مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

دور علماء القرويين في مقاومة الاستعمار8

  الدكتور سعيد المغناوي

أستاذ التعليم العالي كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس سايس

 

  لقد كانت القرويين نقطة التقاء هامة، هيأت فرصة ارتباط بعض العلماء المصلحين بالحركة الإصلاحية وارتباط الطلبة الذين كانوا يدرسون في القرويين من مختلف أنحاء المغرب بهذه الحركة التي تحولت إلى حركة وطنية[1]، كان هدف العلماء المنخرطين فيها هو مقاومة المخططات الاستعمارية بالدرجة الأولى.

         خذ على سبيل المثال ما فعلوه عند صدور الظهير البربري سنة 1930م. لقد كان لهم دور هام في مقاومته. فقد أدركوا تمام الإدراك أن المستعمر يستهدف من ورائه تقسيم الشعب المغربي إلى عرب وبربر، وإلى عزل سكان المناطق البربرية عن إخوانهم سكان الحواضر، وتوجيه السياسة إلى المناطق البربرية وجهة خاصة من شأنها أن تعزلهم عن مجموع الأمة، سواء من حيث التعليم والتثقيف واللغة، أو من حيث الأحكام والقوانين والتشريع. بل قل إنهم كانوا على يقين تام أن التخطيط الاستعماري كان يرمي أساسا إلى عزل البربر عن حظيرة الإسلام، باعتبار أن الإسلام هو عامل الوحدة بين أفراد الأمة[2].

         وبعد أن شاع بين الناس مضمن الظهير البربري وما يهدف إليه، تجمع الناس بمسجد القرويين يوم 4/7/1930م، وكان يوما مشهودا حضره جم غفير من الناس على اختلاف الطبقات من الشرفاء والعلماء والتجار والأعيان وسائر أفراد الشعب[3].

         وبمجرد أن سلم الإمام بالمحراب، افتتح الحاج العربي بوعياد – رحمه الله- قراءة اللطيف فتبعه بقية الحاضرين، واستمرت التجمعات متوالية بالجامع إلى نهاية يوم 17/7/1930.[4]

         وفي يوم 18/7/1930م اشتد الحماس بالناس وبلغ أوجه فألقيت الخطب، فخطب بجامع القرويين تحت الثريا الكبرى الشريف سيدي عبد السلام بن إبراهيم الوزاني، وتوجه الجمع بعد ذلك إلى الضريح الإدريسي حيث خطب السيد محمد بن نافع الصفريوي. وما إن انتهت خطبته حتى خرج المتظاهرون منه توا إلى مسجد الرصيف، ومنه خرجوا متظاهرين في الطرق[5].

         وتوجهت المظاهرة إلى منزل رئيس المجلس العلمي للاحتجاج، ثم إلى مقر الباشا “ابن البغدادي” (حاكم المدينة) وهناك طلب من المتظاهرين أن يعينوا وفدا منهم للمحادثة مع الباشا، فاعتقل الباشا الوفد وجلد أفراده وعذبوا ثم سجنوا، ثم اعتقل بعد ذلك جماعة أخرى من الشباب في مقدمتهم الأستاذ علال الفاسي.[6]

        وفي يوم 29/7/1930م اجتمع ممثلو الرأي العام في فاس ، وكونوا وفدا من سبعة عشر عضوا ليفاوض نائب الجينرال بيتان حاكم ناحية فاس من أجل الإفراج عن المعتقلين ورفع الحصار عن المدينة، وكانت الإدارة تطلب في مقابل ذلك إيقاف المظاهرات وإيقاف قراءة اللطيف[7].

         وفي يوم 7/8/1930م شاع لبس العمامة والدعوة لها تأييدا لفكرة المظاهرة[8].

        وفي يوم 8/8/1930م أدى صلاة الجمعة بالقرويين نحو تسعة آلاف نفر تأييدا للمظاهرة وقراءة اللطيف كالأيام السابقة[9].

        وفي يوم 11/8/1930م قرئ الكتاب السلطاني بالقرويين بعد صلاة العصر يدعو فيه إلى الهدوء وعدم اتخاذ مساجد الله للمظاهرات[10].

        وفي يوم 13/8/1930م توقفت المظاهرات والتجمعات بالمساجد لقراءة اللطيف استعدادا لانتخاب الوفد الذي سيذهب إلى الرباط لمقابلة الملك يحمل إليه عريضة بمطالب المواطنين[11].

 

دراسات فاسية، للدكتور سعيد المغناوي، ص26 وما يليها، الطبعة الأولى 1424هـ-2003م. مطبعة آنفو – برينت. فاس.

 

 


[1] – عبد الكريم غلاب: تاريخ الحركة الوطنية المغربية، ص 47.

[2] – أبو بكر القادري: قصة النهضة، ص19.

[3] – الحسن بوعياد: الحركة الوطنية والظهير البربري، ص14.

[4] – نفسه، ص14.

[5] – نفسه ، ص14.

[6] – عبد الكريم غلاب: تاريخ الحركة الوطنية المغربية، ص 73.

[7] – نفسه ، ص 74.

[8] – الحسن بوعياد: الحركة الوطنية والظهير البربري، ص18.

[9] – نفسه ، ص18

[10] – نفسه ، ص18.

[11] – نفسه ، ص18.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق