مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

رسالة إلى محمد الحجوي حول مسألة: “من لا تمكنه رؤية الهلال، ولا العلم به في أول رمضان، ولا يمكنه أن يسأل غيره”. لجعفر بن إدريس الكتاني (ت 1323هـ) تعريف وضبط

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة إلى محمد الحجوي[1] حول مسألة: “من لا تمكنه رؤية الهلال، ولا العلم به في أول رمضان، ولا يمكنه أن يسأل غيره”. لجعفر بن إدريس الكتاني (تـ: 1323هـ) تعريف وضبط.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكمالان على أشرف خلق الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد،

ربط الإسلام دخول شهر رمضان برؤية الهلال، وهي علامة مقدور عليها عند جميع الناس، وأحيانا قد يقع التباس في دخول شهر رمضان، أي: من علم الشهور لكن لم يتمكن من رؤية الهلال.

وقد تصدى فقهاؤنا لمثل هذه النازلة، بل بثوها في مصنفاتهم الفقهية، وتدارسوها فيما بينهم، وقدموا إجابات عديدة تشفي غليل المستفتي، وترفع عنه الحرج، مراعين في ذلك ظروف كل حالة؛ كالأسير، ومن توالى عليه الغيم، والمتلبس عليه الشهر فلم يعرف رمضان من غيره…وغيرها.

وتبعا لما سبق، فالرسالة المخطوطة التي بين أيدينا عبارة عن جواب يبين لنا حكم من تعذر عليه رؤية هلال رمضان لسبب من الأسباب المتقدم ذكرها آنفا.

ولأجل تحقيق هذه الرسالة، سأتناول فيه قسمين هما: الأول: تعريف بالمؤلف ومخطوطه، الثاني: تحقيق النص.

القسم الأول: تعريف بالمؤلف ومخطوطه.

– ترجمة المؤلف:

اسمه ونسبه: هو: المحدث الفقيه أبو المواهب جعفر بن إدريس الحسني الكتاني[2].

ولادته: ولد بفاس عام خمسة وأربعين ومائتين وألف (1245هـ)[3].

شيوخه: تتلمذ الشيخ على ثلة من العلماء البارزين، فأخذ عن  أبي بكر بن الطيب بن كيران (تـ: 1267هـ)، وعبد الهادي بن التهامي (تـ: 1271هـ)، ومحمد بن حمدون ابن الحاج (تـ: 1274هـ)، وأحمد المرنيسي (تـ: 1277هـ)، ومحمد بن الطالب بن سودة (تـ: 1294هـ)، ومحمد بن عبد الرحمن المدغري (تـ: 1299هـ)[4].

– تلامذته: أخذ عن الشيخ جماعة من العلماء الأفذاذ الذين نهلوا من علمه واقتفوا أثره في السمت الحسن، ومن أبرزهم:

عبد الرحمن بن جعفر الكتاني (تـ: 1334هـ)[5].

محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني (تـ: 1345هـ)[6].

محمد عبد الحي الكتاني (تـ: 1382هـ)[7].

– ثناء العلماء عليه:

نال المؤلف المراقي العليا بين أقرانه، وحظي بالمكانة العلمية المرموقة، وبلغ صيته الآفاق، حتى قال عنه محمد الحجوي (تـ: 1376هـ): “كان من خيرة من أدركنا نزاهة ودينا، عصمه الله من فتنة الدنيا وزخرفها”[8].

وحلاه عبد الحي الكتاني (تـ: 1386هـ) بقوله: ” كان إماما عالما عاملا ورعا منقبضا كثير الصمت والعزلة”[9].

ووصفه ابن سودة (تـ: 1400هـ) بقوله: “علم الأعلام المحدث المشارك المطلع الحجة الحافظ الولي الصالح، له ولوع بكتب السنة شغوف بالرواية والإسناد”[10].

– وفاته:

وافته المنية عشية يوم الجمعة 21 شعبان سنة 1323ه، الموافق 1950م[11].

ثانيا: التعريف بالرسالة.

هي: جواب عن إشكال معهود قد يعترض المسلم عند مراقبة هلال رمضان؛ حينما تتعذر عليه الرؤية لسبب من الأسباب المشروعة؛ كالأسر، والغيم.

لذلك وسمت الرسالة بجواب مسألة:”من لا تمكنه رؤية الهلال، ولا العلم به في أول رمضان، ولا يمكنه أن يسأل غيره”.   

وتاريخ تأليفها: لم يذكر المؤلف تاريخ انتهائه من الرسالة، وإنما أخبر؛ أنه كاتبها.

واعتمدت في تحقيق هذا الجواب على النسخة المحفوظة بالخزانة الوطنية تحت رقم: 115ح، بخط مؤلفها رحمه الله. وهو في مجموع ص 291، مسطرته: 18، مقياسه: 22.5 17 سم. مكتوب بخط لا بأس به.

– النص المحقق:

الحمد لله، فما مقرر معلوم أن من لا تمكنه رؤية الهلال في أول رمضان، ولا يمكنه أن يسأل غيره، كأسير ومسجون وتاجر بأرض كفر، وهو يعرف الشهر الذي هو فيه. فالواجب في حقه أن يعمل على أن الشهور كلها كاملة، كما إذا توالى غيمها أشهرا كثيرة، فإن يكمل كل شهر ثلاثين يوما، وإن أمكنه شيء من ذلك عمل عليه، ابن عبد السلام: “ولا خلاف في هذين الوجهين”[12]، ابن الحاجب: “وأما الأسير ونحوه لا تمكنه رؤية ولا غيرها، فيكمل ثلاثين”[13] (ضيح)[14]، ونحو الأسير تاجر في بلاد العدو.

وفي المختصر: “ومن لا تمكنه رؤية ولا غيرها كأسير: كمل الشهور”[15].

الزرقاني: “وتاجر بأرض كفر”[16].

وعبارة السنهوري: “وتاجر بأرض الحرب”[17].

 المواق: “ابن بشير: لا شك أن الأسير إذا كان مطلقا أنه يبنى على الرؤية أو العدد، وإن كان في مهواة لا يمكنه التوصل إلى الرؤية بنى على العدد، فأكمل كل شهر ثلاثين يوما ه”[18].

وعبارة الأمير في مجموعه: “ومن لا تمكنه رؤية ولا استخبار كمل الشهور”[19].

الشيخ الحجازي في حاشيته على شرح المجموع المذكور، “أي: بنى في صيامه بعينه على أن الشهور كلها كاملة، قاله ابن بشير، وغير واحد من شيوخ المذهب، وصرح ابن عبد السلام بعدم الخلاف فيه ه”[20].

وفي حاشية الصاوي على شرح أقرب المسالك: “من لا تمكنه رؤية الهلال ولا غيرها  كأسير ومسجون كمل الشهور كالغيم ه”[21].

ثم بعد ذلك يعمل على ما ثبت في البلاد الغير البعيدة جدا، فيكمل في الصورة المسئول عنها شعبان ثلاثين يوما آخرها يوم الأربعاء، ويبتدئ صوم رمضان من يوم الخميس، وحيث ثبت أن شعبان خرج ناقصا، وأن أول رمضان يوم الأربعاء، فيكمل رمضان أيضا ثلاثين يوما، فيكون يوم الجمعة يوم العيد، ويقضي يوم الأربعاء، وهذا مما لا يرتاب فيه والله الموفق.

قاله وكتبه العبيد الفقير المذنب الحقير الجاهل القصير جعفر بن إدريس لطف الله به ومنحه دار التهان.

 خاتمة

وفي الختام، يمكن القول إن جواب جعفر الكتاني الذي موضوع الدارسة مهم في بابه؛ إذ يعرض لنازلة استعصاء رؤية الهلال، وهي نازلة متجددة في كل العصور والأمصار، تحتاج إلى بيان فقهي يرفع الحرج عن المكلفين، وقد بين المؤلف أحوال من غمت عليهم الرؤية، مع عرضه لأقوال فقهاء المالكية في المسألة الذين قدموا أجوبة معقولة تراعي حال المكلفين، استنادا إلى قاعدة: “المشقة تجلب التيسير”[22].

*************************

هوامش المقال:

[1] – هو: الفقيه النحرير أبو عبد الله محمد بن الحسن الحجوي، من علماء المغرب المرموقين، له مشاركات علمية نفيسة في مختلف علوم الشريعة؛ كالفقه والحديث والسيرة النبوية…ومن مؤلفاته: الفكر السامي، الدفاع عن الصحيحين، التعاضد المتين بين العقل والعلم والدين، توفي رحمه الله تعالى سنة 1376ه. الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، 2/ 307، 375، الأعلام، 6 /96، إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع، 2 /560.  

[2]شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، 1 /615. فهرس الفهارس، 1/ 300. الأعلام، 2 /122. إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع، 1 /365.

[3]  – فهرس الفهارس، 1 /300 .الأعلام، 2/ 122.

[4]شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، 1 /615.

[5] – الأعلام، 3 /303.

[6]شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، 1 /615.

[7]شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، 1 /615.

[8]الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، 2/ 368.

[9] – فهرس الفهارس، 1/ 186.

[10] – إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع، 1 /365.

[11]شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، 1 /615. فهرس الفهارس، 1 /186. الأعلام، 2 /122. إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع، 1/ 365. معجم المطبوعات العربية والمعربة، 2/ 1545. الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، 2 /368.   

[12] –  قول ابن عبد السلام: “وهذا كله لا خلاف فيه ما لم يؤد إلى لبس”،  تنبيه الطالب لفهم ألفاظ جامع الأمهات لابن الحاجب، 2 /308.

[13]التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب، 2 /394.

[14] – رمز كتاب التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب.

[15] – مختصر خليل، ص61.

[16]شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني، 2/ 356.

[17] – تيسير الملك الجليل لجمع الشروح وحواشي خليل، 2 /636.

[18]التاج والإكليل لمختصر خليل، 3 /334.

[19] – ضوء الشموع شرح المجموع في الفقه المالكي بحاشية: حجازي العدوي المالكي، 1 /638.

[20] – المرجع السابق، 1 /638.

[21] – بلغة السالك لأقرب المسالك المعروف، 6 /686. الأعلام، 2 /122.

[22] – الأشباه والنظائر للسبكي، 1 /49. الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص64.

****************

لائحة المصادر والمراجع:

  1. إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع، عبد السلام ابن سودة، تحقيق محمد حجي، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الأولى1417هـ-1997م.
  2. الأشباه والنظائر، عبد الوهاب السبكي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود- علي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة: الأولى، 1411هـ – 1991م.
  3. الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنفية النعمان، زين الدين بن نجيم، اعتنى به زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، الطبعة: الأولى، 1419هـ – 1999م.
  4. الأعلام، خير الدين الزركلي، الناشر: دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر 2002م.
  5. بلغة السالك لأقرب المسالك المعروف، أحمد الخلوتي الصاوي، الناشر: دار المعارف.
  6. التاج والإكليل لمختصر خليل، محمد المواق، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1416هـ-1994م.
  7. تنبيه الطالب لفهم ألفاظ جامع الأمهات لابن الحاجب، محمد بن عبد السلام الهوراي، تحقيق: المحجوب إبراهيم محمد الزنقيري، الناشر: دار ابن حزم، بيروت-لبنان، الطبعة: الأولى 1440هـ-2018م.
  8. التوضيح في شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب، خليل بن إسحاق، تحقيق: أحمد بن عبد الكريم نجيب، الناشر: مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث الطبعة: الأولى، 1429هـ-2008م.
  9. تيسير الملك الجليل لجمع الشروح وحواشي خليل، تحقيق: عبد المحسن العتال، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، سنة النشر 2019م.
  10. شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، محمد ابن سالم مخلوف، علق عليه: عبد المجيد خيالي، الناشر: دار الكتب العلمية، لبنان الطبعة: الأولى، 1424هـ-2003م.
  11. شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني، عبد الباقي الزرقاني، ضبطه وصححه وخرج آياته: عبد السلام محمد أمين الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت– لبنان، الطبعة: الأولى، 1422هـ-2002م.
  12. ضوء الشموع شرح المجموع في الفقه المالكي بحاشية: حجازي العدوي المالكي، محمد الأمير المالكي، تحقيق: محمد محمود ولد محمد الأمين المسومي، الناشر: دار يوسف بن تاشفين-مكتبة الإمام مالك، موريتانيا–نواكشوط، الطبعة: الأولى، 1426هـ -2005م.
  13. الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي،  محمد بن الحسن الحجوي، الناشر: دار الكتب العلمية -بيروت-لبنان، الطبعة: الأولى 1416هـ- 1995م.
  14. فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، محمد عبد الحي الكتاني، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار الغرب الإسلامي-بيروت، الطبعة: الثانية، 1982م.
  15. مختصر خليل، خليل بن إسحاق، تحقيق: أحمد جاد، الناشر: دار الحديث /القاهرة، الطبعة: الأولى، 1426هـ/2005م.
  16. معجم المطبوعات العربية والمعربة، يوسف سركيس، الناشر: مطبعة سركيس-مصر، 1346ه- 1928م.

راجع المقال الباحثة: خديجة ابوري، والباحث: يوسف أزهار.

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق