مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات وأبحاثدراسات عامة

دور النساء في الإصلاح في عصر الرسالة

نادية الشرقاوي

علَّمنا نبي الإسلام أن “النساء شقائق الرجال”[1] وأن ” خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”[2] وأن “من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كنَّ له سترا من النار”[3]، ولم يلغ دين الإسلام المرأة بل اعتبرها نصف الأمة، بل هي بمنزلة القلب منها فإذا صلحت صلحت الأمة، وإذا فسدت فسدت الأمة.

وعلى ذلك كانت مكانة المرأة المسلمة متميزة داخل أسرتها وداخل المجتمع، فكرَّم الإسلام المرأة وليدة وفتاة، زوجا وأما، أختا وبنتا..

كما ذكر القرآن عددا من النساء كان لهن دور بارز في تاريخ البشرية مثل: حواء وأم موسى وأخته وزوجة فرعون وملكة سبأ ومريم أم المسيح عليه السلام، ونزلت آيات من القرآن في عدد من النساء، إلى جانب إفراده سبحانه وتعالى سورتين للنساء هما: سورة النساء وسورة الطلاق التي تسمى سورة النساء الصغرى.

وقد بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام مرات عديدة أن المسؤولية ملقاة ليست على عاتق الرجل فحسب بل النساء هن كذلك شريكات في أدائها، فقال عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه قوله تعالى:”… يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد رسول الله، سليني بما شئتي، لا أغني عنك من الله شيئا”[4].

ولمَّا كانت مدرسة النبوة تجسيدا للمنهج القرآني في تحرير النساء من قبضة الجاهلية،  أصبحت النساء في عصر الرسالة واعيات بهذا الوضع الجديد، فسعين بكل جهودهن لبناء مجتمع جديد يتحقق فيه إسعاد النوع الإنساني ذكرا كان أم أنثى، بتطبيق المبادئ السامية التي جاء الإسلام من أجلها، وانطلقن إلى جانب الرجل في عملية الإصلاح الاجتماعي والسياسي والفكري الذي حملته الدعوة الإسلامية، فأخذت النساء مكانهن الطبيعي وأصبحن جزءا لا يتجزأ من المجتمع الإسلامي، فمنهن من ضحَّت بحياتها واستشهدت نصرة لدين الإسلام فكان أول شهيد في الإسلام امرأة وهي سمية بنت خياط زوجة ياسر رضي الله عنهم، ومنهن من ساندت الدعوة بمالها، ومنهن من هاجرت إلى جانب إخوانها الرجال في هجرة الحبشة مرتين، ومنهن من بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهن من شاركت في الغزوات لتطبيب الجرحى وإيقاد الحماسة في صدور الفرسان، ومنهن من روت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ الرجال عنها…

وعلى رأس هؤلاء النساء نذكر أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها فقد هيأت للنبي عليه الصلاة والسلام بيتا هانئا قبل بعثته، وأعانته على التأمل في غار حراء، وكانت أول من آمن به عندما دعا إلى ربه، وكانت خير من واساه بالنفس والمال… كما كانت تثبت قلبه وتُأيد أمره، ولم تتردد رضي الله عنها في الوقوف إلى جانبه عليه الصلاة والسلام في عام المقاطعة التي فرضتها قريش على النبي عليه السلام وأتباعه بإخراجهم من مكة إلى شعابها، يقول عنها النبي صلى الله عليه وسلم:”آمنت بي إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذَّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمنى الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد الناس”[5]، كما بشرها جبريل عليه السلام في حياتها عندما آتى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال:” يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام وطعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب”[6].

وإلى جانب السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، نذكر المرأتين اللتين شاركتا الرجال في حدث مهم في بناء الدولة الإسلامية وهما: أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية، وأم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي الأنصارية، وهذا الحدث هو بيعة العقبة، وفي هذا يقول محمد عمارة:”وفي بيعة العقبة التي مثلت “الجمعية التأسيسية لإقامة الدولة الإسلامية الأولى” شاركت المرأة الرجال في إبرام التعاقد الدستوري والعقد الاجتماعي بإقامة الدولة”[7].

ولما كانت الهجرة تحولا سياسيا ضروريا في مسار الدعوة الإسلامية، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم بأن يفروا بدينهم إلى مكان آمن، وهو الحبشة، فكانت النساء أيضا مشاركات في هذا التحول، مدافعات عن الدين الإسلامي وعن العقيدة الصحيحة، ففي الهجرة الأولى إلى الحبشة خرجت أربع نسوة، وفي الهجرة الثانية خرجت خمس وعشرون مهاجرة[8]، وكان من بينهن: أم المؤمنين سودة بنت زمعة وأم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان.

وفي أخطر التحولات التي غيرت مجرى الدعوة الإسلامية وهي هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة، كان أحد الأطراف الذي حفظ السر وساعد النبي في الخروج أسماء بنت أبي بكر وعرفت بعد هذا الحدث المهم بـ“ذات النطاقين“.

وفي يوم خيبر، خرجت جماعة من نساء المؤمنين إلى ميدان القتال، فبلغ خروجهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهن، وسألهن:”مع من خرجتن؟” فقلن: يا رسول الله، خرجنا نغزل الشَّعَر، ونعين به في سبيل الله، ومعنا دواء للجرحى، ونُناول السِّهام، ونسقي السويق، فقال:”قمن” حتى إذا فتح الله عليه خيبر أسْهَم لنا كما أسْهم للرجال”[9].

ومن المواقف التي يشهد لها التاريخ للنساء في عصر الرسالة موقف أسماء بنت اليزيد الأنصارية رضي الله عنها الملقبة بـ“خطيبة النساء” فقد أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه، فقالت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، إن الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك، وإنا معشر النساء، محصورات مقصورات قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل، وإن الرجل إذا خرج حاجا أو معتمرا أو مجاهدا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا أثوابكم وربينا لكم أولادكم، أفما نشارككم في هذا الأجر والخير، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال:”هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها، فقال:” افهمي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله”، فانصرفت المرأة وهي تهلل[10]هذه بعض الأمثلة من واقع النساء في التجربة الإسلامية في عصر الرسالة بقيادة النبي عليه الصلاة والسلام، تُبرز الوجود النسائي إلى جانب الرجل في خدمة الدعوة وحمل هموم الأمة والمشاركة الفعالة حتى في الأمور السياسية الحساسة.

فلم يكن دور النساء محصورا في المحيط الداخلي وهو الأسرة، بل تعدى ذلك إلى المحيط الخارجي وهو المجتمع، تطبيقا لقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[11].

 نشر بتاريخ 28/05/2012


[1] سنن الترمذي، كتاب الطهارة، حديث رقم 113.

[2] سنن ابن ماجة، كتاب النكاح، باب حسن معاشرة النساء، حديث رقم 1977.

[3] مسند الإمام أحمد، رقم الحديث: 24804.

[4] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، 206305.

[5] صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، رقم الحديث: 2437، مسند الإمام أحمد: كتاب باقي مسند الأنصار: 6/118.

[6] صحيح البخاري، كتاب المناقب، رقم الحديث: 3610.

[7] “تحرير المرأة بين الغرب والإسلام” محمد عمارة، سلسلة إ‘ن أريد إلا الإصلاح ما استطعت 9، مكتبة الإمام البخاري للنشر والتوزيع، الصفحة: 26.

[8] يمكن الرجوع إلى “دور المرأة السياسي في عهد النبي والخلفاء الراشدين” أسماء محمد أحمد زيادة، دار السلام، الطبعة الأولى 1421هـ/2001م، صفحة: 135.

[9] رواه أبو داود عن حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه، سنن أبي داود ، كتاب الجهاد، 2729.

[10] “أسد الغابة” لأبي الحسن الشيباني، تحقيق عادل أحمد الرفاعي، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى:1996م، الجزء السابع، الصفحة: 22.

[11] سورة التوبة، الآية:71.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق