مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينشذور

رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

 

 

 

تقديم واختيار: ذ.نورالدين الغياط.

تعتبر رسالة عمر بن الخطاب  رضي الله عنه في القضاء لأبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – الذي وُليَ القضاء في الكوفة والبصـرة سنة 21هـ، وثيقة عُمَرية وميثاقاً قضائيّاً صدر من الخليفة الراشد والملهم المحدَّث، وقد سطَّر فيها عمر – رضي الله عنه – وصايا جامعة وقواعد شاملة، ترسم للقاضي مسيرة عدله، وتعينه على نفسه، وتنبهه إلى أمور إجرائية في التعامل مع الخصوم والبينات.

وهي وثيقة نفيسة تناقلها المحدثون والفقهاء، والأدباء والمؤرخون، وأوردوها في مصنفاتهم، وشرحها الإمام ابن القيم شرحاً مطولًا في كتابه النفيس: (إعلام الموقعين)، كما تُرجمت هذه الوثيقة إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية.

تتحدث رسالة القضاء التي كتبها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه – إلى أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قاضيه وواليه على البصـرة ، عن القواعد الأساسية التي يبنى عليها القضاء، من عدل بين الخصوم ورجوع إلى الحق ، وطرق إجراءات التداعي وسير المحاكمة، والرجوع إلى نصوص كتاب الله تعالى وسنة رسوله في كل ما يصدر عن القاضي ، فهي رسالة عظيمة الفائدة تحوي ما تشتت من أحكام القضاء، وتجمع ما تفرق من أسس التنظيم والإدارة للقضاء، وهي دستور قويم في نظام القضاء والتقاضي، وسجل حافل جامع لكثير من شؤون القضاء ومسائله،  تجمعها في كلمات قليلة موزونة تكاد أن تكون قطعة أدبية تحمل عناصر البلاغة والإيضاح.

لذا اهتم بها كثير من الدارسين والمؤلفين، فرواها أجلة من العلماء المحدثين والفقهاء، والمؤرخين والأدباء، وتناولوها بالبحث والاستنباط والثناء في كتب السنة والفقه والتأريخ والسير والأدب وغيرها.

 أقوال العلماء فيها:

لقد سماها بعض العلماء: (كتاب سياسة القضاء وتدبير الحكم)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ورسالة عمر المشهورة في القضاء إلى أبي موسى الأشعري تداولها الفقهاء، وبنوا عليها، واعتمدوا على ما فيها من الفقه وأصول الفقه.([1])

وقال عنها الإمام ابن القيم: وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه.([2])

وقال عنها ابنُ المناصف في (تنبيه الحكام)([3]): مما يكاد أن يكون في هذا الباب – يعني آداب القضاء – أصلًا كافيًا في معناه، وغير محوج إلى ما سواه، ما اشتملت عليه الرسالة المتداولة المنقولة عن عمر ابن الخطاب – رضي الله عنه – وقد اعتنى بها الأدباء والعلماء، واقتدى بوصاياها البارعة الفقهاء والفضلاء؛ لأنها أصل في كثيرٍ من مراتب الأحكام وآداب الولاية والحُكَّام.([4])

رويت هذه الرسالة بعدة طرق منها : 

طريق عمر بن شبة المتوفى سنة 262هـ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ثم ذكر الرسالة.([5])

طريق وكيع المتوفى سنة 306، قال: حدثني علي بن محمد بن عبدالملك بن أبي الشوارب قال: حدثنا إبراهيم بن بشار، قال : حدثنا سفيان، قال: حدثنا إدريس أبو عبدالله بن إدريس قال: أتيت سعيد بن أبي بردة فسألته عن رسائل عمر بن الخطاب التي كان يكتب بها إلى أبي موسى الأشعري – وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بردة – فأخرج إلي كتبا فرأيت في كتاب منها، ثم ذكر الرسالة.([6])

طريق الدارقطني المتوفى سنة 385 هـ – في سننه قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن سليمان بن محمد النعماني، حدثنا عبدالله بن عبدالصمد بن أبي خداش، نا عيسى بن يونس، نا عبيدالله بن أبي حميد عن أبي المليح الهذلي قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري، ثم ساق الرسالة.([7])

طريق البيهقي المتوفى سنة 458هـ، قال: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِاللهِ الْحَافِظُ،  ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،  ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ،  ثنا ابْنُ كُنَاسَةَ،  ثنا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ،  عَنْ مَعْمَرٍ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: وأورد الرسالة.([8])

وفيما يلي نص رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:

«من عبدالله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبدالله بن قيس، سلام عليك، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فَافْهَمْ إذَا أُدْلِيَ إلَيْكَ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَاذَ لَهُ، وَآسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَعَدْلِكَ وَمَجْلِسِكَ، حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ، وَلَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِكَ. الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحاً أَحَلَّ حَرَاما أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا؛ وَلَا يَمْنَعُكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ أَمْسِ فَرَاجَعْتَ الْيَوْمَ فِيهِ عَقْلَكَ، وَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ، أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْحَقِّ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ، وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ، الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا تَلَجْلَجَ فِي صَدْرِكَ مِمَّا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا سُنَّةِ نَبِيِّهِ، ثُمَّ اعْرِفِ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ، وَقِسْ الْأُمُورَ بِنَظَائِرِهَا، وَاجْعَلْ لِمَنِ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا أَوْ بَيِّنَةً أَمَدا يَنْتَهِي إلَيْهِ، فَمَنْ أَحْضَـرَ بَيِّنَةً أَخَذْتَ لَهُ بِحَقِّهِ، وَإِلَّا اسْتَحْلَلْتَ الْقَضِيَّةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَنْفَى لِلشَّكِّ وَأَجْلَى لِلْعَمَى، وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلَّا مَجْلُودا فِي حَدٍّ، أَوْ مُجَرَّبا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ ظَنِيناً فِي وَلَاءٍ أَوْ نَسَبٍ، فَإِنَّ اللَّهَ عَفَا عَنِ الْأَيْمَانِ وَدَرَأَ بِالْبَيِّنَاتِ. وَإِيَّاكَ وَالْقَلَقَ وَالضَّجَرَ وَالتَّأَفُّفَ بِالْخُصُومِ، فَإِنَّ الْحَقَّ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ يُعَظِّمُ اللَّهُ بِهِ الْأَجْرَ وَيُحْسِنُ بِهِ الذِّكْرَ، وَالسَّلَامُ». ([9])

 


([1])  منهاج السنة 6 /37. 

([2])  إعلام الموقعين 1 /86.

([3])  الكتاب مخطوط وغير مطبوع.

(4) المدخل إلى فقه المرافعات؛ لابن خنين 244. 

([5])  تاريخ المدينة 2 /775.

([6])  أخبار القضاة: 1 /283.

([7] ) سنن الدارقطني: 5 /367.

([8])  السنن الكبرى: 10 /252.

([9]) الأحكام السلطانية للماوردي (المتوفى: 450هـ): 1 / 122. دار الحديث – القاهرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق