن مضاف إليه وهي اسم موصول، وبذل بالذال المعجمة فعل ماض وفيه ضمير مستتر عائد على من، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول والمعنى نحن مخصوصون بالسخاوة والبذل والعطاء للناس. ومثال المضاف قوله عليه الصلاة والسلام: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، وفي بعض الروايات إنا معشر الأنبياء… الخ فنحن مبتدأ ومعاشر الأنبياء منصوب على الاختصاص بفعل محذوف تقديره أخص وهو مضاف والأنبياء مضاف إليه ما قبله، وقوله: لا نورث؛ الجملة من الفعل ونائبه في محل رفع خبر؛ والتقدير نحن معاشر الأنبياء مخصوصون بعدم الإرث من بين الناس والله أعلم. وقوله: ما تركناه صدقة؛ ما اسم موصول مبتدأ وتركناه صلته وصدقة خبر ما، ويصح نصبه على الحال والخبر محذوف تقديره مبذول صدقة؛ وعلى الرواية الأخرى إنا حرف توكيد تنصب الاسم وترفع الخبر؛ ونا هو اسمها؛ ومعاشر منصوب على الاختصاص بفعل محذوف كما تقدم والجملة خبر إن إلى آخر ما تقدم.

  وقس على هذه الأمثلة ما أشبهها.

  وأما معناه فإن كان بأيها وأيتها فلفظه لفظ إنشاء لأنه على صورة النداء؛ والنداء إنشاء لفظا ومعنى وهو معناه الخبر، كما جاء العكس وهو اللفظ خبر والمعنى إنشاء كقوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن) فلفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر كأنه قال ليرضعن، والله أعلم. وإن كان بغيرهما وهو المعرف بأل والمضاف فلفظه ومعناه الخبر.

  هذا ما ظهر من كلام الشيخ المكودي والموضح وشروحهما انتهى بحمد الله وحسن عونه وتوفيقه الجميل ومنِّه الكريم، قيده الطالب السيد أحمد الأندلسي الشريف الأصيلي الحبيبي، وأخذه عن تقرير شيخه الأستاذ العالم العلامة البحر الفهامة سيدي عبد السلام بن الحاج الصروخ الأهراوي الكرفطي نفعنا الله به آمين، وغفر له ولمن قيد هذا التأليف للطلبة ليسهل عليهم الأمر.

……………………………

  (*). ألقى البحث في الجلسة الخامسة للمؤتمر(في 12/02/1972)

  (1). الصروخ ثبتت هنا في إحدى النسختين فقط وفيهما معا آخرهما؛ وبها اختلف نسبه عن نسب أبناء الحاج العبدريين والسلميين المعروفين في المغرب.

  (2). كذا في النسختين وربما كان الأصل. لعله إنما يأتي. والقسمان الباقيان من الاختصاص محمولان على ما فيه أي.

  (3). لا يخفى أنه يصح فيه الوجهان حتى في النظم لأن أحكام العروض لا تأباه.

  (4). أي الفعل العامل في موصوفه لا فعل جديد.

  انتقاء: ذة. نادية الصغير.

Science

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق