الرابطة المحمدية للعلماء

رسالة القرآن الكريم.. بناء الإنسان وإنشاء العمران

محور أشغال الأسبوع الثقافي الثالث لمؤسسة دار القرآن البشير بالرباط

في قرن وبعض قرن تمكن المسلمون من أن يثبوا وثبة عظيمة ملأوا بها العالم قوة وحكمة، وعلما ونورا، بنوا الإنسان وأنشأوا العمران، وركزوا ألوية المعرفة في قلب آسيا وهامات إفريقيا وأطراف أوروبا، وتركوا دينهم وعقيدتهم ولغتهم وعلومهم وأدبهم تثني عليها الألسنة وتدين لها القلوب.

لقد قطع المسلمون تلك المرحلة التي سهم لها الزمان، ووجم لروعتها التاريخ وهم واعون كل الوعي بمعالم طريق المجد، ونهج البناء، وأمعنوا بكل ثقة في هذا السبيل مدفوعين بقوة دافعة وهمة عالية ، كانوا يدركون بكل دقة معالم طريقهم كأن معهم رسالة مفصلة أودعوها قوتهم العلمية وكان الوقود الذي يتزودون به لبلوغ غاياتهم هو همتهم وعزيمتهم وقوتهم العملية.
هذا وقد شكلت رسالة القرآن الكريم ومنهجه قوة المسلمين الدافعة، حيث أحدثت تلاوته تحولات عجيبة، وتغييرا نورانيا غريبا في أمر مُلْكِهم وملكوتهم، وصنعت لهم تاريخهم وأقامت جغرافيتهم؛ فكان هذا العالم الإسلامي المترامي الأطراف، وكان هذا الرصيد الحضاري العظيم، الموغل في الوجدان الإسلامي.

وإن الأمة الإسلامية اليوم وهي تحاول النهوض من جديد أحوج من أي وقت مضى إلى الانفتاح على الرسالة القرآنية، الصالحة المصلحة، ورفع الحواجز التي حالت دون التعامل معها، واقتحام عقبة السلبية القاتلة في سبيل التمكن من  الإيجابية المأمولة والفاعلية المنتظرة، والعمل على حمل أمانة بناء الإنسان وإنشاء العمران، وتجاوز الحال ، وردم فجوة التخلف ، مستثمرة مقوماتها الروحية ، والفكرية ، والمادية كلها.

ولعل أحد أسباب أزمتنا اليوم ليست وليدة غياب رسالة ومنهج، وإنما هي أزمة فهم الرسالة وكيفية التعامل مع المنهج .. أزمة تنزيل معاني الرسالة القرآنية على الواقع، وتقويمه بها .. نعم، إن الأزمة الحقيقية التي نعاني منها، هي أزمة تعامل مع قيم القرآن الكريم ورسالته، وتحويلها إلى برامج عملية، وصيغ تنموية.. أو بكلمة أخرى: أزمة تعامل مع معرفة الوحي بشكل عام، واستيعاب المنهج القرآني في البناء والتنمية.

إن المنهج القرآني في بناء الإنسان وإنشاء العمران، إذا لم يُدرك بمراحله وأبعاده، ويميّز فيه بين ثوابته، ومتغيراته، ومراحله، وتدرك الظروف والشروط، التي توفرت لكل مرحلة، يمكن أن ينقلب إلى معوق، بسبب سوء الفهم، ومن ثم سوء التطبيق، بدل أن يكون دافعاً للنهوض.. لذلك فالأمر لا يجوز أن يبقى خاضعاً لرؤية فردية، تدعي الإحاطة بكل شعب المعرفة، وإنما لابد له من دراسات متخصصة، بشعب المعرفة المتنوعة، شريطة أن تكون متحصنة بالمرجعية الشرعية الكافية، للتمييز بين ما هو من الوسائل، وما هو من الأهداف، وما هو من المبادئ، وما هو من البرامج، وما هو من القيم المعيارية، وما هو من الاجتهاد الخاضع للتقويم ، لتشكيل رؤية جماعية لكل عصر، بحسب مشكلاته وظروفه، وإمكاناته، وقضاياه، وموقعه من رسالة القرآن الكريم.
 
ولا بد من التذكير في هذا المقام أن الصحوة الدينية التي تعاظم والحمد لله شأنها وذاع صيتها أحوج ما تكون إلى الفقه المطلوب اليوم : كيف تشكل رسالة القرآن الكريم أوالمنهج القرآني  قيماً وبرامج ، فكراً وفعلاً مرجعية ، وأساسا لبناء الفكر والمجتمع؟ وكيف يمكن أن يتحقق التنزيل والإفادة، من الرسالة القرآنية ؟ هذه هي القضية المطلوبة بشدة، الغائبة غياباً مذهلاً.

ويأتي في هذا السياق دعوة مؤسسة دار القرآن الحاج البشير إلى تنظيم أسبوعها الثقافي الثالث تحت شعار:”رسالة القرآن الكريم.. بناء الإنسان وإنشاء العمران” برحاب مسجد الحاج البشير حي جيش الأوداية بمدينة تمارة في الفترة ما بين 21 إلى 30 ربيع الثاني 1430، الموافق من 17 أبريل إلى 26 أبريل 2009،  مساهمة منها في التأكيد على أهمية أصولنا العقدية وأسسنا الفكرية في الإبداع والتنمية والبناء، كما تروم بنشاطها هذا المساهمة في ترشيد الخطاب الديني ببلادنا وإنجاح مشروح تأهيل وإصلاح الشأن الديني وتحقيق المناعة الفكرية والحصانة المعرفية، وترشيد الرؤية العقلية في ضوء هدايات ومعارف الأسس الحضارية والمقومات العقدية.

وسيعرف هذا الأسبوع الثقافي مدارسة فكرية وعروضا علمية وندوات فكرية لزمرة من وجوه العلم والدعوة ببلادنا والمشهود لهم بحسن الكلمة ونضج الفكرة لبسط رؤية مجتمعية في ضوء التزام بثوابت الأمة، ورعاية متغيرات العصر.. واستلهام تطبيقات واجتهادات مدرستنا المغربية في الماضي والحاضر، والله من وراء القصد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق